مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

سويد بن أبي كاهل اليشكري، شاعر مخضرم، يقال إنه امتد به العمر إلى ما بعد سنة ستين …

(قصائد نادرة) عينية سويد اليشكري

منذ سنة واحدة

1274

0

سويد بن أبي كاهل اليشكري، شاعر مخضرم، يقال إنه امتد به العمر إلى ما بعد سنة ستين من الهجرة. قرنه ابن سلام في طبقاته بعنترة والحارث بن حلزة وعمرو بن كلثوم. اشتهر بمطولته العينية التي بلغت أبياتها ثمانية أبيات ومائة بيت. ويكفي أنها من اختيارات المفضل الضبي.

يقول عنها طه حسين في حديث الأربعاء: “وأظنك ستُوافقني على أنَّ هَذِه المُطَوَّلة البديعة مِنْ أَروع الشعر العربي وأرقاه، ومن أعذبه وأحسنه موقعًا في السمع ومسلكًا إلى النفس. وإذا كان شعر صاحبها قد ضاع؛ فإنَّها تكاد تغني عما ضاع من شعره؛ لأنها تصور مذهبه في الشعر، وحظه من إجادته تصويرًا قويًّا واضحًا”.

يبدأ سويد القصيدة بالنسيب، متذكرا حاله مع صاحبته، التي لم يعد له منها سوى زورة الطيف بعد تصرم زمان الفتوة. ويستتبع إلمامة طيف الحبيب الحديث عن الليل الذي يقضيه ساهرا أرِقا مع النجوم إلى الفجر. وينعت الفلاة والسراب والخيل. ثم يفخر بقومه بني بكر بن وائل، ويذكر رحلته على ناقته، ثم يرجع إلى الفخر بنفسه، ويصور لنا العداوة القاتلة التي يكنها له صاحبه المنافق، ويعقب ذلك بذكر صاحبه من الجن الذي يلقي الشعر علي لسانه.

ولطول القصيدة فسأكتفي بعرض مقدمتها الغزلية.

مما زاد في جمال القصيدة بحر الرمل الذي نظم الشاعر قصيدته عليه، وهو بحر راقص، يندر استعماله من قبل الشعراء المتقدمين. يضاف إلى ذلك روي العين الساكنة الذي لا يخفى إيقاعه مع نهاية كل بيت. يفتتح سويد القصيدة بقوله:

بَسَطَتْ رابِعَةُ الحَبلَ لَنا فَوَصَلنا الحَبلَ مِنها ما اِتَّسَع

جاد الزمان عليه فمدت حبيبته إليه حبال الوصال، وبادلها الوصل بوصل مثله، لكن ذاك لم يمتد إلى الأبد، ولكن حسبما سمح الزمان. ثم انتقل إلى وصف محبوبته (رابعة) مبتدئا بفمها ذي الأسنان البيضاء المفلجة، المحاطة بشفتين داكنتين، فكأنها شعاع الشمس حين يخترق الغيم. وبين سبب نصاعة أسنانها وهو أنها تداوم على صقله بالأراك:

حُرَّةٌ تَجلو شَتيتاً واضِحاً كَشُعاعِ الشَمسِ في الغَيمِ سَطَع

صَقَلَتهُ بِقَضــيبٍ ناضِــرٍ مِن أَراكٍ طَيِّــبٍ حَتّــى نَصَــع

أَبيَضَ اللَونِ لَذيذاً طَعمُهُ طَيِّبَ الرِيقِ إِذا الرِيــقُ خَــدَع

وانتقل إلى وصف وجهها، ولكنه لم يصفه مباشرة، وإنما كما يظهر في المرآة حين تنظر إليها، وكأنها هي من يمنح المرآة الصورة الجميلة، وليس العكس. في الصورة وجه واضح صافي اللون، وطرف ساجٍ، وعينان كحيلتان، ليس فيهما (قمع) أي بثور أو ورم. ومما يتصل بالوجه الذوائب الطويلة التي يتخللها المسك المبالغ في كميته:

تَمنَحُ المَرآةَ وَجهـاً واضِــحاً مِثلَ قَرنِ الشَمسِ في الصَحوِ اِرتَفَع

صَافِيَ اللَّوْنِ، وطَرْفاً ساجِياً أَكْحَــلَ العَيْــنَــيــْــنِ مــا فيــه قَمَــعْ

وقُرُونــاً سَــابِغاً أَطْرَافُهــا غَلَّلَــتْــها رِيــحُ مِسْــكٍ ذِي فَنَــعْ

وتبيَّن لنا من الأبيات التالية أن الشاعر ليس بحضرة صاحبته وجها لوجه، ولكنه أمام خيالها الذي زارها فهيج الشوق إليها، نلك الحبيبة التي فيها إباء (قدع) جاءه خيالها من مسافة بعيدة عابرا فلوات وغابات. وهو وإن كان يحمل إليه الأنس فقد أسهره كعادته كلما جاء:

هَيَّجَ الشَّــوْقَ خَيَالٌ زَائرٌ مِن حَبيــبٍ خَفِــرٍ فيــهِ قَــدَعْ

شَــاحِطٍ جَازَ إِلى أَرْحُلِنَا عُصَبَ الغَابِ طُرُوقاً لم يُرَعْ

آنِسٍ كان إِذَا ما اعْتادَنِي حــالَ دُونَ النَّــوْمِ مِنِّي فامْتَنَعْ

ويمضي واصفا ما يفعله فيه الطيف إذا ألمّ، فيقول إنه يبعد عنه الرقاد، ويجعله يراقب مطلع كل نجم. ويرينا كيف أن الليل من طوله كأنه أكثر من ليل، كلما انقضى واحد تلاه آخر. ومن كثرة مراقبته النجوم رسم لها صورة فريدة فشبهها بالقطيع الذي يشكو أفراده من الظلع، فهي تسير على نحو بطيء على الرغم من أن راعيين – أحدهما وهو الليل – يقودها نحوه، والثاني – وهو الفجر – يسوقها أمامه.

فأَبيــتُ الليــلَ مــا أَرْقُــدُهُ وبِعَيْنــَــيَّ إِذَا نَــجــمٌ طَــلَــعْ

وإِذَا ما قلتُ لَيْلٌ قد مَضَى عَــطَــفَ الأَوَّلُ مِنــهُ فَرَجَــعْ

يَسْــحبُ الليلُ نُجُوماً ظُلَّعاً فَتَــوَالِيهــَا بَطيــئــاتُ التَّبــَــعْ

ويُزَجِّيــها عَلَــى إِبْطائِــها مُغْرَبُ اللَّوْنِ إِذَا اللَّوْنُ انْقشَعْ

*كاتب سعودي

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود