مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

وفاء عمر بن صديق* أطلّت على الدنيا بعد سباتٍ عميق، تفتحت بتلاتها وأشرقت على الدن …

الأفق البعيد

منذ سنة واحدة

367

0

وفاء عمر بن صديق*

أطلّت على الدنيا بعد سباتٍ عميق، تفتحت بتلاتها وأشرقت على الدنيا بجمال ألوانها، وخضرة أوراقها، أصبحت فاتنة تبهج وتسر الناظرين إليها، يتودد إليها كل من حولها بالسلام عند كل صباح قبل مغادرتهم المنزل، وتركهم إياها تصارع شبح الوحدة، لم يستطع ذلك الشباك الذي تتكئ عليه بين الفينة والأخرى أن ينتشلها من الحزن الذي سلبها البهجة، فبالرغم من هذا البهاء الذي يحيط بمظهرها إلا أن في داخلها شيء يحول بينها، وبين الفرح.
نظرت إلى الأسفل متحسرةً على ساقها المقيدة، وجذورها المحاصرة بهذا الإناء الفخاري القاتم اللون الذي رمقها بتفحص، وذهن غارق في التفكير قائلًا: “علي أن أرمم زواياي المتصدعة؛ حتى أحافظ عليها، فأنا لا أريد جميلتي أن تجوع أو تظمأ، ولا أحتمل فكرة تعرضها للجفاف والمرض، سأفاجئها بسدّ كل هذه الثغرات، سأحيطها بحناني، وسأحتويها باهتمامي، لابدّ أنّها ستسعد بذلك كثيرًا”.

وفي ليلة هادئة استيقظ الوعاء على صوت أنين قادم من الأعلى، فتح جفنيه برتابة متوجهًا ببصره إلى مصدر التأوه، تملّكه الهلع والفزع “إنها صغيرتي” سألها بجزع: ماذا بكِ؟
مم تشكين؟ “حينها انفجرت باكيةً، والأسى يمزّقها، ويزهق أنفاسها: ” كم أكرهك؟! إلى متى تحبسني بين جدرانك الموحشة، وحوائطك الفظّة، مكبّلا روحي، مهلكًا حياتي؟“..

سرت الرعشة بين جنباته غير مصدق ما يسمعه، نظر إليها نظرة المفجوع المكلوم الذي كاد أن يلجم لسانه هول الموقف، ردّ متلعثمًا: “إني… إني أحبكِ، وأخاف عليكِ من جور العالم، وقسوة الدنيا” ..  قالت مجهشة: “هذا ليس حبًّا! لا يمكن أن يكون الحب هكذا. إنك تجهض أمالي، وتغتال أحلامي أريد الخلاص منك ولو كان الموت نهايتي”، قال لها: “لقد ظننتُ…” قاطعته بحزم: ” لا يهمني ما تظنه، لطالما حلمتُ بالإبحار في ذلك الأفق البعيد، محتضنة نور الشمس، مداعبة قطرات الندى..و…و…”
هيمن الصمت على الجميع. امتدّت جذورها عبر شقوقه، تهشّم الأصيص، وعانقت روحها السماء.

*كاتبة من اليمن

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود