-بدايةً نرحب بك أستاذ يحيى، ونود منك أن تحدثنا عن بداياتك الأدبية متى كانت وكيف ؟
البدايات الأدبية كانت مع خطوات القراءة الأولى خاصة حين تمكنت من قراءة قصص الأطفال في المرحلة الابتدائية، حيث كنت أقرأ القصة ثم أحاول محاكاتها لفظيا، وبعد ذلك أكتبها تارة أخرى بأسلوبي الخاص، لكن ذروة التعلّق بالكتابة الأدبية كانت في منتصف الثمانينات الميلادية حين قرأت جلّ أعمال نجيب محفوظ، إذ كان سببا رئيسيا في دخولي عالم القصة.
-هل كان هناك تأثير مباشر من معلميك في مراحل التعليم المختلفة في توجهك الأدبي؟ وما دورهم بالإيجاب أو السلب في نمو موهبتك الأدبية ؟
نعم ولا شك، وأخص منهم معلمين في التعليم العام أحدهما في المرحلة الابتدائية أ. عبدالله فهّاد الذي دلني على الاستعارة من مكتبة المدرسة، والآخر أ. سالم الخياط في المرحلة المتوسطة وكان يتابع معي القراءة الأسبوعية والتلخيص كذلك.
أما المرحلة الجامعية فعدد من الأساتذة الأجلاء كالدكتور عاصم حمدان –رحمه الله- وله عليّ فضل كبير في قراءاتي ومتابعة التراكم المعرفي لدي، والدكتور عبدالله المعطاني الضليع في الأدب العربي، والدكتور عبدالعزيز السبيل الذي بصّرنا بالرواية وطرائق تناولها قراءةً ونقدًا.
-مقارنةً بين المدارس والمعلمين في الماضي، وفي الوقت الحالي، أي منهما له مميزات أكثر وأفضل وأقوى ؟
_ مسألة المقارنة بدءا تتطلّب قراءة معطيات كل زمن واحتياجاته، من وجهة نظري أن الفيصل في الأمر هو أدوات التلقي والتعلّم، زمن التلقين ولّى ولم يعد ذا أثر، أدوات العصر تفرض حالة تعلّمية ذاتية وليس تعليمية تلقينية، ينبغي أن يكون المعلم ميسّرا ومرشدا، لا ملقنا، ولهذا أنا مع المرحلة الحديثة إذا استطعنا جذب الطلاب إلى التعلم الذاتي عبر الاكتشاف وحل المشكلات.
*أول قصة كتبتها عن حرب البوسنة والهرسك
-ما أول قصةٍ كتبتها؟ وهل تلقاها القراء بالقبول؟ وما رأي النقاد فيها؟
أول قصة كتبتها كانت بعنوان (غوث) نشرت في صحيفة المدينة المنورة عام 92م وتناولت حرب البوسنة والهرسك حينها، ولم أكن قاصًا معروفًا ليتناولني النقاد، غير أني سررت كثيرا أن أعجبت مشرف الصفحة أ. عبدالعزيز التميمي، وكذلك أصدقائي وزملائي في الجامعة.
-لك مجموعة قصصية وحيدة صادرة عام 1437هجري، بعنوان ( متظاهرًا بالصمت)، ما أسباب تأخرك في إصدار مجموعة ثانية لك؟
تقصير وتكاسل، على الرغم من أن لدي ما يكوّن مجموعة أخرى، وأمر آخر هو انشغالي باتجاهات متعددة كالتدريب والمسرح وكتابة السيناريو، والمشاركة مع جهات مختلفة، الحق أني آثرت الانغماس في المشهد الثقافي بعامة، ولم أركّز على موضوع النشر.
-ما رأيك بكتَّاب القصة الذين تصدر لهم مجموعات قصصية متتابعة في وقت قصير؟ وهل تعتقد أن ذلك قد يؤثر على جودة ما يكتبون سواءً بالإيجاب أو السلب؟
لا أحبّذ الأحكام العامة والمطلقة، قد ألوم قاصا معينا يهمه النشر مهما كان مستوى فنيّة ما يكتبه، أما من حيث ما ألحظه فنعم، هنالك من المبدعين من تنجح أعمالهم الأولى فيطمعون في مزيد من الحضور دون مسؤولية فنية، وهنالك من دخل عالم القص ولا ناقة ولا جمل له فيه.
-لك آراء تجديدية في كتابة القصة، خاصة موضوع الاستهلال والبداية، وأنك تطالب القاصين بنحو منحى جديد ومختلف عن البدايات التقليدية في كتابة النصوص القصصية، هلا حدثتنا بشيء من التفصيل عن ذلك؟
لاحظت –بعد تتبع- لأعمال قصصية كثيرة أن معظم الكتاب والكاتبات يستهلّون نصوصهم بـ(التأثيث) الذي يمهد لحراك الأحداث، فيغرقون في وصف الشخصيات أو الظرف الزمكاني بعامة؛ ما يبطئ حركة السرد ويجعله رتيبا مملا، واقترحت في مناسبات ثقافية وإبداعية مختلفة أن تكون تقانة الوصفية متضمنة في الحراك السردي بحيث تسايره ولا تفرض نفسها عليه، فلا يستهل القاص نصّه بالوصف بدءا، وإنما بالدخول في فكرته مباشرة، ومنها يبدأ في توظيف مجمل التقنيات. هذا باختصار.
-ذكرت في إحدى التغريدات لك بأن هناك أسماءً معدودة _ذكرتها بالاسم، هي من أبدعت وتفوقت في الكتابة الأدبية في منطقة عسير، مما أثار أو قد يثير حفيظة بقية أدباء المنطقة، على ماذا استندت في مقولتك تلك، وهل مازلت متمسكًا بها؟
صحيح، هنالك أسماء أرى منتجها حاضرا على أصعدة الكتابة السردية أو المقالة الصحفية أو الحضور الفكري، معاييري في ذلك العمق وزاوية التناول للفكرة أو الموضوع، والإحاطة عبر التقصي والبحث، ناهيكِ عن السلامة اللغوية والرصانة الأسلوبية.
أما من تحفّظ -على ذاكم الرأي- فله كل التقدير والحق كذلك في التفنيد والمناقشة.
-الأديب العسيري أو الجنوبي خصوصًا هل ترى أن هناك ما يميزه أو يختلف به عن غيره من أدباء بقية مناطق المملكة ؟ وهل هناك عوامل قوة أو ضعف تقف وراء هذا الاختلاف؟
على العكس أرى ألا يتميز، وألا ينحصر في بيئته مهما كانت جميلة وملهمة، فليس الجمال هو المغذي الوحيد للمبدع أو الأديب، بل إن في المعاناة حشدا من الأفكار قد لا توفره مشاعر أو ممارسات سواها. كما أن الجمال أمر نسبي يختلف الناس في تلقيه. رأيي أن يندمج الأديب العسيري مع كل المُناخات في الوطن، وإن كان لا بد من مقاربة واقعه فليبتعد عن التكرار.
*لدينا حراك نقدي لا يمكن إغفاله
– بصفتك أيضًا ناقدًا، هل أنت راضٍ عن مستوى النقاد المعاصرين ونشاطهم النقدي؟
لدينا حراك نقدي لا يمكن إغفاله، بل إن نقادا سعوديين استطاعوا سحب البساط من نقاد عرب كانت لهم الحظوة والحضور سابقا، مشكلتنا الوحيدة في رأيي أن الملتقيات النقدية التي تجمع تلكم الأقلام قليلة، والنقد بما أنه حالة متقاطعة مع الفعل الإبداعي فهو في حاجة إلى تجديد أدواته، ولن يكون هذا دون تلاقٍ وجلسات حوار فاعلة.
-كيف تصنف نقاد الوسط الأدبي الحاليين ؟
يصدق عليهم ما يصدق على المبدعين من حيث الحضور والتجلّي.
-متى ترفض النقد ككاتب وقاص، وكناقد أيضا ؟
على المستوى الشخصي لا أرفض النقد على كل حال؛ خاصة إذا كان نقدا منهجيا مؤسسا له أدواته ومقدرته على القراءة النافذة للنصوص.
* المسرح يأخذني أكثر من غيره من الفنون
-الكتابة المسرحية لك فيها نشاط واضح، ما سبب استهوائها لك أكثر من بقية المجالات الأدبية الأخرى ؟
المسرح كما يقال حياة أخرى، فيما يخصني كان حضور المسرح إلى ذائقتي مبكرا جدا، عبر مشاهدة المسرحيات العربية والمصرية بخاصة، تلك التي كان يعرضها التلفزيون السعودي مثل مسرحية (إلا خمسة) لعادل خيري وماري منيب، أيضا المسرح السعودي مثل مسرحيات (تحت الكراسي) و (المهابيل).
لكن البداية الحقة للكتابة الفنية المسرحية كانت عام 2008م عبر مسرحية (الطاحونة) مع فرع جمعية الثقافة والفنون بأبها.
المسرح يأخذني أكثر من غيره من الفنون؛ ربما لأنه يجمعها كلها في طقس واحد.
-المسرح ليس للإضحاك فقط كما نعرف، بل له رسالة مجتمعية وإنسانية كبيرة يحملها ويسعى أبطاله إلى ايصالها للمشاهدين، فهل ترى أن الكُتَّاب المسرحيين نجحوا في ذلك، وأنهم بحجم هذه الرسالة العظيمة؟
للحق لدينا أسماء مهمة في كتابة النص المسرحي، ومن الجنسين، بل إنها باتت تصعد منصات التتويج باقتدار في منافسات محلية وإقليمية وعربية، ولن يتأتى ذلك دون موهبة قارّة، ثم شغف متواصل.
-كيف ترى مواكبة النشاط المسرحي في المملكة خصوصًا، لرؤية 2030، وماذا يحتاج ليصبح أفضل؟
العمل جارٍ وفق أنشطة وملتقيات مسرحية متنوعة نلمسها جميعا، ولعلّ ما تقوم به هيئة المسرح في الآونة الأخيرة يدل على أن هنالك استراتيجية مواكبة للرؤية وداعمة للمسرح والمسرحيين في مناطق ومحافظات المملكة، نلاحظ جميعا معتزلات الكتابة، والندوات المتلاحقة، ثم أخيرا مهرجان الرياض المسرحي المزمع عقده.
فيما يخص الاحتياج، فلا أكثر من وجود أكاديميات متخصصة للمسرح، ومسارح معدة للعروض.
-ما سبب قلة كتاب المسرح لدينا؟ ومن الكاتب الأفضل بنظرك حاليًا؟
القلة المحترفة خير من الكثرة الدخيلة، ومع ذلك فالكتاب والكاتبات كثر ولله الحمد. أما الكاتب الأفضل فلا أستطيع تحديد أحد بعينه لأن أصدقائي الكتّاب نكهات عديدة ولكل منها مذاق.
-الحضور الجماهيري للمسرحيات في السعودية، هل تجده مُرضٍ؟
حددي نوع العمل المسرحي أحدد لك مستوى الحضور الجماهيري؛ المسرح الكوميدي التهريجي يحظى بحضور كبير خاصة مع وجود مؤدين مؤثرين، مسرح الدراما الجادة نخبوي وعليه سيكون الحضور قليلا، أما مسرح الطفل فيُحتضر.
-ما المسرحية التي حضرتها وتركت أثرًا عميقًا في نفسك حتى الآن ؟ ولماذا ؟
حضرت مسرحيات عديدة، والحق أن المسرحيات المقدمة في المهرجانات المتخصصة مميزة نصا وفنية، أما الأعمال التي حضرتها وأعجبت بها فمسرحية (المحطة لا تغادر) للصديق فهد الحارثي، ومسرحية (موت المغني فرج) للأستاذ عبدالعزيز السماعيل.
-من هو الفنان المسرحي الأول برأيك في الساحة السعودية ؟ العربية، العالمية ؟
إذا كان المقصود الممثلين السعوديين سوى نجوم التلفزيون: مساعد الزهراني.
عربيا: رفيق علي أحمد، عبدالحسين عبدالرضا
عالميا: بيندكت كامبرباتش
-إلى ماذا يحتاج الفنان المسرحي السعودي، والكاتب المسرحي السعودي لينافسا عربيًا وعالميًا؟
يحتاجان مزيدا من الانتماء والتفرّغ واللقاءات المثرية في الفن نفسه، يضاف إلى ذلك الجوائز التقديرية المحفّزة.
-هل هناك فنان محلي ترى أنه مؤهل للفوز بجوائز عالمية؟ وبماذا تنصح الفنانين السعوديين؟
على صعيد الدراما التلفزيونية والسينمائية أرى الفنانة إلهام علي مؤهلة لخوض تجربة عالمية.
-وصلنا إلى نهاية حوارنا هذا معك أستاذ يحيى، وبقيت الكلمة الأخيرة لك لتقول ما تشاء؟
أشكر مجلة فرقد على هذا اللقاء، كما أشكرك أ. عائشة وأنت القاصة المبدعة والصحفية النابهة.
وأريد أن أوضح أن كل ما ورد من آراء أو وجهات نظر في هذا الحوار ليس المقصد منها تهميش جهد ما أو إغفال قلم أو منجز.
التعليقات