297
0169
0347
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11428
04669
03938
173156
0شَيْماء السبيعي *
ما هي العائلة؟ ما هو الشعور الذي سينتابُني عندما أكون مع عائلتي؟ هل سأشعرُ بالأمان؟ سأكذب عليك أيها القارئ إن قلتُ إني أعرف معنى الأمان بالتحديد، هل سأنامُ سريعًاعندما تداعب أمي شعري بيديها؟ هل سيكون أبي بجانبي عندما تسقطني عقباتُ الدهر؟ هل سأرتوي حبًا؟ لا تتوقفُ الأسئلة.
لطالما كانت العائلةُ شيئاً مبهمًا بنسبة لي، فأنا في دار الأيتامِ منذ نعومة أظافري، لم أرَ عائلتي قط، فقط عشتُ أخاطب نفسي وتخاطبني، وألوذُ إلى فراشي كلما صارعتني وحدتي، قاربَ عمري العشرين، ولا أزالُ أتخبطُ يمينًا وشمالًا وحدي، بدت الأفكارُ تراودني، وبدأ ضجيجُ عقلي يزدادُ يومًا بعد يوم، هل سأموت وحيدًا! جميعُ من في دارِ أصبحت لديهم عائلة إلا أنا، ولعلي أعلمُ السبب، أنا فتى أعمى، هكذا خلقت.
لا أزالُ أتذكرُ تلك اللية، ليلةٌ كثُرَ سحابها، وأفلَت النجومُ فيها، فساد الظلامُ في المكان، أتى رجلٌ طويلُ القامة، صفيقُ الوجه، جَعْدُ الشعر، أرادَ أن يتبنى أصغر صبيٍ في الدار، فأخبروه بوجودِ غلامٍ في السادسةِ من عمره، وأنهُ الأصغر، لم أكن الأصغر حينها، بل كان هنالك صبيٌّ يصغرني بالعمر، الحقيقةُ التي قد لا يتنبه لها القارئ، لقد أرادوا التخلصَ من عبء الاعتناءِ بي، لذلك أنا من وقع عليه الاختيار.
لقد أرادَ رؤيتي لتعرفِ علي، فأخبروني أن هنالك رجلٌ قد يتبناني، ويجبُ عليَّ رؤيته، شعرتُ بنبضاتِ قلبي المتسرعة، وبدأتُ أرجفُ خوفًا وسعادةً وأملًا، بزوالِ وحدتي، أمسكت بيدي المشرفة، وأخذتني إلى باب المكتب، فتحتْ المشرفةُ الباب، وإذ بي أسمعُ صوتَ خطواتٍ قادمةٍ بتجاهي، تراجعتُ إلى الوراء خوفًا، وإذ بالمشرفةِ تدفعني إلى الأمام، كنتُ مطأطئ الرأسِ، فأمسك الرجلُ بيدي، لم أشعر بهذا الحنانِ من قبل، فلم يمسكني أحدٌ بلطفٍ كهذا قط!.
الرجل: لا تخف، وأنظر إليَّ.
أنا: ماذا! (لم أستوعب ما قاله، كيف لي أن أنظر إليه، وأنا فاقدٌ للبصرِ).
وبصوتٍ يملؤه الأسى الكاذب، قالت المشرفة: يا سيد، أن الغلامَ المسكين، لا يرى.
أفلتَ يدي بقوة، وقال: أتريدونَ أن آخذ معي بلاءًبدلاً من نعمة؟!.
لم أستطع النطق بحرفٍ واحد، وكأن الله أخذ صوتي أيضًا، وقفتُ مكاني أرجفُ فقط، شعرتُ بقلبي يتألم، وكذلك جسدي.
المشرفة: عذرًا سيدي، لكن هذا هو أصغرُ غلامٍ هنا، لكن حسنًا سأحضرُ لك غلامًا أخرى أتمنى أن يناسبك.
كذبتْ!، أنا لستُ الأصغرَ، أردتُ قولها فلم أستطع، سالت دموعي، ولم تتوقف، أردتُ أن تحملني قدمي إلى الخارج فلم تستطع، أردتُ أحدًا اختبأ خلفه فلم أجد، أردتُ أمي.
المشرفة: سارة يا سارة، تعالي خذي هذا الغلامُ إلى حجرته.
أخذتني سارة إلى الحجرة، وأغلقت البابَ، بقيتُ وحدي كالمعتاد، أندبُ حظي وحياتي، كانت هذه المرةُ الأولى التي أحسستُ بها بالسعادةِ والأمل، وأظنها الأخيرة، أنا اليوم أعاني من مرضٍ في قلبي، أذهب إلى المستشفى كثيرًا، أنامُ فيها أيامٍ طوال، لم يتبقَ لي إلا القليل، سأموت قريبًا، وسيتخلصُ الدار من عبء الاعتناء بي، فالمرضُ يزدادُ سوءًا يومًا بعد يوم، سأموتُ وحدي كما عشتُ وحدي.
التعليقات