29
048
050
095
0231
060
4الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11530
04673
04046
173166
0د. آلاء الغامدي
أثار اهتمامي منشور على منصة إكس (تويتر) للإعلامي المخضرم داود الشريان، يوظف فيه فكرة الاستشراق التقليدي (تصورات الغرب عن الشرق) ما أسماه الاستشراق العربي على دول الخليج، وهو كما وصف بأنه “حالة استكثار، مبنية على جهل وترفع وعنصرية”. استخدم الشريان مصطلح “عبء الرجل” العربي ليصف الممارسات الفوقية والمتعالية لبعض من ينتمون للدول العربية الشقيقة على الخليجيين “استكثار تقدمهم وتطورهم” وتذكيرهم الدائم بأنهم سبب أساسي ومحور جوهري في حضارة وتقدم شعوب الخليج. ومع أهمية ما طرح الشريان وتفوقه في توظيف نظرية “عبء الرجل الأبيض” لوصف مثل هذا الخطاب الفوقي المتطرف والمتبنى من بعض المنتمين لبعض الدول العربية، فإنه لم يؤكد بما فيه الكفاية على محدودية هذه الفئة وأنهم قلة لا يمثلون الأغلبية من الشعوب العربية المحبة للشعوب الخليجية. ومن هنا وجدت أهمية التطرق لنظرية عبء الرجل الأبيض في سياق أدب الاستعمار، لعل بعض هؤلاء القلة يجد في خطابه صدى لخطابات غربية استشراقية هيمنت على ثقافاتهم خلال فترة استعمار بلدانهم.
نظرية “عبء الرجل الأبيض” نشأت في العصور الاستعمارية، حيث كانت الدول الغربية تمتلك إمبراطوريات استعمارية وتسيطر على مستوطنات في جميع أنحاء العالم. كان للدول الاستعمارية هدف تبرير استعمارها وتوسيع نفوذها من خلال القول بأنها تقوم بمهمة “التحضير” و”التحرير” للشعوب الأخرى التي تعتبر أقل تقدمًا.
وفقًا لهذه النظرية، كان يُعتقد أن الرجل الأبيض يحمل واجبًا مدنيًّا وأخلاقيًّا لمساعدة الشعوب الأخرى وتحسين أوضاعها. استخدموا هذا الاستدلال لتبرير السيطرة الاستعمارية والتدخل العسكري في البلدان الأخرى. وعلى الرغم من أن الحجج العنصرية والثقافية تستند إلى افتراض أفضلية الرجل الأبيض، فإن الهدف الحقيقي للدول الغربية كان تحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية.
يجدر الذكر أن الفكرة المرتبطة بنظرية “عبء الرجل الأبيض” جاءت بأثر قصيدة كتبها الشاعر البريطاني روديارد كيبلينغ في عام 1899م تحمل الاسم نفسه. القصيدة نفسها تمثل وجهة نظر الشاعر بشأن واجب الدول الغربية الاستعمارية في إعادة بناء وتحسين الأمم الأخرى. تستند القصيدة إلى فكرة أن الدول الغربية، لا سيما الدول الاستعمارية البريطانية، متحملة لإحداث التحول والتقدم في الأمم الأخرى. يعتبر الرجل الأبيض، الذي يشير إلى الأوروبيين والأمريكيين البيض، أنه مسؤول عن رفع مستوى الحضارة والثقافة والقيم في الأماكن التي يُعتبرون فيها “أقل تقدمًا”. في القصيدة، يصف الرجل الأبيض بأنه يحمل “الأعباء العظيمة” وأنه يتحمل مسؤولية توجيه الشعوب الأخرى وتعليمهم الصواب والخطأ. يشير الشاعر أيضًا إلى أن هذا الواجب قد يكون مرهقًا ومعقدًا، لكنه يروج لفكرة أنه يجب على الرجل الأبيض أن يكون قويًّا وصبورًا وعادلًا في تحمل هذا العبء.
Take up the White Man’s burden –
Send forth the best ye breed – Go bind your sons to exile To serve your captives’ need; To wait in heavy harness On fluttered folk and wild – Your new-caught sullen peoples, Half devil and half child.
|
تحملوا عبء الرجل الأبيض- أرسلوا أفضل سلالاتكم- اذهبوا وألزموا أبناءكم المنفى لخدمة حاجة أسراكم؛ اخدموهم والجموهم بشدة فهم قوم مكسورون ومتوحشون – هم شعوبكم المتجهمة التي تم اصطيادها حديثًا، شعوب نصف آدمية، نصفهم شيطان ونصفهم طفل. |
Take up the White Man’s burden –
In patience to abide To veil the threat of terror And check the show of pride; By open speech and simple, An hundred times made plain, To seek another’s profit, And work another’s gain
|
تحملوا عبء الرجل الأبيض في صبر من أجل الالتزام، وأنتم تخفون خطر إرهابهم وتتحققون من إظهار فخركم. بواسطة كلام مباشر وبسيط، قولوا مئات المرات بوضوح أنكم تبحثون عن مصلحتهم، وأنكم تعملون من أجل كسبهم. |
Take up the White Man’s burden –
The savage wars of peace – Fill full the mouth of famine And bid the sickness cease; And when your goal is nearest The end for others sought, Watch Sloth and heathen Folly Bring all your hopes to nought |
تحملوا عبء الرجل الأبيض- حروب السلام الوحشية- أغلقوا أفواه الجائعين بالكامل وأوقفوا الأمراض وعندما يكون هدفكم أقرب إلى التحقق وأنتم تسعون من أجل غايتهم هم، انظروا إلى كسلهم وحماقاتهم الوثنية وأنتم تحملون كل آمالكم إلى العدم. |
Take up the White Man’s burden –
No tawdry rule of kings, But toil of serf and sweeper – The tale of common things. The ports ye shall not enter, The roads ye shall not tread, Go make them with your living, And mark them with your dead !
|
تحملوا عبء الرجل الأبيض- لا حكم تافه للملوك، لكن كدح المستعبدين والكناسة- حكاية الأشياء المشتركة. الموانئ التي لا تدخلونها، الطرق التي لا تسلكونها، اذهبوا لتمييزهم بمعيشتكم، وميزوهم بموتاكم. |
Take up the White Man’s burden –
And reap his old reward, The blame of those ye better, The hate of those ye guard – The cry of hosts ye humour (Ah slowly !) towards the light:- “Why brought ye us from bondage, “Our loved Egyptian night ?”
|
تحملوا عبء الرجل الأبيض- واجنوا مكافأته القديمة: لوم أولئك الذين أنتم تفضلون على أنفسكم، كراهية أولئك الذين تحرسونهم- صرخة المضيفين التي تداعبونهم بها (آه، ببطء!) نحو النور: “لماذا أخرجونا من العبودية، حيث ليلتنا المصرية المحبوبة؟”. |
Take up the White Man’s burden –
Ye dare not stoop to less – Nor call too loud on Freedom To cloak your weariness; By all ye cry or whisper, By all ye leave or do, The silent sullen peoples Shall weigh your Gods and you.
|
تحملوا عبء الرجل الأبيض- أنتم لا تجرؤون على الانحناء إلى من هم أقل منكم- ولا أنتم تجرؤون على رفع أصواتكم بشكل عالٍ جدًّا على الحرية لإخفاء تعبكم. بكل ما تريدونه أو ما تهمسونه، بكل ما تتجنبونه أو تفعلونه، تجعلكم الشعوب الصامتة المتجهمة معيارًا لآلهتكم ولكم أنفسكم. |
Take up the White Man’s burden –
Have done with childish days – The lightly proffered laurel, The easy, ungrudged praise. Comes now, to search your manhood Through all the thankless years, Cold-edged with dear-bought wisdom, The judgement of your peers
|
تحملوا عبء الرجل الأبيض كما فعلتم مع أيامكم الطفولية، حيث الإكليل المقدم بخفة دم، والثناء السهل دون ضغينة يأتي الآن، للبحث عن رجولتكم عبر كل سنوات نكران الجميل يأتي باردًا، محاطًا بالحكمة العزيزة التي اشتريتموها، يأتي كحكم أقرانكم!* ترجمة: العياشي الحبوش. |
تجدر الإشارة إلى أن القصيدة حققت شهرة واسعة في ذلك الوقت وتأثرت بها كثير من الأفكار والسياسات الاستعمارية. ومع ذلك، فإنها أثارت أيضًا الكثير من الانتقادات بسبب طابعها العنصري والاستعماري، حيث تفترض تفوقًا واستعلاءً من قبل الرجل الأبيض على الثقافات والشعوب الأخرى. تمت محاكاة القصيدة بعدة أوجه، لكن أشهرها كانت سلسلة للرسام الكاريكاتيري الأميركي فريدريك فيكتور جيلم تحمل اسم القصيدة نفسه وكانت تجسيدًا لما جاء في القصيدة.
يصور الرسام في الصورة الولايات المتحدة وبريطانيا على شكل شخصيتي “العم سام” و”جون بول” على التوالي. يظهر الرجلان كأشخاص متحضرين يحملان على أكتافهما شعوبًا من دول الشرق الأوسط وشرق آسيا، بهدف نقلهم من حالة التخلف إلى الحضارة. يتم تصوير هذا النقل عبر مسار وعر يعبر عن “روح بطولية” و”تضحية” من أجل تلك الشعوب، بينما يعبرون على أحجار وعرة كتبت فيها كلمات مثل “بربرية” و”قمع” و”عنف” وغيرها كإشارة الى طبيعة وثقافة الدول المستعمرة.
وقد تجاهل أو تغافل كيبلينغ وجيلم حقيقة أن الدول الاستعمارية استغلت موارد البلدان المستعمرة في صالحها. استفادت هذه الدول من الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والفحم، وكذلك من القوى العاملة التي كانت متاحة بأجور منخفضة، خاصة في أفريقيا وآسيا. إضافة إلى ذلك، توسعت الدول الاستعمارية في نفوذها السياسي والثقافي، وفرضت نمط حكمها وقيمها على الشعوب المستعمرة. ثم تهميش وتجاهل تراث تلك الشعوب الثقافي، وفرض الثقافة والقيم الغربية عليها. كما فرضت الدول الاستعمارية ضرائب مرتفعة تسببت في وجود اختلافات اجتماعية وظلم طويل الأمد.
سلم اليراع دكتور الآء من جميل ما قرأت في عبء الرجل الأبيض الذي كلّف ولازال يكلّف الرجل ذاته إصلاح الصورة … الأمر الذي يجعلنا نتوقف ثم ماذا بعد؟