39
063
071
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11885
05554
05553
05168
04854
0خلود الدوسري*
مما لا شك فيه بأن الحزن ردة فعل طبيعية للخسارة بمختلف أنواعها سواء بالفقد أو الانفصال، أو الترك، وتختلف طبيعة مشاعر الحزن من شخص لآخر بحسب العديد من العوامل، كطبيعة شخصيته، وثقافته ومعتقداته الدينية، وكذلك تفاصيل تجربة الفقد نفسها.
ولا توجد حدود زمنية للحزن، أو ردود أفعال معلومة فيجنح بصاحبه للتخبط. وقد يطغى على صاحبه ليصبح سمة له!
في سطور/ ابتسام بنت عبده أبو مهتي، تتجلى سيطرة الفقد في حروفها لملهمها، لعرّاب هويتها وظلها الوارف والدها الغالي، تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه الفردوس الأعلى وجمع بينهما في عليين!
أوجعها الحنين ورسم مفرداتها في ثنايا كتابها: (مات من علمني الحياة).
ومن خلال الاطلاع على كتابها نجد للحزن علامات تتشكل في سلوكيات متعددة، تطالعنا أولاها في وصف المفقود وأهميته ( كان لي أب عظيم أورثني القوة.. أورثني الكبرياء.. لم يجعلني فارغة من الداخل… أب عظيم كان أول صفحاتي… أورثني قلبي وكنت يا قلبي ذا حظ عظيم)
واستحضار ذكريات الرحيل (كان يوم غريبًا مزقني أشلاء… يوم بائس.. يوم حزين .. يوم يعلو فيه الأنين .. كان ذلك اليوم الكئيب هو يوم وفاتك يا أبي)
والضعف بعد القوة (بعدك يا أبي خضت أصغر معاركي وهزمت فيها)
وسيطرة الحزن تتجلى في (لا حزن يستثنيني بل يوثقني بميثاق غليظ.. وكأني استحقه بجداره)
والاستسلام (والموت القادم من البعيد… يجر قدمي في طمأنينة… في سياق هادئ) ص 11(سنوات مرت من عمري عجافًا، لا تثمر سوى بسنبلات اليأس… سنبلات يابسات… لا حياة فيها ولا روح ولا أهداف…)
التشتت والتيه والضوضاء من الداخل (لا أجد بين ألواني سوى اللون الأبيض والأسود، ولا أرسم إلا نفس اللوحة دائمًا… أشعر أني بدأت أفقد السيطرة على عقلي… أشعر بثقله وازدحامه ورفضه لكل جديد أتلقاه… عقلي الباهر أصبح متعبًا يا صديقتي)
والتركيز على الخيبات (لم تكن هنا حين خذلني الجميع… وحين هزمتني الحياة… لم تكن لي كما أردتك..ولم تكن بالسحر الذي تصورته… كان حدسي دائمًا يخبرني أنك الأسوأ… وعقلي يوحي لي بأنه لا يعول عليك…ولكن قلبي الأعمى يجعلك دائمًا… يتغاضى عن هفواتك… بينما الحقيقة أنك مجرد ظل هارب فقط…)
والرغبة الجامحة في الرحيل (الرحيل .. أكثر ما يستوقفني دائمًا … هل يحتاج الرحيل هذا التأمل؟!)
وتجدد الذكرى في كل عام (بعد مرور سنة على وفاتك يا أبي.. كل شيء ساكن في مكانه.. الأشياء على حالها.. كرسيك المتحرك… عصاك… خاتمك..مسبحتك… مازال ثوبك معلقًا أمامي)
وسطوة الاكتئاب (حياة مستهلكة.. وأحلام منتهية الصلاحية… وغايات لا تدرك أبدًا… وطن بلا مأوى… وجه بلا ملامح… محطم هذا العالم… يدفعنا للهاوية)
ونوبات الخوف المتتابعة (فجأة يأتي ذلك الشعور… المعروف بالخوف… كأنه يتوجه نحوي كسرب من الخيل… وكأنه قادم نحوي كالرصاصة … الخوف من النهاية.. هلع دائم من المجهول)
والافتقار للطاقة الإيجابية (أشعر وكأن روحي مثقبة… يتسلل منها أنيني… وأنفاسي تتطاير بالهواء… أشعر بأن كلماتي تتساقط مني…روحي مثقبة … يمر من خلالها النور… تتسرب منها أحلامي… أبدوا وكأني أتلاشى… أتضاءل)
ومن المتعارف عليه والمُسَلَّم به، أنَّ الحزن يستغرق وقتًا لتخف حِدَّته بشكل تدريجي؛ فقد أكسب ابتسام قوة (تعلمت فن المرور العابر… والتكتيك للانسحاب من أي حوار فارغ…ما أجمل أن أصم أذني عن النقاشات الحادة… ابتسامتي الشفافة… كلها تساعدني في التخلص من كل التراكمات… لا أمطر إلا بخير.. أو أختفي في الهواء…)
والقدرة على الاستشفاء والتجاوز( شفيت منك تمامًا… لم يأخذ خذلانك لي الكثير من الوقت حتى تجاوزته… سرعان ما التأم جرحي.. وخرجت من بؤرتك… إلى العالم الرحب…)
والأمل بدلًا عن الألم (نسعى جاهدين أن نغرس مكان الألم… أملًا… نسعى ليستقيم ماهو آيل للسقوط… أن نعوض الفقد… نستجدي السماح…)
وإعادة ترتيب روحها (لعلي أعيد ترتيب أشيائي على أمل أن أعيد لها البهجة… أعبث بتركيبة خصائص حياتي)
والإيمان بالقضاء والقدر( تعلموا الخسارة… مهدوا للخذلان… آمنوا بالموت… ضعوا النهايات نصب أعينكم…)
وأصبحت فخورة بقوتها (سعيدة بانتصاراتي… ومتقبلة لكل الخسارات… ومازلت أجازف لأكسب نفسي)
مؤمنة بأنه بالشكر تدوم النعم (فشكرًا يا الله على بثك كل هذا الأمان داخلي… شكرًا لأنك ربي)
وموقنة بحقيقة الموت ( لن تعود يا أبي ولو جمعت كل حنين الدنيا… وكل أمل الحياة .. لن تعود يا أبي حتى لو بكيتك الدهر كله… فأنت لن تعود يا أبي)
– الكتاب من القطع المتوسط، صادر عن دار ريادة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، عام١٤٤٣-٢٠٢١، يقع في (١٥٩) صفحة.
*كاتبة سعودية
التعليقات