الأكثر مشاهدة

د. صالح باظفاري تعتبر الأهزوجة البحرية هي اللغة المشتركة للشعوب من خلال تقارب ال …

الأهزوجة البحرية لغة الشعوب

منذ سنة واحدة

1555

0

د. صالح باظفاري

تعتبر الأهزوجة البحرية هي اللغة المشتركة للشعوب من خلال تقارب الحضارات عبر الموانئ ونقل الثقافات من بلد لآخر؛ حيث تقوم بإذابة الفوارق بين الحضارات من خلال تصدير الثقافات وآلية التفكير في تصدير الفن البحري ومد جسور التواصل والتقارب والتعارف من خلال تحصيل المعرفة، رغم أمية البحارة ومحدودية ثقافتهم، فلهم حق السبق في دمج الفنون العربية والعالمية.

ويعتبر فن الأهازيج البحرية عند الملاحين والصيادين مفتاح التعرف على أنواع الحضارات واستقدام الماضي الذي يُعلمنا أن فن كل أمة يحدد لنا عمق حقبة تاريخية ما لهؤلاء الذين خاضوا معركة مع الأمواج والرياح والأعاصير وما وصلت إليه ثقافاتهم من خلال ألحانهم وأهازيجهم الجميلة التي تحمل الكثير من المعاناة.

ولا تزال تلك الفنون الهازجة تتوارث في زمننا المعاصر وتشكل محورًا أساسيًّا من ثقافة الحياة اليومية للبحارة في المحيط والخليج.

إن مفهوم الإبداع في تكوين الأهزوجة البحرية لم يكن مقتصرًا على قلة من الناس؛ بل بات مطلوبًا من الجميع المحافظة عليه كموروث غير مادي للشعوب، وعلى المختصين والمهتمين تدوين ذلك الفن في قوالب خاصة بالتوثيق.

شكّلت الأغاني البحرية على مرّ التّاريخ البشريّ مساحة عظيمة الرقي السمعي ومادّة خصبة لنشوء الحكايات والأساطير التي دارت عليها قصص الأمم والشّعوب، كذلك كانت المساحة البحريّة الغنائية حلبة لصراع ثقافات بين تلك الأمم وشعبها، وشكّلت مصدرًا للعيش والرّزق ورافدًا للتّواصل لم يكن البحر يومًا حياديًّا في السّياق التّاريخيّ والسّياسيّ والقومي، رغم الترحيل الجزائي في البحرَ لنقل الناس ضد إرادتهم من قارة إلى أخرى.

كان للموسيقى باب من أبواب الترفيه البحري عبر هؤلاء الرجال وقد ألهم البحر عبر هؤلاء الرجال المارون في المحيط إلى أسواق النخاسة في الدول العربية عبر موانئ ومدن مختلفة الثقافات، ألهمهم ذلك الكثير من التجديد في الموسيقى على مر القرون، ومنها ما توارثه الناس إلى اليوم في أغاني النهمة والبانوش والكاسر والتجلوب، وكون لغة البحر الموسيقية.

ومن عالمية فنون البحر ما جاء في استفتاء الهولندي الطائر لريتشارد فاغنر من مقطوعة لامير (1903-05) لكلود ديبوسي، وأغاني البحر عام (1904) وأغاني الأسطول عام (1910) لتشارلز فيليرز ستانفورد، وصور البحر لإدوارد إلجار عام (1899)، وسيمفونية البحر بين عامي (1903-1909) لريف فون ويليامز.

وعلى نحو ذلك المنهاج البحري أطلق بحارة السفن على الذي يؤدي أغاني البحر “النهام” أو صاحب الموال عند أهل السفن الحضرمية، على كلٍّ أشكال أغاني البحر والموال تتميز بأبيات من الدعاء يعبر به البحارة عن حالته النفسية ويدعو به الله، وتنوعت الألحان وصار لكل أغنية شكل يتناسب مع العمل الذي تقوم به.

وقد اعتمدت الأغنية البحرية على أنماط مختلفة من الشعر الذي يتبادله البحارة في أغانيهم، وهم أول من استنبطوا هذه الأنواع الكثيرة من الشعر الغنائي، واستخدموا فيه مصطلحات ومفردات، وكانت سببًا في شيوع أنواع متعددة من الشعري، وتعددت أوزانه وبحوره وكان منه السباعي والسداسي والخماسي.

وعند بحارة حضرموت المثمون والمربوع والمخموس والمسدوس وفروعها التي نظم عليها بعض الغناء البحري ومنه ما قيل على البحر الخماسي:

حمام مالك على فرقاي تهواني
إلا بنار الجفا لو خير تهواني
وش لك على خلاق ذاك العهد تهواني
ما ينبغي منك عن ذيك المودة

تحل شرط المودة مثل ما أهواك تهواني

ويأتي ذلك النمط في شعر الزهيري أو الزهري عند بحارة الخليج والجزيرة، أما الأكثر شيوعًا هو السباعي، ويضم سبع أشطر مقطعة شعرية تتكون من ثلاث أشطر في مطلعها الأول وذات قافية واحدة، ثم تختلف في الرابعة إلى السادسة بقافية أخرى والعودة إلى الشطر السابع بالقافية السابقة.

* كاتب يمني

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود