جميلٌ أن يستمر الفن في هذا الزمن، على الرغم من التحديثات والتقنيات الحاصلة فيه، بل والأجمل أن يوظف هذا التقدم لصالح الفنان أولًا ولمواكبة التطور ثانيًا.
هذا التقدم في التقنية منح الفرص لكثير من الرسامين لينشروا أعمالهم دون الحاجة لدفع المال أو احتكار مسؤول.
ما جعلهم أكثر إنتاجًا وتطورًا والدافع هو: تواصلهم مع النقاد والمتذوقين والمقتنين.
من هنا تدخّلت بعض (الحِيَل) للفوز بأكبر عدد من المتابعين، وطبعًا هذه الحيل لا تعتبر في كل الأحوال سلبية (في نظر الرسام) فهو يرى أنه حرٌّ في تصرفاته وطريقة انتشار أعماله، وأعتقد أنها أثْرَتْ الساحة الفنية وخدمت الكثير (ماديًّا) وسوف أتطرق لهذه الحِيَل إيجابياتها وسلبياتها وما الذي يُبيح استخدامها أو تحريمها فنيًّا.
نعود لتدخل التقنية في الفن وكيف ازدهرت حركة الفن الرقمي، الذي لا أخفيكم سرًّا أنه الأفضل في عالم التقنية على الإطلاق (بالنسبة لي).
نعم فقد سهّل على الرسام أمورًا كثيرة جعلته يمارس هوايته دون قيود مالية أو إمكانية، خصوصًا أن كل جهاز اتصال يمكنه أن يكون مرسما متنقلًا.
إذًا.. ما السر وراء انتشار الرسم الرقمي وهل سيكون بديلًا عن الرسم التقليدي؟
منذ عصور والرسم التقليدي يُرهق كاهل الرسام ماديًّا، فيضطره شغفه للعمل الشاق من أجل إشباع رغباته الفنية واحتواء سيل الأفكار المتدفق باستمرار، حيث يستنزف منه مبالغ هائلة من أجل شراء بضعة أدوات أو إنتاجها يدويًّا.
وما زال هذا الشغف يُكلّف الرسامين ماديًّا في كل بقاع الأرض، ناهيك عن توفير ملجأ للوحاتهم وأدواتهم يكون في مأمنٍ عن أيدي العابثين.
فجاء الرسم الرقمي لينهي معاناة الأكثرية بتوفير مرسم بأدواته ولوحاته وألوان الجمال بما تهوى أنفسهم بأقل تكلفة وأسهل حِملًا.
فتوجهوا له وقد انقسموا إلى قسمين:
الأول: رسامون تقليديون حملوا خبراتهم الواقعية إلى المنصات الافتراضية مستندين على أسس قوية؛ كانت نتاج اختلاطهم بأدواتهم التقليدية وانبعاث رائحة الألوان والخشب المصنوعة منه، وتحسسهم لملامس لوحاتهم وتمازجهم مع البيئة صامتةً كانت أم حية وتجذّرهم من ركائز ثابتة، أولئك أضفوا على الرسم الرقمي روعةً واحترافيةً وجمالًا، وكان لهم بمثابة الترويح عن النفس والاستمتاع وقضاء بعض الأوقات البعيدة عن مرسمهم الواقعي بالافتراضي، وهذه الإضافة الممتعة لهوايتهم لم تثنيهم عن المشاركة في المعارض بفنهم التقليدي وربما الرقمي؛ كونهم قد اعتادوا التكلفة المادية والمعنوية.
أما القسم الثاني: أولئك الذين بدأوا هوايتهم مع وجود التقنية، فصاروا يميلون للرقمي أكثر من الرسم التقليدي، حيث صارت نقطة بدايتهم الفنية (وقد أبدعوا فيها حقًّا).
أجسادهم التي لم تتلذذ ببعثرة الألوان وخشونة الورق ومعاناة التجهيز والتخزين اعتادت نعومة الأجهزة وسهولة الوصول لرسوماتهم، فخرجت مجموعة من الرسامين الافتراضيين غير القادرين على المشاركة في المعارض واكتفوا بعرضها في شبكات التواصل، ويعود السبب لأنهم بحاجة لطباعة رسوماتهم بدقة عالية تضمن جودة العمل وبروزه للحفاظ عليه وهذا ما لا يستسيغه الأغلبية.
هل سيكون الرقمي بديلًا؟!
قلتُ: إن الرسم التقليدي مكلف ماديًّا ومكانيًّا (ميزانية لتوفير: الأدوات + المشاركة في معارض ربحية + وجود مكان لحفظ هذه الأدوات التي تتزايد بتزايد الأفكار والشغف) وإن الرسم الرقمي سهّل الكثير؛ كونه لا يشغل حيزًا كبيرًا أو مبالغ ضخمة.
وكما أنه يشبع شغف الكثير من الرسامين ويفجر طاقاتهم ويحتوي أفكارهم، فإنه بالمقابل يحجم الرسام عن المشاركة الفعلية في أرض الواقع، كما تحدثتُ سابقا عن تكلفة الطباعة بدقة عالية والمحافظة عليها بالإطارات وما شابه.
من هنا اكتشفت أن كل رسام تقليدي رقمي وليس كل رسام رقمي تقليدي، فالقليل منهم من جمع الاثنين بمسيرته الفنية فتلذذ بهما وطورهما.
لنعود الآن إلى الحِيَل التي استخدمها بعض الرسامين لمواكبة التقدم الفني والاستمرار وربما لكسب المال و زيادة المتابعين بأقصر الطرق وأسرعها.
لم يعد بعض الرسامين يهتمون لموضوع التشريح ودراسة النسب والأبعاد كما كان، بقدر اهتمامهم بجلب الأنظار والإطراء واختصار الوقت والجهد.
فاستعانوا بالشبكة و البروجكتور (وهناك كثير من أدوات النقل) لتقليص الوقت والخروج بعمل متقن وجاذب.
هم بذلك ينسخون ويُلصقون تقليديًّا كان أو رقميًّا (وقد يخالفني في ذلك الكثير لكنها الحقيقة) كما أنني لا أرفض هذه الطرق نهائيًّا، أيضًا ولا أؤيدها، لكن هناك ما يُبيح استخدامها وهناك ما يجعل الرسام متسلقًا لا متمكنًا.
ولو أتقن الرسام أساسيات الرسم من تشريح ونسب وتكوين و.. و.. و.. هنا يُعذر باستخدامه لتلك الحِيَل إن كان لديه سبب في استخدمها كاحتياجه في إتمام عمل في موعد محدد (عندها نعلم جيدًا رسوخ قواعده الفنية، وما هذا إلا اقتناص للفرص) أو يباح لرسامي البورتريه تحديدًا من أجل نقل تفاصيل شخصية معروفة بكامل دقتها إلى اللوح أو الورق وهذا ما تتطلبه الواقعية.
أما النوع المتسلق الذي يستخدم الحيل لكسب المال والشهرة متواريًا خلف مسمى رسام، وقد وثق في شبكته ولصقه دون الإلمام بالأساسيات والرسم الحر، فهذا قد جنى على نفسه قبل غيره! ستسألونني كيف؟
ثقة الرسام بنفسه من أهم المحاور، فلو فقدها فسيفقد وجوده، وتمكنه من الرسم أو عدمه سينعكس عليه حتمًا، لذلك استخدامه وسائل مساعدة تجعل منه آلةً تنقل وتنسخ وتحرمه لذة التجربة والتصحيح والخطأ (ناهيك عن جهله بالفن) حتى وإن كانت تدر له ربحًا فلن يهرب من نظرته لنفسه وسيرفض ضميره أن يُقال له رسام.
صحيح أننا لا نستطيع أن نحكم على أي رسام هل هو من المتسلقين أم المتمكنين ولا يحق لنا أن نُعيب أحدًا، وربما هو حرٌّ في تصرفاته أو لديه أعذار، لكن علينا النصح من أجل فنٍ راقٍ ثابت القواعد، وتوجيه المبتدئين خاصةً بأهمية الرسم الحر وتعلم الأساسيات وعدم تأييدهم حال استخدامهم وسائل النقل سريعة الأثر وبطيئة التقدم.
الرسم إرث علينا أن نحميه، ولو دخلت عليه عوامل التعرية من أساسياته، ولكي يستمر مواكبًا للتقنية والتطور بأيدي متمكنة صادقة تلمّست دروب الإبداع عن جهدٍ وجدارة ليُنسب لها لقب رسام.
حبيت فكرة المقال وطريقة صياغته ، فعلا الان الاغلب يتجه لرسم الرقمي للاسباب التي ذكرتيها 👍💜