503
0680
0717
0223
085
0351
0202
0127
0150
0181
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11769
04707
04351
174206
03828
0
أحمد بنسعيد*
مقدمة:
طلب مني بعض الأحبة كُتّاب أدب الطفل أن أكتب في هذا الموضوع مقالًا يفيدهم ويحفزهم ويفتح آفاق الإبداع لديهم، فاجتهدت مع ضغط الوقت وزحمة الحياة، راجيًا أن أكون قد وفيت بعض ما كانوا يرتجوه مني. وما توفيقنا جميعًا إلا بالله.
مرحلة اليفعة:
حين يُطلب من الكاتب للأطفال، أن يكتب لليافعين، فإن عليه أن يعرف أهم مميزات وخصائص مرحلة اليفعة؛ لأنه لم يعد في هذا المقام وتحت هذا الطلب كاتبًا للأطفال، إنما كاتبًا لليافعين.. وإني أكتب لسيادتكم بعض خصائص اليفعة؛ لأنير لكم بعض الأضواء للكتابة الناجحة لهم.
إذا وصل الطفل لسنوات 12-16 فإنه بذلك يدخل مرحلة اليفعة أو (المراهقة) حيث يصير يافعًا مفتول العضلات، وعلى جانب كبير من فهم الحياة، ووصل إدراكه للاستيعاب الكامل للمحسوس واللامحسوس ومعاني القيم مثل (الحرية، والكبرياء، والأنفة …)، ويمتلك ثروة لغوية لا بأس بها يمكنه استعمالها للتعبير عن أدق وأعمق الأفكار والمشاعر. وبخصوص المشاعر والأحاسيس، فإنها في مرحلة اليفعة تكون لديه متدفقة تبعًا لمرحلة البلوغ وما يجري من زلازل جسمية ونفسية داخلية.
اليفعة هي (البرزخ) بين مرحلتي: الطفولة والرشد. (البرزخ) الذي يتم فيه وبعده محاولة الانسلاخ من جميع آثار الطفولة ليعيش اليافع مرحلة الرشد والشباب، ولذلك نجد مصطلحيّ: (رجل، ورجولة) رائجيْن بين اليافعين خاصة الذكور منهم، لذلك يعشقون في هذه المرحلة أخبار البطولة والفروسية ويبحثون فيها عن القدوة.. اليفعة (برزخ) صعب جدًّا يكون اليافع فيه لا هو طفل ولا شاب، أو على الأصح لا يزال يحمل الشيء الكثير من خصائص الطفولة وفي الوقت نفسه يتوشح ويتزين بخصائص الرشد التي أُهرقت عليه إهراقًا.. وهو في هذه المرحلة يعتني بأناقته، ويحب المغامرة، ويبحث عن القدوة، ويكابد أفكارًا فلسفية عن الوجود.
باب المغامرة:
“الغَمْرُ” لغة هو: الكثير، يقال ماء غَمْرٌ، أي: كثير وغمره الماء يغمره: علاه وغطاه.. والمغامر: الذي رمى بنفسه في الأمور المهلكة (لسان العرب).
وفي تعريف المغامرة الموجهة لليافعين اصطلاحًا أقول: “هي حياكة متشابكة جدًّا لأحداث تناسب اليافعين”، فالمغامرة بذلك ينبغي أن تُغرق القارئ اليافع في أحداثها لكثرتها. قد تكون خيالًا واقعيًّا ككتابة مغامرة عالم في كيمياء الأدوية في سبيل إثبات دواء نادر يفيد العالم.. أو خيالًا محضًا ككتابة مغامرة مخلوقات جديدة وصلت منذ خمس دقائق لكوكب الأرض.. أو قد تمزج بين الواقعي والخيالي.
وينبغي للمغامرة ألا تُسْقَط في (أدب الرحلة) الذي يعتني خاصة بجغرافية المكان وما يقع فيه، فإن تعلقت المغامرة بالرحلة فليلتزم كاتب المغامرة كما ذكرنا في التعريف بحياكة الأحداث، وتطريز التشويق الخاص بالبطل الرحالة وليخض بأبطاله غمار الصراع والخوف والتغلب على المشاق والصعوبات والتحديات.
وحين يَطرق الكاتب باب (المغامرة) فإنه يَخرج بطبيعة الحال من كل أنواع الكتابات الأخرى كــ (السيرة) (الشعر) (المقالة).
مغامرةٌ ويَفعة:
ما فكرة (المغامرة) التي ينبغي أن يدور كل شيء حولها؟ الفكرة هي الصحن الرسمي في المأدبة الروائية. من هنا كانت الفكرة تحتل أهميتها في العمل الروائي.. ولتكون الفكرة ناجحة لا بد أن تراعي جمهور اليافعين واليافعات وتحدده بدقة؛ ما انشغالات اليافعين؟… أشواقهم/هن؟ آمالهم/هن؟ أي الأفكار تثيرهم/هن؟… حياة اليافعين في وطننا العربي وفي العالم كيف تمر؟ تحديات اليافعين في الحياة الواقعية؟ حواراتهم؟ أفكارهم؟ أسرهم؟ تعليمهم؟ نظرتهم للحياة والإنسان والكون؟ تساؤلاتهم الكبرى خاصة الوجودية؟ القلق لديهم؟ ولما يدور حولهم من أحداث؟ التغيرات النفسية والفيزيولوجية؟ الأناقة؟ الافتخار والتفاخر؟ التنمر لديهم؟.
تفتيق الأحداث:
هذا أمر لا يستعصي على الكاتب المتمرس، بحيث لا يضع جملته الأولى، حتى تأتي جملته هذه بالجملة الثانية، وهكذا في تسلسل مستمر حتى آخر نقطة في المغامرة.. ولعل الكتّاب الذين عاشوا معنا لحظات (أسبوع الكتابة للطفل)، وتمرسوا على الكتابة للطفل واليافع قد مروا بهذا التحدي، ونجحوا في التغلب على الظروف وإكراهات الوقت لأجل تفتيق الأفكار، وخياطة تسلسلها؛ ليصلوا لعدد الكلمات المطلوب في إبداعهم الكتابي وفي وقت محدّد.
نقطة توضيح:
ينادي عدد من دور النشر والمحكمين بالمسابقات؛ بضرورة أن تكون فكرة المغامرة (جديدة أو مبتكرة).. لكن هناك غبش كبير وضباب كثيف يدور حول هذا الأمر، بحيث نصدم حين نقرأ الكتب التي تُنشر ولا نجدها تمت للجِدَّة (بمعنى الجديد) بصلة.
ما (الجديد المبتكَر) يا ترى؟ حين نتحدث عن (القيم) مثلًا أين الجدة فيها؟ تبقى القيم الإنسانية نفسها القيم منذ آدم عليه السلام، فالصدق الذي كان هو نفسه الصدق الموجود الآن، فكيف نجدده؟ والأمانة، وأخلاق الفروسية.. والإنسان الذي كان نفسه الإنسان له رأس وأطراف، ويحمل أشواقًا وطموحات.. والطبيعة حوله هي نفسها الطبيعة اليوم: جبال وسهول وتلال، ومدن وقرى.. أين الجِدّة التي يقصدونها يا ترى؟!
الجدّة هي أن يكون العمل جديدَ الطرح، غير منقول، أصيلًا، عنصرًا كاملًا متماسكًا.. وشَعَر القارئ أنه عثر على كنز جديد.. تحفة متميزة عن غيرها.. إذا وصل الكاتب لمثل ذلك في كتابته فقد حقق الغرض.
لذلك نطلب من الساهرين أن يعيدوا قراءة ما يصلهم، وألا يحكموا من الوهلة الأولى.. فقد يكتشفون شيئًا.. (ج. ك. راولنغ) صاحبة (هاري بوتر) أرادت أن تقوم يومًا بتجربة أمام الكُتّاب، فغيرت اسمها على كتابة لها وأرسلتها لبعض دور النشر، فلم تلق كتابتها هذه أي اهتمام.. ذكرت هذا الأمر لمتابعيها من الكتّاب وأمرتهم بالصبر، لأن هذا الأمر معروف في طريق الكتّاب.. تخيل معي أن هذا يقع في دول نعتبرها متقدمة، فما بالك بدولنا اليوم؟!
أحداث المغامرة:
الرتابة والملل أعدى أعداء الكتابة، ويعشق اليافع كما الطفل وكما الراشد أحداثًا تثير شغفه وتساؤلاته منذ بداية سرد الأحداث إلى نهايتها، فمغامرة بطل غير عادي في مكان غير عادي في زمان غير عادي مع عناصر شر غير عادية.. تملك اليافع وتسيطر عليه بشكل كامل فلا يترك متابعة المغامرة إلا عند نقطة نهايتها.. ويرجو لو لم تنته المغامرة.. الأحداث المدهشة علينا كقرّاء أن نلمسها من الجملة الأولى للمغامرة، فاعتن بالجملة الأولى.
خصائص البطل:
البطل في المغامرة يكتسي أهمية كبيرة جدًّا، ومن الممكن جدًّا وضع بطلين.. ففي رواية (هاري بوتر) نسجت الكاتبة بطلًا واحدًا إلى جانبه أبطال لهم وزنهم الثقيل يكاد ألا يشعر القارئ بهم لكنهم موجودون، أبطال بمعنى الكلمة.. ودونهم لا يستطيع (هاري) أن يفعل شيئًا.. ولكل بطل منهم حكاية.
فالبطل (أو الأبطال) ذكرًا كان أو أنثى، إنسانًا أو حيوانًا أو جمادًا، أو مخلوقًا أسطوريًّا.. على الكاتب أن يعلم أنه محط قدوة؛ لذلك وجب أن يضفي عليه مختلف عناصر البطولة والفروسية والنبل، رغم ما يمر به من تحديات وعقبات حياتية قد يمر بها أي مخلوق.
خصائص المغامرة المعاصرة:
مغامرات العصور السابقة مثلًا (حول العالم في 80 يومًا).. تحدت عقول عصرها بما يناسبهم، نشرت سنة 1873م، فماذا سيعطينا كتّاب سنة 2024م؟ نرجو أن ترقى كتابات كتّابنا لطموحات يافعي أمة بأكملها؛ لأن تحديات اليوم تختلف طبعًا عن تحديات “جول فيرن”، ومع ذلك فقد قدم لنا الروائع.. اكتسى العالم اليوم بالهواتف والحواسيب وما فيها من عجائب وغرائب، وما سيلحقها من عوالم مستقبلية.. تظل الآن إحدى محطات التحدي لإشعال فتيل مغامرات لا تنتهي.
أسلوب الكتابة:
السلاسة اللغوية: وجب على الكاتب الحفاظ على السلاسة اللغوية، بحيث يشعر اليافع القارئ وهو يقرأ المغامرة أنه يأكل شيئًا لذيذًا.
عنصر التشويق: ينبغي أن يكون حاضرًا منذ البداية، منذ أول جملة في رواية المغامرة.
مفاجأة القارئ: صدمه بما لم يكن يتوقعه مطلوب جدًّا في المغامرة الناجحة.
النهاية:
بالنسبة للنهاية المفتوحة أو المتروكة للقارئ ليستشفها أو ليضيف من عنده ويسرح بخياله.. هذه من أجمل النهايات؛ لأن الكاتب يشرك القارئ في روايته.. فيصير القارئ جزءً من الحكي وتمام الحكي، ويفتح آفاق فكره.
خاتمة:
طبعًا موضوع اليافعين وما يقدم لهم طويل عريض شائك عميق عمق المرحلة، ولا يزال فيه الكثير مما يقال، لكني بهذا أكون قد وضعت بصمة بسيطة في درب توجيه كتّاب أدب الطفل في مجال المغامرة الموجهة لليافعين. راجيًا من الأحبة الكتّاب دعوة بظهر الغيب متقبَّلة برحمة الله.
رمضانكم مبارك سعيد وكل عام وأنتم بألف خير.
* كاتب للأطفال _ المغرب.
التعليقات