الأكثر مشاهدة

أحمد بنسعيد* مقدمة: لا ينبغي للحوار الثقافي والتربوي والتعليمي الخاص بالطفل أن ي …

إعداد مكتبة الطوارئ للأطفال أثناء الكوارث

منذ سنة واحدة

369

0


أحمد بنسعيد*

مقدمة:
لا ينبغي للحوار الثقافي والتربوي والتعليمي الخاص بالطفل أن يغفل هذه المسألة الملحة والمتعلقة بفئة واسعة من الأطفال التي قد تتعرض في أي زمان ومكان لمختلف أنواع الكوارث. المسألة هنا لا تخص بلدا أو منطقة بعينها بل هي ظاهرة كونية قد تصيب أي منطقة في كوكبنا الحساس… في حالة الكوارث تتحدث القلوب والعقول معا؛ تبحث عن طرق المواساة والدعم بمختلف أشكاله وألوانه…
قد يتساءل البعض عن درجة أهمية كتاب الطفل أو الإبداع الثقافي عموما في مواقف كارثية تتطلب حضور الطعام والفراش واللباس والخيام. جوابا نقدم هذا البحث الذي يوضح أن هبّة المساعدة عليها بالضرورة أن تكون شاملة ومتنوعة، وأن الإنسان كما هو مكون من جسم وله حاجات بدنية، كذلك مكون من عقل ونفس وله حاجات فكرية وعقلية ونفسية عاجلة جدا في مثل هذه المواقف؛ تهدئ الهزات والزلازل الداخلية للإنسان في قمة مرحلة ضعفه التي هي مرحلة الطفولة وتوضح له ما يحدث…
وكما هو معلوم فكتاب الطفل المعاصر لم يعد تلك الكتابة المحصورة بين دفتي صفحات ورقية، بل أصبح بما فيه من كنوز فكرية المورد الرسمي والأساسي لما يروج في مختلف وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في الحواسيب والهواتف والوسائل الرقمية الحالية… كما أنه يصلح أن يكون مورد أولئك المرابطين في ميادين الكوارث يتعاملون مع الأطفال، ويحتاجون نصوصا ملائمة ومناسبة للوضع تساعدهم على التعامل الدقيق مع الأطفال المتضررين… للحكي في الليالي الحالكات، او للعرض على خشبات الخيام… في زمنِ تجاوز المرحلة الصعبة…
حين أصيب العالم بمشكل كورونا هب مثقفو العالم للترويح عن الناس وخاصة الأطفال في ظل الحجر الصحي، وفتحت العشرات من المكتبات العالمية الرقمية أجنحتها لمن أراد أن يحمّل الكتب بشكل مجاني تطوعي… مساهمة في الدعم والترويح عن الإنسان في العالم في المرحلة الصعبة… وحين اندلعت كارثة الحرب الروسية-الأوكرانية هب المجتمع الغربي والعالمي للدعم والمناشدة… ونحن من خلال دراستنا هذه نبعث رسالة كي يستعد مجتمع الكبار وطنيا وعربيا وعالميا لمثل هذه الكوارث التي قد تقع في أي زمان وفي أي مكان.

1- الكوارث الطبيعية وكتاب الطفل
1.1. معاناة الكتابة ومعاناة الكوارث
في مهنة الكتابة للطفل، كثيرا ما يجابهنا سؤال: كيف للكاتب أن يدخل البهجة والسرور والإفادة في أوضاع الألم والوجع؟… وللإجابة يقف أمام ثلاثة محطات لا بد أن يختار أفضلها وأنجعها:
– المحطة الأولى: هل يكرس الكاتب المأساة؟ هل ينطلق في الحديث عن الأشلاء والصراخ والأوجاع؟؟… واصفا بدقة متناهية الواقع المؤلم؟؟.. هل يتحدث عن الهزات؟ عن الفزع الليلي للأطفال وتبولهم اللاإرادي جراء الكوارث؟؟… طبعا يمكن للكاتب -بكل بساطة- أن يكتب عن هذه الأمور… ولكن ما هو الهدف يا ترى؟… هل كتاباته هذه ستؤتي أكلها أم أنها ستكرس الوضع، وتزيد الطين بلة، وتقلّب المواجع، وتكسر الطفل مرة ثانية فوق مرته الأولى. الإنسان بطبعه لديه احتياجات نفسية عميقة، وعلى رأسها حاجته للإحساس بالطمأنينة والهدوء، فالكاتب حين يزعزع طمأنينته فإنه حتما يكرس وضع القلق لديه، فينشأ الطفل غير مستقر النفس، وهو ما سيضر المجتمع الإنسانيّ عموما ضررا بالغا.
– المحطة الثانية: أم هل يحيد الكاتب بوجهه بعيدا عن الكارثة متحدثا عن ميكي ماوس وتوم وجيري والأميرة النائمة وحورية البحر وسوبرمان… وعن عالم المثل والجمال والخير والصدق والضحك؟؟… في ظل وضع الحطام والأنقاض وانهيار المنازل؟… وفزع القلوب؟… نعم الكثير من هذه الحكايات ونوع هذه الكتابات جيد ولكن طبيعة الظرف تطلب حضور نوع آخر من الكتابات، نوع خاص. لأن الطفل أثناء الكوارث يعيش حالات طارئة وملحة جدا، يحتاج لمن يبين ويوضح للطفل ما يجري… ما يحدث أمام عينيه وفي واقعه القريب: يحدثه عن الأرض التي اهتزت من تحته، عن الفيضان الذي غمر بيته.. يحدثه عن أمه التي فقدها فجأة، عن داره التي أصبحت ذكرى ليلة أمس… عن الخيمة التي أصبح يسكنها… عن مدرسته التي أصبحت حطاما… ولكن بطريقة سنتحدث عنها في المحطة الثالثة… فإذا تجاوز الأطفال هذه المرحلة الصعبة من حياتهم يعود للكتابة الطبيعية… لأنه طبعا لا يعقل أن نحصر أطفال الكوارث بين أسوار مواضيع المآسي والأزمات… إنما هي فترة عابرة، ولكنها حرجة جدا، تستدعي حضور الكاتب الفعال.
– المحطة الثالثة: أم أن الكاتب سينطلق من ألم الكوارث ليحوله لأمل؟ من قطرات الدموع ليجعل منها إشراقة تفاؤل لغد أفضل… هنا؛ سيكون الكاتب للطفل مثل الطبيب الجراح الذي يضع مشرطه على مكان الوجع لينتشله. يراعى ضعفه حتى ينشأ سليما في أقسى الظروف… يتحداها… رغم ضعفه… بتعاون الجميع بتكاتفهم… كتابات لا تتحدث عن الكارثة إلا بمقدار؛ يُعلّم الطفل أن لكل جيل تحدياته، لكل جيل عقباته التي وجب أن يتخطاها، وأن الحروب والزلازل والفيضانات… كانت تصيب الإنسان منذ آلاف السنين، ومع ذلك قاوم وتحدى وواصل الحياة بقوة وتفاؤل… بل إن الطفل ولو كان مصابا عليه أن يكون دواءا لزميله المتضرر إلى جانبه، هكذا ينشّأ من خلال الكتابة والإبداع على التحمل والرجولة والبطولة… في وضع يتطلب الرجولة والإقدام… كتابات توفر عناصر الإفادة محافظة على عناصر المتعة والترفيه والخفة… فعمل كتّاب أدب الطفل الأساسي هو التخفيف من التوتر والضغوطات الناجمة على الكوارث… ودورهم -كذلك- مساعدة أولئك المرابطين في ميادين الكوارث لإمدادهم بكتابات يمكن لهم استخدامها كوسائل تفريغ نفسي تنشر البهجة في صفوف الأطفال المتضررين، وتخفف عنهم المصاب وتوضح لهم ما جرى، وطبيعة المرحلة الجديدة… فإذا فهم الطفل بشكل جيد جدا ما حدث له، فلا شك أنه سيمتلك مستقبلا أدوات مواصلة الحياة بسلام، وبشكل أشد مضاءا وأقوى تحملا وأعرف من أي شخص آخر بطبيعة هذه الحياة التي نعيشها…

2.1. التطوع بالكتاب أثناء الكوارث
في حالة الكوارث؛ نجد وزير الثقافة الإنسان، نجد قيّم المكتبة الإنسان، نجد تاجر الكتب الإنسان، ونجد أيضا الكاتب الإنسان، الكاتب الذي يتجاوز محنه، تماما كما تجاوزها ذلك الرجل الفقير من عمق الأحياء الشعبية الذي تبرع بنصف كيس من دقيق أبنائه لصالح ضحايا زلزال جبال الحوز في مراكش، وكتلك المرأة التي تطوعت بخاتم خطوبتها، وكتلك العجوز التي تبرعت بقنينة زيت، وكذلك الطفل الذي تبرع بأعز ما لديه؛ بدميته … هؤلاء الذين نجحوا في امتحان الإنسانية باقتدار… أيكونون أفضل من الكاتب المثقف؟… والكاتب للطفل خصوصا؟.. والعاملون في المجال الثقافي عموما؟…
نحن من جهة نتحدث عن العملية الإبداعية العاجلة والمتعاطفة مع وضع الطفل المتضرر، والعميقة، والفنية… ومن جهة أخرى نتحدث عن التطوع بهذه المادة، لأن الكاتب (والعاملون في حقل الكتاب) قد يبخل بكتابته بعد إنجازها وسهر الليالي لتجويدها، ولا يفضل التبرع والتطوع بها… فيكتنزها وينتظر الفرصة لبيعها طال الزمن بها أو قصر. فيخسر بالتالي أطفال الكوارث أعمالا جيدة كانت ستساهم بشكل فعال في تخفيف أزمتهم…

2- كارثة الحرب وكتاب الطفل
كما أن الكتابة للطفل أنواع، كذلك الأطفال ليسوا نسخة واحدة، تماما مثل أحوال الطقس التي لا تتشابه… والذين يتعاملون بشكل يومي مع الأطفال أثناء مختلف أنواع الكوارث يدركون أن كل طفل حالة خاصة تابعة لظروف ذاتية وموضوعية. نعم الأطفال يتشابهون في أمور كثيرة، ولكنهم كذلك يختلفون في أمور كثيرة. ليس لكل الأطفال شخصية وذائقة واحدة، إنهم لا يتلقون الكوارث وما يصلهم لعلاجها بنفس الطريقة… لذلك كان التنويع أمر مهم جدا. وملء المكتبة للطفل بأنواع الكتابات أمر غاية في الأهمية ومراعية لهذا التنوع البشري والحياتي الحاصل. وإعداد مكتبة للطوارئ بما فيها كارثة الحرب أمر مهم جدا.
لطالما تحدثنا عن مسؤولية الكتابة لأطفالنا، وضرورة ملء مكتبة عربية تتنفس تراب أرضنا، فلنكتب لهم إذن، لنكتب لهم عن واقعهم القريب منهم، عن مشاكلهم اليومية التي يتعرضون لها، لنحدثهم بلسان يفهمونه من القلب إلى قلوبهم الصغيرة… ينعشهم ويخرجهم من التوترات الناجمة عن مختلف مواقف الحياة حتى التي هي أكثر ضبابا وظلمة وغبشا… الكتابة للطفل مهنة صعبة جدا، كلمات قليلة تغني عن آلاف الكلمات… كلمات عسلية شافية… بسيطة واضحة لا إطناب فيها ولا رمزية ولا تجريد… قد تجبر الكسر، وتشفي الغليل، والأطفال جديرون بأن ينقذوا كوكب الأرض من ويلات الحروب بأن نجعلها ورقة ضاغطة جدا، إذا أحسنا الإبداع واستثمار مواقف الحياة حتى الصعبة والشائكة منها بقلم فني سيال.

2..1 أطفال العالم العربي تحت نيران الحرب
من المعلوم أن (الكوارث) أنواع، وأن لكل كارثة إنسانية مميزاتها التي تختلف بها عن الأخرى، فمثلا هناك فرق كبير بين كارثة الحرب، والكوارث الطبيعية ككارثة الزلزال والفيضان والبركان… فكارثة الحرب التي هي بفعل الناس ونتيجة صراع الناس وغلبة القوي على الضعيف… هي كارثة أعظم في وقعها، خاصة إن طالت الحرب واستمرت لسنوات…

ومن الغريب أن عالمنا العربي ما أن ننتظر نهاية حرب في جهة منه، حتى تشب حرب في جهة أخرى. والأطفال طبعا هم الأكثر تضررا جراء اليتم والأمراض والإعاقات والاتجار بهم… سعدتُ حين سمعت بتأسيس مجلة للأطفال من السودان تحت عنوان (شليل) رغم قسوة الظروف… من قبَل ثلة من الغيورين على الطفل وعلى فراغ الساحة الثقافية الخاصة بالطفل… فإذا بالأمور تتوتر.. وتشتعل الحرب بالسودان تضاف إلى ألم الجراح.
واقع الطفل العربي المعاش والمر بالجهل بالفقر بالأمراض… وتفاقم الوضع وازدياده سوءا في كل مرة… يجعل الكاتب العربي للطفل يتخبط، والمكتبة العربية للطفل ضعيفة جدا، ولا شك أن كل هذا سيؤدي بالأجيال العربية القادمة للانتظار أكثر لرغد العيش وللعدالة… الحروب في كل مكان. في كل مرة يزداد لهب نيران الحروب لتصل ويلاتها بلادا عربية جديدة… تدخل طاحونة الدمار… الذي لا يُبقي ولا يذر… ويُنتج بالتالي المزيد في مستنقع كوارث النزوح والتشرد والتسول… كيف لطفل هذا شأنه أن يقرأ؟؟… أن يطالع؟؟ أن يمسك كتابا ويساهم في نهضة أمته؟؟…
وكيف يشتغل الكاتب للصّغار وسط الدمار؟ كيف يكتب للأطفال عن البسمة والأمل والعيش لا يُطاق؟؟… كيف يقدم لهذا الطفل الضعيف الحلول؟…
وكيف سنؤسس مؤسسات علمية ثقافية ترعى أطفالنا؟ وما يقدم لأطفالنا ونحن على هذا الوضع المزري؟؟… هذه أسئلة صعبة جدا ومعادلات غاية في الإشكال، ولكن وجب بالضرورة حلها.

 

*كاتب للأطفال_ المغرب

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود