244
0247
0350
044
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11568
04674
04069
173227
03184
0إعداد_د.عائشة العتيق
قد يظن جيل الألفية أن عام 2017م، هو بداية انطلاق السينما في المملكة العربية السعودية، بينما كانت بداية السينما في المملكة العربية السعودية في مرحلة تاريخية مبكرة، تعود إلى الثلاثينيات من القرن العشرين، وذلك من خلال ما يعرف باسم “سينما الأحواش”.
ونتيجة الطقوس المصاحبة لمشاهدة الأفلام السينمائية، نعتقد للوهلة الأولى أنها مجرد جانب ترفيهي، نستمتع به خلال سويعات قليلة، تنتهي بانتهاء ما يعرض في هذه الدور السينمائية، بينما تعد السينما واحدة من أكثر الفنون تأثيرًا في المجتمعات العربية والغربية على حد سواء.
هذه الأفلام السينمائية التي تعرض بدور السينما، إضافة لكونها ذات تأثير سريع على عقول المشاهدين وتفكيرهم ووجدانهم، أيضًا لها دور كبير في معالجة كثير من القضايا والمشاكل الاجتماعية، وتعكس عادات وتقاليد الشعوب، وجانبها الثقافي والحضري؛ ما يمثل عبئًا كبيرًا على منتجي هذه الأفلام السينمائية.
وفي هذا العدد، تتبعت فرقد السينما السعودية؛ لتقف على أيهما يغلب عليها التكرار أو الابتكار، وذلك من خلال عدد من المحاور، مع مشاركة نخبة من المثقفين والمثقفات.
– ما تقيمكم لما تم إنتاجه حتى الآن من أفلام سينمائية سعودية؟ وكيف ترون التجربة؟
– شهدت بعض الأفلام تكرارًا لتجارب دول أخرى من حيث الفكرة والعرض، ما أسباب ذلك؟ وكيف يتم تجاوزها؟
– كيف ترى مستقبل السينما السعودية؟ وما الأدوات الكفيلة لصناعة التميز في إنتاجها؟
*نجاح السينما يعتمد على النص الجيد
السينما أقوى الفنون تأثيرًا في المجتمع، بهذه العبارة يبدأ حوارنا مع كاتب السيناريو الأستاذ عبد الحكيم سعد الدخيل، حيث يقول:
تُعد السينما أقوى أشكال الفن الثقافي في العالم من حيث تأثيرها في الشعوب، وبالتالي هي قوة تجارية واقتصادية ضخمة. وتعتبر السينما أكثر المجالات تنافسية وصعوبة، وتقف الآن السينما السعودية أمام نقطة انعطاف، بين التواجد لمجرد القول بأن لدينا سينما، وبين النوعية والقيمة التي تقدمها.
تجاربنا على المستوى المحلي، نجحت بعض التجارب التسويقية على الصعيد المحلي، باستمرار عرضها لأيام أكثر أو تحقيقها لأرباح محدودة، هذه النوعية من الأعمال خاطبت فئة من الجمهور، وتم الترويج لها عبر وسائل التواصل، ولكن هل إضحاك هذه الفئة من الجمهور يمكن اعتباره سينما يمكن أن نقدمها للعالم؟ يشكل الاعتراف بأن الأعمال المقدمة التي تمثل سينما السعودية بعيدة تمامًا عن المأمول منها، أول خطوة نحو طريق النهوض بالسينما السعودية.
لأن هذا الاعتراف هو السبيل لإحداث تغيير، وتوسيع في البيئة الإنتاجية في المملكة التي لا تزال تسيطر عليها الشللية، وعدم استشعارها المسؤولية. هذا الأمر سيحدث تلقائيًّا مع مرور الوقت، ولكن الاستعجال به أجدى.
الإنتاج هو تبني الابتكار والإبداع لا تهميشه؛ لأسباب تجارية أو شخصية، فإن كنا نريد سينما حقيقية علينا بالمغامرة في تقديم أعمال نوعية ذات جودة عالية في النص، والإخراج والتمثيل، بإمكانها أن تتداول خارج الحدود وتنجح عالميًّا.
السينما عمل يفوق الوصف، وهي قطاع قائم بالكامل على البشر وأفكارهم، ومصادر تمويلهم لتنفيذ هذه الأفكار. والحل يكمن في توسيع نطاق الوصول إلى الإبداع؛ لأن هذا الوصول غير متاح إلا لقلة، ليست مبالغة إن قلنا: إننا بحاجة إلى منتج يرد على كاتب لا يعرفه.
السينما تعتمد في المقام الأول على نص جيد، والكثير من الكتاب تخلوا عن أحلامهم؛ لأنهم وجدوا أن الإبداع المتاح يكمن في مجرد خطوات مصطنعة يقومون بها لتلبية متطلبات الإنتاج، الذي تحكمه اعتبارات ومعايير تعيق بشكل كبير بلوغ الإبداع.
الإبداع والإبهار يتطلب ابتكارًا، وكسر القواعد، والتخلي عن نظريات أكاديمية أسرفنا في التقيد بها، جعلت من الأعمال المقدمة ضعيفة المستوى على صعيد الكتابة. السينما لا يمكن أن تكون ناجحة دون نصوص جيدة، ومع الاحترام لكل المنتمين للمجال، لتقديم فيلم رائع نحتاج إلى ثلاثة أمور: السيناريو، ثم السيناريو، ثم السيناريو. والذي بالتأكيد سيفسده إنتاج ضعيف، أو الحكم عليه بأن يظل حبيس أدراج كاتبه.
السينما السعودية حتى الآن ضعيفة، وأقل بكثير مما كان مؤملًا منها، فلا يخلو عمل سعودي من أخطاء في الكتابة، على صعيد الحوار، والمفردة، والمعلومة، هذه الأخطاء الشائعة في الأعمال السعودية، حتمًا ستوقع أخطاء أخرى في الإخراج، وأخطاء في الأداء، والنطق، والمفردات التي نسمعها.
تتطلب السينما السعودية في المرحلة الحالية التناغم، إلى أن يكمل المشاهد القصة التي يشاهدها دون أن يتوقف، ليعيب على حوار، أو مشهد، أو مفردات، أو نبرة صوت، أو طريقة نطق. والمؤسف أن بعض الأعمال ظهرت، لمجرد أنها (سعودة) أعمال أجنبية، والنتيجة الفشل والضعف.
نملك القصص، والبيئة، والتراث، والتاريخ، والأماكن، والشخصيات، لكن نحتاج بشكل عاجل إلى تدخل جهات إنتاجية جديدة ذات مقدرة، وتملك أهدافًا تريد تحقيقها، ترفع مستوى التنافسية. وأسس الإبداع السينمائي تكمن في إرضاء العاطفة، والمشاعر، وإثارة التفكير، وطرح الأسئلة، والتعامل مع حاستي السمع والبصر فقط لا يقربنا من جوهر العملية الإبداعية في الفن السينمائي، والمحاولات التي سعت إلى تحقيق ذلك غير موفقة؛ لأن الخلل قائم، ومستمر.
نحتاج إلى أعمال تبقى ويظل لها أثر، وتشاهد بعد سنوات، لكن كل ما يقدم الآن ينتهي في أسابيع قليلة.
ويشاركنا الحوار القاص والكاتب الصحفي الأستاذ: بخيت طالع الزهراني بحديثه عن أبرز الأفلام السعودية، بقوله:
السينما السعودية نمت نموًّا كبيرًا خلال السنوات الخمس الأخيرة، وأصبحت لافتة بالنسبة للداخل والخارج، من خلال ما يتم عرضه في صالات السينما، أو ماوصلت إليه إيرادات شبابيك التذاكر، وما أنتجته السينما السعودية من أفلام جديدة مميزة في أغلبها. وهذه النجاحات التي حصدتها السينماالسعودية، هي بالطبع أحد مخرجات الانفتاح الثقافي، الذي تعيشه المملكة حاليًا.
صناع الأفلام السعودية لديهم شغف ورغبة في صناعة تجارب جديدة ومختلفة، وبالطبع الأفلام ليست كلها مثل بعضها، هناك أفلام حازت إعجاب كبير جدًّا، وأخرى كانت أقل أي متوسطة.
وفي هذا العام تم عرض حوالي عشرة أفلام سعودية خالصة في حوالي تسع عشرة مدينة سعودية، وحظيت بإقبال كبير من المشاهدين، وهناك ثلاثة أفلام برزت كثيرًا، وتم عرضها في صالات السينما العالمية، وحققت تنافسية ملحوظة، مثل فيلم “ناقة” لمشعل الجاسر، و “مندوب الليل” لعلي الكلثمي، و “هجان” للمخرج أبوبكر شوقي.
والجميل أن الأفلام السعودية في تزايد ملحوظ، ضمن وتيرة متسارعة، وبالتالي صارت تشكل علامة فارقة على خريطة السينما العربية وحتى العالمية.
وتجدر الإشارة إلى مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، الذي صار يقام سنويًّا في جدة، هذا المهرجان في حد ذاته أصبح يشكل علامة فارقة في المهرجانات المماثلة، بل سحب البساط من عدة مهرجانات أخرى سبقته عُمرًا، باعتبار أن أكثرمن 80% من الأفلام العربية تشارك فيه بالعرض الأول عالميًّا. ومثل أي مشروع أو عمل إبداعي، فالسينما السعودية تواجه تحديات مع نفسها ومع الآخر، في محاولة جادة لا تتوقف؛ كي تصل لتحقيق أهدافها في حيز زمني قياسي.
والجميل أنها خرجت من عباءة الكوميديا والأعمال المتماثلة، لعالم سينما الواقع، من خلال قصص مستوحاة من الشارع –من حياة الناس- ولا أدل على ذلك من فيلم “مندوب الليل” الذي حقق نجاحًا كبيرًا في شباك تذاكر السينما السعودية.
والسينما السعودية تحتاج الآن للعمل على تنمية المواهب المحلية، والمواهب المحترفة في مجال ما بعد الإنتاج، وجذب الاستثمارات في البنية التحتية، والتقنيات والمؤثرات البصرية للإنتاج السينمائي؛ فضلًا عن رفع القيمة الفنية لأفلام المملكة من خلال شراكات دولية بين شركات الإنتاج السعودية، ونظيراتها في دول العالم.
وتطبيق السياسات المناسبة لتحقيق التنمية المستدامة لصناعة السينما السعودية، من خلال تعزيز التعاون الوثيق بين شركات السينما، وشركات الإنتاج المحلية؛ لزيادة الوفرة والنوعية من الأفلام المحلية.
ويشاركنا المستشار والناقد الفني السينمائي الأستاذ عبد القادر مكي بقوله:
تجربة الإنتاج السينمائي السعودي خطوات موفقة إن شاء الله، مع ضرورة إقامة برامج تدريبية، وورش عمل متخصصة للإعلاميين، وصنّاع المحتوى السينمائي، والنقاد بشكل دوري؛ للتعرف بشكل أعمق على صناعة السينما من الداخل، بالإضافة إلى الحاجة إلى نشر ثقافة صناعة المحتوى الإعلامي السينمائي بقوالب جديدة، تركز على المحتوى أكثر من تركيزها على النجوم فحسب. والاقتداء بالتجارب الناجحة في إنتاج الأفلام العالمية مفيد جدًّا، واختيار المتميز والأفضل حسب الترشيحات العالمية يثري السينما السعودية ويصعد بها للمستقبل، مستقبل السينما السعودية ننصح كمختصين بضرورة الخروج من الدائرة التقليدية؛ للمساهمة في رفع ذائقة الجمهور وإثارة شغفه، ودعم الجهود الصحفية والإعلامية المحلية؛ لزيادة المحتوى التحليلي النقدي من منظور سينمائي، وإبراز الحراك السينمائي السعودي المحلي من خلال، وسائل الإعلام المحلية التقليدية وغير التقليدية إقليميًّا؛ للوصول إلى الجمهور الخارجي.
* الفيلم كالبذرة
والسينما من وجهة نظر الأستاذ فهد بن جابر شجرة قد أينعت وأزهرت، ليستظل بها المشاهدون، فيصف ذلك بقوله:
تقييم منتج نهائي مثل الفيلم السينمائي؛ يشبه الحكم على الثمرة، وفي رأيي وبشكل عام أن مستوى ما تم إنتاجه من أفلام سينمائية سعودية جيد.
فكرة الفيلم البذرة –التي وإن كانت تحوي الروح؛ إلا إنها ستبقى بذرة ما لم تُزرع في أرض خصبة–مستصلحة، في الموسم المناسب، وتتم رعايتها، والعناية بها خلال كل مراحلها؛ لتعطينا بعد كل الجهود ثمرة اسمها الفيلم.
كلما كانت البذرة أجود كانت الثمرة أجود، الأرض المناسبة هي المنتج الحاضن، وتتمثل جودتها في القدرة، وتشمل: الميزانية المرصودة، والأجهزة والتقنيات المستخدمة، بالإضافة إلى الخبرة والرغبة في الارتقاء بمستوى الفيلم ابتداءً، وبالذوق العام للمشاهد، ومستوى السنيما السعودية كنتيجة منطقية. الحوار والسيناريو هما سر الروح، ويتجسد جذع تلك النبتة في جودة التمثيل، وهي ما تقيمه أو تنحني به قبل مرحلة الثمر. جانبا الحبك والسبك أراهما مثل تناسق الأوراق ونموهما خلال مدة الفيلم. وما لا شك فيه أن لمسات الجمال والحس الفني من موسيقى وإضاءة وغيرهما هما الزهرة التي تنبئ عن جودة الثمرة. المخرج هو المناخ العام والمحمية التي تظل كل ما له علاقة بالعملية كلها. اختيار الموسم المناسب لكل فيلم عامل مهم. ومنها المناسبات العالمية، وبيئة السنيما بشكل عام. حتى لا تحرم الزراعة المحلية من نصيبها من ماء المشاهدة.
قد يرى البعض أن المستوى يرقى ليكون جيدًا جدًّا، بعد احتساب عوامل عدة منها: الخبرة، والعمر مقارنة بالآخر.
ومن غير الطبيعي ألا يتم الاستفادة من تجارب الآخرين، ذوي الخبرة في المجال، وفي الوقت نفسه من غير المنطقي استنساخ تلك السنيما. فلكل مجتمع خصوصيته، وامتيازاته؛ لذلك وجبت الاستفادة من التجربة الفنية والتقنية للآخر، لا في الفكرة.
رأينا كيف أن الفيلم السينمائي السعودي يشق طريقه بكل ثقة مثبتًا القدرة، لكننني أطمح في “الميل الإضافي” وتحسين كل جزئية من المراحل للوصول للتميز. ولولا أني أرى أن الفيلم السعودي أهل لذلك لم أكن لأرفع سقف توقعاتي. النضج مرحلة تصاحبها الحرارة والمحكات، لذلك أرى أن النقد الموضوعي هو السبيل لتجاوز عقدة “الخبرة“واندفاع اليافع، فميزان النقد هو الفيصل. المستقبل أمام الفيلم السينمائي السعودي مستقبل واعد، يحتاج لجهد جبار، ودمج بين اغتنام الفرص والفيلم الناضج، وما أصعب ذلك، لكن ثمرته ستكون أجود ما يكون.
أود الإشارة إلى أهمية دور وواجب المنتج، نعلم جميعًا أهمية التسويق والإعلام. ونحن بلا شك في موضع نُحسد عليه، لكنني أود لو تمت الموازنة بين الفكرة الخلاقة والخبرة الواقعية لنصل لنتائج مبهرة.
رأينا كيف كان صدى الفيلم الذي يحكي عن شخصية من تراثنا، لنا من الإرث التاريخي، والقيّم العربية الأصيلة ما يسند أي فيلم ويُلهمه النجاح. لا قيمة لبذرة جيدة إذا كانت بلا روح، أقصد أن فكرة الفيلم لن تنتج ثمرة منافسة، وإن امتازت كل المراحل، إن لم تكن فكرة خلاقة.
* السينما السعودية قادمة
ويشير الأستاذ ناصر بن محمد العمري، المهتم بالفنون، إلى مستقبل السينما السعودية الواعد، بقوله:
المتابع لخط الإنتاج السينمائي سيجد تصاعدًا ملحوظًا في عدد الأفلام التي أُنتجت مؤخرًا، كما أن وجود هيئة للأفلام، وجمعية للمنتجين، ووجود جهات وشركات منتجة للفيلم تعمل كشركات مشغلة للسينما مثل “نتفلكس“ و“AMC سينما“ و“موڤي سينما” و“ريل سينما“ مع تعدد المهرجانات السينمائية، ووجود مجلة سينمائية، هي ممكنات ضمن مشروع ساهم بشكل ملحوظ في حيوية هذا القطاع.
ويقيننا أنه في ظل الرؤية تحول الاهتمام بهذا القطاع إلى فعل المؤسسة الحقيقية من خلال إعلان صندوق التنمية الثقافي عن «برنامج تمويل قطاع الأفلام»، الذي يهدف إلى دعم المحتوى المرئي المحلي والتطوير الشامل لقطاع الأفلام بالمملكة، وهو الأمر ذاته الذي يتبناه صندوق البحر الأحمر للإنتاج. هذا الاستعراض السريع ربما يعطينا دلالة على الاهتمام، والتحول نحو الصناعة بمفهومها النوعي، الذي يجعل من السينما رافدًا من روافد الثقافة السعودية، وصولًا لتحقيق مفهوم الريادة السعودية، وصناعة مجتمع حيوي يرى وطنه وثقافته عبر أدوات العصر التي تشكل السينما عينها المبصرة.
ويكفينا هنا الإشارة إلى أن السوق السعودية باتت الأكثر ربحًا في منطقة الشرق الأوسط، متجاوزةً الإمارات العربية المتحدة، بحسب تقديرات بعض المنظمات المهتمة بالمجال. وتأكيدًا على هذا النمو فإنه في الأسبوع الأول من يناير الجاري حققت السينما في السعودية إيرادات بنحو 12.48 مليون ريال (3.33 مليون دولار) بواقع 225.5 ألف تذكرة مباعة. وإذا كان لدينا أكثر من 300 فيلم فمن الطبيعي أن تكون هناك ملاحظات حول هذا الكم الهائل من الإنتاج، ويظل رأي المتابع مهم؛ لأن خبرة المشاهدة لدى الجمهور السعودي عالية جدًّا، ومتراكمة وكونتها متابعته وشغفه وسهولة وصوله إلى الإنترنت؛ ولأجله صُنع هذا المنتج السينمائي. وفي تقديري الشخصي أن هناك أفلامًا، وجدت رواجًا ومتابعة وحصدت رضًا جيدًا، منها على سبيل المثال لا الحصر: مندوب الليل، والخلاط، وناقة، وهجان، وجرس إنذار. ولا شك أننا نتطلع دومًا لسقف أعلى من الجودة، ومنافسة أكثر حدة على حضور عالمي يوازي كل هذا الدعم والاهتمام، وحضور أقوى في التناول، واجتراح الموضوعات، وتقديم منتجنا الثقافي الذي يبرز الشخصية المحلية عبر رؤية بصرية عالمية منافسة.
وهنا من المستحسن أن أشير إلى تساؤل يؤكد فعل تكرار تجارب الدول الأخرى، حيث طرح الناقد محمد العباس تساؤلًا عبر منصة “X” مفاده؛ هل ليالي الحمراء حتمية موضوعية في الأفلام الروائية السعودية؟ قبل أن يجيب: يبدو كذلك!
وقد تكرر هذا المشهد في أكثر من تجربة سينمائية! وفي فيلم “هجان“ الذي حاول فيه المخرج “أبو بكر شوقي“ أن يبتعد عن الأعمال السينمائية التي تسير في النهج نفسه، ومنها الفيلم الأردني “ذيب“، والأمر نفسه ينطبق على بعض مشاهد “مندوب الليل“ التي بدت متكلفة ومصطنعة، وعانى التسلسل المشهدي، الفيلم من البداية إلى النهاية، من أن المشاهد متوقّعة، وبعضها مكرّر. وفي “جرس إنذار“ ما زلت أتساءل مع آخرين: هل تجاوز الفيلم ما نعرفه عن قصة متداولة وملخصه يعرفها الجميع بكل تفاصيلها؟ وربما في “فيلم ناقة” ما زال الجدل مستمرًا حول هل هذه القصة جديدة في الساحة السعودية ؟! وهل قاربها الفيلم سينمائيًّا برؤى تعيد صياغتها جماليًّا؟ ومع ذلك فهذه المقاربات دليل عافية، وتراكم نجاح؛ فالمشهد يبدو حاملًا الكثير من الاقتراحات الجميلة، والجهود المبهجة.
وبالنسبة لمستقبل السينما، أراه مستقبلًا واعدًا، والسينما السعودية قادمة؛ لأن البيئة والمناخات داعمة، وممكّنة، والتحول جاد، ويسير وفق منهجية تستنجد بالرؤية ومستهدفاتها، ومبادراتها الجادة، ولا شك أن الابتعاث الثقافي وافتتاح معاهد، وكليات متخصصة تعنى بالفنون السينمائية، والاحتكاك بالتجارب العالمية، مع استثمار الطاقات الشبابية الشغوفة، وتشجيع ملامح العمل الجاد نحو صناعة “سوليود سعودي” لا شك أنها معطيات ستغرّد بالسينما السعودية خارج السرب، من خلال الأفلام السعودية الجادة، خصوصًا أننا نلمس توجهًا نحو المحلي والثقافة السعودية، بدليل فيلمي “ناقة وهجان“ اللذان ينطلقان من موروثنا وعالمنا الأعمق. وبالمزيد من النقد الجاد، والاستماع لآراء المهتمين، وبناء معايير فنية راسخة، مع الديمومة والاستمرار، والبحث الجاد عن منتج سعودي، سنصل بمنتجنا السينمائي إلى العالمية.
* الاختلاف في المحتوى، من أدوات نجاح السينما
ويشاركنا الرأي الأستاذ إبراهيم الدوسري، بقوله:
سعيد جدًّا لما أراه من مستوى سينمائي سعودي ذي جودة عالية، وأرى أن الأفلام السعودية أصبحت منافسة في وقت قصير جدًّا، أما بالنسبة لتكرار التجارب، فهذا أمر طبيعي كون المخرجين الشباب المحليين تأثروا على مدى طويل بأفلام من إنتاج دول أخرى، وعلى يقين بأن المخرج السعودي حاليًا اتخذ مسارًا في إخراج الأعمال التي تعكس هويتنا كسعوديين.
مستقبل السينما السعودي واضح جدًا، فانتشار الأعمال السعودية، وتحقيق أرباح شباك التذاكر، خير دليلٍ على أن الجمهور وصناع الأفلام يحققون نجاحًا باهرًا.
ومن أهم أدوات النجاح حاليًا صناعة الفرق بالمحتوى والنص. وأجد أن كل السبل متوفرة حاليًا للتميز، إذ أجد العبء حاليًا ينصب على المؤلف المتجدد فكريًّا، والذي يحمل ثقافة عامة تعينه على إيجاد الفرق في المضمون.
* للجماهير دورها في صناعة التميز السينمائي
ويشير الأستاذ الإعلامي خضران عيسى الزهراني إلى العوامل التي تساعد في صناعة التميز في السينما السعودية، بقوله:
أرى أن التجربة السينمائية السعودية في السنوات الأخيرة تشهد تطورًا ملحوظًا، حيث تم إنتاج عدد من الأفلام الجيدة التي حازت على إعجاب الجمهور والنقاد في الداخل والخارج.
ومن أبرز هذه الأفلام: “وجدة” (2012)، “المسافة صفر” (2019)، “حد الطار” (2020)، “الخلاط” (2023)، “الناقة” (2023)، “سطار” (2023).
هذه الأفلام تتميز بتنوع موضوعاتها ومعالجاتها الفنية، حيث تتناول موضوعات اجتماعية وسياسية وثقافية مختلفة، كما تتميز بمستوى فنٍ عالٍ من حيث الإخراج والتصوير والتمثيل.
بالطبع، هناك بعض الأفلام السعودية التي شهدت تكرارًا لتجارب دول أخرى في الفكرة والعرض، وهذا يعود إلى عدة أسباب، منها: 1- حداثة التجربة السينمائية السعودية، حيث بدأت في السنوات الأخيرة، وبالتالي هناك نقص في الخبرات والتجارب السينمائية لدى صناع الأفلام السعوديين. 2- ضعف التسويق للسينما السعودية في الخارج؛ ما يحد من استفادة صناع الأفلام السعوديين من التجارب السينمائية العالمية. 3- عدم وجود قاعدة جماهيرية كبيرة للسينما السعودية في الداخل؛ ما يجعل صناع الأفلام السعوديين يتوجهون إلى تجارب مألوفة لدى الجمهور. ولكي يتم تجاوز هذه المشكلة، يجب العمل على تطوير الخبرات والتجارب السينمائية لدى صناع الأفلام السعوديين، من خلال توفير برامج تدريبية وتأهيلية متخصصة، كما يجب العمل على التسويق للسينما السعودية في الخارج، وتعزيز قاعدة جماهيرية لها في الداخل. وأرى أن مستقبل السينما السعودية مشرق، حيث تمتلك المملكة العربية السعودية إمكانيات كبيرة في هذا المجال، من حيث المواهب البشرية والإمكانات المادية.
ولكي يتم صناعة التميز في إنتاج السينما السعودية، يجب العمل على عدة أمور، منها: 1- دعم الإنتاج السينمائي السعودي، من خلال توفير التمويل اللازم، وتسهيل الإجراءات الحكومية. 2- تشجيع البحث والتطوير في مجال السينما، من خلال دعم الدراسات والبحوث التي تتناول السينما السعودية. 3- تعزيز التعاون بين صناع الأفلام السعوديين ونظرائهم في الدول الأخرى.
* استنساخ فكرة الفيلم غير مجدية
ويضيف المخرج المسرحي الأستاذ عبد الله المقرن، رأيه في التجربة السينمائية السعودية بقوله:
ما تم إنتاجه من أفلام سعودية، البعض منها كان أيقونة، والكثير منها الجيد، وفيها الرديء، وهذه التجربة مرت بمراحل عديدة كانت لسنين طويلة لا تعدو كونها مشاركات من خلال مهرجانات تم فيها أخذ الجوائز لبعض الأفلام، والبعض منها نال استحسان النقاد والجمهور، ولكن في ظل وجود الصالات السينمائية في المملكة العربية السعودية، أعتقد أن التجربة القادمة سوف تكون تجربة ثرية ومليئة بالنجاح والتميز.
وأعتقد أن استنساخ فكرة فلم أو صناعة فلم مشابه، هي فكرة غير مجدية، الكثير شاهد بعض الأفلام الغربية أو الأجنبية تم استنساخها وقدمت بشكل رديء جدًّا، ولم يتم لها النجاح، ويعود السبب لهذا الاقتباس والاستنساخ لضعف الكتاب، أو عدم وجود صناع الفلم الحقيقيين، الذين يؤمنون بتقديم ما لديهم من أفكار وأعمال أجزم بأنها في يوم من الأيام ستكون أيقونات.
السينما مرآة المجتمع، مجتمعك المحيط بك، ويتم تجاوزها بأن المملكة العربية السعودية تحمل من الإرث التاريخي والتنوع الثقافي، ما يجعلها منبعًا ومخزونًا مليئًا بروائع الأفكار والقصص والحكايات. أرى مجموعة من الفرص التي ستكون في مستقبل السينما السعودية، السينما الاجتماعية والسينما العائلية وسينما الطفل، خاصة في غياب المنافسة المحلية والعربية؛ ما يفتح آفاقًا جديدة للإبداع والتميز. لكن يجب على صناع الفلم السعودي البحث عن الفكرة والسيناريو الذي يعطيك تصورًا سرديًّا ومبدئيًّا لجودة هذا الفلم، كذلك الممثلين القادرين والمتميزين على صناعة الفيلم.
* اعمل بذكاء وليس بجهد
ويختم حوارنا الأستاذ أحمد هليل، المهتم بالأفلام وصناعتها، واصفًا السوق السعودية بالواعدة، إذ يقول:
التجربة رائعة ولطيفة، رغم أنها في البدايات فإنها جاذبة، وإمكانيات شابة وطموحة ومتطلعة لما هو جديد دائمًا. الحديث حول فكرة فيلم “الناقة” بحد ذاته نجاح كبير، والأرقام التي حققها فيلم “مندوب الليل” كفيلة بصناعة المزيد من الأفلام، والدخول إلى السوق بقوة، ونحن على موعد مع سلسلة من الأفلام الجديدة.
دائمًا أردد مقولة: “اعمل بذكاء وليس بجهد”، ومن ناحية أخرى ناقل الكفر ليس بكافر، ومن زاوية بعيدة يقال: إذا أردت أن تسرق اسرق بفن. التجارب في السوق كلها واحدة، والاختلاف يكمن في الحبكة، وتوظيف اللهجة، والثقافة والموسيقى والتصوير في بيئة سعودية. نحن لسنا في وضع التقييم ولا نبحث عن عدد في الإنتاج، بقدر ما نبحث عن قيمة، وحتى الآن كلها أفلام ذات قيمة تركت بصمة في السوق ولدى الجمهور. كل هذه الممارسات تدعم السوق والأخطاء أقل بكثير من غيرنا، والمقارنات رغم قلة الأعمال، هذا يعني وصولًا أكبر، وأنا على يقين أن هناك من يستفيد من هذه المرحلة في تصحيح الأخطاء. نحن في مرحلة حفر قصة وتجربة في ذهن المتلقي، وهذا ليس خفيًّا على صُناع السينما في السعودية.
سوق السعودية سوق واعدة، وأكبر شباك تذاكر في المنطقة، ونحن في بداية المرحلة وفي بداية الانطلاقة، ولدينا مبدعون ولدينا إمكانيات، والوقت سوف يثبت ذلك، ولا نستطيع أن نسبق الوقت.
التعليقات