85
0350
0202
0127
0150
0181
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11769
04707
04351
174206
03828
0أ. سعد الغريبي*
وُلد الشاعر أبو الحسن علي بن محمد التهامي بمكة حوالي سنة 360 وفيها عاش صدر حياته، ثم انتقل منها حيث زار أقطارا إسلامية كثيرة يتكسب بمديح الأمراء، فزار دمشق وطرابلس الشام وحلب ومعرة النعمان، وأقام مدة في الرملة بفلسطين عند حكامها من آل الجراح، وشارك في ثورة الشريف أبي الفتوح الحسن بن جعفر على الفاطميين. كما أقام فترة في الموصل، ورحل إلى ميافارقين عاصمة ديار بكر. كما زار آمد والأنبار، ثم عاد إلى الرملة واشترك في ثورة آل الجراح ضد الفاطميين فقبض عليه وسجن، ثم قتل في سجنه في عام ٤١٦ هـ.
توفي ابنه الوحيد (الحسن) صغيرًا، إبان إقامته في الرملة، فرثاه بثلاث قصائد إحداها قصيدته موضوع هذا المقال التي كانت سبب شهرته.
وقد بلغ من شهرة القصيدة أنه حين دخل على أبي العلاء المعري واستنشده اياهـا قال له: أنت التهامي؟ قال نعم. كيف عرفتني؟ فقال: لأني سمعتها منك، ومن غيرك، فأدركت من حالك أنك تنشدها من قلب قريح، فعلمت أنك قائلها.
ويعدها الدكتور محمد الربيع؛ محقق ديوانه من عيون الرثاء في الشعر العربي كله؛ قديمه وحديثه، ويضعها إزاء مراثي العرب المشهورة كمرثية أبي ذؤيب الهذلي في أبنائه، ومرثية ابن الرومي لولده محمد، ومرثية المعري (غير مجد في ملتي واعتقادي).
تتألف القصيدة من تسعة وثمانين بيتا يفتتحها بحقيقة ثابتة يعرفها الناس كلهم، لكنهم يغفلون عنها في اشتغالهم بدنياهم، وهي أن الدنيا ليست دار قرار، وأن من طبعها تكدير الصفو، ومن يريد منها خلاف ذلك فليس له شبيه إلا من يبحث عن النار وسط الماء:
حُكْــمُ المَنِيَّةِ في البـرية جارى مــــا هــذه الدنيا بدار قرار
بَيْنَا يُرى الإنســان فيها مُخبرا حتى يُرى خَبَراً من الأخبار
طُبعَتْ على كَدَرِ وأنت تريدها صَفْواً من الأقـذاء والأكـدار
ومُكَلِّـفُ الأيام ضــد طباعــها متطلب في المــاء جذوة نـار
ثم يرشدنا الشاعر بعد أن خبر الدنيا كيف نتصرف أمامها ما دامت هذه حالها:
فاقضوا مآربكم عجالا إنما أعماركم سفر من الأسفار
ثم ينتقل للحديث عن ابنه الذي فقده سريعا، وهو الذي كان يعده للملمات، ويشبه عمره يعمر الكوكب الذي أزاله حلول السحر، أو بالهلال الذي باغته خسوف فمحا نوره:
إني وُتِرْتُ بصارم ذي رونق أعددتــه لـطــلابــة الأوتــار
يا كوكبا ما كان أقصر عمره وكذاك عمر كواكب الأسحار
وهلال أيام مضـى لم يســتدر بدرا ولم يُمْهَــل لوقت سِرَارِ
عجل الخسوفُ عليه قبل أوانه فمحاه قبل مظنــة الأبدار
وبعد أن يراجع شاعرنا نفسه إثر هول الصدمة يدرك أن ابنه قد حالفه التوفيق، إذ ابتعد عن الدنيا التي هي ألْأم دار، ويوازن بينه وبينه، فقد أصبح ابنه مجاورا لربه في حين أنه بقي مجاورا لأعدائه:
أبكيــه ثم أقــول معتـذرا له وُفِّقتَ حين تركت الْأَم دار
جاورتُ أعدائي وجاوَرَ ربه شتان بين جواره وجواري
ثم يبين لنا كيف أنه يحاول جاهدا إخفاء ألمه وعبراته:
أخفـي من البُرحــاء نـارا مثلمــا يخفي من النار الزنادُ الواري
وأخفض الزفرات وهي صواعد وأكفكف العبـرات وهي جوار
ويعزي نفسه بأن الموت لا ينفع معه جهاد أو دفع، وإلا لاستعان بكل من يستطيع تجنيده لاستنقاذه منه:
لو كنت تُمنع خاض دونك فتية منا بحــار عوامــل وشــفار
والتفت التهامي إلى من حوله، فوجد بينهم من يشمت به لحلول هذه المصيبة به. وبدلا من أن يلومهم أو يعاتبهم أخذ يشفق عليه ويرحمهم:
إني لأرحم حاســديَّ لِحَرِّ مـا ضمت صدورهم من الأوغار
نظروا صنيع الله بي فعيونهم فـي جنــة وقلوبهــم فــي نــار
واختتم القصيدة بثنائه على المصائب لقدرتها على كشف خبايا النفوس اللئيمة:
للــه در النائبــات، فإنــها صدأُ اللئام وصيقل الأحرار
*كاتب سعودي
التعليقات