301
0241
0158
0761
0752
041
026
055
051
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11913
06270
06219
05991
05132
5*النقد الجمالي هو نقطة الانطلاق ونقطة الوصول
د. نهى العويضي*
البحث عن الجمال هو بداية النقد ومنتصفه ونهايته، استنتجت هذه الفرضية بعد معرفتي بأنواع النقد من حيث الفئات فهناك نقد الشعر ونقد السرد ونقد الفنون التشكيلية ونقد المعمار ونقد الموسيقى ونقد الأفلام. ولعل موضوع الجمال هو في الحقيقة متأصل في كل أنواع النقد ومساراته هو العنصر المشترك بينهم. وجاءت هذه المقالة لتعزز اعتقادي بأن في أي مسار من مسارات النقد يبدأ الناقد بالبحث عن الجماليات وينتهي بذلك، فلم تعد مهمة الناقد إطلاق الأحكام على جودة الأعمال الفنية أو البحث عن السلبيات لمجرد النقد، بل تكثيف ابراز الجماليات والبحث عنها.
نرى نقطة التحول في دور النقد تبرز عند الانتقال من القرن العشرين الى الواحد والعشرين. فنجد روز غريب تعرف النقد الجمالي في رسالة الماجستير التي قدمتها عام 1952م بأنه “نقد للفن يعنى بدرس الأثر الفني من حيث مزاياه الذاتية ومواطن الحسن فيه بقطع النظر عن البيئة والعصر والتاريخ … وهو يفترض للجمال أصولا أو قواعد تجمعت على العصور …”[1](ص 5) هنا حددت روز أصول وقواعد للجمال بمعنى معايير وعليها تستطيع أن تطلق الاحكام على الأعمال.
ويأتي في ثمانينيات القرن العشرين منصور عبدالرحمن بكتابه: معايير الحكم الجمالي في النقد الأدبي، الصادر في عام 1981م وهو من العنوان ينادي بإطلاق الأحكام على الأعمال، ويقول “الفن الأدبي- كغيره من الفنون- ظاهرة إنسانية تمر بمراحل إلى أن تنتهي بعملية التقويم وإصدار الحكم، وهي تحتم إيجاد معايير تكشف عن مدى ما يتوافر في العمل الأدبي من قيم، وما ينطوي عليه من الخبرة الجمالية.”(ص 374) ومن خلال بحثه يستنتج أن الظاهرة الجمالية أعظم المتناقضات في حياة الانسان، والتي ظلت الإنسانية من خلال الفكر الفلسفي والأدبي تبحث عن معايير موضوعية يقاس بها الجمال.
ثم يأتي بعد ذلك منظور آخر لتنبي الجمال وفهمه. نستطيع القول إنها فلسفة جديدة تتعامل مع الجمال للجمال وتستمع برحلة تتبع الظواهر الجمالية عوضا عن التركيز على الوصول الى نقطة المرحلة الأخيرة وهي اطلاق الأحكام. تبدأ هذه الفلسفة في القرن الواحد العشرين مع كتاب أميرة حلمي مطر في طبعته الرابعة الصادرة عام 2013م بعنوان: مدخل إلى علم الجمال وفلسفة الفن. فتقول أميرة “علم الجمال أو الاستطيقا يعنى بالنظريات الفلسفية التي تفسر تطور وتبدل النظرة إلى علم الجمال، فالإنسان يحكم بالجمال على ما يحبه وما يعجبه سواء في الحياة أو الطبيعة، ولكن هذه الأحكام تتحول بفعل الإبداع الى تعبير ينطوي على إدراك خاص بفعل شعور وانفعال وخيال” (ص 7)
فعلم الجمال المعاصر يعطي للأشياء (طبيعية كانت أو مصنوعة) أهمية من خلال التعبير عنها. في هذا الموضوع يقول الفرنسي شارل لولا أحد كبار المفكرين في علم الجمال “إن الطبيعة ليس لها قيمة جمالية إلا عندما تنظر إليها من خلال فن من الفنون، أو عندما تكون ترجمت إلى لغة أو إلى أعمال أبدعتها عقلية أو شكلها فن وتقنية.” فالموضوع الفني سواء كان كيانا طبيعيا او منتج إنساني يشار إليه بالعمل الفني (Artistic) ولكن تذوق الجمال في شيء ما والتعبير عنه لفظيا أو مشاعريًا أو صوتيا يشار اليه بعلم الجمال أو الاستطيقا (Aesthetic)وهو المصطلح الذي ظهر في القرن الثامن عشر على يد الفيلسوف الألماني الكسندر بومجارتن الذي قسم العلوم الأساسية المهتمة بفهم نفس الإنسان الى: علم المنطق (تفكير فلسفي يدور حول العقل وموضوعه البحث عن الحق)؛ وعلم الاخلاق (تفكير فلسفي يدور حول الأفعال وموضوعه البحث عن الخير)؛ علم الجمال (تفكير فلسفي يدور حول الوجدان وموضوعه البحث عن الجمال).
