مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

د.هاني الغيتاوي* في كتابي “تأملات الفكر والخاطر”، كتبت قائلًا:” …

الأم التي بسببها أبغض شوبنهاور كل النساء                                             

منذ 6 أشهر

263

0

د.هاني الغيتاوي*

في كتابي “تأملات الفكر والخاطر”، كتبت قائلًا:” إن أكبر استحقاق في الدنيا لأي امرأة هو أن تكون أمًا، فالأمومة رمز الحياة المقدس، وهي أساس الوجود كله، والدنيا والوجود معناهما كله يُختزل في الأمومة”. 

فالأمومة هي أحد أهم العوامل تأثيرًا على حياة الإنسان، بل المخلوقات كلها، فالأمومة ليست غريزة عادية، فهي المساهم الأكبر في تشكيل الحالة الوجدانية والنفسية للإنسان منذ ولادته حتى وصوله لخط النهاية؛ وذلك لما تنطوي عليه من تأثير في تحديد العوامل النفسية التي تضطلع بتكوين شخصية هذا الإنسان، ومساهمتها تتراوح بين الإيجاب والسلب، فتواجدها الطبيعي يترتب عليه وجود نفسية طبيعية وسليمة للإنسان، وفقدانها وغيابها يؤدي إلى وجود نفسية مختلة وغير سوية له.

وكل الناس تتأثر إيجابًا أو سلبًا بهذه الطبيعة الإنسانية للغريزة، والأدباء والفلاسفة من الناس، غير ما هنالك أنه يوجد خصوصية في تناول العلاقة بين تأثير هذه الغريزة على الأديب والفيلسوف إيجابًا أو سلبًا، نظرًا لما أنتجته هذه العلاقة من تجربة إنسانية وإبداعية للأديب والفيلسوف، هذه العلاقة لا يمكن وضعها في نسق أحادي، فهناك أمثلة إيجابية متعددة لأمهات تركن أثرًا إيجابيًا في حياة أبنائهن، أما في هذه المقالة فسوف أسلط الضوء على الأم التي أنجبت فيلسوفًا يعتبر حالة فريدة من نوعها من حيث نسقه الفكري القائم على التشاؤم المطلق، هي أم الفيلسوف الألماني “آرثر شوبنهاور” الذي كره كل النساء بسببها، فهي التي جعلته يكن البغض والشنآن على كل النساء، فالفيلسوف الذي رأى بعينيه جثة أبيه التي سقطت من أعلى سقيفة البيت، الأقرب للحقيقة أنه كان انتحارًا، وقد خلف هذا الحادث في نفس شوبنهاور الاكتئاب والتشاؤم الشديدين، وكان شوبنهاور في هذا الوقت ما زال شابًا صغيرًا في مقتبل الحياة لتستغرقه هذه الكآبة المفرطة التي بلغت منتهاها مع تدهور علاقته بأمه، التي راحت تنطلق في الحياة غير آبهة لموت زوجها، بل تمادت في الانفتاح في علاقتها غير مراعية لعادات ولا تقاليد اجتماعية وفق ما كان معمول به في المجتمع الألماني وقتذاك، هذا التحرر للأم سبب لشوبنهاور صدمة عنيفة زادت عنده الكآبة حد الذروة، واستسلم لليأس الذي راح ينخر في روحه ووجدانه، والذي انعكس على كل حياته وعلاقاته الإنسانية والعملية، ففي عمله لم يحظ بأي علاقات هادئة أو مريحة، حتى في جامعته التي كان يعمل بالتدريس فيها لم يعجب أحد به ولا بأفكاره وكتاباته، وكان من جراء ذلك أنه فشل كأكاديمي؛ الأمر الذي دفعه إلى الانطوائية والانعزال يعاني طوال عمره من التشاؤم واليأس والاكتئاب.

كانت أم شوبنهاور هي السبب في هذا المزاج اليائس والفكر التشاؤمي، فبنزقها واختيارها الحرية المطلقة أودت بابنها إلى هذا المصير، فقد ولت ظهرها للعادات والتقاليد، وراحت تمارس كل ما يحلو لها، تفتح صالونًا أدبيًا، يتردد عليه الأدباء والشعراء، ومنهم الكاتب الكبير “يوهان جوته” وتغدو من أصدقائه المقربين، غير مكترثة لابنها الذي حنق عليها، يقول شوبنهاور “كنت في السابعة عشرة من عمري، دون تعليم مدرسي نظامي، جذبني بؤس الحياة، وكانت الحقيقة التي اكتشفتها مبكرًا أن هذا العالم لا يمكن أن يكون نتاجًا لكائن محب، بل كائن شرير أوجد الخلق كي يبتهج لمرأى معاناتهم”. 

وعندما التقى “جوته” بشوبنهاور، ذكر انطباعه عنه قائلًا “بدا الشاب بشوبنهاور لي شابًا غريبًا مثيرًا للاهتمام”. 

وتسير حياة شوبنهاور محملة بهذا الاكتئاب والتشاؤم، فيقرر أن يكون فيلسوفًا “الحياة عمل مؤسف، وقد توصلت إلى قرار بوجوب قضائها في التأمل”. 

يكتب شوبنهاور أشهر كتبه “العالم إرادة وتمثلًا” وعند انتهائه منه يدفع به لدار نشر، وافق الناشر على نشر الكتاب ليس لقيمة الكتاب أو مؤلفه؛ بل تقديرًا لوالدته التي كان الناشر يطبع قصصها، آلم ذلك شوبنهاور أيما إيلام، وكان الإيلام الأكبر الذي عمق تشاؤمه ويأسه وبغضه لأمه، قول الناشر له عندما أخفق الكتاب في تحقيق مبيعات “عليك بالاتجاه إلى كتابة القصص كما تفعل والدتك، عسى أن تحظى بالقبول والاهتمام”. 

عندما فكر شوبنهاور في الحب ووقع بالفعل في غرام فتاة تدعى “كارولين ميدون”، ظلت علاقته بها مضطربة طوال معرفته بها، والتي قاربت العقد من الزمان، لم يفكر شوبنهاور في الزواج منها ليس لأنه لا يريد ذلك، بل لكونه يرى أن الزواج يعني ( الاشمئزاز)، يقول شوبنهاور “أن تتزوج يعني فعل كل ما يمكن ليصبح كل طرف موضع اشمئزاز الآخر”. 

وبشكل عام، فإن تصور شوبنهاور عن النساء كان تصورًا مشوشًا نابعًا من علاقته بأمه التي كان يكن لها البغض والشنآن، يقول عن النساء “إنما النساء خلقن فقط من أجل استمرار الجنس البشري، وإن كل استعداداتهن تتركز حول هذه المسألة، فإنهن يحيين النوع أكثر ما يحيين من أجل الأفراد”. 

وهذا الاعتقاد الذي تبناه بأن النساء لهم وظيفة محددة وهي حفظ النوع فقط، دون أن يكون لهم أي دور في حياة غيرهن، كان السبب فيه هي أمه التي أوصلته إلى كره كل النساء جميعًا، فالمرأة في نظر شوبنهاور هي السبب في شقاء الإنسان وعذابه.

*كاتب مصري

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود