الأكثر مشاهدة

ترجمة_ د.آلاء الغامدي رحلة العمر “مغامرة عبر المملكة العربية السعودية عام …

رحلة العمر

منذ 9 أشهر

290

0

ترجمة_ د.آلاء الغامدي

رحلة العمر “مغامرة عبر المملكة العربية السعودية عام ١٩٣٨م بقلم صاحبة السمو الملكي الأميرة البريطانية أليس كونتيسة اثلون”. 

هل سبق أن زرت المملكة العربية السعودية وهي في عهد الصبا، منذ أربع سنوات على إعادة توحيدها على يد المؤسس جلالة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه؟ ما زلت تستطيع خوض هذه الرحلة عبر قراءة جزء من مذكرات صاحبة السمو الملكي الأميرة البريطانية أليس – كونتيسة اثلون – وهي تصحبنا في رحلة تاريخية مميزة في ربوع المملكة، بدءًا من وصولها إلى ميناء جدة العريق حتى مغادرتها من المنطقة الشرقية في عام ١٩٣٨م.

بدأت القصة بحديث عفوي بين جلالة الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود، حيث كان حينها ولي للعهد، والأميرة أليس في مضمار اسكوت الملكي لسباق الخيل في المملكة المتحدة. وخلال حديثهما عن زيارات الأميرة لعدة دول في الشرق الأوسط، تعجب الأمير سعود من عدم زيارتها للملكة بعد.  كتبت الأميرة في مذكراتها لاحقًا “من باب الأدب والتهذيب، عبرت عن أسفي الشديد لعدم زيارتي لشبه الجزيرة العربية. فسألني على الفور: “لماذا لا تأتين إلى المملكة؟”. أجبت بخجل أنه لم يسبق لأي سيدة أن ارتادت تلك الأراضي، لكنه قال إذا لم أشعر بالحرج من النوم في الخيام، فالأمر ميسر. أوضحت له بأنني اعتدت النوم في المخيمات دون خيام، وقبلت دعوته على الفور”.

وبعد عامين من هذا الحديث العفوي، التقطت كاميرات الصحافة البريطانية لحظات صعود الأميرة أليس وزجها الأمير ألكسندر للسفينة التي استقلتهما إلى مصر ومن ثم إلى المملكة العربية السعودية. أتت رحلة الأميرة في مرحلة محورية في التاريخ، بعد أربع سنوات من توحيد الملك عبد العزيز آل سعود للملكة وقبل عام واحد فقط من الحرب العالمية الثانية.

في الخامس والعشرين من فبراير ١٩٣٨م وبرفقة زوجها، وصلت الأميرة إلى ميناء جدة ودخلت التاريخ كأول أميرة من عائلة ملكية أوروبية تزور المملكة. خلال الأسابيع المقبلة، سيسافرون مئات الأميال إلى تلال الطائف وعبر الامتداد الشاسع لصحراء الربع الخالي إلى العاصمة الرياض، وأخيرًا إلى الساحل الشرقي حيث تم اكتشاف النفط للتو.

كتبت الأميرة في مذكراتها “عند الوصول التقينا بالأمير فيصل -الابن الثاني للملك- كان محاطًا برجال ذوي مظهر بدوي، يرتدون ملابس طويلة وشعرهم طويل، ويحملون بنادق وسيوف. تم توجيهنا عبر الحشد وجلسنا على أريكة لويس السادس عشر، حيث تم تقديم عصير الليمون لنا. بعد ذلك تم تقديم جميع النبلاء العرب الحاضرين”.

يعلق سفير خادم الحرمين الشرفين في المملكة المتحدة صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن بندر بن سلطان بن عبد العزيز في إحدى مقابلاته التلفزيونية على هذه الرحلة التاريخية قائلًا “في عام ١٩٣٨م، كانت شبه الجزيرة العربية مكانًا نائيًا وبعيدًا عن الأنظار. يمكن تخيل ما كان الأمر يبدو عليه للأميرة وأسرتها عند نزولهم من السفينة ورؤيتهم للمشهد الفريد والمتنوع في جدة. في ذلك الوقت، كان ميناء جدة بوابة شرقية رئيسية للحجاج، حيث كان يقصدها الناس من جميع أنحاء العالم. إضافة إلى ذلك، كان الملك عبد العزيز موجودًا هناك، ما جعل جدة تجمع في مساحة صغيرة خليطًا حقيقيًا من الثقافات والشخصيات المتنوعة.

لو كنت هناك حينها كنت ستلتقي بالحرس الملكي البدو بملابسهم الرائعة، في ذلك الوقت كانوا يميلون إلى إبراز ضفائر طويلة. كانوا محاربين قدماء ومتمرسون. كما كنت سترى نبلاء جدة من التجار ورجال الأعمال. كان هناك أنواع مختلفة من الناس قادمين من الشرق والغرب بملابسهم المتنوعة، في مساحة جغرافية صغيرة جدًا. لم تكن جدة في ذلك الوقت مدينة عالمية كبيرة، بل كانت ميناءً صغيرًا نسبيًا في مدينة بدائية للغاية، لم تكن بها الكثير من البنى التحتية أو الطرق أو الكهرباء؛ لذا كان من المؤكد أن تكون تجربة مثيرة للاهتمام لرؤية هذا المزيج الفريد من الناس والثقافات.

لكن بقراءة ما قالته في مذكراتها ستجد انبهارها بمدى الترحيب الذي تلقوه والمناقشات الرائعة التي خاضوها، وكيف بدأت الشعور بالراحة لكونها في شبه الجزيرة العربية. انعكس هذا الشعور في صورها الرائعة التي تم التقاطها مرتدية فستانًا سعوديًا، وهذا يظهر لنا فقط ما يميز الثقافات والشعوب المختلفة”. 

أكملت الأميرة سرد رحلتها في مذكراتها قائلة “أقمنا في قصر الكندرة، (من أقدم قصور جدة والذي كان يستخدم كمقر لاستقبال الوفود الرسمية). في اليوم التالي، تم اصطحابنا للقاء الملك عبد العزيز في منزله العصري على الطريق إلى مكة. كان الملك رجلًا ضخمًا وذا هيبة، وكان مليئًا بالطيبة والدماثة. لقد أسعدنا بنكاته وأصبحنا من أكبر معجبيه.

في اليوم التالي، تم اصطحابنا في نزهة في التلال، حيث كان الأمير فيصل مضيفنا. كانت هذه النزهة مبهرة بحق. كانت الخيام مبطنة باللون الأخضر الداكن، ومنها خيمة استقبال كبيرة ومرتفعة مثل قمة جبل، وأرضيتها مفروشة بسجاجيد جميلة. في خيمة الغداء، شاهدنا لأول مرة مائدة عربية حقيقية، مليئة بالطعام الشهي بما في ذلك ستة عشر خروفًا كاملًا في أطباق معدنية كبيرة، كفيلة بإطعام كتيبة كاملة. كان من بين الضيوف عبد الله فيلبي، وهو إنجليزي تبنى الحياة العربية”.

يعلق الأمير خالد بن بندر قائلًا “عبد الله فيلبي رجل مثير للاهتمام بشكل لا يصدق، لعب دورًا كبيرًا في تاريخ بلادي. بدء حياته كـ “هاري سانت جون فيلبي” وأنهاها كـ “عبد الله فيبلي”؛ ما يعكس التحول الذي مر به. أتى إلى شبه الجزيرة العربية كعميل سياسي، لكنه سرعان ما وقع في حب ما رآه من الناس والبلد. فعل بعض الأمور المدهشة في استكشاف مساحات شاسعة من شبه الجزيرة العربية. من الناحية الجغرافية، كان له تأثير كبير على ما نعرفه عن شبه الجزيرة العربية اليوم. أما من الناحية السياسية فقد كان مشاركا جيدًا جدًا وأصبح محل ثقةٍ كبيرة، وصديقًا للملك عبد العزيز”.

تُكمل الأميرة في مذكراتها “بعد النزهة تمكنا من استكشاف جدة بمنازلها الخلابة، وزرت نساء الديوان الملكي. في الأول من مارس قلنا وداعًا للملك وانطلقت رحلتنا عبر الصحراء. انطلقنا عبر طريق المدينة المستخدم من قبل شركة تعدين الذهب، وانتهى بنا المطاف عبر التلال بارتفاع يصل إلى ثلاثة الآف قدم. أخيرًا وصلنا إلى هضبة مغطاة بحجارة سوداء كبيرة. عند الساعة الثالثة توقفنا لتناول الغداء. كانت لا تزال هناك عدة ساعات قبل ان نصل الى المخيم. لقد كان مخيمًا جميلًا بخيامٍ ملونة مثل تلك الموجودة في البتراء. كان هناك سجاد هندي على الأرض وأسِرّة عجيبة من الديباج الأزرق والوسائد الصلبة ونمنا بعمق شديد.

في اليوم التالي، توجهنا إلى منطقة بئر عشيرة، آخر بئر بين الحجاز ونجد، حيث شاهدنا صفًا من الجمال من جميع الأعمار تنزل للشرب، يسحب الرجال لها الماء باستخدام الدلاء. توجهت قافلتنا باتجاه الجنوب الغربي حول المدينة المنورة باتجاه الطائف. الآن نحن في منطقة جبلية تحيط بها الجبال بارتفاع تسعة آلاف قدم. أقربها جبال جميلة باللونين الأصفر والبني. عندما وصلنا للطائف، وجدنا قلعة ومسجدًا رائعي الجمال، إضافة إلى فيلات جميلة المظهر. تناولنا العشاء في تلك الليلة مع أمير خجول حسن المظهر. كان هناك كثير من الأطباق كلها من الدجاج. في صباح اليوم التالي انطلقنا على الخيول في رحلة استكشافية الى التلال. كان موكبًا كبيرًا وأنا ركبت على حمار مزين بسرج ضخم مصنوع من السجاد. كنا نتسلق التلال ووصلنا إلى حافة بانخفاض شديد بلغ الآلف من الأقدام، ومن هناك رأينا مجموعة من التلال الزرقاء والبنفسجية في الأفق. لو كان الجو أكثر صفاءً، لكنا استطعنا رؤية طرف مكة.

في الرابع من مارس وأنا مرتدية العباءة (البشت) التي أهداني إياها الملك، سافرنا نحو المويه عابرين مناطق من الحمم السوداء القاحلة. رأينا قافلة من الجمال البيضاء الجميلة عندما نزلنا إلى السهول. بعد الغداء سافرنا نحو سلسلة جبال جرداء تسمى جبال نير (تقع شرق محافظة عفيف وسط المملكة العربية السعودية) وأخيرًا نصبنا الخيام لقضاء الليلة في منطقة القاعية.

الآن اليوم السادس من مارس، حيث بدأت أصعب مراحل رحلتنا؛ إذ كان على السيارات مواجهة كثبانًا رملية واهتزازاتٍ وانزلاقات. تحطمت إحدى السيارات المرافقة لنا. كان جميع أفراد المخيم مصابين بدرجات ألم مختلفة من جروح وكدمات. أعطينا الحالات الأسوأ قطرات صغيرة من مشروبي الطبي وقال أحدهم أنه سيموت، لكن قال له الشيخ “لم يكتب الله أجلك في هذا اليوم”. واصلنا عبر طريق وادي صخري مقفر، لكن قدنا بشكل أكثر استقرارًا على طول الهضبة. في وسط المشهد، التقينا بولي العهد الأمير سعود بسيارة أمريكية فارهة. اصطحبني في سيارته وضحك عندما اعترضت على عدم ضرورة ذلك. بعد بضعة أميال وصلنا إلى المساحات الخضراء وأشجار النخيل ورأينا أخيرًا الرياض. تم اصطحابنا إلى قصر البديعة حيث استقبلنا حرس الشرف. القصر مبني من الطين، ومطلي باللون الأبيض وبسيط جدًا مع أرضيات مغطاة بالسجاد الفارسي.

في اليوم التالي استكشفنا العاصمة السعودية، عثرنا على بلدة ذات مبانٍ صفراء فخمة، احتشد البدو على أسوار المدينة منتظرين رؤية ولي العهد. الأسواق مليئة بالطعام والتوابل وتعج بالنشاط. مفتونين بحياة المدينة، وجدنا آلاف الأشياء لتصويرها بما في ذلك بوابة شهيرة وحصن تعود أهميتها للفترة خلال حملة لملك عبد العزيز لإعادة توحيد المملكة العربية السعودية. ذهبنا لاحتساء الشاي في نزهة في الدرعية وتجولنا في عاصمة نجد القديمة.

حان الوقت للمرحلة التالية من رحلتنا، حيث دعينا للذهاب للصيد مع الأمير سعود واتجهنا إلى مخيم في الصحراء وشاهدنا الصقور تلاحق الحبارى. في النهاية افترقنا عن الأمير سعود ليبدأ الجزء الأصعب من رحلتنا وهو عبور الصحراء باتجاه الهفوف حيث علقنا بالرمال. أرسل أمير الهفوف ثلاثين من حراسه يرتدون جميعًا معاطف إسلامية بيضاء جميلة ومسلحين بالكامل لإخراجنا. الهفوف كانت المكان الأكثر روعة متزينة بخندق مائي عميق جاف، وجدران عالية مع سلسة من الأبراج البيضاء العالية، تختلف عن تلك التي في الرياض والتي تميل إلى اللون البني الوردي. كان للأمير سعود بيت صيفي ضخم حيث تناولنا غداء النزهة.

رحلتنا عبر شبه الجزيرة العربية على وشك الانتهاء. أخذتنا المرحلة الأخيرة إلى الساحل وأخيرًا لشركة النفط الامريكية في الظهران. كان الامتياز في الأصل للبريطانيين لكنهم تخلوا عنه. ثم جاء الأمريكيون وباستخدام الحفارات نفسها وجدوا رواسب نفطية غنية. غادرنا اليوم التالي وبذلك انتهت رحلتنا التي كانت تضاهي بجمالها قصص ألف ليلة وليلة”.

رحلة الأميرة أليس للملكة العربية السعودية في تلك الفترة تعكس التقدير والترحيب الحار من قبل الأسرة الحاكمة والشعب السعودي رغم الظروف الصعبة آنذاك. فعلى الرغم من محدودية الإمكانات المتوفرة في ذلك الوقت مقارنة بالوقت الحالي، فإن الشعب السعودي أبدى روح ضيافة كريمة لا تقل عن مدى ترحيبهم بضيوفهم في الوقت الحالي والمملكة في قمة ازدهارها وتوهجها على كل الأصعدة. وهذا بالطبع يعكس تجذر قيم الكرم وحسن الضيافة في هوية المواطن السعودي عبر الأزمان، بغض النظر عن الظروف والإمكانات. تلك الفترة وما سبقها لم تكن بالفترة السهلة في تاريخ المملكة. فتلك الفترة تتجسد في صورة بلدٍ قليل الإمكانات وشعب يحيط بملك طموح يؤمن بأن تلك الأرض وشعبها ما همها إلا كنزٌ ثمين سينقل المملكة إلى مصاف الدول الكبرى كما نراها اليوم.

مذكرات الأميرة أليس لا تخبرنا بأي شي جديد عن القيم المتأصلة في هوية المواطن السعودي، لكن تخبرنا بأن هذه القيم لا ترتبط بحال اقتصادي واجتماعي معين. فالمواطن السعودي، في البدو أو الحضر، وعبر كل الأزمان ومن خلال جميع الظروف أسوأها وأفضلها، يعتز بهوية متميزة غير منسلخة تتجذر قيمها في تلك الأرض المباركة.

المصادر:

King Abdulaziz Public Library https://kapl.org.sa

For my grandchildren: some reminiscences of Her Royal Highness Princess Alice, Countess of Athlone. https://archive.org/details/formygrandchildr0000alic/page/n365/mode/2up

“A Journey of a Lifetime: Princess Alice’s Adventure in Saudi Arabia in the Year 1938”, a documentary produced by MBC Group

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود