80
040
020
046
0204
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
3112
02111
02058
01636
01436
12
إدوارد سعيد، خارج المكان، (دار الادب, 2000,
ترجمة فواز طرابلسي).
Homi K. Bhabha, The location of Culture, (Routledge, 1994)
الكاتبة والمترجمة_ د. آلاء الغامدي
يُعد مفهوم الشتات (Diaspora) والهوية الهجينة (Hybrid Identity) من اهم المصطلحات المتداولة في دراسات ما بعد الاستعمار والتي تختص بنقد الخطاب الاستعماري وما بعد الاستعماري ودراسة صور الهويات المتشكلة في ظل تعدد الثقافات. وتختص النظرية أيضاً بمعالجة العديد من القضايا المختصة بالهوية والثقافة والتاريخ القديم والمعاصر لفهم العلاقة بين قوات الاستعمار والشعوب المستعمرَة ونقد الخطاب الاستعماري وما بعده والمُنتِج للصور النمطية للشعوب المستعمرة.
ويشير مصطلح “الشتات” عموماً إلى الهجرة الطوعية أو القسرية للأشخاص من موطنهم الأصلي وجميع ما ينتج عن عملية الهجرة من تأثيرات على جوانب الهوية المختلفة كاللغات والثقافات والأديان. ويغلب شعور الألم على حياة الناس المشتتين بسبب انفصالهم عن اوطانهم وثقافاتهم ولغاتهم مما يجعلهم أكثر عرضة لويلات العنصرية والتهميش ويجعلهم ضحايا للمعايير المزدوجة. ويتسبب الشتات والانتقال من مكان لأخر ومن ثقافة لأخرى في ازدواجية الانتماء على العديد من الأصعدة كازدواجية الزمان والمكان والثقافة، كأن يعيش صاحب تجربة الشتات في وطنه خيالاً بينما يتواجد جسدياً خارج وطنه. وتُعرف هذه الحالة بالهوية الهجينة، وهو مصطلح يُنسب إلى الكاتب والناقد هومي بابا (Homi Bhabha)، حيث أشار الى المصطلح في كتابه “موقع الثقافة” The Location Of Culture”” الذي نشره في عام 1994م ليُعرف الهوية الهجينة على أنها حالة بين أمرين وفضاء بين ثقافتين.
ويصف هومي بابا حالة المهاجر أنه في حالة مفاوضة دائمة لازدواجية الانتماء لوطنين ولثقافتين وللغتين مختلفتين مما يجعله يخلق لنفسه ما يعرف بالفضاء الثالث “Third Space” وهو موقف تكون في الثقافة غير مستقرة وقابلة للتغير والتأثر بالمعارضات الثنائية. وقد اُستخدمت نظريات هومي بابا لفهم حالات الشتات والهويات الهجينة في العديد من الكتابات الأدبية ومن بينها الكتابات التي تنقل تجربة الشتات الفلسطيني منذ تهجيرهم القسري في عام 1948م على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ومن اهم الأمثلة على أدب الشتات الفلسطيني هو كتاب خارج المكان Out Of Place للكاتب والعالم والناقد والاديب والمفكر الفلسطيني-الامريكي إدوارد سعيد، وهو أحد ابزر المفكرين في القرن العشرين وصاحب كتاب الاستشراق Orientalism والذي يعد من اهم المؤلفات التي ساهمت في فهم العلاقة بين الشرق والغرب.
يتناول إدوارد سعيد في مذكراته خارج المكان Out Of Place رحلته الشخصية من طفولته في القدس ومصر الى تجربته في الولايات المتحدة. ويروي قصة نشأته في أسرة فلسطينية وتأثرهم بالأحداث السياسية والتاريخية مثل نكبة فلسطين والتشتت الفلسطيني. المذكرات تتناول أيضا موضوعات مثل التهجير والانتماء والهوية والثقافة، ويعكس تأثير الظروف الشخصية والسياسة على تشكيل الذات والتمازج بين العوالم المختلفة. يقدم سعيد في هذا الكتاب تحليلا شخصيا لتجربته ويطرح الأفكار حول الهوية المتناقضة والتوترات الثقافية والسياسية التي يمكن ان يواجهها المهاجرون.
ومن تجليات مفهوم الشتات والهوية الهجينة في مذكرات سعيد وصفه لحالة الازدواجية الكامنة في كلا الشقين من اسمه، حيث يحمل الشق الأول “إدوارد” ارتباطه بالعالم الغربي والشق الاخر “سعيد” ارتباطه بالعالم العربي بينما يشير الى ألية تعامله مع اسمه في ظروف مختلفة تعتمد على سياقات سياسية وثقافية وتاريخية. يقول سعيد:
“For years, and depending on the exact circumstances, I would rush past “Edward” and emphasize “Said”; at other times I would do the reverse, or connect these two to each other so quickly that neither would be clear. The one thing I could not tolerate, but very often would have to endure, was the disbelieving, and hence undermining, reaction: Edward? Said?”
“وخلال سنوات وتباعا للظروف، كنت اتجاوز “إدوارد” وأوكد على “سعيد”, وأحيانا افعل العكس، أو كنت أعمد إلى لفظ الاسمين معا بسرعة فائقة بحيث يختلط الامر على السامع. ولكن الامر الوحيد الذي لم أكن بوسعي تحمله، مع اضطراري لفعل ذلك، هو ردود الفعل المشككة والمنكرة عند سماع إسمي: إدوارد؟ سعيد؟”
وفي سياق متصل بأزمة الاسم، يعرض سعيد صورة أخرى من صور هويته المهجنة من خلال تساؤلاته حول لغته الام. يسرد لنا سعيد الصعوبة في تذكر بدايات ارتباطه بأياً من اللغتين التي يتحدث بهما، فيقول:
“The travails of bearing such a name were compounded by an equally unsettling quandary when it came to language. I have never known what language I spoke first, Arabic or English, or which one was really mine beyond any doubt. What I do know, however, is that the two have always been together in my life, one resonating in the other, sometimes ironically, sometimes nostalgically, most often each correcting, and commenting on, the other. Each can seem like my absolute first language, but neither is.”
“اندغم عندي تحمل مشقات مثل هذا الاسم مع ورطة لم تكن أقل إقلاقاً، تتعلق باللغة. فأنا لم أعرف أبداً أية لغةً لهجت بها أولاً: أهي العربية أم الإنجليزية، ولا أياً منهما هي يقيناً لغتي الأولى. ما أعرفه هو أن كلتا اللغتين كانتا موجودتين دوما في حياتي، الواحدة منهما تُرجع صدى الأخرى، وتستطيع كل منهما إدعاء الأولوية المطلقة، من دون أن تكون هي فعلا اللغة الاولى”
وحين تتعدى ازمة الشتات والهوية الهجينة حدود الاسم واللغة، يروي لنا سعيد مصاعب التعايش مع ازدواجية الانتماء وتعدد الهوايات التي ترافق الانسان العربي بشكل عام والانسان الفلسطيني بشكل خاص في العالم الغربي، يقول سعيد:
“I have retained this unsettled sense of many identities‑mostly in conflict with each other- all of my life, together with an acute memory of the despairing feeling that I wish we could have been all-Arabs, or all-European and American, or all-Orthodox Christian, or all-Muslim, or all-Egyptian, and so on … “What are you?” [he remembers being asked]; “But Said is an Arab name”; “You’re an American?”; “You’re American without an American name!”; “How come you were born in Jerusalem and you live here?; “You are an Arab after all, but what kind are you”
“ولقد امتلكني هذا الشعور المقلق بتعدد الهويات- ومعظمها متضارب- طوال حياتي، ورافقته ذاكرة حادة أني كنت أتمنى بشكل محموم لو أننا جميعاً عربٌ كاملون أو أوروبيون أو أمريكيون كاملون أو مسيحيون أرثوذكسيون كاملون أو مسلمون كاملون أو مصريون كاملون، وما إلى ذلك. واكتشفت أني امام خيارين اجابه بهما أسئلة او ملاحظات شكلت بالفعل سياق تحدٍ واعترافٍ وهتكٍ، من نوع : “ما أنت؟”, “لكن سعيد اسم عربي…”, “هل أنت امريكي؟”, “تقول إنك امريكي مع ان اسمك ليس أمريكياً”, “لا يبدو شكلك أمريكياً”, “كيف يعقل ان تكون ولدت في القدس وانت تعيش هنا”, “انت عربي في نهاية المطاف، ولكن من أي نوع؟”..”
إن هذه النماذج هي جزء من نماذج كثيرة في “خارج المكان” يروي فيها سعيد تجربته في الهجرة والعيش بين ثقافتين وهويتين متناقضتين حيث يستكشف التوترات التي يمكن أن تنشأ من الشعور بالانتماء لمكانين مختلفين والتشكل المزدوج للهوية الهجينة وتجليات التجربة الفلسطينية مع مفهوم الشتات والتغريب. ويُعتد بالمذكرات كمصدرٍ ثري لفهم تجربة الشتات بشكل عام والتجربة الفلسطينية بشكل خاص مما يثري النظريات والدراسات المختصة في مجالات الهوية والاتصال والتواصل مع الاخر في شتى السياقات.
المراجع:
Edward Said, Out of Place, (A. Knopf, 1998)
مقال أكثر من رائع وتفاصيل تشد القارىء، جميييل جداً وليس بالغريب على الكاتبه الرائعه. وشكراً لك على هذا الطرح القيم.