مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

وفاء عمر بن صديق* منذ صغري يغمرني هذا الإحساس _بأنكِ مختلفة_ عندما أرى طرب السحا …

شيء ما

منذ شهر واحد

110

0

وفاء عمر بن صديق*

منذ صغري يغمرني هذا الإحساس _بأنكِ مختلفة_ عندما أرى طرب السحاب أثناء معانقتكِ له، ولهفته لإروائكِ بمطره، وابتسامة الشمس لكِ على أمل أن تفوز بنظرة إعجاب منكِ، وأُنس القمر بقربكِ في لياليه الباردة، كبرياؤكِ اللافت، وشموخكِ الآسر، لا مبالاتكِ بمن حولكِ، يقينكِ بفرادتكِ عنهم جميعًا، كيف لا؟ وأنتِ الأثيرة عند الجدة.
‏لازمني ذلك الشعور، وكبُر معي، ونما بين جنبات فؤادي، وطيات روحي بالرغم من انتقالي للعيش في المدينة، واعتيادي على حياة السفر والترحال.
وبعد غياب طويل بسبب ظروف عملي عدتُ إلى المنزل القديم بقلب ملهوف تلظى بلهب الشوق،  مسابقًا بخطواته جمود الوقت، وقفتُ عند مدخل حديقته، التقطتُ أنفاسي، لملمتُ شَتاتي، فتحتُ البوابة، وفور ولوجي أبصرتُ تلك الهيفاء التي شاخت، وزادتها السنون تجذرًا وعلوّا، وصلابة.  منتصرةً على الزمن، قاهرة للدّهر، خالجني ذاك الحسّ القديم، فقلتُ بكل حسرة: “مازلتِ هنا!” أشحتُ بنظري بعيدًا عنها، وأغمضتُ عينيّ، فراودني طيف جدّتي بثيابها المشجرة المعطرة برائحة العود، وهي جالسة تحت فيّ سعفاتها، محتضنة جذعها الصلب، تطمئن على بلحها، وتعتني بفسيلاتها، تركض إليها عند بزوغ الفجر إلى أن يحلّ المساء، ترعاها، وتلبي حاجاتها، وتتجاذب معها أطراف الحديث، و قصص السمر؛ لتنسيها هموم الحياة.
فتحتُ جفنيّ على صوتها الراقص فرحًا برجوعي يناديني من بعيد، التفت نحوها، لوّحت لي بيدها المحناة الممسكة بإحدى تمراتها، وأمامها فنجان القهوة، أسرعتُ إلى حضنها. دنوتُ منها، وسألتها سؤالي الأزلي: “من تحبين أكثر أنا أم هي؟” نظرت إلي، احتضنتني بين ذراعيها، طبعت قبلة دافئة على وجنتي، مسحت على رأسي، ونظرت إلى أعلى نقطة فيها مبتسمة صامتة.

*كاتبة من اليمن

التعليقات

اترك تعليقاً

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود