مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

شموع الحميد  صنعت من الإنسان للإنسان، فالعمارة والإنسان مرتبطان، لا أطلق على الع …

قصة مكان

منذ 9 أشهر

183

0

شموع الحميد 

صنعت من الإنسان للإنسان، فالعمارة والإنسان مرتبطان، لا أطلق على العمارة عمارة إذا لم ترتبط بالإنسان، فعند ذكر العمارة تخطر ببالنا مجموعة من الكلمات الوجدانية مثل العائلة، الدفء، الملجأ والأمان. حيث إنها مرآة الإنسان، فإذا نظرنا إلى جذور العمارة نرى أنها بالأصل كانت لحمايتنا من المطر والشمس والحيوانات البرية، أو لإعطائنا شعورًا بالراحة والخصوصية والإحساس بالملكية، فهي أكثر من مجرد تشييد وتصميم المباني، بل فن وعلم بين الهندسة والجمال ويعكس ثقافة وتاريخ ورحلة الشعوب، أيضًا حول الناس الذين يعيشون ويعملون بداخلها وكيف تؤثر هذه المباني على سلوكياتهم اليومية وحياتهم بشكل عام، وفهم الكثير من القيم والأفكار والأنماط الحياتية والاقتصادية التي سادت في حقب زمنية مختلفة.

فتعود جذور العمارة إلى بدايات الحضارة الإنسانية، فبدأت بالأكواخ والملاجئ البدائية في العصور الحجرية ثم تطور الأمر في الحضارات القديمة ابتداء من عمارة بلاد الرافدين التي بدأت منذ خمسة آلاف عام، منذ الحضارة السومرية وصولًا للحضارة الآشورية، لكن الحضارة السومرية كانت الأبرز وامتازت بالطوب الدائري لتصميم وبناء الممالك والإمبراطوريات، حيث ساهمت ثلاثة عوامل في العمارة وهي الأمور السياسية لكثرة الحروب في هذه الفترة، والأمور الدينية، حيث كانت مقترنة بالأمور السياسية وأخيرًا المناخ والجغرافيا للمكان، أما العمارة المصرية الفرعونية فبدأت مع العصر العتيق قبل ٣١٠٠ قبل الميلاد، حيث اعتمدت على الطين للأماكن القريبة من النهر، أما القصور من الأحجار سواء الجيري أو الجرانيت أو المرمر أو الرملي، اعتمدت أولًا على القصب والبردي وسعف النخيل نظرًا لتوفرها، أما العمارة اليونانية ازدهرت لفتره من حوالي ٩٠٠ قبل الميلاد حتى القرن الأول الميلادي، فتعد مصدرًا من مصادر الإلهام، فقد أثرت على الطرز حتى وقتنا الحالي، فكانت بدايتها عبارة عن أعمدة قائمة تحمل العتبات تبنى بالحجارة كما استخدم الرخام لوفرته وساعد ذلك بالزخرفة عليها، أما العمارة الرومانية بدأت عام ٣٠٠ بعد الميلاد ولوفرة الحجر والرخام والخشب ومصادر الرمل والأسمنت الطبيعي فيها، وُجدت المباني ذات الطوابق هناك بكثرة واستخدموا الأقواس والأبواب والقباب، أما العمارة في العصور الوسطى ارتبطت بالكنائس، كما أنه أيضًا أطلق عليه عصر القلاع المحصنة لتوفير الحماية من الغزاة، أما العمارة البيزنطية تميزت بالقبب، لكنها كانت فوق أشكال مربعة ومثمنة في المسقط بدلًا من الأقبية الأسطوانية التي كانت سائدة سابقًا واستخدام القبب الأخف وزنًا، أما العمارة الإسلامية فكان انتشار الإسلام على رقعة كبيرة، حيث امتدت من الصين إلى الأندلس؛ ما أكسبها صفات مميزة، فتعد المساجد من أبرز المعالم المعمارية؛ لأنها لم تكن تقتصر على العبادة فقط، بل كانت مراكز للعلم ومراكز اجتماعية وإدارية لتشاور المسلمين بأمورهم.

أما عصر النهضة عاد للاهتمام بالتفاصيل الجميلة، وصولًا للقرن العشرين الذي أحدث تحولًا كبيرًا في مجال العمارة، حيث سميت بالعمارة الحديثة لتركيزها على الوظيفة والبساطة وتتناسب مع احتياجات الإنسان، فكل حقبة تاريخية عكست أسلوبًا معماريًّا مميزًا وخاصّا يعكس احتياجات ومتطلبات تلك الفترة، فهو حوار مستمر غير منقطع بين الإنسان وبيئته وبين ماضيه وحاضره وحاجته وابتكار ما يسهل حياته، فيختلف هذا النتاج باختلاف الزمان والمكان.

فالعمارة والتراث العمراني مترابطان؛ لأن العمارة سجل مادي للتاريخ، حيث تعكس جزءًا أساسيًّا من التراث الثقافي وتعكس القيم والتقاليد المجتمعية والجمالية التي تتجسد بالمباني التي خلفتها الأجيال جيلًا بعد جيل، وتجمع بين التاريخ والفن والهندسة والثقافة، فهي ميدان غني ومعقد يتطلب أفكارًا وجهودًا للحفاظ عليها من خلال التوثيق والحفاظ على التراث العمراني؛ لكي تمكن الأجيال القادمة من فهم الأجيال السابقة، أيضًا تحقق إلهامًا ومصدرًا لكل معماري ليستلهم أفكارًا إبداعية ودمجها بالعمارة المعاصرة، كما كان أمر الحفاظ عليها مسؤولية جماعية تتطلب التعاون لضمان بقاء هذه الكنوز المعمارية للأجيال القادمة وتكون رمز تراثيًا وتعكس نضال أجدادهم في الأيام السابقة.

صورة صدر المقال للفنان جون فريدريك لويس من مجموعة متحف فرحات (1779-1856). 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود