مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

أ. فاطمة الجباري جاءت الحياة مقبلة ضاحكة مستبشرة مع قطرات المطر تنعش أرواحنا من …

وجاء المطر

منذ سنة واحدة

988

13

أ. فاطمة الجباري

جاءت الحياة مقبلة ضاحكة مستبشرة مع قطرات المطر تنعش أرواحنا من جديد وكأنها تقول لنا:
عيشوا لحظات ممتعة مع من تحبون..
انهضوا من مراقدكم ،غادروا فرشكم، احملوا أمتعتكم وانطلقوا، إلى حيث الهواء الطلق ونسمات الهواء الباردة.
تأملوا السماء وصفاءها والأرض واخضرارها.
جاء المطر ليخبرنا بأن السحب تحمل الماء وتسقطه في الحين الذي لم تعد تستطيع حمله،  مثل دموعنا تماما تسقط إذا لم نعد نستطيع مقاومة حزننا…
مع المطر عادت ذكريات بيتنا الطيني في (حي العود)
وجدرانه التي صنعت من القش والطين وسقفه الذي كان من جريد النخل.
لم تزينه الألوان و الأصباغ لكن زينه اجتماع أسرتنا السعيدة في تحملها للظروف القاسية.

يجيء المطر يغرق البيت، ويسارعون لتصريف الماء بما لديهم من أقمشة باليه يسدون الفتحات ويجرفون الماء للخارج وسط فرحة عارمة وضحكات الأطفال..
وفرحتهم بالمطر.
ذهبت بي الذكريات إلى جارتنا أم فهد تلك العجوز العمياء فاقدة البصر لكنها لم تفقد البصيرة، فلديها حكمة، وحسن تصرف.

كانت ترى بقلبها أكثر منا نحن المبصرون ومما أتذكره جيدًا حين كانت أمي تبحث عن إبرة لتخيط بها بعض الملابس المهترئة حين قالت لها : اذهبي إلى الحجرة الفلانية وستجدين الإبرة مغروزة في السقف، حيث كان السقف من جريد النخل مغطى بالقماش،  وبالفعل وجدتها أمي في المكان الذي أشارت إليه.
أم فهد المالك للبيت الذي نسكنه كانت تحب أمي كثيرًا، وتحضر إليها صباحا لتشاركها قهوة الصباح وتستمع إلى حديثها وذكرياتها التي لا تمل.
ومن القصص العجيبة أنها شعرت بتسلل حرامي للبيت وهي جالسة في مكانها وأمي في المطبخ تصنع القهوة!!
فما كان منها إلا أن نادت بأعلى صوتها باسم والدي.
وإخوتي حتى يعلم أن في البيت رجال !!
فيخاف ويهرب
وهذا ما حدث بالفعل.
خرجت أمي من المطبخ مسرعة إليها، ورأت الرجل يغادر من الباب وسألتها من هذا؟  وما الأمر؟ فأخبرتها أنه رجل جاء للسرقة وهو يعلم أن هذا الوقت لا يوجد أحد في المنزل غير النساء، فرفعت صوتي وناديت حتى يظن أن في البيت رجالا فيخاف ويخرج.
تقول أمي لم أنس هذه المرأة ولا معروفها معي..
فقد كانت طباخة ماهرة رغم أنها كفيفة، تصنع الطعام ولا تأكل منه شيئًا حتى تطعمنا منه.
امرأة صالحة تمتاز بالذكاء والخلق والدين تعيش في بيتها مع أبنائها وزوجاتهن ..
كانت لتلك الأيام حلاوتها..
وللحياة وجهها الآخر ..
كما تفرحنا لا بد من أن تحزننا، في يوم العيد لبس حفيداتها التوأم ملابس العيد فرحات مسرورات..
وكعادة النساء يصنعن الطعام في المنزل للاجتماع يوم العيد..
وكان اللحم يطهى على النار وحفيداتها التوأم يحمن حوله والموت يحوم حولهن !!
وللقدر حضور في هذا اليوم فقد انكفأ مرق اللحم عليهن واحترقوا حروقا بالغة..
لم ينجن منها، وحزنت الجدة حزنًا شديدًا، ولم تتحمل فراقهن وهن الحبيبات إلى قلبها، فلحقت بهن بعد شهر من هذه الحادثة..
بكتها أمي بكاءً  شديدًا وحزنت عليها فلم تكن جارة فحسب، بل كانت أمًا لها، تراعيها وتحبها وتساعدها وتشفق عليها.

رحم الله أمي، وأم فهد، رحم الله جيل الطيبين أجمعين…
ويعود الشتاء وتعود معه الذكريات الجميلة وطفولتنا
البريئة…

وفي الختام
الوقت ليلًا والشتاء بلا قمر، نشتاق في سأم الشتاء شعاع دفء حولنا، نشتاق قنديلا يسامر ليلنا، نشتاق من يحكي لنا من لا يمل حديثنا، تنساب أغنية فتمحو ما تراكم من هوان زماننا، نهفو لعصفور إذا نامت عيون الناس، يؤنسنا ويشدو حولنا، نشتاق مدفأة تلملم ما تناثر من فتات عظامنا، نشتاق رفقة مهجة تحنو علينا إن تكاسل في شحوب العمر يوما نبضنا، نشتاق أفراحًا تبدد وحشة الأيام بين ضلوعنا، نشتاق صدرًا يحتوينا كلما عصفت بنا أيدي الشتاء وشردت أحلامنا.
– فاروق جويدة-

* كاتبة سعودية

الكلمات المفتاحية

التعليقات

  1. يقول اريج جباري:

    ❤️ قصه جميلة لها معاني عميقة ❤️

  2. يقول العنود حسن:

    الحمدلله على جمال الأيام والذكريات وغفر الله للجيل الجميل الأصيل

  3. يقول غادة السحيمي (إثراء الكون ):

    توجد بعض الحظات الثمينة والساعات التي لا يمكن أن تُقدر بأي ثمن في الدنيا كلها.. وهي أكثر ما نشعر بالحنين إليها كلما مر عليها الوقت والزمن فزمن الطيبين كان جميل للغاية وعند تذكر أي شيء حدث فيه ترتسم ابتسامة غير إرادية على وجه الأشخاص.بسبب الذكريات القديمة والجميلة التي تأتي إلى ذهن كل شخص منا من حين إلى آخر دون سابق إنذار، وينتج عن هذا ارتسام تلك البسمة الجميلة على الوجه دون أي إرادة منا

    كلام جميل عن زمن الطيبين يؤثر في القلوب، فالماضي دائما هو مرآة الحاضر لأنه كان زمن تملئه الأرواح الطيبة والسعيدة وكانت الطيبة حينها واجبة بين الناس.. والابتسامة صدقة في وجه الآخرين. اﻻ ليت وقتٍ فات للطيبين يعود. وترجع لنا هاك السنين وسعادتها . يوم أن العرب ما تعرف الكبر والزود. نفوسٍ على الفطره تعيش على طبيعتها ويأتي الشتاء حاملاً معه أمطار الخير التي تمحو عن القلوب آلام الأيام تنزل السكينة على الأنفس الثائرة فتعمّ أجواء من الهدوء والركود نبحث عن أحضان دافئة تعيد لنا جمال الذكريات والمشاعر.
    ورغم هدوء ليالي الشتاء إلا أنك تجد ضجيجاً داخل قلبك أينما ذهبت
    فتتناثر قطرات المطر بهدوء ورقة وكأنها تهمس في آذاننا بصوت خافت تفاءلوا، ما زالت الحياة مستمرة، ومازال الأمل موجوداً🌹

  4. يقول سلطانه الشهري:

    انسجمت مع كلماتك تركت لدي شعور جميل

  5. يقول هياء السبيعي:

    سلم قلمك وسلمت كاتبتنا المبدعة

  6. يقول منيرة حمد الشمري:

    حزينة هذه القصة احزنني كثيرا برغم من جمال ورقة بداية المقالة
    قلم جميل واعذب …
    دعينا نستمتع بجمال هذا البوح

  7. يقول منى المطيري:

    👍
    اجواء الشتاء ، المطر تنعش ذكريات الماضي وجمال ارواحهم 💔

  8. يقول صالحه دعاك:

    الروح الجميلة لا تكتب او تعبر الا عن الجمال قصه رائعه كروعه اخلاقك

  9. يقول فاطمة الأحمد:

    ياسلام على طيبة الأولين ونقاء قلوبهم ..نقل دقيق محكم يامبدعة لهذا الواقع الجميل 🌺 رحم الله أموات المسلمين وجمعنا تحت عرشه في جنات النعيم

  10. يقول عائشة:

    سلمت يدك على هذا السرد الممتع

  11. يقول حنان الكلدي:

    جميلة ذكريات الماضي والاجمل من يرحل وهو تارك أثر
    سلمتِ وسلم قلمك .

  12. يقول منى الهلال:

    قصه جميله تحمل ذكريات الماضي ، والاكثر جمالا طرحك المميز والمبدع

  13. يقول بدريه سعد:

    جاء المطر لنتذكر ذكريات عالقة بإذهاننا
    تبارك الرحمن أسلوب وطرح جميل جداً
    سلمتِ ي استاذتنا المبدعة 🤍

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود