مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

سلوى الأنصاري يعتقد بعض المتذوقين وغير المتذوقين للفن أن الرسم مسألة متاحة للفنا …

الفن التشكيلي أطواق نجاة

منذ شهرين

75

0

سلوى الأنصاري

يعتقد بعض المتذوقين وغير المتذوقين للفن أن الرسم مسألة متاحة للفنان التشكيلي يمارسها كيف يشاء ووقت ما يريد بسهولة ويسر كما ينساب الماء من بين أصابعه، وهذا معتقد سائد وغير دقيق، وغالبًا ما يُرى الفنان من الزاوية الأفلاطونية فيرون أنه يعيش في عوالم مختلفة عن الجميع، لا يرون إلا الجمال الذي قدمه لهم الفنان التشكيلي غير مدركين ما مر به الفنان من المتناقضات التي قد تجتاحه أثناء رسمه للوحة ما، فقد تجتاحه مواقف محزنة وأحاسيس مؤلمة ولكنه بالرغم من ذلك يظل يرسم ويحاول أن يخرج الآلام على تلك القطعة البيضاء النقية ليرى العالم كمية الألم التي تحولت إلى جمال يأسر الناظرين.

وعلى النقيض من ذلك قد تنتابه السعادة  وهو يرسم ويعيش في حاله من الانتعاش ليصل إلى قمة الهرم متنقلاً في تسلقه إليها بين فرشاة ولون.

 المتلقي لا يرى سوى جماليات ما يراه أمامه، متناسيًا أسس الحياة التي ترتكز على المتضادات ،كالليل والنهار، والصيف والشتاء، والحزن والفرح، والألم واللذة، والخوف والأمان. كل تلك الأحاسيس قد يحملها الفنان على عاتقة ليعبّر بها عما بداخله بشكل جميل ليصل إلى روح المتلقي فتمتزج لوحته مع روح كل متلقي لتكون له طوق نجاه من هموم الحياة أو تكون له سلمًا يرتقي به نحو السماء.

الفن التشكيلي ليس مجرد موهبة، إنه انصهار علم بقدرات حباها المولى لأحدهم، فانطلق في سماء الفن التشكيلي طائرًا بلا قيود يمتع منحوله بجمال ما يرسم، فيحاول أن يضمد الجراح، ويوّلد الأفراح، ويلقي بأطواق النجاة على ضفاف المواقف المؤلمة في طريق السيول الجارفة، وينثر عقود الياسمين ليبهج الخلق والعالمين، ويمنح الدفء والسلام الداخلي في القلوب وينشر البهجة في جميع الأرجاء.  

ربما يرى بعض ممن لا يهتمون بالفن التشكيلي أن هذا التوصيف مبالغًا فيه، وأن الفن ما هو إلاّ فرشاة ولون ولوحات يستطيع من يريد أن يعبث بها.

من هنا يمكننا أن نخبرهم أن إحساس الفنان ردة فعل لما يدور حوله من أحداث شخصية ومجتمعية، إنه يعيش في مساحة زمنية ليخلق بها أحيانًا مساحات معبرة عن جميع الأطياف، فهو يمارس مهمة شاقة في التعبير عما بداخله وما بداخل مجتمعه فيما يتعلق بالتفاصيل الزمانية والمكانية والفكرية.

فهو يشيد لوحته بأدواته وفكره وأحاسيسه كمقترح قابل للتعاطي ومتقبلاً للنقد؛ لأنه مارس ما يحب أثناء رحلة التعبير والبحث عن أطواق نجاة.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود