الأكثر مشاهدة

إعداد_مباركة الزبيدي يرتبط البحر بالشعر والشعور وما بين الإلهام والموهبة والمهار …

البحر.. ملهم الشعراء ومحفز الأدباء 

منذ 5 أشهر

199

0

إعداد_مباركة الزبيدي

يرتبط البحر بالشعر والشعور وما بين الإلهام والموهبة والمهارة التي تتشكل في بناء القصائد وتهيئة النصوص.. فمن لونه الأزرق وأمواجه المتواصلة وأنغامه الهادئة وموجاته الصاخبة تواءمت أدوات التضاريس مع ملكات الذات فتكونت غيوم “الأدب” وأمطرت صيبًا نافعًا من الإبداع.. وكم من شاعر استعان بالبحر ليملأ سماء الإمتاع بنجومية القريحة الشعرية فحول طقوسه من منزله أو مكتبه ليباري الأمواج في تناغم متبادل يجعل “الشعر” على مواعيد من الإنتاج.. يتشكل الإبداع من خلال  قريحة شاعر أو ريشة فنان أو عدسة مصور، أو قلم كاتب لا يحتاج إلا ما يلهمه لكي يتدفق، والعالم من حولنا مليء بالملهمات التي تحرك الإبداع بأسرارها وجمالياتها المختلفة، ومن ذلك البحر.

البحر ذلك المخلوق العجيب من مخلوقات الخالق سبحانه وتعالى المليء بالأسرار بداية من لونه الجميل الذي يظهر لنا أحيانًا بالأزرق، وأحيانًا بالأخضر، رغم أنه ماء، ولا يختلف عن لونه الشفاف   وانتهاء بما في جوفه من أسرار ولؤلؤ ومحار وشعب مرجانية، وكائنات حية متنوعة ومختلفة قد أبدع الخالق فيها كما أبدع في كل شيء سبحانه؛ أما عندما نتحدث عن تلك اللوحة الفنية التي نعاينها دائمًا بأشكال ومستويات مختلفة، تلك المتمثلة في تلاطم أمواجه التي منها المنخفضة والعالية، والهادئة الساكنة والهائجة  بين مد وجزر حسب ظروف الطقس والزمان والمكان، ولوحة أخرى قد أضافت المزيد من الجمال عندما يشاهد الزائر تلك القوارب والسفن والبواخر بألوانها وأحجامها المختلفة وأنواعها تتجول بسرعاتها المختلفة في مياهه، التي أحيانًا يتحد لونها مع لون الأفق وتكاد تطمع معه في خط  واحد، وفي الليل مع اكتمال القمر بدرًا ينعكس الضوء على تلك الأمواج ويجتمع مع صوتها في ملحمة شاعرية أخرى ملهمة للإبداع، فهذا هو الشاعر الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي يقول في قصيدة بعنوان أغنية للخليج يصف فيها الخليط العربي ويجسده:   

أتيـت أرقـب ميعـادي مـع القمـرِ ..

ياساحر المـوج و الشطـئان والجـزرِ

هديتـي رعشتـا شــوق وقافـيـةٌ ..

حملتها كل ما عانيـت فـي سفـري

أتيـت أمـرح فـوق الرمـل أنبشـهُ

عن ذكرياتي القدامى عن هوى صغري

عـن النجـوم أذبنـاهـا بأكؤوسـنـا ..

عن الليالـي مشيناهـا علـى الوتـرِ

أمـر بالشاطـئ الغـافـي فأوقـظـهُ ..

بقبلـةٍ وأنـاديـهِ الــى السـمـرِ

* * *

أقولُ: شاعـرك الولهـان تذكـره؟ ..

أتـاك يحلمُ بالأصـداف والــدررِ

وهذا شاعر النيل حافظ إبراهيم شبه اللغة العربية بالبحر في بيته الشهير من قصيدته اللغة العربية عندما قال: 

أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ

فَهَل سَاءلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي

ومما قاله الشاعر محمود درويش من زاوية أخرى:

وسلامًا أيها البحر المريض

أيها البحر الذي أبحر من

صور إلى إسبانيا

فوق السفن

أيها البحر الذي يسقط منا

كالمدن

ألف شباك على تابوتك

الكحلي مفتوحٌ

ولا أبصر فيها شاعرًا 

تسنده الفكرةُ

أو ترفعه المرأةُ

يا بحر البدايات إلى أين

تعود؟

أيها البحر المحاصر

بين إسبانيا وصور

ها هي الأرض تدور

فلماذا لا تعود الآن من حيث أتيت؟! 

وقال فاروق جويدة:

يَا بحرُ جئتكَ حَائرَ الوِجدانِ أشكو جَفاءَ الدَّهرِ للإنسانِ

يا بحرُ خاصَمني الزَّمانُ وإنَّني ما عدتُ أعرفُ في الحَياةِ مَكاني

ومن شعر أيليا أبو ماضي:

قد سألت البحر يومًا هل أنا يا بحر منكا؟

هل صحيح ما رواهُ بعضهم عني وعنكا؟

أم ترى ما زعموا زورًا وبهتانا وإفكا؟

ضحكت أمواجه مني وقالت: لست أدري!

أيّها البحر، أتدري كم مضت ألف عليكا

وهل الشاطئ يدري أنّه جاث لديكا

وهل الأنهار تدري أنّها منك إليكا

ما الذّي الأمواج قالت حين ثارت؟

لست أدري!

أنت يا بحر أسير آه ما أعظم أسرك

أنت مثلي أيّها الجبار لا تملك أمرك

أشبهت حالك حالي وحكى عذري عذرك

فمتى أنجو من الأسر وتنجو؟! 

ويقول الكاتب والشاعر سعدي يوسف مخاطبًا البحر:

يا بحر من بستانك الصدفي

امنحني محارة

مرجانة، شيئًا من الأعماق

لونًا غير لؤلؤتي في المحارة

يا بحر أغرقني وأغرقني

أكن للشوق شارة

هبني ولو لمحًا من الرؤيا

خذ كل ما أعطتني الدنيا

اجعله قبرًا لي وأسدل

فوقه حبي ستارة

أمس ارتجيتك

أن ترد إلى تمردي اخضراره

أن تغسل الأسماء

تمنحها الحقيقة والنضارة

يا بحر جئنا مرة أخرى

فلا تكن الضنينا… 

وقال يوسف أيضًا في وصف صوت البحر:

يا صوتَ البحرِ الحاضر

يا صوتَ البحرِ الهادر

يا الـصّـاعِـدَ من وديانِ الأعماقِ

إلى تيجانِ الآفاقِ

ويا صوتَ البحرِ الهادرَ

خَـلِّ القمصانَ تطيرُ مع الريحِ

القبضاتِ المضمومةَ والراياتِ تطيرُ مع الريحِ… 

ولم يقتصر الحديث عن البحر والتغني به، وإلقاء الهموم بين طياته على شعراء العصر الحديث فقط، فهذا المتنبي يقول:

هُوَ البَحْرُ غُصْ فيهِ إذا كانَ ساكنًا . . . . . . . على الدُّرّ وَاحذَرْهُ إذا كان مُزْبِدَا

فإنّي رَأيتُ البحرَ يَعثُرُ الفتى . . . . . . . وَهذا الذي يأتي الفتى مُتَعَمِّدَا

وقال الأخطل:

“ما يضيرُ البحرَ أمْسى زاخِرًا . . . . . . . أنْ رمى فيهِ غلامٌ بحجرْ”

وقال المتنبي أيضًا:

حَجّبَ ذا البَحرَ بحارٌ دونَهُ . . . . . . . يَذُمّهَا النّاسُ وَيَحْمَدونَهُ

يا مَاءُ هَلْ حَسَدْتَنَا مَعِينَه . . . . . . . أمِ اشْتَهيتَ أنْ تُرَى قَرِينَهُ

أمِ انْتَجَعْتَ للغِنى يَمينَهُ . . . . . . . أمْ زُرْتَهُ مُكَثّرًا قَطينَهُ

أمْ جِئْتَهُ مُخَنْدِقًا حُصونَهُ . . . . . . . إنّ الجِيادَ وَالقَنَا يَكْفينَهُ

فيما قال امرؤ القيس في معلقته:

ولَيْـلٍ كَمَوْجِ البَحْـرِ أَرْخَى سُدُوْلَهُ

عَلَيَّ بِأَنْـوَاعِ الهُمُوْمِ لِيَبْـتَلِي

فَقُلْـتُ لَهُ لَمَّـا تَمَطَّـى بِصُلْـبِهِ

وأَرْدَفَ أَعْـجَازًا وَنَاءَ بِكَلْـكَلِ… 

إن الحديث عن البحر وعالمه، كما قيل في التعبير عما لا تكفيه المساحات والسطور والكلمات لسعته، بحر لا ينتهي ففي كل ركن من أركانه إبداع جذب المبدعين لرسم أسراره والتغني بمحتوياته شعرًا ونثرًا وفنًّا وصورة وتصويرًا، وما ذُكر للتمثيل لا الحصر، والإبداع بحر لا نهاية له.

بين البحر والإبداع الثقافي تجاذب بين المكنون والمنتج، تجلى في إنتاج خالد تشكل في الشعر والقصة والرواية والخاطر، وسيظل معينًا لا ينضب يسقي ساحة الفكر الثقافي بالجديد والمديد من الإنتاج؛ ليقف على رأس التضاريس الأولى الملهمة للشعراء والمحفزة للأدباء.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود