57
054
053
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11853
05128
05030
04813
04545
0د. أحمد فرحات
الجانب النظري:
بتقدم الوعي والعلم أدرك المهتمون بالشأن الأدبي أهمية العتبات النصية، ودورها في قراءة النصوص قراءة تقترب من العلمية، أو تكاد. والعتبات النصية أو المناص كمصطلح نقدي تشهد نموا وتباينا في وسائل التوظيف. ويمتلك المناص وظائف عديدة. تكمن أهمية هذه العتبات كونها إحدى المكونات الأساسية للمصادر النقدية إذ تمنح المتلقي بوساطة التحليل والتأويل إمكانات مختلفة للقراءة، وتضيء مواطن الغموض.
هي ما يسمى بالنص الموازي أو النص المصاحب ترجمه محمد بنيس بالنص الموازي، ومختار حسني بالتوازي النصي، ومحمد الهادي المطوي بموازيي النص، وعبد العزيز شبل بالنص المحاذ، وسعيد يقطين بالمناص.
والمناص: بنية نصية متضمنة في النص، فضاء يشمل كل ما له علاقة بالنص من: عناوين رئيسة، وعناوين فرعية، وتداخل العناوين، ومقدمات، وذيول، وصور، والتنبيه، والتمهيد، والتقديم وكلمات الناشر، والتعليقات الخارجية .. إلخ.
المناص النشري: مناص النشر.
وهي كل الإنتاجات المناصية التي تعود مسؤوليتها للناشر في صناعة الكتاب وطباعته إذ تتمثل عند “جنيت” في: (الغلاف/ الجلادة/ كلمة الناشر/ الإشهار/ الحجم/ السلسلة) حيث تنقل مسؤولية هذا المناص على عاتق الناشر ومتعاونة (كتاب دار النشر، مديرون، السلاسل، الملاحق الصحافية)
ويضم هذا المناص قسمين هما: النص المحيط والنص الفوقي.
المناص التأليفي(مناص المؤلف):
يمثل كل الإنتاجات والمصاحبات الخطابية التي تعود مسؤوليتها إلى الكاتب، المؤلف حيث ينخرط فيها كل من (اسم الكاتب، العنوان الفرعي، الإهداء، الاستهلال .. ) وينقسم هو الآخر إلى: (النص المحيط والنص الفوقي)
النص المحيط:
هو ما يدور في فلك النص من اسم الكاتب، العنوان، العنوان الفرعي، الإهداء، الاستهلال..؛ أي كل ما يتعلق بالمظهر الخارجي للكتاب كالصورة المصاحبة للغلاف، كلمة الناشر في الصفحة الرابعة للغلاف وتندرج تحته نصوص أخرى.
النص الفوقي:
ويندرج تحته كل الخطابات الموجودة خارج الكتاب، فتكون متعلقة بالاستجوابات، المرسلات الخاصة والتعليقات، والمؤتمرات، والندوات .. وتنحصر في الفصول المتبقية من كتاب “عتبات”.
النص الفوقي العام:
ويتمثل في اللقاءات الصحافية والإذاعية والتليفزيونية التي تُجرى مع الكاتب وكذلك المناقشات والندوات التي تعقد حول أعماله إلى جانب التعليقات الذاتية التي تكون من طرف الكاتب نفسه حول كتبه.
النص الفوقي الخاص:
ويندرج تحته كل المراسلات والمسارات والمذكرات الحميمة والنص القبلي. لذا يرى “جنيت” أن كلا من النص المحيط والنص الفوقي شكلان في تعلقهما حقلا فضائيا للمناص عامة.
بإيجاز؛ العتبات هي مجموع الملحقات أو المكملات المتممة لنسيج النص الدال؛ ذلك لأنها خطابا قائما بذاته له ضوابطه وقوانينه التي تفضي بالقارئ إلى القراءة والتذوق.
كما يطلق عليها أيضا النص المصاحب أو النص الموازي المجاور للنص الأصلي والذي يعني مجموع النصوص التي تحيط بالمتن من جميع جوانبه.
الجانب التطبيقي:
رواية الشبورة للسعودي أحمد الشدوي الصادرة عن دار المناهل للطباعة والنشر، بيروت. 2013م. تأخذنا في افتتاحيتها إلى سوريا ثم لبنان حيث دارت الدنيا بمؤلفها حاملا مذكراته عن رحلة قام بها إلى القاهرة منذ زمن بعيد ويريد نشرها. فطلب من الكاتب أحمد الشدوي إعادة صياغتها دون تحريف ونشرها. وفي الفندق فتح أوراق المذكرات وقرأها وهاهو ينشرها نيابة عن صاحبها.
العنوان الرئيس: الشبورة.
الغلاف: أسود اللون يعلوه اسم الروائي أحمد الشدوي، وفي الوسط العنوان باللون الأصفر، وبخط عريض، وتحت العنوان التجنيس الأدبي رواية باللون الأبيض. والغلاف الأسود تتخلله صورة لسحاب أبيض خفيف يعبر عن الدلالة المكتوبة، وتبدو في الخلفية القاتمة صورة لمبان تكاد تكون ظاهرة من وراء شبورة خفيفة تختفي وتظهر في آن واحد، من خلال الشبورة البادية على سطح الصورة الكلية.
واستنادا إلى العتبة الكبرى وهي العنوان الرئيس (الشبورة) يتيح لنا العنوان فهما مسبقا للرواية، فنجد الروائي يتناول الفصلين الأولين تأسيسا للعمل الروائي برمته، الرواية في مجملها ثلاثون فصلا، تبدأ بالترقيم المتتابع (1-2-3..) فتبدأ بعتبة فرعية صغرى كبديل للمقدمة التي يمكن أن يقدم بها الروائي عمله، تبتدئ بقول مقتبس من كتاب سوسيلوجيا الخطاب، وربما هذا يلخص العمل الروائي كله،إذ يقول: إظهار ما هو ظاهر، وهو غير ظاهر، لا لكونه مختفيا، بل لكونه ظاهرا بإفراط على سطح الأشياء.
في الفصل الرابع عنوان فرعي “إن طوبوغرافية ألعاب الصدفة والتنافس والاستراتيجية صالحة للتحليل بين الثقافات”. مقالات للدكتور أبو بكر باقادر. وفي الفصل السادس من الرواية ينقل عنوانا لإميل سيوران: “لو نتصور حبا أكثر من ربيع، أحزنه تناكح الزهور فأخذ يبكي عند عروقها”. وفي الفصل السابع للكاتب نفسه: “ثمة راهب وجزار يتحاربان داخل كل رغبة”…إلخ.
ونلحظ في الثلاثين فصلا للرواية أن العناوين الفرعية لم تكن مطردة بل جاءت في بعض الفصول وبعضها الآخر لم تكن. كما نلحظ كثرة المنقول وطوله نسبيا مما يشي بالتثاقف الواضح، وكأن الكاتب يعرض على القارئ كثرة نقولاته، صحيح أنها ربما تخدم الحدث الدرامي للرواية ولكن في كثرتها وطولها النسي ما قد يضر بالبناء الفني ونفور القارئ عن المتابعة والتواصل.
كما نلحظ في بعض الفصول تبدأ بتقنية العتبة النصية المنقولة عن أقوال الأدباء والشعراء والكُتاب للتدليل على مرجعية الكاتب الثقافية، وإضفاء نوع من الإرهاص الضمني على دلالية الفصل المقروء. ففي الفصل الثالث –مثلا- ينقل قول مارسيل روبي: الإنسان فقط يستطيع أن يحلل أفكاره الذاتية، وأن يكون في مخيلته فرضيات، إن تقدم نوعًا من البيولوجية هائلًا مذهلا، ولا شيء كما يبدو يجب أن يوقف هذه الحركة إلى الأمام. وهذا الأمر ليس مطردا فهو يختار بعض الفصول ويضع لها عتبات صغرى، وبعضها الآخر لا يستخدم هذه التقنية. وفي الفصل الأول يتخذ من تقنية السرد العجائبي أو الفنتازي كوسيلة فنية حول أهم شخصيات الرواية غرابة، فهو اسم مجرد من الأبوة والأمومة، مجهول الهوية، اسمه غالب على سبيل الظن وليس اليقين أيضا، لا يعرف له أب، ولا أم، ولا بلد محدد ينتمي إليه، قد التقى به الراوي في رحلته إلى سوريا، أثيرت حوله القصص والحكايات، فلا تكاد تقع على جملة واحدة محددة وواضحة، فكلها جمل متضاربة وأحيانا متناقضة، وكلها مقصودة من الكاتب، شخصية أشبه بالجبلاوي في أولاد حارتنا، وهذا ما جعل الفصل الأول يدور حول تحديد ملامح هذه الشخصية غريبة الأطوار، منح الكاتب رزمة من الأوراق، هي مذكرات لرحلة له إلى القاهرة، وطلب منه نشرها دون إضافة أو حذف. وبذلك يفلت الكاتب من مسألة الراوي المباشر، مكتفيا بالراوي غير المباشر.
الشبورة ميتا رواية:
الميتا رواية هي مظهر من مظاهر حديث الفن عن نفسه إذ لا يكتفي الفن بالحديث عن الحياة، ولكنه يتحدث عن نفسه، وعن ظروف إنتاجه، ومعاناة منتجه، وهنا نجد الميتالغة: لغة عن لغة. والميتانص: نص عن نص، والميتارواية: رواية عن رواية، أو تعليق على الرواية، وهي مصطلحات مختلفة لمفهوم واحد. وبتأثير من ذلك وجدنا قد فرق بين القصة القصيرة والرواية، على طريقته، وهذه العملية بمثابة تسريبات نقدية داخل عمله الروائي تعني قيامه بدور المبدع والناقد معا دون انفصال. كما فرق بين الصورة الواقعية والصورة الفنية،وهما مصطلحان نقديان خالصان، فما يستحيل حدوثه في الواقع لا يستحيل حدوثه في العمل الفني. كما استدعت هذه التسريبات النقدية الإشارة إلى بعض أقوال الشعراء والأدباء والفلاسفة الكبار بغية تعشيب النص الروائي بأقوالهم، كما حدث مع المنفلوطي في رواية التاج أو للكاتب الأصلي الذي كتبها، تقول البطلة لعشيقها: أنت حياتي التي لا حياة لي بدونها. كنت أقولها كلما مرت ذكراك في خيالي، عليك أن لا ترتعب فأنا لا أقصد ما نعنيه الجملة، لكني أقصد السنتين اللتين عشناهما معا..ص 98. أو كما أشار إلى عبد الله العروي: إن ثقافة عصر النهضة العربية هي ثقافة تمتّع. ص 102. كما أشار إلى هايدغر في قوله: إن الحقيقة بوصفها كشفا دائما، صدام الكشف التام لكل شيء، ولكل فرد، سوف يلغي الموجود في ذاته، ويعني التسطيح الكامل له، وأن ما يظهر في كل شيء سيكون هو الإرادة المسيطرة على الموجود. هذا بالضبط هو التسطيح لكل فكرة أو ثقافة. ص 106.
تجنح الرواية إلى لغة عامة وأخرى خاصة، تتمثل هذه اللغة العامة في الاقتراب من لغة الحياة اليومية مع الحفاظ على فصاحتها، أما اللغة الخاصة فتتمثل في انتقاء لغة اللهجات العربية داخل الجزيرة العربية وخارجها، مما يعطي الرواية صبغة عربية شاملة لفصولها. فكلمة الباطرمة تعني الأريكة في لهجة أهل الحجاز. وكلمة (دبق) تعني مادة لاصقة كالغراء يصطاد بها الطير، وكلمة(الدغل) تعني الشجر الكثيف الملتف. وكلمة(جفاصة) تعني قلة الذوق. وأحيانا يتكئ على بعض الأمثال لأهل الشام مثل(بق البحصة) وهو مثل سوري يعني كشف المستور وإخراج ما كان مكتوما في الصدور. ناهيك عن استخدام بعض المفردات العامية التي جاءت انتقاء وتميزا لأهل القاهرة، أو أهل جدة، أو أهل سوريا والأردن.
تمتلك الشبورة قدرة فائقة على كشف أسرار المجتمع المدني عامة، لاسيما المجتمعات العربية، التي تعاني انفصاما في شخصيتها، فتظهر بعض الشخصيات في مكان ما بصورة تتناقض مع ظهورها في مكان آخر، للشخصية ذاتها، تتشكل حسب الأحوال والظروف التي تحيط بها، فهي مثلا في جدة ومكة غير ما تراها عليه في القاهرة، أو أي قطر آخر من أقطارنا العربية، مما جعل الرواية تنتقد هذه المظاهر الزائفة كفتوى زواج المصايف. فيقول: يشتد غيظي من فتاوى زواج المصايف، غير أني لم أتصوره معرضا متكاملا تواطأ أناس سفلة خارج القاهرة وداخلها لإتمامه والاحتفاء به. فيما بعد عرفت أن الحوامدية ليست بدعا من أماكن أخرى داخل مصر في دول عدة حتى في السعودية، وبصور مختلفة. ص33. ومن هنا جاءت العتبة الكبرى لتعبر عن مضمون العمل الروائي برمته.
أما الرواية فقد جاءت بدون تقديم ولا إهداء بطريقة مباشرة لكن المؤلف راح يعبر عن مراميه وأهدافه من خلال اللقاءات والندوات التي عقدت احتفاء بها. فقال عنها : “رسالة الرواية هي إدانة الشعارات الزائفة التي يتغنى بها البعض في وطننا العربي، وتأتي ممارستهم مخالفة لهذه الشعارات، وفضح هذا التناقض بين الظاهر والباطن، الذي يتضح أكثر في ظاهرة زواج المسيار الذي تدور حوله الرواية، فيحرمه البعض في الظاهر ويمارسه في الباطن، وتكون ضحاياه بنات الطبقات الفقيرة والمهمشات، وما ينجم عن هذه الظاهرة من كوارث تهدد نسيج المجتمع”.
التعليقات