29
0122
051
049
099
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11820
04751
04745
04593
04414
17*(بين منزلتين) يلاحقني أينما أكون.
*ناصر القصبي وعبدالله السدحان وغيرهم خرجوا من رحم مسرح الجامعة.
* ثقافة التكريم موجودة، والحراك هو من يصنع الثقافة.
* الجامعة هي المنصة الأولى لاحتراف المبدع.
* أحمد الله أن المعارك انتهت، والمشهد يسع الجميع.
* نجاح وإخفاق معارض الكتب يحكمه وعي الجمهور.
حوار _ عبدالعزيز طياش
حين نتحدث عن الدكتور عبدالمحسن القحطاني، فإننا نعني تلك المؤسسة الثقافية الداعمة للمثقفين والأدباء والمبدعين، تلك المسيرة الممتدة منذ أكثر من خمسين عامًا في ميادين الفكر والثقافة والفن والأدب، في الجامعات ونوادي الأدب ومعارض الكتاب والصالونات الثقافية المختلفة، وعبر تمثيل المملكة في المحافل العربية والدولية عطاء وفكرًا وثقافة.
بعض نتاجه (شعراء جيل) (بين منزلتين) سيرة ذاتية، (الاختلاف والازدواجية).
كان لنا معه هذا الحوار المفعم بالفكر والتجربة والخبرة والفلسفة.
* رعاية الثقافة لدينا ممتدة منذ جيل الرواد.
– في ظل التطورات الثقافية الحالية المتنوعة والمتسارعة في ذات الوقت، حدثنا عن قراءتك للمشهد الثقافي السعودي؟
أخي عبد العزيز، لو آخذك إلى ما قبل ٦٠ أو ٧٠ عامًا وماذا كانت جهود روادنا في نشر الثقافة العامة والإبداع خاصة شعرًا ونثرًا، مقالة أو نقدًا، والصحف آنذاك كلها تخصص مساحة كبيرة لاستقبال كل هذا النتاج في صفحات تسمى ثقافية أو أدبية؛ حتى إن عددًا في جريدة المدينة باسم الأربعاء كان مخصصًا كله لهذا الفعل الثقافي، ثم جاءت حركة جميلة بأن تقدم الأستاذ محمد حسن عواد والأستاذ عزيز ضياء رحمهما الله، إلى الأمير فيصل بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب آنذاك رحمه الله، يطلبان منه أن يفتح سوق عكاظ في موقعه في الطائف، فاقترح عليهم إنشاء أندية أدبية، وافتتح نادي جدة الأدبي الثقافي ومن بعده نادي مكة الثقافي ثم توالت الأندية حتى بلغت ١٦ ناديًا، هذه الأندية قامت بدور فعال في المحاضرات والندوات والحوارات وطباعة الكتب. ولو قمت برصد هذه الكتب التي تطبع وما زالت لبلغت الآلاف منذ تأسيس هذه الأندية، إذًا الثقافة ممتدة، ليس معنى ذلك أنها حدثت هذه الأيام.
ووزارة الثقافة الآن تحاول أن تطور هذه الجهود وألا تقتصر على الأندية الأدبية أو المحاضرات في الجامعات، إنما تنتقل حتى إلى المقاهي وتشمل الفنون، والجامعات أيضًا قامت بدور فعال، وزارة التعليم العالي آنذاك تأخذ مجموعة من أساتذة الجامعات الى العالم العربي والأوروبي وأنا ممن اشترك في محاضرات في الأردن واليمن ومحاضرات أيضًا في إيطاليا مع مجموعة من الأساتذة تبلغ أحيانًا ٢٣ أو ٢٥ أستاذًا وعلى رأسها وزير التعليم العالي آنذاك الدكتور خالد العنقري، والآن ومن غير شك أن الدولة تقدر تلك الفترة وتريد أن تضيف إليها سلالم جديدة أو عتبات امتداد وليس انكماشًا، والامتداد هو أن يكون أشمل مما هو موجود، ونرجو أن يكون هذا الامتداد مستمرًا و فاعلً، ا بدليل أني أتلقَى دعوات سواء من جمعيات الأدب في المملكة أو من بعض الجامعات للاستماع إلى محاضرات تخص اهتمامنا نحن المتخصصين في الأدب العربي والنقد، وتلقيت دعوة من جمعية الأدب التي تأسست حديثًا بالاشتراك مع مقهى من المقاهي، وفي هذا الدليل على الامتزاج ما بين القطاع الرسمي والقطاع الأهلي الشعبي إن صح التعبير. ونرجو إن شاء الله أن تكون الثقافة بخير. ولكنني أقول أن الفترة الماضية كانت الثقافة والإبداع والأدب تحديًا ضد الضغوط التي تأتي من المحتسبين ونادي جدة الأدبي وكنت عضوًا ثم رئيسًا، فأنا الأطول في التحدي معهم سواء في كتب تطبع لا يرضون لها أن تخرج أم محاضرات تلقى، بيد أن السفينة مشت بأمان لأنها تلقى التحدي وليس الاستسلام، وهذا ما حدث لذلك الجيل السابق في جميع أندية المملكة العربية السعودية.
* الأربعائية تحظى باهتمام ودعم الأبناء والأحفاد والمحبين
– أسبوعية الدكتور عبدالمحسن القحطاني (الأربعائية) من الصالونات المهمة في المملكة، ولها منجزات تتمثل في الإصدارات وإقامة الندوات وهي تقوم بحراك ثقافي مواز، ما آخر إنجازاتكم وما التطلعات التي تسعون من خلالها لخدمة للأدب والثقافة السعودية؟
حين انتهت فترة رئاسة نادي جدة الأدبي الثقافي زرت صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، أشكره على الفترة التي قضيتها في النادي وقوفه مع النادي والثقافة عامة، فهو رئيس مركز الفكر العربي وهو المهتم بالإبداع، وقلت للأمير لدي مكتبة وتلاميذ وزملاء سنجتمع سويًّا نتباحث ويلقي بعضنا محاضرة عن الأدب والثقافة وشؤونها وننوع في هذه المحاضرات، ثم شكرته وذهبت أيضًا لمعالي وزير الثقافة والإعلام آنذاك الشاعر المبدع الدكتور عبد العزيز محي الدين خوجة قلت له ذلك، فقال انطلق على بركة الله؛ فبدأت الأسبوعية تقدم محاضرات وهذه متنوعة في الأدب والشعر والرواية والعلوم الاجتماعية والأنثروبولوجيا وعلوم الأرض، وهي كذلك في الإحصاء والتنوع في المحاضرات وفي الطب في أكثر من محاضرة وتركز الأسبوعية على الشخصية ذات التاريخ الطويل على أن تتحدث عن مفاصل من حياتها؛ لأنها ستقول كلامًا قد لا يوجد في كتبها المؤلفة أو فيما تطرحه عبر التلفزيون أو الإذاعة أو المقالات، وفعلًا هذه المحاضرات منذ إنشاء الأسبوعية إلى الآن تجاوزت أو قاربت من ٢٠٠ محاضرة متنوعة طبع منها ثمانية أجزاء والجزء التاسع والعاشر في المطبعة الآن، مع هذه المسيرة في هذه الأسبوعية التي أحمد الله أنها ما زالت مستمرة ورعاها أبنائي وروادها، كذلك منهم من يصمم ومن يجهز في الأسبوعية، فدائمًا هم حاضرون، ليس أبنائي فقط وإنما أبنائي والأحفاد معهم، ومع هذه المسيرة فكرت أن أنشئ مركزًا ثقافيًّا فأخذت إذن من وزارة الثقافة والإعلام آنذاك ثم بدأت في طبع مؤلفات على حساب المركز ستة كتب في (ديوان الشعر السعودي) أ.د محمد مريسي الحارثي وكتاب الأستاذ حسين بافقيه (أفئدة من الناس فصول في أدب الحج وثقافته)، كذلك الذي رأى وسمع محمد نصيف (صفحة من تاريخ الثقافة في جدة) و( ديوان أوتار من ضوء الشمس) للشاعر سعود كايد البلوي ثم ديوان شعر للشاعر المبدع الأستاذ عبد الوهاب أبو زنادة (أيامها الأحلى)، أيضًا كتاب النقدي بعنوان (التفاعل الأيقوني) في شعر يوسف العارف للدكتورة أسماء أبو بكر، كانت تعمل أستاذة في جامعة طيبة بالمدينة المنورة ثم انتقلت إلى جامعة المنيا في مصر. هذه المحاضرات موجودة على اليوتيوب، وكما قلت مطبوع جزء كبير منها ذلك وأنا دائمًا سعيد بأن الأسبوعية تكسب روادًا، وأقل حضور يبلغ ٧٠ شخصًا وأكثر حضور من ١٢٠ إلى ١٣٠ وهذا عدد كبير لا يستهان به في مثل هذه المحافل، وأعتقد أن الأسبوعية أوجدت رغبة عند الرواد وغيرهم لحضور هذه الأمسية التي تطرح فيها موضوعات لا تمنع أحدًا أن يتحدث على المنبر أبدًا، وإذا شطح أحد برأي يأتي الردُّ من زميله قبل أن يأتي من المحاضر؛ لأن الأريحية والحميمية التي تتمتع بها الأسبوعية صنعت ذلك ولها مستشارون من روادها دائمًا يستشارون.
* حقوق الأديب محفوظة.
– العناية بالأديب وحفظ حقوقه ودعم منتجه، خاصة ممن لهم إسهامات جلية في مشهدنا الثقافي، إلى أي مدى تعد هذه الخطوة قائمة ومعمولًا بها؟
حفظ حقوق الأديب موجودة في اللوائح، خاصة حماية آرائه الفكرية حتى لا سمح الله لو سرقت أبحاثه أو دراساته لقامت وزارة الثقافة بأخذ حقه، وبعض الأحكام من المحكمة إذ عوضت صاحب النص الأصلي مبلغًا ماليًّا كبيرًا وأمرته أن يسحب النسخة من الأسواق، وهناك قضايا مرفوعة أيضًا تنتظر الإنصاف وأصحاب الحق سينصفون كما حدث سابقًا.
* ثقافة التكريم موجودة، والحراك هو من يصنع الثقافة.
– تكريم المثقفين والأدباء هو اعتراف بدورهم الريادي المهم، وتتويجًا لمسيرتهم الإبداعية، ما رأيكم حول الخطوة؟
وكيف ساهمت وزارة الثقافة في دعم هذه المبادرة؟
تكريم الأدباء من وزارة الثقافة مشهود لها بأن الأحياء وجدوا التكريم في حياتهم وكل معرض من معارض الكتب تكرم شخصيات أدبية وثقافية في حياتها، ولم تقتصر هذه التقسيمات على الوزارة نفسها، بل تعددت إلى المرافق التي تتبع الوزارة من الأندية الأدبية والجمعيات الثقافية والفنون في سائر المملكة، فتسمع أن أديبًا كُرم وهو على قيد الحياة، ولا أضرب مثلًا بنفسي فقد كُرِمت في نادي جدة الأدبي وقبل ذلك وُضِعت جائزة باسمي في جمعية الثقافة والفنون بجدة، تبرع بها الأستاذ أ. أحمد محمد بأديب وهي جائزة تبلغ ٢٠٠٠٠٠ ريال كل دورة وزعت في دورتها الأولى، وقد صدرت لها الموافقة من وزارة الثقافة وكذلك غيري من الأدباء كرموا حتى في الصوالين الأدبية عند حمد الجاسر مثلًا الخميسية وكذلك اثنينية عبدالمقصود خوجة، ولا ننسى شخصيات كثيرة كرموا في نادي الطائف الأدبي ونادي مكة الثقافي ونادي الباحة ونادي الأحساء ونادي المنطقة الشرقية ونادي نجران ونادي القصيم ونادي تبوك ونادي الجوف وبقية الأندية الستة عشر كلها، وهذا بمباركة وزارة الثقافة وتأييدها لهذا التكريم. والأديب والمثقف يجد التكريم خاصة ونحن نتحدث عن وزارة الثقافة والجامعات أيضًا تكرم رجالها وأكاديمييها ونحمد الله أن التكريم اتسع، كان في الأول ضيقًا جدًا، أما الآن فقد اتسع وشمل كثيرًا، لا أقول من الرواد فقط إنما يشمل عددًا لا بأس به ممن أسهم في ثقافة البلد.
ومن اليقين أنه ٢٠٣٠ التي تبناها صاحب السمو الملكي ولي العهد محمد بن سلمان ورئيس مجلس الوزراء جعل الدولة بكل وزاراتها وهيئاتها تسعى لأن تحقق هذا المطلب، حتى طبقات المجتمع ومن عامة الشعب أصبحوا ينظرون إلى هذا الرقم ويسرون على تحقيقه ورأينا هذه المنجزات على مستوى الزراعة والطاقة الشمسية والغاز والنفط ونيوم والبحر الأحمر والجديدة، وصار الاعتماد على ثروات البلد في هذه المشاريع التي بدأت تؤتي أُكلها وكذلك في جدة والطائف والظهران كلها تنحدر من ثقافتنا. والثقافة كما قلت عند الأنثربولوجيين أوسع الأبواب، فهذه المنجزات تعود على المجتمع بثقافة جديدة؛ لأن التغيير ثقافة في حد ذاته والثبات على الحال ركود لا يسمى ثقافة، وأنت تريد أن تضيف لبِنات أخرى وهذا ما تقوم به أروقة الدولة وجمهور الشعب السعودي الذي يعرف أن هناك حراكًا على كل الأصعدة، وهذا الحراك كما قلت هو ما يصنع الثقافة.
* ناصر القصبي وعبدالله السدحان وغيرهم خرجوا من رحم مسرح الجامعة.
– لديكم اهتمامات مسرحية، ما رؤاكم حول المسرح السعودي؟
المسرح خير معلم للجمهور إذا كان يحمل قيمًا وأخلاقًا تحث المجتمع على التشبث بها. وحين كنت عميدًا بشؤون الطلاب قبل ٤٠ عامًا أنشأت أندية منها نادي المسرح، النادي الأدبي نادي التراث الشعبي، النادي الرياضي. وشؤون الطلاب تقدم كل عام أكثر من مسرحية، وخرج فنانون آنذاك كان هم شأن في المسرح سواء كان للكبار أو حتى مسرح للأطفال وكنا في ختام العام الهجري نقدم في حفل واحد مسرحية أو مسرحيتين، والممثلون الذين أذكر بعضًا منهم الأستاذ عمر الجاسر والأستاذ عبد الوهاب البغدادي والأستاذ علي دعبوش والأستاذ سعيد الغامدي وهم مجموعة من الفنانين . وأرى أن المسرح ممتد إلى يوم الناس، هذا في العمل المسرحي بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون في جدة أو في أي مكان يكونون فيه. عبد الوهاب البغدادي أنشأ ما يسمى البعد الثالث وما زال محافظا عليه، وأرى أن الاهتمام بالمسرح ليس من قبل الجامعات فقط، إنما أيضًا من المراكز الثقافية التي أنشئت أخيرًا بجهود شخصية. مركز أحمد محمد بأديب حينما استلم الدكتور زيد الفضيل قام بإنشاء مسرح فيه ممثلون ومخرجون كالمخرج إبراهيم الحربي، كثير من الممثلين تخرج من مسارح الجامعات ولنأخذ جامعة الملك سعود مثلًا خرَّجت ناصر القصبي – عبد الله السدحان – ولفيف غيرهم، الآن المدارس فيها مسارح والترفيه أنشأ أيضًا المسارح في الرياض وجدة وغيرها.
* الإبداع هو من يفرض نفسه.
– الحركة النقدية في الأدب السعودي، هل أسهمت في التعاطي مع إنتاج المبدعين بشكل عام، أم التركيز فقط على النخبة؟
قلت: عادة يكون البناء صعبًا والهدم سهلًا والنقد يتوجه للنصوص التي تمتلك الإبداع الشعري، والومضات المضيئة يحللها الناقد أو يثني عليها ويجعلها نموذجًا يحتذى وينظر إلى هذا الإبداع هل هو يبني ويرفع من شأن المبدع أم لا؟ أما إذا توجه لشاعرين ناظمين أو رواية ليست تتمتع بسبك إبداعي واضح، إنما في الشعر نظم وفي الرواية سرد عادي وفي المقالة أسلوب متهتك، فإذا قام الناقد على تتبع هذا وقع الخلاف لا الاختلاف بين القائل والناقد، وهنا تقوم مشكلة والناقد يرغب أن يتجنب ذلك ولا يدخل في ردهات ليست له. وأما أين يوجد الإبداع في صغير السن؟ فهو ملموس ورأينا أن صغار السن من المبدعين جدًا أمثلتهم كثيرة وهم متفرقون في أرجاء المملكة العربية السعودية، ولو تتبعت الدراسات حول شباب المبدعين لوجدته يشكل ظاهرة، إذ تحول إلى فعل مشوق، ومن هؤلاء الشباب من وقف أمام خادم الحرمين الشريفين يلقي نصًّا شعريًّا أصبح تتجه إليه الأنظار وهو ما زال صغيرًا، إنه حيدر العبد الله، بل أصبحت قصيدته تعرف بعنوانها (سكنانا) ونجد من الشعراء من يركز على المواطنة والوطنية بحق سواء في القصيم او المنطقة الشرقية أو أبها أو الطائف أو تبوك أو في مناطق المملكة جميعًا، هل نسيهم النقاد؟ أقول لا، لأن الإبداع يفرض نفسه على الناقد، فهو يحلل نصه رغم أنهم ليسوا كبارًا في السن، إنما من كبار إبداع، وهذا الذي جعل النظر لا يشيح عنهم.
تأخذ مثلًا في بعض الأسماء جاسم محمد جاسم صحيح في الأحساء / عبد المحسن الحقيل في الرياض / د. أحمد اللهيب في القصيم / والشاعر العطوي في تبوك / إبراهيم مضواح في أبها / وفي فرسان عبدالله مفتاح. أما الرواد أو الكبار فأعدادهم كبيرة جدًا في المملكة العربية السعودية وفرسان هي البلد الشهيرة بلد الشاعر الرائع إبراهيم مفتاح وعلي صيقل ولعل الذاكرة أسعفتني أن أتيت بأسماء هؤلاء.
*(بين منزلتين) يلاحقني أينما أكون..
– كتابكم “بين منزلتين” حالة فريدة تظهر ارتباط الإنسان بالمكان وتتجلى مكانة القاهرة لديكم.. حدثنا عن هاتين المنزلتين؟
صرت أتجنب الحديث عن السيرة الذاتية (بين منزلتين) لأنها أخذت من الدراسات ما يكفي؛ طبع كتاب في جامعة المنيا عن ندوة أقيمت حوله في جزئيه الأول والثاني، كذلك نجدها في الأسبوعية حاضرة إذ تحدث الدكتور يوسف العارف والأستاذ حسين محمد بافقيه والدكتور عثمان الغامدي وطبعت هذه الندوة مع مطبوعات الأسبوعية وصرت أحاول أن أقفز الحديث عن (بين منزلتين)، بيد أن الأسئلة دائمًا تلاحقني ولا أستطيع لها ردًا، أقول: إن (بين منزلتين) ليس اسمًا عقديًّا كما يقول به علماء الكلام، إنما (بين منزلتين) خطر على بالي مما عشته فلا أرى أبي كامل الأبوة، بل أراه أيضًا يمارس دور الأم الرؤمة، فهو لم يكن أبًا خالصًا ولا أمًّا خالصًا بل صورة من صورتين، فأخذ هذا المسمى من صورة منتزعة من صورتي الأب والأم فما استطعت أن أميز بينهما، فصار نظري إلى والدي منزلة بين المنزلتين لا هو الأب بكامله توجيهًا وتعليمًا ولا هو الأم بكامل حنانها وغلبت هذه الصورة، ومع ذلك تأثرت في حياتي.. فأصبحت قراءة الناس علمًا لا يمكن أن يكون متطرفًا لا قديمًا ولا حديثًا، بل يأخذ من القديم أجمله ومن الحديث أوفاه، فالحداثة بكل ما فيها ليس مقبولًا والوقوف عند القديم بكل ما فيه ليس مرغوبًا، فعلينا أن نختار. حتى الألوان الرئيسية أهرب منها إلى ألوان ممزوجة من لونين فآخذ الألوان سواء عن ألوان الطيف أو الألوان التي تتشكل من لونين فتخرج بشخصية جديدة، وهكذا سرت في ذهني. حديثي عن القاهرة، كما تعرف إنني تعلمت في جامعة الأزهر في الماجستير وفي الدكتوراه وكان ذلك قبل ٥٠ عامًا جئت بعد النكسة فإذا الإنسان يبلغ الثمانين من عمره وهو يجر عربة وهو يغني ويبتسم، كذلك المكان له رائحة شجرة ورائحة الكادي فأصبحت حركة الإنسان ورائحة المكان تسيطر عليَّ في مصر. تحدثت عن جامعاتها ومقاهيها ونيلها وأهراماتها وإنسانها؛ لذا فمن يقرأ هذا الكتاب من المصريين يحتفي به أيَّما احتفاء؛ لأن العاطفة تسحبهم إليه سحبًا وكلما جئت في لقاء تلفزيوني أو إذاعي في مصر آو في محاضرة تجد السائل لابد أن يسألني عن(بين منزلتين) إذًا بين منزلتين يلاحقني أينما أكون. وأنا الآن أعد الجزء الثالث من هذه السيرة ومن المصادفة أن كل جزء حوى ما يقرب من ٢٠ عامًا، الجزء الأول حتى سن الأربعين والجزء الثاني حتى سن ٦٠ أو يزيد قليلًا، ا وكتب عنه في الصحف السيارة الأستاذ سعد الحميدي والأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي والدكتور صالح الشحري، أما الجزء الثالث فقد أنجزت ثلثيه وبقي الثلث.
* الجامعة هي المنصة الأولى لاحتراف المبدع.
– كيف تقيّمون دور الجامعات السعودية في التفاعل مع الحراك الثقافي؟
دور الجامعات في الجانب الثقافي دور مهم جدًا وفاعل، وقد قلت سابقًا ماذا كانت تقوم به وزارة التعليم العالي من أخذ مجموعة من الأساتذة إلى مصر – الأردن – إيطاليا – اليمن وغيرها، وقد قلت إنني اشتركت في عدد منها وقدمت مع زملائي محاضرات تتناول الشعر والنقد والرواية، وفي داخل الجامعات توجد أنشطة شؤون الطلاب من محاضرات ومن ندوات ومن حوارات ومسرحيات ومن فنون شعبية، ولا أريد أن أرجع بكم ٤٠ عامًا لأقول ماذا كانت تصنع الجامعات فيما بينها حينما تجتمع أسبوعًا كاملًا وتلقى فيه نشاطات أدبية ومسابقات من يأخذ المركز الأول في المسرح في الفنون الشعبية في الرياضة وتمنح عليها شهادات، والجامعات ما زالت تقوم بهذا الدور بل إنها توسعت في هذه المجالات لتحقيق، كما قلت سابقًا، رؤية٢٠٣٠ التي تسحب المجتمع وأروقة الدولة إلى أن تحقق أهداف ٢٠٣٠ ولم تنغلق على نفسها، بل خرجت إلى المجتمع تحاور وتناقش وتروي فكرًا وثقافة وفعلًا إبداعيًّا.
* أحمد الله أن المعارك انتهت، والمشهد يسع الجميع.
– توارت صيحات التصنيفات الثقافية، والمعارك الأدبية؛ برأيك ما سبب ذلك؟ وهل ترى أن ذلك أسهم في تطور المشهد الثقافي؟
التصنيفات الثقافية لم تبدأ هذا اليوم بل كانت قديمة قدم النقد العربي؛ وفي العصر المتأخر بدأ مصطلح المعارك الأدبية ينتشر، والمعركة لم تتجه للعمل الإبداعي أو الأدبي، بل اتجهت للشخص نفسه ولأضرب مثلًا أن هناك متخاصمين وهما في خندق واحد (مصطفى صادق الرافعي – عباس محمود العقاد) إذ ألف الرافعي كتابه (على السَّفود) وسبه في جسمه وخلقه وخُلقه بألفاظ لا تليق أبدًا، ثم جاءت معارك أخرى حيث انتقدت مدرسة الديوان أحمد شوقي، إذ يكيلون له التهم في شعره وفي قوة شعريته، والمازني تبرع بكتاب ألفه عن حافظ إبراهيم وقال: الحمد لله أن الكتاب لم يُبع منه نسخة واحدة، إنما وجدت أوراقه يلف بيها صاحب الدكان الأغذية التي تباع وأحمد الله أنها لم تكن في مكان آخر، ثم انتقلت هذه المعارك إلى لبنان وتلقفتها المملكة العربية السعودية وأنا حقيقة ألفت بحثًا سميته (المصطلح الإَاستعلائي والسجال النقدي)؛ لأقول إن هذه التصنيفات خرجت عن المعرفة وتجنبت العلمية إلى العاطفية ولم تبن على نقد صحيح يوثق به، وهي لا تتبع الإيجابيات إنما السلبيات والحمد لله أنها انتهت هذه المعارك وإن كانت تجددت بين مدرستي القديم والجديد عندنا في المملكة العربية السعودية قبل ٣٠عامًا واستمرت فترة ثم انكمشت، وأتوقع اللا عودة لمثل هذه؛ لأن الساحة تسع الجميع وتستوعبهم وعلى الناقد الحق ألا يقف عند مدرسة بعينها لكي لا يرث سلبياتها وإيجابياتها، بل عليه أن يأخذ الإيجابيات من أي مدرسة كانت وأن يتتبع الإبداع الحق.
* أن ترضي الجميع على اختلاف مشاربهم! هذا جد عسير.
– هل قامت معارض الكتاب بالدور المناط بها، وكيف تقيمون برامج وفعاليات المعارض؟
معارض الكتب نظمت لاستجلاب دور النشر من العالم العربي والعالم الأجنبي، وضعت برامج ثقافية تصاحب المعرض في أيام نشاطها وهي برامج تختلف من عام إلى عام حسب المخطط لها أو واضع هذا البرنامج، أما قضية الاختيارات فدائمًا مهما حدث في الاختيارات سيكون عليها ملاحظة، ربما أنهم دعوا بعضًا مما يريده الجمهور لكنه اعتذر، الأسماء التي تطفو على السطح هي التي تفرض نفسها، أما الأسماء المخفية فمن يفتش عليها تظهر نفسها للوجود وتبدو جلية واضحة أمام الناس لو طالب بها أن تحضر وأن تكون من الأسماء المختارة، فمهما كان في الاختيارات لابد أن يكون هناك أناس يعترضون عليها، الاعتراض موجود ولولا الاختلاف لما كنا في نعمه، فمن واجب معرض الكتاب أن يجتهد سواء في اختياراته أو في موضوعاته أو في حواراته وإذا اجتهد فله الشكر على هذا، لكن أن ترضي الجميع على اختلاف مشاربهم فهذا جد عسير.
* نجاح وإخفاق معارض الكتب يحكمه وعي الجمهور.
– تمتلئ بعض معارض الكتاب والمكتبات بإنتاج ضعيف من الروايات والقصص وحتى كتب النقد، برأيكم من المسؤول عن ذلك؟
ليس من وظيفة منظم معرض الكتاب أن يتدخل في عناوين هذه الكتب وآلية جيدة أو ضعيفة، بل على الجمهور أن يحدد ذلك الضعيف فيشيح الأنظار عنه إذا كانت هذه الأنظار عاقلة وفاهمة، لكني أرى في المعارض السابقة أن هناك كتبًا ثقافية وأدبية لا تلقى اهتمامًا كبيرًا من عامة جمهور المجتمع، أقصد الجمهور عامة وليس المتعلمين التعلم الذي يميز بين الأشياء، فيتجهون الى الكتب الضعيفة وقد أقول التافهة والمؤلف يخرج على السناب شات أو الانستغرام يمدح مؤلفه و في القناة يتحدث عنه ومؤلفه إلى السخافة والتفاهة أقرب منه إلى العلمية، فهل هذه مسؤولية من ينظم معرض الكتاب؟ لا إنما على الجمهور دور ومسؤولية كبرى وأظن أن الثقافة تحتاج إلى أجيال حتى تبقى في ذهن القارئ إلى أن يميز بين الأشياء التي لا تدخلها عنصرية ولا عصبية ولا عاطفية، إنما يكون إلى العقل أقرب وإلى التأمل أحوج والتفكير أسلم.
* اتركوا الأسماء جانبًا واهتموا بالعقول.
– نحظى بكثير من الملتقيات الأدبية والشعرية في مدن ومناطق متنوعة من المملكة العربية السعودية، لكن دائمًا ما يتردد في أوساطنا الثقافية ذلك الصوت المنزعج من تكرار الأسماء.. ما رأيكم حول ذلك؟
ولماذا أنزعج من تكرار الأسماء هل في تكرارها طرح جديد أم تكرار لما يطرح، اترك الأسماء جانبًا وانظر إلى المادة التي تطرح إذا كان فيها تجدد ومختلفة عن أقواله السابقة فأهلًا وسهلًا بهذا التكرار، أما إذا كان التكرار أن يعيد نفسه في كل مكان وفي كل نادي وفي كل جمعية هو يكرر الموضوع، فهذا غير مقبول أبدًا، نقبل أن يكون متكررًا مختلفًا مع نفسه في كل لقاء يأتي بشيء جديد، إذًا نحن نتبع المادة ولا نتبع الأشخاص فإذا كانت المادة الجديدة تثري المحفل الثقافي وهذا ما يدعو إليه المثقفون لا أقول جميعًا إنما أغلبهم.
* أعمل على كتابة سيرة غيرية سترى النور قريبًا بإذن الله.
– هل من إنتاج ثقافي قريب لكم تعلنون عنه عبر فرقد؟
هناك كتاب ألفته عن شيخي وهو على وشك الانتهاء وأسميته (شيخي صاحب المعالي ناصر بن عبد العزيز الشثري في صحبة الملوك) تحدثت فيه عن تدريسه لي قبل ٦٥ عامًا في المعهد العلمي في الرياض الذي يقع في البطحاء بداية البطحاء، وكان بجانبه مستشفى آنذاك يعالج المرضى فيها، كنت أذهب إلى هذا المعهد على الدراجة (بسكليت) وأعود إلى بيتنا في حارة (آل مسعود) التي تقع بين شارع المدينة المنورة وعسير وتسمى بقبيلتنا آل مسعود، وما زال هذا الاسم باقيًا الى يوم الناس هذا، تناولت فيه ما يشبه سيرة غيرية للشيخ ناصر الشثري وتتبعت تفاصيل مهمة من حياته وأرجو أن ينتهي في خلال هذين الشهرين بإذن الله، أما الثاني فهي دراسة مطولة عن الأعراب وأسميته “ومن الأعراب من آمن بالله واليوم الآخر) تحدثت عن الأعراب والعرب والبدو وهذه المصطلحات التي تناولها النقاد كل يسحبها إلى حضيرته وأنهم ليسوا من العرب ولا من البدو، وهذا يعني أنها ليست دراسة دقيقة وعلمية إنما عاطفة تُخرج الأعراب من هذين المفهومين، وهو مفهوم واحد. وكان الصحابة رضوان الله عليهم، يفرحون بالأعرابي إذا قدم على المدينة؛ لأنه يستطيع أن يسأل بحرية وبلا تكلف على عادته وطبيعته وأثبتوا قصصًا كثيرة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومع الأعراب وهي موجودة في المدونة ولا أريد أن أتحدث عنها كثيرًا، لكني أتعجب من أن المنافقين الذين ذكروا في القرآن بلا استثناء لم يلقوا دراسات تبين موقفهم والآيات التي وردت فيهم كثيرًا وليس كما عند الأعراب في أربع آيات، وفيها استثناء لماذا لم يدرسوا المنافقين أو يتناولوهم كما تناولوا الأعراب وهذا ميل عاطفي أيضًا وهي سترى النور قريبًا بإذن الله.
* مسؤولية القناة الثقافية كبيرة، وهي تسير بخطى ثابتة.
– ما رأيكم بالحراك الذي تقدمه القناة الثقافية، ما رسالتكم لها؟
القناة الثقافية لم أطلع عليها كثيرًا ولا متابعة كما تابعتها في المرحلة الأولى، والسبب في ذلك أن رحلاتي تعددت وإقامتي أصبحت قليلة ووقتي أكون مشغولًا به في كتابة بحوث ودراسات، لكنني أطلع أعليها قليلًا وأرى أنها تريد لنفسها أن تكون أكثر اتساعًا من ذي قبل وأن تحقق رؤية ٢٠٣٠ وهذا سيرهقها بحق؛ لأنها يجب ألا تتعب وأن تكون وعاءً تغطي كل الجوانب الإبداعية والفنية والشعبية وبقية سائر الفنون وأنا على يقين أنها ستصنع ذلك بإذن الله.
* كلمة تختم بها حوارنا الماتع.
أشكر لك أخي عبد العزيز هذا الحوار، ولك وافر التقدير، ولأخي الأستاذ الدكتور القدير أحمد الهلالي كل محبة، ومعه هذه الكوكبة التي تدير هذه المجلة الإبداعية، التي سبقت مجلات إلكترونية أخرى، لكم التحية جميعًا وقد اطلعت على هذه المجموعة الكبيرة التي تدير هذه المجلة، وهي لجان متعددة فيما أعتقد أنهم تجاوزوا الخمسين فردًا لكم التحية مرة أخرى.
التعليقات