الأكثر مشاهدة

إعداد_حصة البوحيمد الكتابة الإبداعية هي تعبير عن الرؤى الشخصية، وما تحتويه من ان …

الكتابة الإبداعية.. بين الاحتفاء والاختفاء

منذ 9 أشهر

1531

0

إعداد_حصة البوحيمد

الكتابة الإبداعية هي تعبير عن الرؤى الشخصية، وما تحتويه من انفعالات، وما تكشف عنه من حساسية خاصة تجاه التجارب الإنسانية وهي ابتكار لا تقليد، وتأليف لا تكرار، تختلف من شخص لآخر حسب ما يتوفر له من مهارات خاصة، وخبرات سابقة، وقدرات لغوية، ومواهب أدبية، تبدأ بالفطرة، وتنمو بالتدريب والاطلاع. وتشكل الكتابة الإبداعية الاحترافية أعلى مستويات الكتابة المهنية ذات السقف الاحترافي العالي التي يبرع فيها كتاب دون آخرين، فهناك مبدعون حلقوا بنا فوق القمم وهناك نصوص قادرة على صياغتنا من جديد، لكن مع تداخل وسائل التواصل الاجتماعي في الحرفة واختلاط الجيد بالرديء وتراجع مساحات الكتابة الإبداعية تراجع عدد الكتاب المبدعين وانحصرت مساحات الإبداع في الكتابة سواء في مجال النثريات أو المنظومات الشعرية  أو المؤلفات الأدبية.

فرقد الإبداعية سبرت أغوار هذه القضية من خلال طرح المحاور التالية على نخبة من الأدباء والمثقفين وأصحاب الرأي:

– ما أسس وأركان الكتابة الإبداعية والاحترافية وأين يكمن الخلل في قلة الكتاب المنتمين إلى هذا النوع من الكتابة؟

– ما التحديات التي تواجه الكتابة الإبداعية وأين مكانها من اهتمام الجهات الثقافية؟

– كيف يتم تطوير هذا النوع من الكتابة وما السبيل إلى وجوده بشكل جاد في مساحات المعرفة؟

* الإبداع مراتب أرقاها المتوغل في التجديد

 يبدأ حوارنا حول القضية د. محيي الدين حمدي من تونس _ تخصص أدب عربي حديث ومعاصر وأدب مقارن.

يقول د محي: الخاطرة كتابة إبداعية 

لكلمة الإبداع مكانة خاصة عند الكتاب والنقاد. ورغم شيوعها فمعانيها تختلف بحسب مستعمليها.

والرأي عندي أن الإبداع مراتب من ناحية العلاقة بالكتابة السائدة، فربما كان موغلًا في التجديد، وهذا  أرقى الإبداع، والغالب عليه تعديل بعض المألوف.

وللوصول إلى مرتبة الكتابة الإبداعية لا بد من توفر عدة عناصر منها؛ إتقان اللغة، والاطلاع على الموروث الأصيل والوافد من الكتابات.

ويحتاج الكاتب إلى الرغبة في الإبداع والظروف الملائمة.

وقيمة الإبداع تتجلى فيما يضيفه من طرافة.

والكتابة الإبداعية تدل على قدرة الإنسان على توليد الجديد للمساهمة في تجديد الحياة.

ومن الكتابة التي تستطيع أن تبلغ درجة عالية من الإبداع (الخاطرة) لأنها شكل كتابي وجيز ومرن.

وهي بالإيجار تلائم عصرنا، عصر السرعة. وهي بالمرونة تستطيع أن تتجلى في عدة أبنية وقوالب.

وأما محتوى الخاطرة فلا حد له. فهي يمكن أن تعالج مختلف القضايا. وقد تتجلى في قالب جد أو هزل أو سخرية.

ولا شك أن تقنيات العصر الجديدة يمكن أن تلون الخاطرة.

والخاطرة يمكن أن تزدهر في مناخ الحرية وتموت في مناخ الاستبداد.

وطبع الخواطر واهتمام النقد لها يساعد في شيوعها بين الناس والإقبال عليها.

إن الخاطرة دالة على وعي كاتبها وعلى درجة رقي المجتمع الذي تظهر فيه.

*ضرورة إدراج  الكتابة الإبداعية في مناهج التعليم 

ويبحر بنا الكاتب والأديب عبده الأسمري في عوالم الكتابة الإبداعية بقوله:

للكتابة الإبداعية أسس واتجاهات تعتمد على المهارة وتعتمد على الموهبة، وهي نتاج ركض في مسارات التعلم ومدارات الممارسة لصناعة الخبرة مع أهمية الارتهان لضرورة التطور والارتكان لحتمية الابتكار والتماهي مع الجزالة اللفظية والتجميل الواجب للنصوص واستخدام المحسنات البديعية والجماليات اللغوية؛ مثل الجناس والطباق والمترادفات؛ أيضًا توزيع المهارات الكتابية من خلال القفز على أسوار الروتين والتفكير خارج مساحات الاعتياد. 

لأن الاحتراف مرتبط بأدوات مختلفة من المهارة والموهبة والممارسة والخبرة شريطة أن يكون الكاتب «وفيًّا» لحرفته، محافظًا على لياقة الفكر، ولباقة السرد وثقافة الذات، وصولًا إلى ترسيخ كتاباته في الأذهان وتسخير حروفه لأجل الإنسان، مع أهمية الحرص على نزاهة البنان، وموضوعية البيان.

الركض في مساحات الكتابة مفتوح للجميع، لكن الإبداع فيها، والحفاظ على المراكز الأولى والمواقع المثلى، يتطلب فرسانًا يجيدون المضي قدمًا بأنفاس أصيلة، تستخرج النفائس الثمينة من حروف وكلمات وعبارات واعتبارات وسطور تبقى شاهدة على الثبات وصامدة أمام التغير.

تستحق الكتابة أن تقام لأجلها المنافسات العالمية والبطولات العلمية، وأن تكون دومًا في متن الاحتفاء، وأن تبقى دائمًا في شأن التتويج، فمنها تخلدت عبارات ظلت منقوشة على صفحات التاريخ، وبها تعالت أصداء الثقافة، وفيها تتباين مهارات المتميزين، وبرحيقها يعلو فصل الخطاب، وبعبيرها يرتكز أصل الجواب حيث ظلت لأزمنة مديدة محفلًا للخطب، ومنبعًا للنصح وسلوكًا للتعامل ومسلكًا للتواصل وميدانًا للحلول.

حتى ترتقي الأحاديث وتسمو الخطابات، فلا بد من وجود الكتابة كمادة خام، تتشكل منها «مسارات» القول الحسن، وترتهن إليها «ملكات» الحديث الجاذب، ففيها اختصار للأفكار، وصبها في قالب المنافع وانتصار للأهداف، ووضعها في قلب الفوائد.

يجب أن يكون لدينا «إرث» مستديم من الكتابة التي كان الإبداع أصلها والإمتاع تفصيلها، ومن الضروري والحتمي، والمستوجب أن نجعل لنا بصمات مؤصلة في عمق الاحتذاء وأفق الاقتداء، وأن تظل عباراتنا مناهجًا تدرس ومباهج تكرس في خدمة البشرية جمعاء، وأن تكون الخزائن ممتلئة بإنتاج مكتوب يعكس تفوقنا ويؤكد نجاحنا ويؤصل تميزنا في كل الاتجاهات والأبعاد.

أما السبب في قلة الكتاب، بل وندرتهم في مجال الكتابة الإبداعية؛ فذلك يعود إلى عدم اهتمام جهات التعليم وقطاعات التدريب بذلك، إضافة إلى تسليم مهام التعليم والتدريب على الكتابة التي عادة ما تكون في مساحات محدودة لغير المتخصصين، وكذلك إطلاق بعض الجهات مسمى “كاتب” على أشخاص لا ينتمون للمهنة بصلة؛ ما جعل المساحة تفتقد بريقها، وبالتالي فإن الكتاب المبدعين يظلون نادرين، لكن بالإمكان الاستفادة من هذه الندرة في إخراج مكنون الكتابة الإبداعية لتخريج أجيال قادمة خرجت من معين “التميز” إلى مسارات “الإبداع”. 

لدينا “أزمة” حقيقية في الكتابة الإبداعية؛ فهنالك الكثير ممن ينتظرون الركض في ميدان الكتابة الإبداعية، لكن “المساحات” محدودة والساحات “فارغة” تنتظر “فرسان” يملؤونها بأنفاس “أصيلة” لصناعة أجيال تجيد الإبحار في عوالم المعرفة وتصنع الاعتبار لمعالم الثقافة.

تعلم الجامعات طلابها في أقسام الإعلام على عشرات المناهج المتخصصة والدقيقة العميقة، لكنك تتفاجأ بأن الخريج لا يستطيع أن يكتب خطابًا أو أن يحرر قطعة مكتوبة وهو المنتظر منه أن يكون في المستقبل محررًا صحافيًّا أو معدًّا فضائيًّا أو مسؤولًا إعلاميًّا، والأدهى من ذلك أن كتابة المحتوى في أقل حالاتها؛ لاعتمادها على “منهجيات” التسويق أكثر من “أساسيات” التشويق الذي تلعبه الكتابة الإبداعية في اتجاهات حرفية تصنع للجهة وللموظف وللمسؤول “مقام” معرفي يعكس “قيمة” الأداء.

تتبارى الأندية الأدبية والمقاهي الأدبية والجهات الثقافية في حشد “الشعراء” و”الروائيين” و”القاصين” و”النقاد” في “أحاديث” و”أمسيات” تكرر “قوالب” روتينية من التخصص العميق أو قراءة في مشهد معروف عنه أو متعارف عليه، وإن جاءت مناسبة أو احتفالية رأيناها تستدعي نفس الفئة حتى تتحدث عن الذات وتبجل المضيف، بينما لا “التفاف” حقيقي أو “لفتة” واقعية أو “وقفة” احترافية تهتم بالكتابة وشؤونها ومقاماتها وأبعادها، ودراسة مستفيضة عن تلك “الفجوات” البائسة بين أجيالنا وكتاباتهم واعتمادهم على “مخزون” تعليمي قائم على الحشو و”معروض” تقني معتمد على الجهل.

وسؤالي العريض: ماذا يقدم التعليم لطلابه في تعلم “اللغة العربية” وما المخرجات الحقيقية وهل لدينا منهج حرفي لتعلم “الكتابة” وكيف نصنع كتاباتنا بلغة راقية ومتى نرى في وزاراتنا اهتمامًا واضحًا بمنهجية الفصحى؟ ولو تنبأنا بالأجوبة علينا أن نرى المنتج في خطابات ومراسلات الوزارات والمسؤولين، ولو أردنا تذوق طعم الحقيقة “المر” علينا أن نستوقف خريجي الجامعات في “اختبار” عابر عن كتابة “قطعة” إنشائية صغيرة عن جامعته وعن أمنياته وغيرها حينها سنواجه “صدمة” النتائج و”سوء” الحال! 

اطلعت على مناهج الدورات التدريبية في عدة قطاعات وتفاجأت بخلوها من “التأهيل” الاحترافي في منهج الكتابة وعاينت أنشطة الجامعات؛ فرأيتها تركز على كل الأنشطة اللامنهجية باستثناء “الكتابة” واطلعت على بعض “المنصات” المعنية المعرفة؛ فوجدتها توكل “التدريب” في شأن المعارف لأشخاص غير مؤهلين أو من خريجي “قروبات” الواتس أب أو من القادمين من “السنابات” المناطقية! أصابتني الدهشة واعترتني الصدمة وتيقنت أن الخلل يكمن في “الغفلة” البائسة و”التجاهل” المؤلم لهذا الفن العتيق والمنهج العميق الذي يمثل الهوية المعرفية بكل تفاصيلها.

الكتابة الإبداعية مقام ذو شؤون ينتظر تسليط مجهر “الاهتمام” على تفاصيله قبل عناوينه، وعلى وزارات التعليم والثقافة والإعلام أن تعتني بهذا الملف حتى نرى “الإبداع” بلغة المنتج وهوية الحديث وهيئة الحدث في كل آفاق الحرفية وأبعاد الاحترافية. 

يجب أن تدرج الكتابة في مناهج التعليم العام بالتدرج منذ المرحلة الابتدائية، مرورًا بالمتوسطة ثم الثانوية.

ويجب أن تدرج كليات وأقسام الإعلام مناهج خاصة للكتابة الإبداعية ومناهج للكتابة الاحترافية، أيضًا مناهج تتعلق بالكتابة الأدبية ووضع نماذج متجددة حتى في برامج الدراسات العليا، مع أهمية أن يكون هنالك أنشطة ودورات في هذا الجانب، وأطالب الجامعات السعودية أن يكون لديها دبلومات خاصة عن الكتابة الإبداعية وأن تختار من الكفاءات الوطنية وأصحاب الخبرات للمحاضرة فيها والخروج من “قوالب” المناهج الأكاديمية المعلبة والشروع في وضع خطط خاصة للكتابة بكل تفاصيلها ووضع نماذج من “كتابات” كبار الكتاب وخبراء الكتابة؛ لتكون ضمن هذه المناهج. 

وأرى أن يتم التوسع في الأمسيات والمحاضرات الثقافية المتخصصة عن الكتابة الإبداعية والاحترافية، التي تنظمها الأندية الأدبية والشركاء من “المقاهي الأدبية”. 

*الخلل يكمن في الاستسهال والاستعجال

وتبدي الكاتبة شيماء الوطني من البحرين رأيها حول القضية المطروحة قائلة:

أعتقد أن الكتابة الاحترافية لها طابع الوظيفية والتقريرية، حتى وإن كانت في نطاق المواضيع الحيوية، لكنها تختلف عن الكتابة الإبداعية التي تحتاج إلى تفعيل الخيال والموهبة، وهذا ما يندر في الواقع؛ لذلك نجد قلة من الكُتاب من يقدم عملاً أدبيًّا إبداعيًّا في مقابل الكم الهائل من الإصدارات العادية التي تفتقر إلى الإبداع.

وأظن أن الخلل يكمن في الاستسهال والاستعجال على حد سواء، فكثير ممن يكتبون لا يتلمسون مراكز قوتهم ولا يرتقون بمواهبهم إن كانت موجودة بالتطوير والتثقيف وشحذها بالقراءة والبحث، في المقابل هناك من يفتقر فعليًّا للموهبة، لكن يبقى همه في تحصيل الشهرة بالكتابة والنشر وتراكم إصداراته في المكتبات على حساب جودة ما يقدمه ويترك بصمته في مسيرته الإبداعية.

وأكبر التحديات في رأيي تكمن في الانتشار الإعلامي، قلة من المبدعين من لها حظوظ الانتشار والتعريف في مقابل من تصل شهرتهم السماء، على الرغم من إمكانياتهم وموهبتهم المتواضعة، فنجد بعض الكتاب المميزين لا يلقون من الاهتمام والتركيز والانتشار ما يستحقونه وآخرين تنتشر أعمالهم ويكون لهم حضورهم الدائم في المحافل الأدبية؛ ويرجع ذلك بالدرجة الأولى إلى الشللية وعدم اكتراث بعض الجهات الثقافية إلى ضرورة البحث عن المواهب المبدعة الشابة على وجه الخصوص، وإعطائها الفرصة لأن تشق طريقها الإبداعي بالتشجيع والدعم.

أيضًا هناك مشكلة حقيقية في مزاحمة بعض الكُتاب اللامعين للكُتاب المبتدئين، واستئثارهم للفرص الداعمة التي كانوا في يوم ما يبحثون هم أيضًا عنها.

كذلك فإن الكتابة الإبداعية غالبًا ما تصطدم بجدار العرض والطلب وصعوبات النشر والتسويق.

ولتطوير الكتابة الإبداعية لا بد من اهتمام وتشجيع الجهات الأدبية الرسمية، من خلال إقامة المسابقات والندوات وورش العمل والمهرجانات التي تدعم الكتابة والكُتاب.

وحتى وزارات التربية والتعليم لها دورها من خلال اختيار مواد أدبية إبداعية متجددة ضمن مناهجها، وإدراج “الكتابة الإبداعية” ضمن مناهجها، أسوة بالدول الغربية التي يدرس فيها طلابها كتابة الشعر والسرد كأي علم من العلوم.

أيضًا على الصحف المحلية والعربية الاهتمام بالإصدارات الجديدة والمبدعين الجدد، وتنمية الحس النقدي لدى عموم القراء.

 *الكتابة الإبداعية قوامها الملهم والخيال واللغة  

ويشاركنا الكاتب والناقد السعودي الأستاذ صالح الحسيني الحوار، موضحًا أسس الكتابة الإبداعية ومقوماتها قائلًا:

أولًا وقبل كل شيء: على الأديب تنمية شعوره بالاستمتاع بالكتابة، ومن ثم حماسته؛ حيث يعتبر الحماس مهمًّا في الكتابة، فالكاتب الذي يكتب بشغف وحماس يأتي بالأفكار الجميلة والمفاهيم الجديدة، وعليه مراعاة الكتابة الجيدة وتلك تشمل: بناء الجمل الواضحة والمنطقية، استخدام المفردات المعبرة المكثفة؛ لتشكيل الصورة الفنية التي يأملها منه المتلقي.

أيضًا يتطلب الإبداع في الكتابة القدرة على إيجاد الملهمات والاقتراب منها وتحينها، لاكتشاف صور جديدة ومثيرة للاهتمام، وهذا يتطلب البحث والقراءة والاطلاع على مختلف الأفكار والمعارف والعلوم والثقافات.

ومن المهم الامتثال لقواعد اللغة العربية من خلال: الاهتمام بكتابة الجمل دون أخطاء نحوية أو لغوية، والتأكد من أن النص يتبع القواعد النحوية والإملائية.

وعن أركان النص السردي الإبداعي لا بد من توفر الآتي:

الفكرة: حيث تبدأ الكتابة الإبداعية بفكرة أساسية، أو موضوع يمكن تطويره. ويمكن أن تكون الفكرة مستوحاة من تجارب شخصية أو قصص واقعية أو خيالية.

الشخصيات: وهي تعد أحد العناصر الأساسية في القصة، ويجب أن تكون هذه الشخصيات واقعية من حيث تشكيلها في ذهنية المتلقي ومصقولة، أو متخيلة وأن تتطور على مر الأحداث.

معمار النص: بحيث تبنى القطعة الأدبية على بناء تصاعدي للأحداث، وتوتر يبقي القارئ مهتمًّا من خلال عنصر المفاجأة وصناعة التشويق.
الأسلوب:
وهو واحد من عناصر الكتابة الإبداعية المهمة، ويجب أن يكون دقيقًا وواضحًا ومناسبًا للجمهور المستهدف.

الوصول العاطفي: يجب على الكتابة الإبداعية أن تلامس القارئ عاطفيًّا وتثير لديه مشاعره ليبقى النص في الذاكرة.

المراجعة: يجب أن تتم عمليتا التحرير والمراجعة بعناية لضمان الدقة والانسيابية في موضوع الكتابة/ النصّ الإبداعي.
ومن المهم العمل على تطوير هذه العناصر من خلال الممارسة والقراءة واستكشاف أساليب فنية مختلفة.

كما تتضمن أسس الكتابة الإبداعية للوصول إلى الاحترافية: فهم واستخدام عناصر الخيال، مثل الشخصيات، والإعداد، والحبكة، والموضوع، ووجهة النظر حين كتابة النص السردي، إضافة إلى ذلك، فإنه يتضمن تعلم وممارسة تقنيات الكتابة: كالحوار، والوصف، والتشبيهات والاستعارة لإنشاء نص إبداعي مقنع معززًا بالمحسنات اللفظية والبديعية والبيانية. أما ما يتعلق بالجانب الثاني من هذا المحور؛ فأعتقد أن سبب قلة الكتاب المبدعين يعود إلى الجهل أو عدم الاهتمام بقيمة ورسالة النص الأدبي وفهم لعبة النص الإبداعي، وفي استخدام أدوات وعناصر الفن الذي هم بصدد الكتابة فيه، وحين الحديث عن فن الشعر -تحديدًا- فهذا المجال الإبداعي يخضع لمعرفة البحور الشعرية، وعلم العروض، وسلامة القافية عند كتابة النص الشعري الخليلي المقفى الموزون، والعناية بنغمة الإيقاع واختيار الروي الجرسي في شعر التفعيلة كذلك، فضلًا عن إعمال الخيال في ابتكار الصورة الفنية الشعرية المعبرة، وفي قصيدة النثر: العناية بالجملة الشعرية الإبداعية والصيغ البلاغية شكلًا ومضمونًا”.

وأخيرًا: أهمية التفريق بين الأجناس والأنواع الأدبية والقدرة على تصنيفها.

وعن اهتمام الجهات الثقافية: نستطيع القول أن عليها دور مهم تجاه الكتابة الإبداعية وأهمية تجويدها، من خلال تكثيف البرامج الإثرائية في جانبها النظري والتفاعلي كذاك، وورش الكتابة في جانبها التطبيقي، وتشجيع المسابقات وتخصيص الجوائز المحفزة على المشاركة. كل ذلك يساعد في تطوير هذا النوع من الكتابة، ويضع لها وجودًا لافتًا في مساحات المعرفة والثقافة، والمثاقفة -أيضًا- من خلال التلقي التفاعلي الآني، ويأخذ بها إلى منصات التكريم، وإلى العالمية من خلال النشر والترجمة المتميزة.

*الكتابة في العالم العربي قد تمرض، لكنها لا تموت 

ويعلق القاص والروائي د.جمال الدين علي الحاج من السودان على محاور القضية بقوله: للإجابة على هذا السؤال الكبير لا بد للحديث أن يتطرق إلى مفهوم العملية الإبداعية، من حيث أنها سلسلة الأفكار  والخيالات التي تبتكر منجزات.. فكرية.. فلسفية.. فنية.. لغوية غير مسبوقة.. السرد كمنجز إبداعي معني بكل هذا، بقدرته البالغة على التأثير الانفعالي لدى المتلقي من حيث الإفصاح والرمز والإيهام عن العواطف والأحاسيس وخلجات النفس وترجمة كل ذلك حتى تتحقق المتعة والدهشة المرجوتان. هنا لا بد من معايير جودة.. الحداثة وجدة الطرح والفرادة والأصالة.. الإثراء والإشراق اللغوي.. حسن الاستهلال والربط ووحدة الموضوع ودقة الربط والتشويق وغيرها. حتى لا تكاد تميز بين ما هو واقعي وما هو خيالي. فهو إدراك للعالم والحياة بصورة مبتكرة وجديدة. ولا أميل إلى الحكم القطعي على الأشياء.. الكتابة الإبداعية لاسيما في العالم العربي حية وباقية قد تعاني.. تتعب تمرض لكن لا تموت.. صحيح لو نظرنا إليها من منظور احترافي قد نجد أن الكتاب المحترفين لوهلة يبدو قليلًا ولا نستطيع أن نشير بإصبع وهذا تدخل فيه عدة عوامل أهمها النظرة العامة لأحوال الكتاب أنفسهم وسبل كسب العيش، وغيرها من هموم الحياة تجعل الكاتب المبدع العربي متقعرًا، فهي على أية حال ليست وسيلة لكسب العيش ولا أعرف كاتبًا عربيًّا يعتاش على عائد الكتابة وهذه قضية أخرى. هذا بخلاف الغرب حيث يكون الكاتب متفرغًا، بل تسعى دور النشر لنيل حقوق الكاتب قبل أن ييدع منجزه الإبداعي. بالطبع هنا تتداخل عوامل كثيرة أهمها الفوارق بين المجتمعات هنا وهناك وما يتبعه من التزام.

وهذا يقودنا إلى التحديات الكبيرة التي تواجه الكتاب العرب، هنا يبرز الدور الكبير المنوط بالجهات الثقافية سواء كانت جهات رسمية أو جهات تشاركية مجتمعية من الشركات والجامعات ودور النشر ومراكز الثقافة والبحوث والإعلام الحديث والمشتغلين بالفن والأدب عمومًا.

وبرأيي لا بد من وضع خطط طموحة تتكامل فيها جميع الأدوار، ووضع الخطط والبرامج والقوانين المنوطة بحفظ الحقوق؛ الجامعات ومراكز النقد والترجمة دور النشر والشركات الراعية.. وغيرها. 

*على الإعلام أن يكون واعيًا وقادرًا على صنع النجوم

وترى الأديبة الأستاذة /إشراق النهدي من عمان  أن الكتابة الإبداعية عالم من التنوع والتمكن في المهارات والقدرات، وكيفية استعمالها واستخدامها من خلال التقاط الأفكار البسيطة والمعقدة وكتابتها في قالب من التجديد والابتكار. ولها أسس فنية وتطبيقية كثيرة منها: تقنيات الكتابة الإبداعية وعناصرها المتعددة وخصائصها الفنية، عدا أهمية مبادئ الكتابة السليمة والتعبير المتقن القادر على إيصال الفكرة والمغزى بجمالية فريدة من نوعها. وهي أيضًا أسس قائمة على تطوير الذات والتجديد في الأسلوب وتجريب أنماط جديدة في الكتابة من خلال الممارسة المستمرة والقراءة والمطالعة والبحث في الثقافات والمعارف. وقلة الكتاب في الكتابة الإبداعية يعود إلى أنها تحتاج إلى صقل عالٍ للموهبة واشتغال دائم على الأسلوب في العمل الأدبي الإبداعي والقدرة على تصميم قوالب إبداعية جديدة للتحرر من النمطية والتقليدية في الكتابة والإتيان بمحتوى قابل للنشر والمنافسة؛ بحيث ينال ردود حسنة من المتلقي أو القارئ.

وبما أن الكتابة الإبداعية ليست وظيفية فهي نضال تمسك وبقاء لاسم كاتب وإبداعه. ولأن هذه الأنواع من الكتابة لا تؤكل عيشًا؛ فهي قد تؤدي إلى حالات إفلاس الكاتب خاصة إذا أصر على النشر والإصدار. وهي بحد ذاتها تعتبر نوعًا من المخاطرة الحقيقية؛ لأن الجهات الثقافية التي تتبنى الكتابة الإبداعية قليلة والتنافس عليها كبير. عدا ذلك فإن الفئة المقبلة على قراءة الكتابة الإبداعية مزاجية وعددها غير مستقر. والجهات الثقافية الداعمة قليلة بحق وينبغي النظر في ذلك أيضًا، بحيث يجب خلق كيان ثقافي قوي باستراتيجيات وخطط محكمة تدعم وتسند الكتاب والأدباء في المجال الإبداعي وتنمي مهاراتهم وتصقل تجاربهم الأدبية وتمولهم مالياً، كما وتحول إبداعهم إلى مشروع ثقافي أدبي اقتصادي يعود بفائدة مالية ربحية قادرة على إنعاش حياة الكاتب نفسه ليستمر في العطاء الإبداعي والكتابة.

وأعتقد أن الإعلام يجب أن يكون واعيًا وقادرًا على صنع نجوم في الكتابة الإبداعية وتسليط الضوء عليهم ونقلهم لمساحات أكبر من الرؤية والظهور. وتخصيص مجال أكبر لعرضهم على المجتمع في إطار من النماذج التي تستحق الزهو والفخر والتكريم والتقدير لما تقدمه في عالم الإبداع الأدبي. وزرع ثقافة أهمية الإبداع والمبدعين في إضافة قيمة ومعنى عميقين للحياة وذلك لخلق عالم أسمى وأصفى. ذلك لأننا نجد أن الإعلام هو المسيطر في صنع نجاح وسطوع المشاهير والنجوم. ونلاحظ ذلك من خلال مواقع التواصل الاجتماعي الذي خلق نماذج مزيفة من المشاهير رغم سطحية وتفاهة ما يقدمونه.

*إذا أردت أن تنير أمة  ادعم مبدعيها

ويشير الشاعر والروائي المصري هشام مصطفى إلى أهمية دعم العقول المبدعة بقوله:

الكتابة الإبداعية.. يا لها من عبارة يسيرة تحمل بين طياتها ألغازًا وعوالم من الأسرار رواها وسردها الكثير من المبدعين على مر الزمان.

هي سفينة نوح التي تستقلها عقولنا في رحلة بعيدة عن روتين يومي فرض علينا، تأسر الكتابة الإبداعية القلوب وتحمل بين طياتها القدرة على إثارة العواطف والخيال. إنها فن يعكس الروح الإنسانية ويأخذ القارئ في رحلة فريدة من نوعها. ويبدو أن الكثير من الكتاب ينتمون إلى هذا النوع من الكتابة، إلا أن الأرقام تشير إلى نقص حقيقي في الكتب الإبداعية الاحترافية، وندرة الأفكار المتطورة والخيال الخصب.

إن ركيزة الكتابة الإبداعية والاحترافية تقوم على توظيف الخيال والإبداع والقدرة على رسم عوالم وشخصيات تأسر القارئ. لكن الخلل الذي نراه ما أسبابه وإلى أي سبيل نبحث عن علاج له يشفي، وهنا أصاب خيال آلامه.

فنجد أمامنا السبب جليًّا يكمن في قلة الدعم والموارد المتاحة للكتاب الذين يسعون إلى إتقان هذا النوع من الكتابة، يجدون صعوبة في نشر أعمالهم أو الوصول إلى القراء الذين يقدرون هذا الفن، يا لها من من رحلة شاقة رحلة الصعود من بين أوراقك إلى نقطة مضيئة يترقبها الآخرون في انتظار وشغف.

الكتابة الإبداعية في عصرنا هذا تواجه تحديات عصيبة، ضغط الحياة اليومية، توجه الناس نحو وسائل الترفيه السريعة. الجهات الثقافية قد تغفل عن دعم الكتابة الإبداعية وتقديم المساحات المناسبة لها في المجتمع.

ورغم كل ذلك فمن المهم تطوير الكتابة الإبداعية من خلال تعزيز التواصل بين الكتاب والقراء وتوفير الدورات التدريبية وورش العمل التي تساعد الكتاب على تطوير مهاراتهم. كما ينبغي للجهات الثقافية دعم وتشجيع الأعمال الإبداعية وتوفير الفرص لنشرها والترويج لها. بالتالي، يمكن أن تجد الكتابة الإبداعية مكانتها المستحقة في مجتمعاتنا، وتبرز بشكل لافت في مساحات المعرفة.

فإذا أردت أن تنير أمة فلا تضيء المصابيح، بل ادعم مبدعيها فإنارة العقول والأرواح أولى وأبقى.

*العودة إلى إعلام ثقافيّ لا إخباريّ فقط

وتتطرق  القاصة والأكاديمية د. درية فرحات من لبنان في طرحها لأزمة الإبداع وأسبابها وبعض ملامح الحلول لتلك الأزمة، حيث قالت:

إنّ الكتابة إبداع يتمتع به الإنسان، فيعبّر عن أناه وذاته أو عن رأيه أو إحساسه. وفي الكتابة يعبّر الأديب عن الواقع بلمسات الجمال، وهو تحويل للواقع بواسطة أساليب تعبيريّة، وأدائيّة من نوع خاص، ومهما كان الأمر عملية تحويل، أو عملية رمز، أو هروبًا من الواقع، أو تساميًا عليه، فلا يهمُّ ذلك.. إنما المهمّ أنّه انتقال من حقيقة عاديّة شائعة إلى عالم يفوق الواقع ويتّصف بالجماليّة، وحُسْنِ الذّوق. والكتابة الإبداعيّة تتعدّد بين الشّعر والسّرد والنّقد.

والإبداع كما يقول اللّغويون: صنيع بدء لا يتقيّد بأنموذج. والإبداع الأدبيّ فرادة في الصّنيع اللّغويّ تؤتيها فرادة في الوجد. يقول أبو تمّام مؤدّيًا هذا الفهم:

ولي، في تركيبه، بِدعٌ شَغلت قلبي عن السُّنن

وتميّزت البشرية على مدار التّاريخ بالكثير من الإبداعات الكتابيّة، وفي كثير من الأحيان تترك أثرًا في تغيير مسار الحياة. ولعلنا نتساءل الآن: أين الكتابة الإبداعيّة، وأين المبدعون وتأثير دورهم؟ وهل هناك قلّة في المنتمين إلى هذا النّوع من الكتابة؟

إنّ الإجابة على هذه التّساؤلات تدفعنا إلى القول بأنّ من أسس الكتابة الإبداعيّة صدق العاطفة، والتّعبير الشّفاف الحقيقيّ عن مكنون الذّات، وأن يعبّر عن تجربة إنسانيّة، ومتى انطلق الإنسان من محلّيته وصل إلى الإنسانيّة العامة، على أن يعبّر بعيدًا عن الزّيف والتّملّق والتّصنّع والتّكلّف. فالتّجربة الإنسانيّة متقاربة في معناها العام مختلفة في خصوصية كلّ بيئة.

من هنا يمكننا القول بأنّ أزمة الإبداع تبرز في أنّ من يتّجه نحو الكتابة بات يبحث عما يريده الآخرون، وعما يمكن أن يجعله في مصاف المشهورين والحصول على الجوائز. ولا يعني هذا حرمان الكاتب من الوصول إلى الشّهرة، لكن عليه أن ينطلق من الصّدق، لا أن يبحث عن الأفكار الجاهزة المعلبة التي تطبع العالم بفكر متشابه.

ولعلّ ما نلمحه في هذه الأيام عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ، والاستسهال في عملية النّشر، يسهم في تغيير مفهوم الكتابة الإبداعيّة، وما ساعد في ذلك هو الوقوع في وهم التّعليقات وإبداء الإعجاب. فتحوّل كلّ مسطّر كلمات قليلة إلى شاعر أو قاص أو أديب، وبات من الصّعب توجيه النّقد البناء له، خاصة بعدما وجده من سيل من التعليقات الرنانة لما كَتبَ. فقديمًا كان الكاتب يمزّق الكثير من الأوراق قبل أن ترضى الذّات عن كتابته، لينشد بعد ذلك رضى أصحاب الاختصاص.

ولعلّ هذا يجعلنا نضع الإصبع على الجرح، ونقول بأنّ هناك تقصيرًا من الجهات الثّقافيّة؛ لأنّها تركت الحبل على الغارب، ولم نعد نجد هذا الاهتمام الحقيقيّ في التّثقيف الإبداعيّ. فمن المهم العودة إلى وجود إعلام ثقافيّ لا إخباريّ فقط، وأن تقوم الجهات الثّقافية بعمل ورش عمل إبداعيّة تسهم في تطوّر الكتابة، والعمل على تبني المواهب المبدعة.

وإذا طرحنا هذه القضية اليوم، فإنّنا ربما نكون على سكةٍ نحاول فيها إصلاح الخلل الواقع، ومن المهم إزالة الغبار عن الجواهر المكنونة لتنير.

*الكتابة الإبداعية لمن يرفع مشعل الكلمة عاليًا 

وتتحدث الأديبة صباح حمزة فارسي في حديثها عن أسس الكتابة الإبداعية وإيجابية  التمرد على المألوف بقولها:

الكتابة الإبداعية تعني الخلق، الإبداع، الإنتاج، الاستحداث، بل هي كلمة لا تعترف بالتكرار والقيود التي تفرض على الكاتب، سواء كانت تلك القيود  خارجية من العالم المحيط به، أو ذاتية تنبع من داخل الفرد وتسجنه عن الخروج على المألوف فيقع في فخ الرتابة والإعادة.

أما عن أسس الكتابة الإبداعية فهي التكثيف والإيجاز، ترابط الفكرة مع الاهتمام بالجانب الوجداني وتنوع الأسلوب مع القدرة استخدام التناص القرآني والضمني، وإضافة الاقتباسات المناسبة للنص، مع الانتقال السلس من المقدمة للعرض وقصر النص؛ كي يتلاءم مع تسارع العصر، وكل تلك الأسس تنتجُ من القراءة المكثفة المطولة، المنظمة العشوائية، النوعية بجودتها واختلاف منابع الكتب، فتتكون لدى الكاتب، القاص، الروائي قاعدة مكتنزة بالمعاني والمجاز والبلاغة والكناية وكل أصناف البديع من الكلام، فتجده ينهمر كتابة؛ فينتج نصًّا بديعًا غير خاضع لسلطة من سبقه مطلقًا، تقرأ فتجد الصور ناطقة، والكلمة حادة لا يمكن أن تتركك، أما العبارات فهي مدهشة فيجعلك تتوقف، نعم تتوقف وتعيد الجملة، تعيد القطعة لتتأمل الجمال، تتذوق اللغة وهنا يصبح المجد للغة، ونستطيع أن نقول: كاتب مبدع حقيقة لا مجازًا ومجاملة.

وعن تجربتها الذاتية تقول: وبالنسبة لي الكتابة الإبداعية هي حالة تمرد تفرضها الحالة الكتابية بهدف كتابة فكرة والانهمار بها على الورق، بل حالة جنون مغفور له في لحظة صدق مع الذات يجعلني أكتب دون التفكير بقوالب بليدة، الكتابة متعة الكتابة والخروج من هذا العالم الضيق جدًّا لرحابة سماء الورقة والقلم، والاستسلام لسلطة الفوضى الخلاقة لإنتاج أبيات شعرية، قصة قصيرة، رواية وأثناء تلك الأيام والساعات أغامر بالكتابة دون قيد أو شرط، وحدها الكتابة سيدة الحضور، فأقول لها هيت لك، وأكتب، أمزق، أكتب، أعيد الكتابة على الحاسب، ولا أنتهي هنا بل أعيد الطباعة والتمزيق، فالكتابة تحتاج صبرًا فوق صبر.

والتحديات التي تواجه الكتابة الإبداعية يمكن تلخيصها في نقطتين: خارجية ذاتية. 

بالنسبة للتحديات الخارجية هي  خارج حدود الكاتب، فالكتابة الإبداعية مادة تدرس في عدد قليل من الجامعات العالمية وحتى الآن ليست موجودة في المملكة كمادة لدراسة الماجستير أو الدكتوراه أو حتى دبلوم يقدم من قبل جامعة بشكل أكاديمي، ولو وجدت لكنتُ أول من يلتحق بها، ونتيجة لعدم وجودها نجد دورات كثيرة في دول الخليج، قلة ممن يقومون بها ويقدمون عملًا جيدًا والبقية وللأسف غرضهم من بروز أسمائهم  هدف مادي بحت، ونجد مبادرات من أفراد أو مكتبات وهي تحظى بقبول، لكنه قبول ضعيف ومخرجات يمكن تصنيفها كمخرج كتابة إبداعية لكنها تفتقر للاستمرارية، وهنا قتل مشروع للمبدع؛ لأن الكاتب يحتاج الوقت والمكان والأشخاص ممن يقدمون الدعم بالنصيحة والنقد البناء للجمال وكشف مواطن الضعف دون قتل روح المبدع وتجريمها؛ لأنه خرج عن قالب ما، أو كتب مقالة بأسلوب يخصه، الجهات الثقافية لم تخصص ورش طويلة المدى لهذا الغرض، وما يتم يكون في  منطقة مركزية، وبذلك يحرم الكثير من المشاركة، لا بد من أن تكون في كل مناطق المملكة أو تكون مبادرة منسقة ومنظمة من وزارة الثقافة تنتقل من منطقة للتي تليها بجدول زمني مدروس قد يطول لأعوام.

أما العوامل الذاتية فهي خوف متأصل في نفس الكاتب في الخروج عن المألوف، فيفضل السير مع الركب فلا يحدث جلبة ولا فوضى. يأتي ليكتب ثم يذهب دون أن يعرف أحدهم بوجوده، والكتابة لا ترضى بذلك فهي للشجاع لمن يرفع مشعل الكلمة عاليًا ويسير به ورأسه مرفوعة، لا يطأطئ الرأس، وقد يكون الكاتب ينتظر الوقت المناسب وهذه أيضًا معضلة؛ فكل وقت تأتي الفكرة هو الوقت المناسب للكتابة، على ورقة منديل، على ورق دفتر، أي قلم وأي مادة المهم أن يكتب ويقذف ما في جوفه من براكين الأفكار فيستريح، تحت الضغوط، أو وهو على الشاطئ، في الطائرة، فالوقت مجرد ذريعة للتهرب من الكتابة فهي همّ، نعم همّ ومشقة و تحتاج جلدًا، وإن لم يدرب الكاتب نفسه على الصبر ليكتب ويعيد الكتابة، فأحرى به أن يجد مهنة غيرها.

وتطوير الكتابة يأتي حين يقوي الكاتب عضلاته الكتابية بالكتابة كل يوم ووضع الكتابة في جدول أعماله الأساسي حتى تصبح مفاصله اللغوية قادرة على حمل عبء الكتابة، فالكتابة ليست فكرة للمباهاة بها، قد تلغى دون سبب، وبذلك يغدو ذلك الهروب للحظة الجنون وانهمار الأفكار لحظة يدمنها الكاتب ويشتاق للجلوس لها وملاحقتها؛ ليحظى بساعة صفو كما يلاقي أحدهم محبوبته، فيعد لها قدحًا من الشاي أو القهوة ثم يحلق في عالم الكتابة، بعد أن يكون شحذ ذاته داخليًّا واختلى بالأفكار والرؤى عن البشر، الأفكار ، الوجود، العالم بالقراءة عنهم حتى فاض فصار لازمًا أن يجلس لها، حينها سترحب به الورقة والقلم، وتلك ساعة سعده ونجاته من كل هذا العالم حين يفرغ ما جاش في صدره. 

أما عن السبيل لوجودها بشكل لافت فتلك مهمة الجهات المعنية بالثقافة من وزارة الثقافة والجامعات وكل الجهات المعنية بالثقافة، ودورها البحث عن المبدعين الذين يجربون ويجربون ودعمهم ماديًّا ومعنويًّا وتحفيزهم وجعلهم جزءً من المبادرات القائمة نحو عالم الإبداع، وحين يصل هذا المفهوم للكتابة الإبداعية بشكل يحرر طاقة المبدع وليست ترفًا، بل مطلبًا، حينها ستضحي كل مساحاتنا تضج بالإبداع وهي مهمة الكاتب الذي يريد أن يُدخل القارئ في عوالمه هو فيأخذه من  مطلع القصة، الرواية، المقال حتى آخر الدهشة، فالكتابة أحيانًا حالات عصف ذهني لطفل شقي لا يتورع عن الإتيان بكل ومضة تصب في فكرة فتغدو قطعة لا تملك حين تقرؤها إلا أن تكملها، فلدى القارئ ملايين من الكتاب والمكتبات تضج بالكتب، وحين يريد الكاتب أن يستحوذ على القراء بجودة عمله، ذلك يقتضي أن يُحَسن منتجه أو يترك الورقة لصاحب القلم الأجدر.

*الإعلام التقليدي أصبح هامشيًّا أمام وسائل التواصل 

ويؤكد الأديب الأستاذ/ ضياء خوجة على ضرورة وجود الموهبة ثم صقلها وتحفيزها حيث قال:

أهم أسس الكتابة الإبداعية؛ الموهبة في المقام الأول، ومن ثم الثقافة والاطلاع والخبرة، ويكمن الخلل في وقتنا الحالي في أن الإعلام التقليدي الذي كان بيئة محفزة لظهور وصقل المواهب أصبح هامشيًّا مع ظهور الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي. 

ففي السابق كانت الصحف والمجلات عندما كان عدد قرائها كبيرًا؛ ساهمت في بروز الكثير من المواهب والكتاب والكاتبات. 

ومن التحديات التي تواجه الكتابة الإبداعية عزوف معظم الجيل الحالي عن القراءة، ليس فقط للصحف والمجلات المطبوعة، بل عن الصحف والمواقع الأدبية الإلكترونية. 

وللأسف هناك قصور في اهتمام الجهات الثقافية بالمواهب الجديدة. 

وفي اعتقادي أن بإمكان الأندية الأدبية والجهات الثقافية وضع خطط وبرامج يُعدها ذوي الخبرة لاكتشاف وتطوير الموهوبين في مجال الكتابة بشتى أنواعها، سواء كتابة المقالة أو الرواية أو القصيدة أو حتى كتابة السيناريو. 

وبالإمكان تخصيص جوائز ولو كانت رمزية في هذه المجالات؛ كي نشجع الجيل الجديد على تطوير هواياتهم وظهور إبداعاتهم.

*حضور الكتابة الإبداعية الآن نخبوي

وتعلق الشاعرة دلال كمال راضي على محاور القضية قائلة: من وجهة نظري تظل الكتابة الإبداعية والاحترافية في ماهيتها شيئًا نسبيًّا من حيث الأداء والتقييم، فهي في مجملها تخضع لمعايير الذوق والخبرة والقدرة الذهنية على التقاط الفكرة وتطويع اللغة للتعبير عنها في قالب فني إبداعي يترك أثرًا وجدانيًّا؛ كالإعجاب والدهشة لدى القارئ، وجميع هذه المعطيات غير قابلة للقياس والمعايرة..  وبالتالي تختلف الرؤى النقدية سواءً في الشعر أو النثر حول بعض الأسس والأركان العامة للكتابة الإبداعية، فهناك من يجعل هذه الأركان في الإيجاز والتكثيف والقدرة على رسم الصور المبتكرة والمباغتة، وهو ما قد يناسب الشعر والقصة القصيرة والقصيرة جدًّا، لكنه ينافي الاستطراد الواقعي أو العاطفي أو الخيالي الذي يمتاز به فن الرواية على سبيل المثال، وبالتالي سنجد أن أسس وأركان الكتابة الإبداعية بشكل دقيق تختلف من كاتب لآخر ومن ناقد لآخر كذلك، وأعتقد أننا حين نبحث عن مقاربة واقعية لهذه الأسس والأركان سنجدها قيودًا تعطل العمل الإبداعي وتؤطره في قوالب غير واضحة المعالم، بينما العمل الإبداعي في حقيقته تحليق لا يعترف بأي حدود لمداءاته ومفاهيمه؛ لذلك أرى أن نضج الكتابة الإبداعية وحضورها يظل مقترنًا بنضج التجربة الإنسانية لدى الكاتب وحجم مخزونه المعرفي واللغوي، وبالتالي مستوى مهارته الكتابية في نقل تلك التجربة في قالب فني يستطيع البروز والتألق والتفرد في زحام وضوضاء الكم الهائل من الكتابات التي تنهال علينا يوميًّا من كل حدب وصوب عبر مواقع وتطبيقات الشبكة العنكبوتية، ومن وجهة نظري أن سبب قلة الكتاب المنتمين إلى الكتابة الإبداعية الاحترافية يعود إلى ضياع أصوات المبدعين الحقيقين أو خفوتها جراء ضوضاء كل هذه الكتابات التي نوهت لها، فالكل أصبح يكتب وينشر، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي دون اعتبار أي معايير أو أسس للإبداع أو حتى للذوق العام على أقل تقدير.

حقيقة الأمر أن الكتابة الإبداعية في الوقت الراهن تواجه تحديات جمة، لعل أبرزها غياب التوجيه الإعلامي للذائقة العامة نحو هذه الكتابة الإبداعية وروادها، فحضور الكتابة الإبداعية الآن نخبوي ومحصور ضمن فعاليات ومنتديات ومناسبات قليلة ومحدودة، أي أن حضورها وتأثيرها على المستوى الاجتماعي بشكل عام ضعيف جدًّا، وحتى في مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبح امتداد فضاءاتها هو الواقع الذي فرض نفسه على جميع مناحي حياتنا وأصبحت مضمارًا ومعيارًا لأي حضور، نجد أن أغلب الأسماء الكبيرة والرائدة في الكتابة الإبداعية مغمورة ومجهولة لدى أغلب رواد ومرتادي هذه المواقع، بينما قد نجد بعض المهرجين أو مروجي الثقافة الهشة والسطحية لهم حضورهم الكبير ومتابعيهم الكثر، وبالتالي لهم شهرتهم وتأثيرهم.

وباعتقادي أنه رغم اهتمام ودعم الجهات الثقافية للكتابة الإبداعية فإن هذا لا يكفي، فالذائقة العامة من وجهة نظري تحتاج إلى توجيه نحو فنون الكتابة الإبداعية، ولا بد من رؤية لتفعيل ذلك؛ فعلى سبيل المثال الأمسيات الشعرية والندوات الأدبية حين نجعلها مرتبطة بكيانات أو جهات أو مناسبات ثقافية نجد أنه لا يحضرها غالبًا سوى نخب من الشعراء والأدباء والمهتمين، بينما لو جعلناها جزءً من البرامج والمناسبات العامة على سبيل المثال الوطنية أو الدينية أو السياحية فقد يحضرها الكثيرون ويكون لها تأثيرها الإيجابي الذي ينمي حضورها الدائم في وجدان المجتمع ويعزز رقي الذائقة العامة وانحيازها نحو الإبداع والمبدعين.

والواقع أن الكتابة لا تكون إبداعية إن لم تظل في تطور مستمر، فالإبداع هو خلق وميلاد لكل جديد وحديث ومتطور، وأعتقد أن أهم تطور تحتاجه الكتابة الإبداعية الآن هو مواكبة التغييرات المتسارعة في مناحي الحياة كافة، فالحبيبة لم تعد تركب الهودج وصارت تركب السيارة، والطريق صار شارعًا،  والرسالة لم تعد تسطر على ورقة تطوى ويحملها الرسل، بل صارت عبارات سريعة ولحظية نتبادلها مباشرة عبر هواتفنا المحمولة، والجدير بالكتابة الإبداعية أن تكون حاضنة ومعبرة عن هذا التطور بطريقة تجدد حيويتها ولا تفقدها قيمتها وقيمها. وهذا باعتقادي ما سيعزز وجودها في مساحات المعرفة، لتخرج من دائرة الكتابة الأدبية وتلتحم بكل الكتابات العلمية، وهذا ربما ما صرنا نجد بعض ملامحه وخاصة في الكتب المترجمة إلى اللغة العربية، بالنسبة  لي وجدت أن بعض الترجمات تنقل المعرفة بطريقة مملة وجافة، بينما ترجمات أخرى تحظى بلمسات وجدانية وتراكيب لغوية متماسكة ومدهشة، وهو ما يجسد الثراء اللغوي والحس الإبداعي لدى المترجم؛ أي ما نسميه الكتابة الإبداعية.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود