هند القثامي*
عندما كنتُ مشغولةً بكتب الدراسة، والدفاتر تتكدس حولي وأطنانٌ من المعلومات وسعيٌ لكسب الدرجات أُلقيَ أمامي ديوان شعر نقشَ عصفوره على التمرة فصيغت الأبيات من عذب الكلام.
قرأته والحقيقة أنني كنت أشاهد.. كيف لهذا الشاعر أن يجعلني أرى الأحاسيس وأُميّز الألوان والمشاعر في كلماته؟!
لم تكن قصائده تشبه ما قرأتُهُ قبل ذلك، ما السر الذي جعل الحروف تتخذ شكلًا. ثلاثي الأبعاد له وزنه وكثافته؟!
حتى أنني استطعتُ حفظ بعض أبياته لتشكلها في مخيلتي.
بدر عبدالمحسن! وكان أول لقاء لي معه، اللقاء الروحي الذي استنطق قلمي وقاده لتحرير أفكاري، ألهمتني كلماته الكثير والكثير من التصاوير التي جرت في دفاتري حتى هذا اليوم، وأنا غارقةٌ في ديوانه ما لبثتُ أن وجدتُ جوابًا لتلك الأسئلة، إنه فنان تشكيلي، الآن حصحص الحق، السبب وراء إحياء الكلمات وارتسامها في مخيلتي هو قدرته التشكيلية التي امتاز بها هذا الشاعر، إنه لا يقول الشعر فحسب، إنه يرسمه رسمًا في أرواحنا قبل ألواحه فنرى قصائده تُترجم بلغة فنية آسرة استحوذت على انتباهنا.
أنا الآن أمام ديوانٍ أبلج الطريق أمامي فكان كل حرفٍ يقوله البدر يستجدي ريشتي ويصقلها.
فسريالتي التي اجتزّيتها من قصائده أينعت في تربة الفن وربَتْ. كبرتُ وكبرتْ قصائده وسريالياتي فكان كل بيتٍ يصوغه مهندس الكلمة تولد فكرة وتُبنى.
كُنتُ أمتعض عند سماع قصائده وهي مغنّاة، فلم تكن الموسيقى إلا تبديدًا للصور التي تشكلها الأحرف، فأصيغها في دفتري بعيدًا عن ضجيج الآلات؛ لتتضح الرؤيا وينبثق الجمال وتتجسد قوافيه وأوزانه.
هذا الشاعر التشكيلي الذي كان يبحثُ عن الإنصات، عن التلذذ أثناء الاستماع، عن العيش بين السطور، هو بالفعل كان يعلم جيدًا أن أبياته تُرى وتُسكن..
وأن (التصفيق) الذي كان يُعبّر به معجبوه عن روعة كلماته، ما كان إلا تعكيرًا لصفو تأملاته وتلذذه.
كنتُ أحمل فُرشي وأسكن لوحاته المكتوبة، تغذيت بصريًّا بمشاهدة حقول الورد في قوله:
لو تشبهين الورد يبقى الاختلاف
الورد يذبل وانتِ دايم فاتنة.
ورؤيته للقمر:
انت مثل قمرا على صفحة ألما
لك صورة عندي وهي بالسما فوق.
وعن الكرم: من طاب لي بالنور ماني بظلما
ومن جادلي بالغيث ماني بحاب.
والاقتصاص: كل جرح فات لي منك هدية
وش بلاك تخاف من رد الهدايا.
الكبرياء: يا بنت مالي قلب بالحب يرمى
كفي سهام الفاترات النواعس.
النصيحة: الناس ما همَّها ظروفكْ
كود الذي يحزن لغمّكْ
وإن شلت حملك على كتوفكْ
بتموت ما احدٍ ترى يمّكْ.
وعن عشقه للوطن عندما عبّر عما في قلوبنا جميعًا وصرنا نتغنى بها في كل محفل:
فوق هام السحب وإن كنتي ثرى
فوق عالي الشهب يا أغلى ثرى
عزك لقدّام وأمجادك ورا
وإن حكى فيك حسادك ترى
ما درينا بهرج حسادك أبد.
*فنانة تشكيلية
التعليقات