ولكن لم يقدر للمنطق الذي وضعه بومجارتن أن يحتل مكانته بجانب منطق الفكر الخالص، وهذه المحاولة لم تكفل للفن قيمة ذاتية حقيقية. حتى جاء الفيلسوف الألماني كانت ووضع أول برهان مقنع على استقلال الفن ذاتيا في كتابه المعنون: نقد الحكم. يؤكد كانت أن الجمال لا يرجع إلى الأشياء وإنما مصدره الذات. وقسم الاحكام لنوعين، وهي: الاحكام الجمالية (تنصب على جمال الطبيعة – تأملية)؛ والاحكام الغائية (تنصب على الغايات الواقعية او الموضوعية للطبيعة). إضافة لذلك حدد كانت أربعة قوانين للجمال: الكيف (يسرنا بدون منفعة)؛ والكم (اشتراك الجميع بالاتفاق على القيمة الجمالية)؛ الإضافة وتترجم أيضا بالجهة (الترابط بين الوسيلة والغاية)؛ القانون الأخير ذاتية الحكم وموضوعيته (الجميل هو ما يعترف له بهذه الصفة، يكفي الشعور بالرضا دون الحاجة إلى أفكار واقعية يتطلبها الحكم الموضوعي).
يلاحظ من مراجعة النظريات الجمالية أعلاه أنها لا تعد الجمال خاصية مباشرة في الأشياء المادية، وإنما هو يحوي بالضرورة علاقة ترابطية بالعقل الإنساني، أي أن حقيقة وجوده إنما هو في العقل المتأمل له، أي أنه ليس شيئا محسوسا وإما هو فعالية العقل.
ولكن هناك مفكرين يرون غير ذلك، فهم يميلون الى الافتراض المثالي المطلق واللامحدود للجمال. فهم يعتبرون الفن وجمالياته هبة من الآلهة. يحصل عليها المختارون ويحرم منها العامة من الناس. الفيلسوف الألماني هيجل لديه نظرته الميتافيزيقية للجمال فهو يتحدث عن الجمال المطلق، فالجمال هنا له وجود موضوعي مستقل عن الإنسان. ولكنه يصل لذلك الاستنتاج من خلال مراحل ثلاث تتفاوت فيها علاقة المادة بالفكرة. المرحلة الأولى: تكون السيطرة للمادة، تمنح صفة الجمال للأشياء الجليلة مثل المعابد والقبور، هنا ينتصر الشكل على المضمون. المثال المعبر عن هذه المرحلة الهندسة المعمارية. المرحلة لثانية: هي المرحلة الكلاسيكية، تتمثل في الفن اليوناني خصوصا النحت، فيها يتعادل الشكل والمضمون. المرحلة الثالثة: وهي المرحلة الرومانتيكية، وفيها يتغلب المضمون على الشكل. مثال ذلك تقدير الفن كفكرة ذهنية مثل الموسيقى والشعر. وأخيرا يقرر هيجل بأن مهمة الفن هي الكشف عن الحقيقة بشكل حسي ويحمل الفن غايته في ذاته في هذا التصوير، إذ ليس للغايات الأخرى كالوعظ والإرشاد أي علاقة بالمؤلف ولا تحدد مفهومه.
ومن هذا المفهوم تأثر الفيلسوف الإيطالي بندتو كروتشيه بهيجل. إذ يؤمن كروتشه بأن الفن يجب أن يكون مشكلا (على هيئة شكل محسوس) كي تتحول الاحكام الجمالية الى حدس ينتج لغة من الكلمات او الأصوات أو الصور الجميلة. فالنشاط الفني عند كروتشيه هو مجرد حدس الفنان ولا صله له بالاعتبارات الخارجية مثل الأخلاق والمنفعة. ويردف بأن من أخطر الأمور البحث عن غاية في الفن، فكل قيمة في الفن لا تعدو أن تكون في التعبير عن حدس الفنان ومن هنا تكون الحقيقة الجمالية شكل ولا شيء غير الشكل.
ثم جاءت الانطباعية. تأثر الرسام الفرنسي جوستاف كورييه بالفلسفة الوضعية التجريبية التي نادى بها أوجست كونت التي مفادها أن المعرفة المثمرة هي معرفة الحقائق وحدها، وأن العلوم التجريبية هي التي تمدنا بالمعارف اليقينية.” تماهيا مع هذا الفكر اتجهت الانطباعية الى رسم فلاحين وعمال وفاكهة وزهور بشكل طبيعي. تأمل الانطباعيون كل ما هو عادي حتى القبح، وأصبح المقياس لديهم هو صدق التجربة. وهكذا يحكم على العمل الفني في المدرسة الانطباعية من وجهة نظر ذاتية بحتة، وذلك من خلال الانطباعات الخاصة والمشاعر الشخصية للناقد التي يستمدها من العمل الفني ذاته.
تظهر كذلك آثار الفلسفة الوضعية التجريبية على الأدب. حيث يتبني أميل زولا المذهب الطبيعي الذي يوجه الكاتب في دراسته الفنية للمجتمع أن يتخذ مسلك العالم في معمله والطبيب في عيادته في تعامله مع نصوصه. من مقولات زولا الشهيرة: “إن عصرنا هو عصر العلم وينبغي للكاتب أن يطبق مكتشفات داروين وكلودبرتار مثل نظرية أصل الأنواع، والأثر الحاسم للبيئة، وقوانين الوراثة…” ويظهر تأثير هذه الفلسفة على أعمال فلوبير وعلى وجه الخصوص في (مدام بوفاري) باعتبارها كائن من نتاج الوراثة والبيئة، فليس بوسع الانسان الإفلات من مصيره وهذا ما حدث لمدام بوفاري التي سعت الى الفرار من الواقع الى عالم الأحلام والهستيريا الرومانسية.
وعلى نفس المنوال انطلق الفكر الماركسي في تعريف الجمال وفهمه. يقوم المبدأ الماركسي بتقسيم الحياة الاجتماعية إلى بنية تحتية مادية اقتصادية، وبنية عليا هي البناء الفكري (النظم السياسية والثقافية). وتكون العلاقة تبعية بين البنيتين، اذا نمت البنية التحتية نمى الجمال. التفسير الماركسي للجمال يعود في أصوله الى الواقعية المادية. ويعترف ماركس شخصيا بأنه يأخذ من نظرية هيجل ما يتفق مع اتجاهه الثوري ويترك ما يتصل بالميتافيزيقية. ويفسر الجمال في الفكر الماركسي من خلال تحليله وتناوله كظاهرة اجتماعية. واللذة الجمالية تحدث من صدق التصوير الفني للحياة. وعليه إذا تحسن العالم المادي سيتحسن الفن ويصبح أكثر جمالا.
يتضح فيما سبق اختلاف منظور رؤية الجمال الفني باختلاف الفلسفات التي تؤمن بها الشعوب باختلاف الزمكان والعقلية المسيطرة آنذاك. ولاختلاف معايير الحكم الجمالي ولاختلاف تعاريف الجمال على سراط الوعي البشري من قديمه لحديثه، فعلى الناقد الجمالي ألا يجعل نصب عينيه الوصول الى حكم وتقييم، فقط يستمتع بالتحليل وإظهار شواهد الجماليات أثناء الرحلة.
…………..
[1] النقد الجمالي وأثره في النقد العربي ، رسالة ماجستير، جامعة بيروت 1952
*أستاذ الترجمة المساعد في الجامعة السعودية الالكترونية
التعليقات