مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

‏ د. أحمد علي الناصر ‏في كلِّ يومٍ يموتُ الحبُّ في ذاتِي ‏حتى اقتربْتُ كثيرًا من …

لا حبَّ مع الموت

منذ سنة واحدة

150

0

د. أحمد علي الناصر

‏في كلِّ يومٍ يموتُ الحبُّ في ذاتِي
‏حتى اقتربْتُ كثيرًا من نهاياتِي

‏حالَتْ ملامحُ وجهِيْ كيف أعرفُنِي
‏وقد تغيَّرَ سيمائِيْ بمرآتِي

‏في غابةٍ من بنِي الإنسانِ عشْتُ بها
‏والوحشُ أرحمُ منهُمْ في المُلمّاتِ

‏يكشّرونَ عنِ الأنيابِ تحسبُهمْ
‏كالذئبِ يَفتكُ في لحمِ الفريساتِ

‏قد فارقَتْهمْ معَ الأيامِ نخوتُهمْ
‏وأوغلَ البعضُ في وحْلِ السَّفالاتِ

‏نسُوا الشجاعةَ والإقدامَ من زمنٍ
‏واستبدلُوا الجبنَ فيهمْ بالشّجاعاتِ

‏وأظهرُوا بغضَهم تبًّا لحقدِهِمُ
‏وعاملُونِي بأصنافِ الإساءاتِ

‏ولسْتُ أدرِي كأنّي شوكةٌ نبتَتْ
‏في حلقِهمْ فتبارَوا في معاداتِي

‏جبالُ همٍّ رسَتْ فوقِي بكلكلِها
‏فكيف أرفعُ بعدَ اليومِ هاماتِي

‏وكيف أمشِي وراياتِي منكَّسةٌ
‏وهل ستَخفِقُ بعدَ الآنِ راياتِي

‏أعوذُ باللهِ من حالٍ وصلْتُ لها
‏فمَن يشابهُ في الإذلالِ حالاتِي؟!

‏ما عادَ لي أملٌ والقهرُ يسحقُنيْ
‏وما تبقَّى سوَى أوهَى احتمالاتِي

‏فهل سأبلغُ يومًا ما طمَحْتُ له
‏أم أنَّ ذلك ضربٌ من خيالاتِي

‏ماقيمةُ العمرِ أحياهُ على وجلٍ
‏يلفُّني الذُّلُّ مسحوقَ الكراماتِ؟!

‏فهل أُعاينُ يومًا رايتِي خفقَتْ
‏وأبصرُ الحقَّ معزوزَ الولاءاتِ

‏والشرَّ منكسرًا والخيرَ منتصرًا
‏أم كانَ ذلك من محضِ افتراضاتِي

‏في عالمٍ سادَ فيهِ الظُّلمُ
‏واندثرَتْ
‏ملامحُ العدلِ في شرِّ اندثاراتِ

‏والخيرُ جفَّتْ منَ الدّنيَا مناهلُهْ
‏ومنبعُ الشرِّ غالَى في اندفاقاتِ

‏قد بُحَّ صوتِي من الأحزانِ
‏وانقطعَتْ
‏أوتارُ عودِي فمَنْ يدرِي بصيحاتِي؟!

‏لكنْ عزفْتُ وماتَ اللّحنُ في شفتِي
‏فمَن سأُصفيهِ يا دّنيَا مُناجاتِي؟!

‏وقد نأيْتُ وقلبِيْ صارَ مبتئسًا
‏أَفي الحياةِ أنا أم بينَ أمواتِ؟! 

‏ما بالُ قومِيْ تمنَّوْا أنْ أبادَ وما
‏أسأْتُ قطُّ إليهِم في علاقاتِي؟!

‏لكنّه الحقدُ يُعمِي قلبَ صاحبِه
‏وذاكَ أصعبُ ماتعنيْهِ مأساتِي

‏فهلْ يُحِبُّ الفتَى والموتُ يَطحَنُه
‏ومَنْ أُحِبُّ وقد جفَّتْ مساماتِي؟!

‏ولم أجدْ صاحبًا منهمْ يُساندُني
‏ولا نديمًا له أشكُوْ عذاباتِي

‏وصرْتُ أمشِي بلا عزمٍ ولا أملٍ
‏حتى نسِيتُ على البلوَى ابتساماتِي

‏وغابَ كلُّ جميلٍ كنتُ أعرفُه
‏ورحتُ أندبُ أيامِي الضَّحوكاتِ

‏وغاص فكري ببحرِ الهمِّ وانطفأَتْ
‏كلُّ المصابيحِ في عينِ السعاداتِ

‏وغادرَ الأهلُ يا لَلأهلِ كم تركُوا
‏في القلبِ من غَصةٍ أوهَتْ جَلاداتِي!

‏ما عادَ في العُودِ لا لحنٌ ولا وترٌ
‏فكيف أعزفُ ألحانَ الصّباباتِ

‏لم يبقَ في الدارِ أصحابٌ أُنادمَهُم
‏فمَن أسامرُ إن حلَّتْ مساءاتِي؟!

‏وهل تبقَّى مساءٌ أستلذُّ به
‏والبدرُ قد غابَ عن عالِي سماواتِي

‏البعضُ ماتَ وبعضُ الأهلِ قد رحلُوا
‏حتى اختفَتْ بعدَهم أبهَى مسرَّاتِي

‏فرُحْتُ في عالمِ الذكرِى أُزاوِرُهُم
‏أمشِي وأُطرِقُ في وهدِ الخَراباتِ

‏وقد وقفْتُ على أطلالِهمْ كئِبًا
‏والحزنُ أفقدَنِي عذبَ ابتهاجاتِي

‏أبكِي على كلِّ من غابُوا ومن  رحلُوا
‏وهل تفِيْ حقَّهمْ باللهِ دمعاتِي؟!

‏فلا تلومُوا معنًى ليس في يدِه
‏شيءٌ يحامِي به أدهَى المصيباتِ

‏كادُوا لقلبِيَ إيذاءً فويلَهمُ
‏رماهمُ اللهُ في شرِّ المكيداتِ

‏إنّي أُحسُّ حياتِي أصبحَتْ بدَدَا
‏ فغادرَتْني بلا رُجْعَى حُشاشاتِي

‏فكيف يا ناسُ أصحُو في الحياةِ وقد
‏وجدْتُ نفسِيَ في جُبِّ الغَياباتِ؟!

‏وحدِيْ أغالبُ بؤسِي لستُ مرتجيًا
‏ممّن عرْفْتُ بأنْ يُصغُوا لمأساتِي

‏ورُحْتُ أنبشُ في الماضِي لعلّ به
‏خيطًا منَ النُّورِ يمحَو دَمْسَ عَتْماتِي

‏وهكذا المرءُ إن حالَتْ مباهجُه
‏يسعَى ويندُبُ أطيافَ السّعاداتِ

‏حتى السَّعادةُ ماعادَتْ تراودُنيْ
‏ولو بحثْتُ عليهَا في المناماتِ

‏ولَّى الزّمانُ الذي قد كانَ يؤنسُنِي
‏كأنّما صارَ من وهمِ الخُرافاتِ

‏لا أهلَ لا دارَ لا خِلًا أبادلُهم
‏كأسَ الغرامِ ولا حُلوَ الملذّاتِ

‏سوَى دموعِ الأسَى في العينِ تُحرقُنِي
‏وقد تجلَّتْ على عينِيْ نهاياتِي

‏أئِنُّ من وجعِي في غربتِي وغدَتْ
‏رُوحِي تُعذَّبُ في نيرانِ أنَّاتِي

‏آهٍ ومِليونُ آهٍ كمْ أردّدُها
‏فهل ستنفعُني في البؤسِ آهاتِي

‏أطلقْتُها صَرخَةً راحَتْ مُدوّيَةً
‏فما أحسُّوا وما ذاقُوا معاناتِي

‏لم يُصْغِ لي أحدٌ ماذا أقولُ له
‏ولا استجابَ لبؤسِي أو لويلاتِي

‏الكلُّ لاهٍ وساهٍ عن مُكابدتِي
‏وعن جراحِيْ وعن هَولِ احتضاراتِي

‏قد أغلقُوا كلُّهم عنّي مسامعَهمْ
‏وقد تنادَوا على دربِ العَماياتِ

‏ليقتلُونِي لعلّي أنْ أُريحَهمُ
‏ممَّا يُلاقُون من سوءِ المَلاماتِ

‏تنكَّبُوا عن طريقِ الحقِّ وانغمسُوا
‏في حَمأةِ الظّلمِ في دربِ الغَِواياتِ

‏ما كنتُ أحسبُهم والموتُ يأكلُنِي
‏أن يسلكُوا ويحَهُم بحرَ الضّلالاتِ

‏فقد تخلَّوا ولجُّوْا في غوايتِهمْ
‏ولم يُصِخْ أحدٌ منهمْ لصيحاتِي

‏ولم يكنْ هكذا عهدِيْ بهم أبدًا
‏ولم تكنْ هذهِ إحدَى حساباتِي

‏لكنّهمْ خيَّبُوا ظنِّي بهمْ ومضَوا
‏فما أمَرَّ بهمْ آلامَ خَيباتِي!

‏ساؤُوا وساءَتْ على قلبِي طويَّتُهم
‏أعوذُ باللهِ من خُبثِ الطَّويَّاتِ

‏حماقةٌ لم أشاهدْ مثلَها أبدًا
‏يا قاتلَ اللهُ أصحابَ الحماقاتِ!

‏أقولُ للقومِ مِنْ حزنِي ومن ألمِي
‏إن كنتُ مُتُّ فهلْ أنتمْ بمنجاةِ

‏ومِنجَلُ الموتِ لايُبقي على أحدٍ
‏فمَن نجَا اليومَ هل ينجُو مِنَ الآتِي؟!

‏السيلُ يجرفُنا جمعًا وما أحدٌ
‏منّا سيبقَى فما جدوَى الهزيماتِ

‏والشّرُّ يا قومُ إن أبدَى مخالبَه
‏فليس من أحدٍ ينجُو بإفلاتِ

‏وإن غفلتُمْ عن الثُّعبانِ داهَمَكُم
‏وتلك واللهِ من كُبرى الخطيئاتِ

‏وها هوَ الذئبُ بالأنيابِ يرصدُكمْ
‏أجارَنا اللهُ من غدرِ الذُّؤَيباتِ

‏إنّي لأنصحُكمْ والنارُ تأكلُني
‏وقد تلاشَتْ على ذهنِي عباراتِي

‏لا أبتغِي منكُمُ أدنَى مساعدةٍ
‏ولستُ أطلبُ شيئًا في مواساتِي

‏ولسْتُ يا قومُ أستجْدِي تعاطفَكمْ
‏فالموتُ أهونُ من سوءِ المهاناتِ

‏للّه أشكو مصيرًا بتُّ أعرفُه
‏فاللهُ يسمعُ في البلوَى شِكاياتِي

‏كمِ ابتهلْتُ إلى الرحمنِ أسألُه
‏تفريجَ همِّي وتحقيقَ ابتهالاتِي

‏فليس إلّاهُ مَن أرجو لنائبتِي
‏وهل سواهُ يُداويْ لي جراحاتِي؟!

‏ولستُ أطلبُ كشفَ الضُّرِّ من أحدٍ
‏فاللّهُ عونِي ومَنْ يجْلُو ابتلاءاتِي

‏غيرِي يموتُ وسهمُ الغدرِ يرشقُه
‏فكيف أرفلُ في ظلِّ الهناءاتِ

‏وبعضُ قومِيَ خانُوا العهدَ
‏وانكفؤُوا
‏فما سأفعلُ في أهلِ الخياناتِ؟!

‏قد كنْتُ أمشِي ورأسِي جِدُّ مرتفعٍ
‏ولسْتُ أخضعُ ذلًا للسفاهاتِ

‏والآنَ أمشِيْ وظهرِيْ مُنحنٍ سقِمٌ
‏يا خيبةَ العمْرِ من ذلِّ انحناءَاتِي

‏ماعُدْتُ في هذهِ الدنيَا أرَى رجلًا
‏فأينَ باللهِ أصحابُ المروءاتِ

‏أين الأُلَى إن تمادَى الخطبُ مستعرًا
‏واستفحلَ الحقدُ في أهلِ الدّناءاتِ

‏قامُوا إلى الحقدِ واستلُّوا سيوفَهُم
‏وحاربُوا وتصدَّوا للعداواتِ

‏فهل يجوزُ بأنْ تحيَوْا بمأمنِكمْ
‏وغيرُكمْ يصطلِيْ قيظَ المفازاتِ

‏وترتدُونَ ثيابَ البردِ تُدفئُكمْ
‏والناسُ يقتلُهمْ قرُّ الشتاءاتِ

‏لا أرتضِيْ فعلَ قوميْ في تشرذُمِهمْ
‏ومِن تناحرِهمْ أُبدِيْ براءاتِي

‏لقد تعبْتُ من التّشتيتِ يا وطنِي
‏أمَا كفانيَ عيشًا في المتاهاتِ

‏كئيبةٌ أنتِ يا نفسِيْ وأحسبُني
‏ماذقْتُ مثلَكِ مرًّا يا كآباتِي

‏لقد شرَحْتُ لكمْ ماكانَ يؤلمُني
‏فهل عرفْتُم أيا أهلِي حكاياتِي؟

‏لكنَّنِي رغمَ هذا البؤسِ مافتئَتْ
‏روحِي تتوقُ إلى حلوِ الزّياراتِ

‏أحبُّها غيرَ أنّي لسْتُ أعلنُه
‏فالموتُ يصبُغُ بالاحزانِ حالاتِي

‏إنّي وحقِّ الذي أرسَى بخافقتِي
‏حبَّ الجمالِ وتقديرَ العفيفاتِ

‏مازلْتُ أذكرُها في كلِّ سانحةٍ
‏وكلّما دقَّ قلبِي في عباداتِي

‏وكيف أنكرُ في الدّنيَا شمائلَها
‏وهْيَ التي مثلُ نبضِ الرّوحِ في ذاتِي

‏حماكِ ربّيْ أيا مَن كنتُ أعشقُها
‏وصانَكِ اللهُ يا أحلَى الجميلاتِ

‏فلْتصبرِي حلوَتِي فاللهْ شاهدُنا
‏وإنَّني واثقٌ من نصرِه الآتِي

‏* شاعر سوري

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود