49
043
0112
0109
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11911
06177
06085
05928
05038
5د. شيماء عمارة*
ليس غريبًا على من نبت في أرضٍ تحمل القداسة وتحتضن الرمال بنعومتها والرياح بقوتها أن يكون بهذهِ النظرة الثاقبة الواعية المحايدة تمامًا، مثل الدكتور عبدالله الحيدري.
فالرجل ليس فقط ناقدًا؛ إنما هو محقق من الطراز الأول ومحلل سوسيولوجي متفردُ، انشغل الحيدري بالتحقيق في حياة الأدباء وسيرهم الذاتية صفحة بصفحة من فصول حياتهم، وكأن الكاتب أو الأديب منهم كان يقف أمام مرآته يتحدث إليها فتدون عنه.
كما اتبع بعض المدارس الكلاسيكية في الرصد والتحليل؛ مثل منهجية (الناقد الفرنسي الشهير كلود ليڤي شتراوس)، وأضاف من الأفكار والمعايير المعاصرة والنظرة المجددة في الاشتغال بالأدب؛ مما جعله في تماسٍ رائع مع منهجية ( بروفيسور روث وداك ).
وعلى الرغم من أن القارئ سيجد كلا المدرستين حاضرتين بقوة في كتبه وتحليلها؛ فإنه تفرد بأسلوبه التشريحي في الرصد والتدوين سواء على مستوى السير الذاتية أو القراءات في تاريخ الأدب السعودي.
حيث يمكن أن يعد الحيدري واحدًا من أهم المؤرخين الراصدين لنمو وتطور الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية.
انتهج الحيدري مزيجًا من عدة مناهج نقدية وهي من أهم أساليب القراءة بحياة الأدباء (المنهج التأريخي والمنهج الاجتماعي والنفسي) وفيه يبدأ من أول عنوان السيرة الذاتية والخلفية الاجتماعية والنفسية وراء اختيار الأديب لعنوان كتابه أو سيرته الذاتية؛ مرورًا بكل الجوانب المضيئة بحياة الأديب، راصدًا التغيرات التي طرأت على شخصيته وعلى أدبه وتطوره، دون أن يغفل عن بعض الهنات التي تصيب الأدباء حين يكتبون السير الذاتية.
كما يرصد التغير الأسلوبي لدى الأديب حين يكتب سيرته في أوقات متفرقة، ليوضح للقارئ كيف أن العامل الزمني قد أثر حتى في رصد الأديب لنفسه.
ونرى المنهج التأريخي على سبيل المثال واضحًا جليًّا في كتابه (السيرة الذاتية في المملكة العربية السعودية – ببليوجرافيا) الذي رصد فيه ما يزيد على خمسين أديبًا سعوديًّا ممن كتبوا سيرهم الذاتية؛ إذ قدم بهذا الكتاب 158 مقالة في كتب السيرة الذاتية القديم منها والحديث.
كما أفرد كتابًا كاملًا (نظرات وشذرات) متحدثًا فيه عن عشرة أجزاء من السيرة الذاتية للأديب السعودي (عبدالعزيز الخويطر) والذي ضمَّن فيه منهجية النقد الاجتماعي والنفسي؛ حيث بدأ الحيدري بالتحليل النفسي والزمني للخويطر بداية من العنوان (وسم على أديم الزمن)، راصدًا كل التفاصيل التي كتبها الخويطر عن نفسه، منتقدًا هذا الكم الهائل من الكتب ومحفزًا على كتابتها في عدد أقل يؤدي الهدف نفسه، يتصل في هذا بالكاتب اتصالًا نفسيًّا وروحيًّا ويبرز جميع الجوانب المتعلقة بالمكان، والتي أثرت على الخويطر في كتاباته عن نفسه، إلى أن ينتهي مع القارئ نهاية سلسة تتضمن كل الأفكار والحالات التي أحاطت بالكاتب ليحيل القارئ إلى الزمن والحالة التي كان فيها الخويطر ساردًا سيرته الذاتية، وهذا ما تميز به الحيدري؛ إذ جعل القارئ جزءً من هذا التاريخ، كأنه عاصر الكاتب واجتمع به وقت الكتابة.
بينما جاء كتابه (ملامح ورؤى) لرصد الحركة الأدبية بشكل عام في عهد الملك سعود (1373-1384 هـ)، أيضًا في عهد الملك عبدالله (1426-1436هـ).
والكتاب شمل دراسة موسعة في الحالة العامة للمملكة وتأثر حركة الأدب بمجريات الأحداث في عهد كل ملك منهما، ورصد كيفية حدوث الطفرات الأدبية والإبداعية بالمملكة، والتغير الواضح بالوسط الثقافي بين الحقبتين.
اشتغل الحيدري على عدة محاور ليرصد العامل الاجتماعي، الأدبي، النفسي، الأسلوب، والزمني أيضًا؛
لتأتي كتبه في أدب السيرة الذاتية مميزة سلسة، راصدًا جميع الجوانب دون أن يغفل عن أدنى تفصيلة.
كما جاءت كتبه ومقالاته التشريحية عن تطور الأدب السعودي والنضج الإبداعي الذي يحدث باختلاف الحقب التاريخية، راصدًا في ذلك الجوانب السلبية أحيانًا في بعض أساليب التغير التي أصابت الأدب، فوقف الحيدري حياديًّا تجاه التغيرات التي تحدث بالحركة الثقافية والأدبية بالمملكة؛ كي يبرز أفضل ما أنتجت هذه التغيرات ويضع إصبعه بخفة نحو الهنات التي ظهرت أيضًا.
فالحيدري كماء المرايا شفاف واضح، لم يغفل التفاصيل الدقيقة في رصده التاريخي الرائع.
فقد وضع الأشياء في نصابها الصحيح دون تحيز، لتصبح كتبه من أهم ما يمكن أن تحتويه المكتبة العربية الآن، تدوينًا تاريخيًّا وإبرازًا للتطور الإيجابي الذي ظهر، ليس فقط على الحركة الأدبية في فنون الرواية والشعر والسير الذاتية؛ إنما أيضًا في انتهاج أساليب جديدة للنقد.
كـ ماء المرايا هو الدكتور عبدالله الحيدري.
*كاتبة مصرية
التعليقات