صالح باظفاري*

قال تعالى:

{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} . (سورة آية 6)

عندما قسم الفلكيون العرب أفقيات المحيط ووضع خطوط التقاء بين السماء والأرض، صاغ بعض ملاحي الإرشادات الملاحية التي توضح الرحلات البحرية بأسلوب شيق وجميل. 

وكون أن الدائرة في التقسيم البحري تنقسم إلى سبعة أقسام، كما ورد عند الشيخ سليمان المهري، التزم الجميع بذلك، وعلى ضوء ذلك تم إنشاء المقطوعات الشعرية.. وقد قسمت النجوم في الديرة البحرية على النحو التالي، حسب الدائرة العربية المحصورة بين قطب الجاه (الشمال) وقطب سهيل (الجنوب) أنا من ناحية الشرق مطالع الكواكب الآتية بالترتيب من الشمال إلى الجنوب:

الفرقد – النعش الناقة – العيوق – الواقع السماك

الثريا – الطائر – الجوزاء – النير الإكليل – العقرب الحمارين – سهيل – السليبار.

ومن الإرشادات المواكبة للنجوم البحرية والبرية الخاصة بالنجوم الفلكية، قصيدة الشاعر أحمد محمد الحمدان العضيدان رحمة الله عليه.. بقوله:

فسبحان من هذا بأمره وقدرته

جل وتعالى منزل الكهف والزمر

الشمس كوكب والكواكب عديدة

الأرض والزهرة وعطارد ولا أحصر

وأورانوس وبلوتو ونبتون أعدهن

وزحل بجنب المشترى صف بالسطر

ومن قبله المريخ ما أنساه يا فتى

وتسعة كواكب شمسهن نورها انتشر

ونيازكن ونجوم وأقمار بالسما

مختلفة الأحجام بالكبر والصغر

كواكبن تدور بالکون دایره

حنا حسبناهن وهن يفنن البشر

ومن تلك الأبيات التي تظهر لنا جدول النجوم ودورها أيضا قوله:

قالوه بالأمثال من ماضي الدهر

ثلاثة كواكب سبعة أقدام ظلها

يذكر لنا فيها ترى يتربل النظر

وتهاجر الحداة إلى الغور والرخم

وجسم المسافر فيه ملزوم يقشعر

والنمل صار بباطن الأرض واستقر

ويلقط به الزيتون بالشام ينعصر

ثم الزباني وأعرف القوس برجها

نجمين بانن واضحات لمن نظر

إلى مضى سبع وأكدت حسبهن

من الزباني أعرف الوسم قد ظهر

وإلى أنتهن فاعرف خريفك ترى انتهى

وفي نوها يشتد البرد والمطر

كملت أنا بروج الخريف ونجومه

وجاك الشتاء يقلب على البطن والظهر

أولهن الأكليل ثلاثة أنجمه

مصطفة معترضة تقصد القشر

هي المربعانية ويسقط بها الورق

ودخان جوف المرء يخرج إلى زفر

وفي عام 1805م وضع الملاح الشيخ سعيد بن سالم باطايع منظومته الثانية، التي يصف فيها السفر من ميناء مسقط العماني إلى ميناء المخا اليمني، وقد بدأ منظومته بقوله:

يا الله يـــــارب = أدعوك يا خير مطلب

تعطي وتوهب = ســــــالك بخير البرية

رحيم قدوس = اكشف لنا الهم والبؤس

في هذه الروس = نعبر باخلاص نيه

ويستمر الملاح باطايع في وصفه للمجاري من مسقط إلى المخا، فيقول:

من تحت صـــيره = الفلك قد جد سيره

ربــه خبــــــيـــره = ينظر بعين العنــيـة

والقبض في التير = ساعه وهاك التفاسير

لا تسمع الغيــــر = يا صاح خذها وصيه

والعقــرب الآن = مجراك منها لسيلان

تشوف شمسان = بندر عدن سلطنيه

باب اليمن جاك = ميون ترجع بيسراك

والله يرعــــــاك = والقبض بنجم الثرية

وهذه من أعراف جنوب الجزيرة العربية والخليج في علوم البحار، وكيفية إرشاد الطريق عبر النجوم، وهي طرق ملاحية تقليدية تعتمد على معرفة وثيقة أصول علم الفلك والاهتداء بالنجوم ومجموعاتها، وقياس ميل الشمس في البروج وبمنازل القمر وطلوعها وغروبها على تقويم النيروز. 

أما في منظومته الأولى التي وضعها سنة 1802م كانت وصفًا للملاحة الفلكيه من سيحوت بالمهرة إلى جزيرة زنجبار في شرق أفريقيا، حوت على تسع وعشرين رباعية نقطف منها بعض الأبيات، بقوله:

يا رب سالك تسهل ما عســر = على عبيدك وسط بحراً وبـــر

بجاه طه الـــنبي خير البـشــــر = رحيم قدوس سالك يا ســلام

وبعد يا صاح اسمع ما نـقـــول = لا غابت الشمس صلوا ع الرســول

نقـــول يالله بتوبــه والقــــبول = اغفر وسامح وسهل في الكـلام

سيحوت منها شمرنا بالعشـــي = من بعد ما قد قضيـــــنا كل شــي

والقبض في مطلع العقـرب وفي = من بعد ليــــــله نـوفي كــل زام

نجم الحمارين هب الغيث يوم = شف ليلتك باتبين لك رســــــوم

اوضاح بعده ثلاثه في النجوم = وعبد الكوري تظهــــــر لك تمام

جاك حافون يأتيك عالي مرتفع = من بعد ما قد تأخر لك دفــــــع

سهيل الأخضر قبضه واستمع = مولى الدرك يحتكم لا ينــــام

وقد لاحظنا تكرار كلمة الزام في معظم المقطوعات البحرية، والزام في عرف علم الملاحة البحرية هو قطع جزء من ثمانية أجزاء من مسافة يوم وليلة، قال الشيخ سليمان المهري: ينقسم الزام إلى قسمين، أحدهما الزام العرفي وهو المعروف عند العامة بربع النهار أو الليل وهو ثلاث ساعات زمانية، والثاني الزام الاصطلاحي، وهو الذي اصطلحه معالمة البحر لضبط علومهم البحرية.

كلنا يعلم أهمية النجوم الثمانية والخمسين، الأعراف الملاحية والفلكية من بين ما يقرب من 6000 نجم مرئي للعين المجردة، وهي تعتبر من النجوم المختارة من بين ألمع النجوم، وتمتد عبر ثمانية وثلاثين كوكبة من المجال السماوي من الميل 70 درجة جنوبًا إلى 89 درجة شمالًا. تم تسمية الكثير من النجوم في العصور القديمة من قبل العرب والبابليين واليونانيين والرومان.

* كاتب يمني