نَوّار الشاطر*

– مقدمة :
يعد مسرح الطفل من أهم الفنون الحية التي يستمتع الطفل بها، سواء كان العمل المسرحي مقدمًا من قبل الكبار أم الصغار، لأن الطفل يعيش الحدث بمشاعره ويتابع العرض بتشوق ولهفة بما يحتويه من مؤثرات متنوعة.
ولا يخفى علينا أن الطفل عندما يكون صغيرًا يخلق مسرحه الخاص به وهو يلعب بألعابه، سواء كان طفلًا يلعب بسيارته و يحركها و يتكلم معها ويتخيل أنها تتفاعل معه و تكلمه، أم طفلة تلعب بالدمى و تتخيل أنها مسؤولة عنها فتقوم بتمثيل دور الأم معها.
من هنا نرى أن علاقة الطفل بالدمى واللعب بها سواء عن طريق التمثيل والمحاكاة واستعمال الخيال هي علاقة وثيقة جدًا، وأنها تربط الطفل عاطفيًا وعقليًا وجسديًا بالمسرح بشكل عام و بمسرح الدمى بشكل خاص .
إن مسرح الدمى بما يحتويه من عناصر تجذب انتباه الطفل وتثير مخيلته، كالدمى وتحريكها وسينوغرافيا العرض المسرحي وما يحتويه من المؤثرات الصوتية و الموسيقية والضوئية والديكور و الملابس و الإكسسوارات، بالإضافة إلى وجود الممثلين وفكرة اللعب والألعاب المرتبطة بالدمى تحقق للطفل ما يسمى بالفرجة التي تجعله مشدودًا للعبة المسرحية بما تحققه من دهشة وإثارة و إطلاق لخيال الطفل.

– مسرحية ساعي البريد الأخضر أنموذجًا:

تأليف : عاصم الخيال.
إخراج : نديم سليمان.
التأليف الموسيقي : أيمن زرقان.
في شخصية ساعي البريد : عبد السلام بدوي.
تصميم الديكور والدمى : ريم الماغوط.

– فكرة المسرحية :
تمثل رسالة إنسانية قيمة جدًا وهي ضرورة أن نتعاون جميعًا لنحافظ على بيئتنا نظيفة، ونقلل التلوث البيئي من أجل سلامة الإنسان والحيوان والنبات.

– الشخصيات :
تنوعت الشخصيات بين النباتات الأشجار تفوحة وبلوطة، والحيوانات البطاريق، وشخصيات غير حية رجل الثلج والدخان الأسود، والإنسان المتمثل بشخصية ساعي البريد الأخضر.

– أداء الممثلين :
اتسمت شخصية ساعي البريد بالود واللطف وكان الأداء مقنعًا جدًا و استطاع ساعي البريد أن يقنع الأطفال بضرورة الحفاظ على البيئة حينما حمل رسالة الطبيعة للإنسان بكل محبة ونشرها بين الناس بكل ود.
كما كانت فكرة تجسيد شخصية الدخان الأسود بصورة إنسان يرتدي الرداء الأسود ويؤدي رقصات. 
توحي بالشر على إيقاع موسيقي سريع مع ضربات من آلة الطبل فكرة ذكية جعلت الطفل ينفر من الدخان الأسود ويدرك تأثيراته السلبية على الأشجار ورجل الثلج و البطاريق و الطبيعة عمومًا.

– الدمى :
الأشجار تفوحة وبلوطة و رجل الثلج والبطاريق كانت مصنوعة بدفء و بإتقان كبير ، وكان السؤال الأبرز عند الأطفال المتابعين هل تتحدث الأشجار؟ وكيف ؟
واستطاعت دمية رجل الثلج بتفاصيلها المميزة أن تجذب انتباه الأطفال بشكل كبير.
أما البطارق بأشكالها المحببة واللطيفة وبحركتها وغنائها كانت الدمى الأقرب وجدانياً للطفل خلال العرض.
ولا أنسى تحريك الدمى المتقن الذي جاء منسجمًا مع الأداء الصوتي والمشهد التمثيلي وجعلها تبدو شخصيات حية للطفل.

– الحوار :
اعتمد على مفردات ومصطلحات متنوعة وغنية لغويًا، والأسلوب اللغوي اتسم بالسلاسة وكان مناسباً لفكر الطفل بشكل عام .

– الموسيقى :
تخلل العرض المسرحي أغانٍ جاءت منسجمة مع النص، وخدمت الأفكار التي أراد المخرج إيصالها إلى الطفل ، وأدت الغرض المطلوب منها في إثارة حماسة الطفل وزادت من جمالية العرض المسرحي في نظره .
وقد اعتمد الموسيقار في تلحين أغلب الأغاني في العرض المسرحي على مقام العجم الذي اتسم بالبهجة والأمل.
وجاءت الموسيقى والأغاني داعمة للصورة الإيقاعية للعرض المسرحي ولامست أحاسيس الأطفال بصدق وأدت الغرض المطلوب منها.

– سينوغرافيا العرض :
جاء المشهد البصري والحركي والسمعي متناسقًا ومنسجمًا مع أحداث المسرحية، وكان الديكور والإضاءة  و التنقل بين المشاهد موفقًا جدًا حيث لعبت السينوغرافيا دورها جيدًا في تجسيد النص المكتوب وجعله متناغماً بكليته و أوصلته إلى الطفل بشكل أبهره حقًا.
وبالنسبة  للأزياء تحدثت سابقًا على أن ظهور الدخان الأسود بصورة إنسان بزي أسود مظلم مع أجنحة سوداء وقناع أسود مخيف وحركات راقصة منسجمة مع الإيقاع الموسيقي في بداية العرض كان اختيارًا رائعًا وجعل العرض منذ بدايته في الذروة.
وساعي البريد بملابسه التقليدية ذات اللون الأخضر والبني مثل حقاً أنه رسول الأشجار والأرض للإنسان والبشرية.

– النص المسرحي :
عالج الكاتب الفكرة بطريقة رمزية و جذابة جعلت الطفل مشدودًا للعرض حتى أخر لحظة .
حيث بدأت المسرحية بدخول شخصية الدخان الأسود الخانق الذي لوث الهواء وأثر على الأشجار تفوحة وبلوطة ورجل الثلج وسبب في مرضها.
تقترح تفوحة أن تكتب رسالة للإنسان ليتوقف عن المساهمة بالتلوث، لكنها لا تعرف الكتابة ولا تمتلك يدين للكتابة، فتتذكر ساعي البريد الأخضر صديق الغابة الذي تراه في أحلامها ،مرة بصورة رجل ومرة بصورة امرأة ومرات بصورة طفل أو طفلة.
تأتي البطاريق النشيطة وتسأل عن سبب حزن تفوحة ورجل الثلج
فيشرحون معاناتهم من الدخان الأسود.
فتؤيد البطاريق الأمر وبأنها أيضاً تعاني من رمي المواد الملوثة و مخلفات المصانع في البحر فتمرض البطاريق ويموت بعضها.
تقترح البطاريق تخريب الآلات المصانع ليتوقف التلوث، لكن رجل الثلج لا يؤيد الحلول العنيفة، ويقول أن الإنسان ذكي وعاقل لا بد أن يستجيب لنداء الأشجار والحيوانات فيتوقف عن التسبب بالتلوث .
البطاريق أيضًا ترى ساعي البريد الأخضر في الأحلام لأنه بطل أحلامهم أيضًا.
بلوطة تسأل عن ساعي البريد وتريده أن يأتي بسرعة لينقذها، فأليافها
تجف وجذورها تعجز عن إيصال الماء لأوراقها والتنفس أصبح صعبًا بوجود الدخان الأسود.

*كاتبة للأطفال _ سوريا