297
0169
0347
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11428
04669
03938
173156
0سليّم السوطاني*
«ريح تهب وتسكن العظم رجفةْ
وتموت ريح وتسكن أوراقي نزفي».
بهذا البيت، للشاعر الراحل، أمهدُ لمقالتي، التي تحاول أن تقول شيئًا عن إبداع البدر الذي يصعب وصفه…
لم يكن رحيل الشاعر الكبير بدر بن عبدالمحسن أمرًا عاديًّا، بعد أن خَلَّد في ذاكرة المتلقي كثيرًا من النصوص والأبيات الرائعة…
بعض الشعر يُعَدُّ مقطوعةً موسيقيةً، يحفر عميقًا في وجدانِ الإنسانِ، ويبقى حيًّا. وشعر البدر يصب في هذا القالب، ويُعبّر عن الأشياء المحسوسة والمعنويّة بصورة شعرية غاية في الدقّة والإبهار، يمسك بزمام المفردات ويطوعها، وتذعن لخياله وتتشكل حسب ما يشعر به.
تشعر أن الكلمات، عند كتابته الشعرَ، تأتيه وهي تتراقص على وقع موسيقا باذخة.
وظف أماكن كثيرةً في الشعر، وجعلها مسرحًا لحدثٍ عظيم، وبرزت صورة شعرية تدل على عمق المكان وحيويته وتعايشه مع واقع الإنسان، وسأورد مفردة واحدة، على سبيل المثال، والمقالة لا تتسع لتقديم كل إبداعات الشاعر الكبير وتميُّزه الشعري.
من التوظيف اللافت والمدهش توظيف مفردة «الشوارع»، في قصيدتين وموقفين مختلفين، وجعلها تميمة للقاء عابر، إذا كان اللقاء محالًا بين محبَّيْنِ، فيقول، رحمه الله:
«ليت الشوراع تجمع اثنين صدفة
لا صار شباك المواعيد مجفي”.
… وجعل المفردة نفسها في نص آخر، من حيث أنوارُها تميمة للتعب، والانطفاء، والتلاشي، والحزن… إذ يقول، في نص «المسافر»:
«يا الله يا قلبي تعبنا من الوقوف
ما بقى بالليل نجمة ولا طيوف
ذبلت أنوار الشوارع…
وانطفأ ضي الحروف
يا الله يا قلبي سرينا
ضاقت الدنيا علينا».
وهذا مثال بسيط، من شعره، على توظيف المفردة وتحويلها من جماد إلى محسوس يحس بشعور الإنسان ويجمع قلوب المحبين، ويحزن ويذبل المكان لرحيل الأحباب وابتعادهم.
لم يكن لقب «مهندس الكلمة» آتيًا من فراغ، فهو يفكّك الكلمات، ويعيد ترتيبها وفق سياق النص، والمشاعر التي دفعت إلى كتابة النص، فإذا كانت متسربلةً بالحزن ألبسها ثياب الحداد، وإذا كانت منتشيةً أغرقها بالبهجة والسرور…
لم يكن إلا رسامًا يلوّن لوحته بما يشي به إحساسه المرهف الممتلئ بالإنسانية والحب، والخيبة والبهجة، والحزن والألم…
كان شاعرًا يحس بأحاسيس الناس، فيكتب عن معاناتهم وفرحهم بإحساس مرهف، حتى أصبح شاعرَ الجميع، ومؤنسَ قلوب العشاق والسهارى…
رحلت روحه إلى خالقها، وبقي إبداعه حيًّا يعيش داخل وجداننا، وتحضر كلماته عند كل وجع، أو حب، أو فرح…
ومثل ما بدأت ببيتِ شعرٍ للبدر، أختم بقوله من القصيدة نفسها:
«ما هو حبيبي مورد القلب حتفه
ولا هو حبيبي يفرح بوقت ضعفي».
*كاتب سعودي
التعليقات