90
0155
0305
1812
1167
2الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11753
04693
04291
173913
03353
0
هدى الشهري
هو زياد بن معاوية، يُكنّى بأبي أُمامة، من سادات قومه، تميز بأخلاقه وقوته وشجاعته وحكمته، فقد تمكن في شعره أن يجمع بين خصلتين اثنتين، الأولى بصفاته التي تنعكس على وصفه الرقيق وحسه المتميز وخياله البارع في انتقاء المعاني والألفاظ، والثانية هي صفاته الحميدة، ومزاياه الأخلاقية التي ظهرت في وقاره فصنعت له الهيبة والمكانة، والتي رفعت من قدره بين معاصريه.
وكان يحكم بين الشعراء كما جاء في كتاب(الأغاني) للأصفهاني، نقلاً عن ابن قتيبة، كانت تُضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ يجتمع إليه فيها الشعراء؛ فدخل إليه حسان بن ثابت وعنده الأعشى وقد أنشده شعره, وأنشدته الخنساء قصيدتها التي مطلعها :
قَذىً بِعَينِكِ أَم بِالـعَينِ عُـوّارُ أَم ذَرَفَت إِذ خَلَت مِن أَهلِها الدارُ
حتى انتهت إلى قولها:
وَإِنَّ صَخراً لَتَأتَمَّ الهُـداةُ بِـهِ كَـأَنَّــهُ عَـلَــمٌ فـي رَأســـِهِ نـــارُ
وَإِنَّ صَخراً لَمولاِنا وَسَيِّدُنا وَإِنَّ صَـخـراً إِذا نَـشـتـو لَـنَحّـارُ
فقال: لولا أن أبا بصيرٍ – يقصد الأعشى وهو شاعر مشهور من أصحاب المعلقات – أنشدني قبلك لقلت: إنك أشعر الناس !!
فقال حسان: أنا والله أشعر منك ومنها.
قال: حيث تقول ماذا؟
قال: حيث أقول:
لَنا الجَفَناتُ الغُرُّ يَلمَعنَ بِالضُحى وَأَسيافُنا يَقطُرنَ مِن نَجـدَةٍ دَما
وَلَدنا بَني العَنقاءِ وَاِبني مُحَـــرَّقٍ فَأَكرِم بِنا خالاً وَأَكرِم بِذا اِبنَما
فقال: إنك لشاعر لولا أنك قللت عدد جفانك وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك.
وقد أُطلق عليه لقب النابغة لشدّة بلاغته الشعريّة، وفي ذلك يقول الأصمعي: أول ما تكلم به النابغة من الشعر أنه حضر مع عمه عند رجل، وكان عمه يشاهد به الناس ويخاف أن يكون عيبًا، فوضع الرجل كأسًا في يده وقال:
تطيب كؤوسنا لولا قذاها وتحتمل الجليس على أذاها
فقال النابغة وحمي لذلك:
قذاها أن صاحبها بخيل يحاسب نفسه بكَمِ اشتراها
وهذا يعارض به ما قاله الرجل.
صنفه ياقوت الحموي في كتابه “معجم الأدباء” على أنه شاعر جاهلي من الطبقة الأولى، من أهل الحجاز، وقد كان مكثرًا من قول الشعر، وترك وراءه ديوانًا يضم قصائد عديدة قيلت في مناسبات مختلفة، فقد تفنن في غرض المديح والذي خص به ملوك وأشراف القبائل التي كان يفدها، ومن أبرزهم النعمان بن المنذر صاحب الحيرة حيث كان النابغة الشاعر المُفضل بالنسبة إليه فكان يُكثر من مدحه وشكره والآخر يُجزيه العطاء فاكتنز من وراءه ثروة عظيمة، بالإضافة إلى مدحه ملوك الغساسنة عمرو بن الحارث الأصغر، ومن بعده أخاه النعمان، وغيرهم الكثيرون.
وقد كان المديح عند النابغة لدوافع نبيلة نابعة من الاعتراف بالجميل خاصة إذا قدّم الممدوح للنابغة الذبياني أمر يستحق عليه الثناء. كما كان يحرص على التقرب من الملوك وولاة الأمر وطلب رضاهم خاصة ملوك حمير والغساسنة، ومن ذلك قوله:
فَتِـلـكَ تُـبـلِغُـني الـنُعـمـانَ إِنَّ لَـهُ فَضلاً عَلى الناسِ في الأَدنى وَفي البَعَدِ
وَلا أَرى فاعِلاً في الناسِ يُشبِهُهُ وَلا أُحـــاشــي مِـنَ الأَقـــوامِ مِـن أَحَـدِ
إِلّا سُـلَـيــمـانُ إِذ قـالَ الإِلَـهُ لَـهُ قُـم فـي الـبَـرِيَّـةِ فَـاِحـدُدهـا عَـنِ الـفَنَدِ
وقوله:
رقـاقُ النعـالِ ، طيـبٌ حـجزاتهـمْ يُـحـيَـوّنْ بـالـريـحـانِ يـومَ الـسبَّـاسِـبِ
تُـحَـيّـيـهـم بـيـضُ الـولائِـدِ بـيـنَهُم وأكسِيـة الأضـريـج فـوق الـمـشـاجِـبِ
ولعل الغرض الشعري الذي غلب على النابغة كان الاعتذار، فقد اكتسح الشاعر الزعامة بجدارة في أشعار الاعتذار التي قيلت في العصر الجاهلي، وكان أجود الشعراء في هذا الفن خاصةً في قصيدته التي قدمها للنعمان بن المنذر ملك الحيرة والتي طلب فيها العفو إذا ما أساء له بقول أو فعل، فتأثر الملك بشدة من لطف اعتذار الذيباني، وأغراه إلحاحه وطلبه الرضا، فقد كان شعره حكيمًا بليغًا شديد الأدب، ومن ذلك قوله:
ومن أغراضه الشعرية أيضاً كان الهجاء، بالإضافة إلى المُفاخرة، والرثاء والعتاب، ومثال ذلك قصائد أنشدها في قبيلته بني ذيبان الذين ظلموه رغم اعتزازه بهم، كما نظم في الغزل ولكنه كان مقلاً فيه بسبب طبيعة حياته، وبعده عن اللهو والانفعالات العاطفية والنفسية، فقد كان شعره يميل إلى الجدية بشكل كبير بسبب علاقاته مع الملوك.
أما غرض الوصف فقد أبدع فيه الشاعر، وتراوح ذلك بين وصف الطبيعة بما فيها، ووصف النساء، ومن ذلك وصفه الحياة في عصره، ومن ذلك قوله:
كَـأَنَّ رَحْـلِي وَقَـدْ زَالَ النَّهَـارُ بِنَـا بِـذِي الجَـلِيـلِ عَـلَى مُسْتَـأْنِسٍ وَحَــدِ
مِنْ وَحْشٍ وَجْرَةَ مَوْشِيٍّ أَكَارِعُهُ طَاوِى المَصِيرِ كَسَيفِ الصَّيْقَلِ الفَرَدِ
سَـرَتْ عَـلَيْهِ مِنْ الجَوْزَاءِ سَارِيَـةٌ تُــزجِـى الشَّـمَـالُ عَلَيْهِ جَـامِدَ البَـرَدِ
كما نظم بعض المقطوعات الشعرية في الحكمة ومنها قوله:
وَاِستَبقِ وِدَّكَ لِلصَديقِ وَلا تَكُن قَتَباً يَعَضُّ بِغارِبٍ مِلحاحـا
فَـالرُفـقُ يُمنٌ وَالأَنـاةُ سَعـادَةٌ فَتَأَنَّ في رِفقٍ تَنالُ نَجاحا
وَاليَأسُ مِمّا فاتَ يُعقِبُ راحَةً وَلِرُبَّ مَطعَمَةٍ تَعودُ ذُباحا
ويقول أيضاً:
مَن يَطـلِبِ الـدَهرُ تُدرِكـهُ مَخـالِبُهُ وَالدَهرُ بِالوِترِ ناجٍ غَيرُ مَطلوبِ
ما مِن أُنـاسٍ ذَوي مَجـدٍ وَمَكرُمـةٍ إِلّا يَـشُـدُّ عَـلَيـهِـم شِــدَّةَ الــذيـبِ
إِنّي وَجَدتُ سِهامَ المَوتِ مُعرِضَةً بِكُـلِّ حَـتـفٍ مِنَ الآجـالِ مَكتوبِ
وتتميز الصورة الشعريّة في قصائد النابغة باستخدام الأسلوب القصصيّ المشوّق، ويُعدّ الأسلوب الحكائيّ واحد من أساليب ظاهرة الاستطراد الشائعة(وهي ما يصفه أبو هلال العسكري في كتابه” الصناعتين” بـ: أن يأخذ المتكلم في معنى، فبينا يمرُّ فيه يأخذ في معنى آخرَ، وقد جعل الأول سببًا إليه)، والتي استخدمها الشعراء الجاهليون في بنائهم لنص القصيدة، بحيث يؤلّف أحدهم كالذبياني مثلاً سرداً قصصياً غنيّاً بالأحداث، ليظهر في نص الشعر، ومن جانبه فقد ركّز الذبياني على تصوير حيوان الوحش كأحد التصاوير المشوّقة في كثير من قصائده.
اتصفت أشعار الذيباني بحسن السرد وبامتلاكها رونقًا وحسًا فنيًا مميزًا، بالإضافة إلى جزالة المعنى ووضوحه، وخفة وسهولة اللفظ، والبعد عن التكلّف وجودة النظم.
قال الأصمعي: سألت بشارًا عن أشعر الناس؟ فقال: أجمع أهل البصرة على تقدم امرئ القيس وطرفة، وأهل الكوفة على بشر بن أبي خازم والأعشى، وأهل الحجاز على النابغة وزهير، وأهل الشام على جرير والفرزدق والأخطل، وهذا باختلاف الآراء.
وقد عده ابن سلام الجمحي في كتابه “طبقات فحول الشعراء” في الطبقة الأولى بعد امرئ القيس، فقد كان لا ينسج كلامه إلا على منوال الفصاحة، ولا يخيطه إلا بخياط البلاغة، فشعره متين السبك، جيد الحبك، صافي الديباجة، واضح المعاني، وقد شهد له بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأبو الأسود الدؤلي وحماد الرواية والأخطل وجميع صاغة الشعر.
ومما رواه (الشعبي) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: من أشعر الناس؟. قالوا: أنت أعلم يا أمير المؤمنين. قال من الذي يقول:
إلّا سـلـيـمـان، إذ قـال الإلـه لـه قـم في الـبريـة، فاحـددها عـن الفـنـد
وخيس الجن، إني قد أذنت لهم يـبـنـون تـدمـر بـالـصـفـاح والـعـمـد
قالوا: هو النابغة، فقال: فمن الذي يقول:
حلفت، فلم أترك لنفسك ريبة ولـيــس وراء الله لـلـمـرء مــطـلـب
ولست بمستبق أخـا لا تلمـه عـلى شـعـث أي الرجـال المهـذب؟
قالوا: هو النابغة. قال: فمن الذي يقول:
أتيتك عـاريـا، خـلقـا ثيـابـي على وجــل، تـظــن بـي الـظـنون
قالوا: هو النابغة. قال: فهو أشعر العرب.
وقام رجل إلى (ابن عباس) فقال: أي الناس أشعر؟ فقال ابن عباس: أخبره يا أبا الأسود. قال: الذي يقول:
فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
ومن ممیزات شعره ما رُوي عن حماد الراویة، إذ سئل بم تقدم النابغة؟ قال: باكتفائك بالبيت الواحد من شعره، لا بل بنصف بیت، لا بل بربع بیت، مثل قوله:
حلفت فلم أترك لنفسك ریبة ولـیـس وراء الله لـلمـرء مـذهب
كل نصف یغنیك عن صاحبه، وقوله:
ولست بمستبق أخا لا تلمه على شعث،(أي الرجال المهذب؟)
ربع بیت یغنیك عن غيره.
ولا يمكننا الحديث عن النابغة الذبياني دون التطرق إلى معلقته، فقد اختلف رواة الأدب ونقاده حول الشاعر، وهل هو من أصحاب المعلقات أم لا؟ فالتبريزي في كتابه “شرح القصائد العشر” استدرك ما كتبه في ” شرح القصائد السبع” وأضاف إليها الأعشى وعبيد بن الأبرص، ودالية النابغة الذبياني، أما الزوزني في كتابه “شرح المعلقات السبع” فلم يذكر بينها قصيدة النابغة التي وُصفت بالمعلقة، أما الخطابي في كتابه “المعلقات” فقد ذكر من بين الشعراء النابغة لكنه قدم لنا قصيدة ليست بالمعلقة، ومثله أبو زيد القرشي في كتابه” جمهرة أشعار العرب”،وكذلك الهاشمي في كتابه” جواهر الأدب “وإنما وضعوا:
عُوجُوا فحَيّوا لِنُعْمٍ دِمْنَةَ الدَّارِ مَاذَا تُحَيَّونَ مِنْ نُؤْيٍ وأَحْجَارِ؟
أَقْوَى وَأَفْقَرَ مِنْ نُعْمٍ، وَغَيَّـرَهُ هُوْجُ الرِّياحِ بِهَابيْ التُّربِ مَوَّارِ
وخلاصة القول أنه تأرجح بقية نقلة الأدب بين هذين الرأيين إما القصيدة الرائية سابقة الذكر، أو القصيدة الدالية والتي يقول فيها :
يا دارَ ميَّـةَ بالعَـليـاءِ فالسَّنـدِ أقـوَت وطـالَ عـليهـا سـالِـفُ الأبَـدِ
والأغلب هم الذين نفوه من شعراء المعلقات سواء كان النحاس أو ابن الأنباري أو التبريزي أو الزوزني، بينما لم يختلف النقاد في شأن الشعراء الآخرين أو في قصائدهم، وبعد دراسة القصيدتين لتحديد أيهما تنطبق عليها مواصفات المعلقة يتضح لنا أن القصيدة الرائية استفتحها الشاعر بالوقوف على الأطلال، ثم الغزل ومن ثم وصف الطريق ومن ثم وصف ناقته ثم المديح والاعتذار، وبهذا تكون الرائية أتم في فنونها وأقرب إلى المطولات من الدالية والتي تختلف عن منهاج القصائد المطولة وإن كانت هذه القصيدة طويلة لكنها تختلف في فنها عن القصائد الأخرى التي اعتبروها معلقات فهذه القصيدة تبدأ بالوقوف على الأطلال ثم وصف ناقته ثم الموضوع وهو الاعتذار، ولكن الإجماع شبه منعقد على الدالية.
وخير ما أختم به مقالتي قصيدة الشاعر الشهيرة، والتي كانت أول ما قرأته لهذا الشاعر الفذ والتي يقول فيها:
التعليقات