232
1191
0344
1186
0392
185
0355
0202
0128
0150
0182
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11769
04707
04351
174206
03829
0* المآسي كثيرة و ترياقها حضور شاعر
* تكمن الحياة فيما بعد الرحيل
* لا توجد ملائكة على أكتاف المبدعين
* في خزانتي ثياب الأساطير
* رضا الجمهور عبقرية الخلود
حوار_رندا أبو حوى
إن مُعتقد الخلود طارق وقف على أبواب شتى العقول، ولا يتوقف الأمر عند كونه “مُعتقدًا”.
فالبقاء غريزة مكثت في بعض الأذهان حبيسة إلى أن تأتي بذاك المستحيل، كدليل يستحق أن يجعلها حُرة طليقة.
ولم يوجد أعظم من إرث خلود الكلمات من يوم خُلق فيه القلم حتى هذه اللحظة، يأتي ذلك تبعًا لمن وُلدوا وفِي تركيبتهم ترياق من سحر البيان وبلاغة اللسان، ويسبق ذلك الإيمان بأن الأنبياء خلفوا وراءهم رُسلًا يُكملون مسيرتهم بعظيم ما تُنجبه أقلامهم.
جنوب غرب المملكة العربية السعودية، أشارت البوصلة نحو جزيرة يُحيط بها الحُب من كل مكان، لكنها لم تكُن على الخارطة كالمتعارف عليه، إنما تقطن في فؤاد رجل مُتَيَّم بها.
إبراهيم عبدالله مفتاح وُلد عام ١٣٥٩ الموافق ١٩٤٠ في جزر فرسان التابعة لمنطقة جازان، درس في الكتّاب، ثم انتقل للدراسة في مدرسة الابتدائية، بعدها درس في معهد المعلمين الذي تخرج منه.
مؤلفاته.
– رواية الصنجار.
– رواية أم الصبيان.
– رواية طرنجة.
– ديوان رائحة التراب.
– احمرار الصمت.
– الصنبوق.
– ديوان عتاب إلى البحر.
شارك مفتاح بإحياء أمسيات شعرية في معظم النوادي الأدبية في المملكة العربية السعودية. حصل على جائزة أبها الثقافية عام 1417هـ.
*القضية ليست عشق، بل هي أكثر من ذلك
إبراهيم مفتاح معشوق الجزيرة من جميع الاتجاهات و”ابن الربان” برحلة امتدت في بحار الشعر. متى كانت أولى رحلاتك، وأي مدرسة شعرية شهدت بهجة شراع قاربك الذي رسا على شاطئها؟
– كنت أود أن يقول السؤال: إبراهيم مفتاح عاشق الجزيرة، وإذا أجبت على السؤال –بعد تحويره– فالقضية ليست قضية عشق فقط، إنما قضية التصاق، وعمق انتماء لأرض أصغت لشهقتي الأولى حين قدمت إلى هذه الحياة، وحين بدأَتْ طفولتي تتسربل بتراب هذه الجزيرة وتشم عبق رائحة سواحلها المغسولة برذاذ الأمواج ونصاعة بياض الشطآن، وفرحة عودة أبنائها القادمين من غياهب السفر والبعد، وتخوم المعاناة لأسمع من بحَّة أصواتهم ترانيم أشواق الغياب، ولوعة أنين الفراق، ولأجد أصداء ذلك تتردد داخلي، وتبذر في أعماقي نواة الشعر الأولى التي نَمَتْ وترعرعت في إحساسي حين شبَّيْت عن الطوق كما يقولون، ولئن كانت هناك مدرسة أنتمي إليها فهي مدرسة التأثر بحياة أولئك البسطاء الذين كانوا يفتتحون صباحاتهم بالدعاء قبل أن يغمسوا أجسادهم في أعماق البحر، مبتهلين إلى الله أن يكون رزقهم موفورًا وحياتهم يجللها الستر والعافية.
مع كل هذه الأشياء كانت رحلتي مع الشعر، وكان رسوّ قاربي الذي ما زال مبحرًا إلى الآن.
*المجد لمن غرد خارج السرب
يأبى هذا العالم أن يكون في وضع السكون؛ ما يجعلنا نشهد حقبة من الثورات المعلوماتية.. برأيك هل كان لهذه الثورات أثر بالغ في تغيّر سير الأدب في العالم العربي؟
– التغيير أو التغيُّر طبيعة من طبائع الحياة، والإنسان بما ميّزه الله من عقل يأبى الجمود، ويبحث عن الأفضل، وأحد أجدادنا الشعراء قال فكرة شبيهة بما نحن بصدده.. قال:
“لكل زمان دولة ورجال” وهذا مقياس يحمل في ثناياه معنى كل المتغيرات التي تطرأ على حياة الإنسان، حسب تمرحلها ابتداء من العصر الحجري إلى ما نحن عليه الآن من مستجدات كانت في يوم من الأيام ضربًا من الخيال، والأدب –بصفة عامة– عنصر من عناصر هذه الحياة، والعالم العربي جزء من هذا العالم، أو ما يطلق عليه البعض “القرية العالمية”، وأي حدث يحدث في أي مكان من هذه القرية لا يلبث –بشكل خرافي– أن يشمل هذا العالم من أقصاه إلى أقصاه، ولا بد لعالمنا العربي أن يتأثر بهذه المتغيرات سواء في مجال الأدب أو مجالات أخرى تتضمن منظومات لم يكن لمن سبقنا من الأمم بها عهد أو معرفة، وأعتقد أن أي أمة –مع بعض الاستثناءات– تقبل بأن تغرد خارج السِّرب.
*المآسي كثيرة وترياقها حضور شاعر
جزء من الأدب هي المأساة.. هل الشعور مهم لاكتمال الصورة؟ وهل يجب أن يعيش الشاعر مأساة البطل، ويشعر ويتعايش مع كل ما يكتبه، أم أن مجرد الحبكة الذكية، واللغة القوية تكفي لإيصال الرسالة؟
– المآسي كثيرة ولا تقتصر على نمط واحد، وبمقدار حجم المأساة –إن جاز التعبير– تكون ردة الفعل في نفسية الشاعر أو الكاتب بشكل عام، وردة الفعل –هذه– تكون بمقدار عمق الشعور، وبمقدار قدرة الشاعر أو الكاتب على تجسيد الحدث الذي يعطي للصورة أَلَقَها وتأثيرها في مشاعر القارئ أو المتلقي، وهذه عملية تعتمد على “الحبكة الذكية” التي أشار إليها السؤال، ثم يأتي –بعد ذلك– دور اللغة وثراؤها الفكري في إيصال الرسالة إلى فهم المتلقي.
*وراء كل عظيم امرأة
من القواعد المقررة أن عظماء الرجال يرثون عناصر عظمتهم من أمهاتهم، ماذا ورث الشاعر إبراهيم مفتاح عن والدته رحمها الله؟
– المقولة المشهورة عن الآخرين “وراء كل عظيم امرأة “، لكنها لم تحدد هذه “المرأة” هل هي أمٌّ كما هي حالة عبدالله بن الزبير مع أمّه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، عندما أخبرها حين أرادوا قتله أنه خشي أن يمثلوا به، فقالت له مقولتها الشهيرة: “الشاة لا يهمها سلخها بعد ذبحها”، أم هي حبيبة كما هي حالة عنترة بن شداد مع محبوبته “عبلة” التي كان يتذكرها حتى في زحام الموت:
ولقد ذكرتُكِ والرماح نواهلٌ منِّي وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبــارق ثغـــركٍ المتبسِّـمِ
فمسألة العظمة هنا تختلف، فالأم يدفعها حنانها وحبها الأمومي لأن ترى ابنها كما تريد له أن يكون من عزٍّ ومجد، والحبيبة يدفعها حبها “العاطفي” الناتج عن الغرام لترى معشوقها في أوج عظمته، وهذا ما ينعكس على الحبيب في إثبات وجوده أمامها حتى لو أدّى ذلك إلى التضحية.
أما بالنسبة لجوهر السؤال، ماذا ورث إبراهيم مفتاح عن أمه؟
فالإجابة تجرني إلى إيضاح أن أمي طُلّقت من أبي وأنا ما زلت في بطنها وهذا ما جعلها –بعد ولادتي– تفرغ كل حنانها الأمومي في تربيتي وتعليمي وغرس الكثير من الخصال الحميدة داخلي، ما نتج عنه إنسان يُعرف اليوم بـ “إبراهيم مفتاح”.
يشترك الشعر مع “الفلسفة” حيث إن غايتهما واحدة؛ هي المعرفة والكشف عن الحقيقة.. من خلال مسيرتك الأدبية، ما الذي توصلت إليه؟
– من وجهة نظري “أنا” أختلف مع واضع السؤال؛ إذْ أرى أن الشعر لا يشترك مع الفلسفة، فالشعر “الشعر” رومانسية وخيال وأغراض متعددة.. غزل، ومديح، ورثاء، وهجاء، وعشق طبيعة، وقضايا وطنية، وغير ذلك وهو أكثر ما يعتمد على العاطفة، بينما تعتمد الفلسفة على العقل، وهذا يجعلني أعرج إلى الحديث عن الفيلسوف “أبو العلاء المعرّي” الذي تحول إلى ظاهرة في تاريخ الثقافة، وأصبح طاقة فكرية، وثقافية، وأدبية بالثقافة العربية، حيث تمثل “لزومياته” المرحلة الفلسفية التي شهدت نضجه “الفكري”، ومن هذا المنطلق وصفه عميد الأدب العربي الدكتور “طه حسين” بأنه الشاعر الفيلسوف الوحيد في شعرنا العربي، ومن هذا الرأي نخلص إلى أن الشعر “حالة عامة” يعتنقها الشعراء معتمدين على عواطفهم وأخيلتهم، بينما الفلسفة حالة فريدة أو خاصة للفكر والعقل فيها دور كبير، وهذا ما جعل عميد الأدب العربي يصف أبا العلاء المعرّي بأنه الشاعر الفيلسوف الوحيد في الشعر العربي.
*رضا الجمهور عبقرية الخلود
من خلال التاريخ، هناك روايات خُلّدت إما عن طريق درامي، أو قصة مصورة عظيمة. من وجهة نظرك: هل تجسيد الروايات في الأعمال الدرامية يساهم في نجاحها، أم تجسيدها يجردها من الأصالة؟
– جودة الروايات تعود إلى أصولها، ومن وجهة نظري الخاصة أن أي تدخل –من قبل الآخرين مهما كانت خبرتهم– لا يصل إلى جودة الأصل، لكن هناك استثناءات خاصة في الأعمال الدرامية –هذه الاستثناءات تتعلق بـ “مهارة” معد “السيناريو” ومهارة “المخرج”، أيضًا ما يلزم لذلك من “فنيات” كالإضاءة والخلفيات، وفوق كل ذلك قدرة الممثلين على الأداء.. كل هذه الأشياء قد تكسب العمل الدرامي جودة تقترب من جودة الأصل؛ بمعنى محاولة الوصول إلى ما يريده الجمهور المتلقي، وليس إلى مقولة “المخرج عاوز كدا”.
*بين الموهبة والوراثة وسادة شاعر
قد لا يكون الشاعر إنسانًا عاديًا، بل ربما أتيحت له فرصة اكتساب ما لا يستطيع اكتسابه أي شخص عادي، وهي فرصة التعبير باللغة دون قيود أو خوف. هل ينطبق –أيضًا– ذلك على عاطفته؟
– أنا أتفق مع السؤال: الشاعر إنسان غير عادي، ولو لم يكن كذلك لأصبح كل الناس شعراء.. أما قضية الاكتساب فـ “مسألةٌ فيها نظر” – َمع الأخذ بعين الاعتبار الموهبة والوراثة– لأن الشاعر يتكئ على عدة عناصر، تأتي في مقدمتها العاطفة والحس المرهف ورقّة الشعور، وتأتي اللغة والثقافة وسعة الاطلاع كروافد تنمي ملكة الشعر عنده، ومن خلال ذلك تتفجر طاقاته ويسلك متّجهًا شعريًا خاصًا يصل به إلى استحقاق صفة “مبدع”، خاصة إذا كان شعره يرتدي مسحة من العاطفة التي تنفذ إلى وجدان المتلقي وتمتزج مع مشاعره.
*الحياة فيما بعد الرحيل
“الحياة ليست بحثًا عن الذات” سقراط.. ما تعريف الحياة؟
– ربما لكل شخص تعريفه الخاص للحياة –حسب مقتضيات حياته التي يحياها– أما أنا فأعرفها: الحياة فيما بعد الرحيل، بمعنى أن تجعل من حياتك المألوفة التي يحياها كل الناس ذكرى خالدة فيما بعد الحياة، انطلاقًا من قول أحد الشعراء:
فاجعل لنفسك بعد موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثانِ
يقول السباعي رحمه الله: لا ينمو العقل إلا بثلاث، إدامة التفكير، ومطالعة كتب المفكرين، واليقظة لتجارب الآخرين.. أي الثلاث تفضل من ناحية فلسفية، ولماذا؟
– عناصر المقولات الثلاث مرتبطة بعضها ببعض؛ حيث إنها –المقولات الثلاث– تشكل حالة حياتية تكاملية لا غنى لأحدها عن الأخرى لأي إنسان يدرك تفكيره أهميتها جميعًا.
*لا يوجد ملائكة على أكتاف المبدعين
الإلهام حالة أشبه ما يقال: إنها تلك التي تجعل الإنسان مطمئنًا يظل في كنفها متقدًا، وقد تتشكل على هيئة بشر، أو طبيعة خلابة، من أين تستقي الإلهام؟
– بعيدًا عن صيغة السؤال، سبق لي أن عرَّفت الإلهام بأنه طائر خرافي يرفرف بجناحيه على رأس المبدع –أيًا كان– ويجعله يعيش عالمًا خارج نطاق عالمه الحقيقي، وإذا ما عاد إلى رشده وواقعه المألوف يسأل نفسه كيف “أنا” أتيت بهذا؟
*في خزانتي ثياب الأساطير
الرواية خزانة الحكايات التي تحفظ المزايا المجتمعية، والأنثروبولوجية لكل جغرافيا بشرية، بماذا تحظى خزينة إبراهيم مفتاح؟
– من هذا المنطلق الذي أشار إليه السؤال، طرقت أبواب خزينتي الذكرياتية لتتمخض عن ثلاث روايات أولها: “الصنجار”، هذه الكلمة مفردة بحرية تعني السفن التي ترافق بعضها في السفر، واتكأت في حبكتها الروائية على ما كان يتداوله البحارة من حكايات وأساطير في ليالي غيابهم في البحر.
ثانيها “أم الصبيان” وهي أسطورة مخيفة تكتنز عالمًا غرائبيًّا استطعت أن أوظفها روائيًّا.
أما ثالثها فهي رواية “طرنجة” وهي عبارة عن حالة إنسانية وصفتها في إهداءاتي لبعض المحبين بأن “من يقرأ طرنجة لا يملك إلا أن يذرف من عينيه دمعتين، ويقرأ الفاتحة على روحها مرتين”.
أندر من الكتاب الجيد، القارئ الجيد “كلمة أخيرة تهديها للقراء”.
– أحبتي القراء: يكفيني منكم أن تمنحوني شيئًا من وقتكم لقراءة لقائي هذا.
التعليقات