الأكثر مشاهدة

إعداد_سلوى الأنصاري تبلور الضمير الإنساني في اتجاهات الثقافة، وتجلى في شواهد مخت …

الضمير.. صوت الاحتفاء وصدى الأدباء  

منذ 6 أشهر

876

11

إعداد_سلوى الأنصاري

تبلور الضمير الإنساني في اتجاهات الثقافة، وتجلى في شواهد مختلفة من المعاني التي جاءت في تعريفات إبداعية متنوعة، وردت في كتابات الأدباء وترسخت في بصمات المثقفين. 

وعندما نتحدث عن الضمير، فهو ذلك الفعل المنير  والسلوك  القويم الراقي المستنير، يشع ضياؤه في الدواخل  لترتكز عليه الظواهر والبواطن.

يتجلى في المواقف فتضرب جذوره في الأفعال وكل شؤون  الخلق باختلاف الأماكن، هو المبتدأ لكل خير  والخبر لكل يقين  ومصنع الفضل والفضائل، وصائغ النبل في الدواخل، قالت العرب عن الضمير الكثير من الحكم والأقوال التي تعبر عن أهميته في حياة الإنسان. من بين الأقوال المشهورة:

“الضمير هو نور الله في الإنسان”. 

في هذا القول نجد الضمير يمثل  البوصلة الموجهة للإنسان، فيعرف من خلالها طرقات الحق  والخير  ليتمكن من المرور بها، وفي قول آخر:

“الضمير صوت هادئ، لكنه يخبرك دائمًا بالصحيح والخطأ”. 

فنجد هذا القول يرشدنا إلى أن الضمير يظل الدليل ولو كان صوته خافتًا فقوته لا يستهان بها.

وقيل أيضًا:

“الضمير هو السور الذي يحمي الأخلاق”. 

فيعكس لنا هذا القول أن الضمير يحافظ على القيم النبيلة والأخلاق الرفيعة في دواخل الإنسان، فهو ترياق يستطاب به عندما تصاب الأخلاق بالوهن والضعف.

ومن الأقوال أيضًا: 

“الضمير لا يمنعك من فعل الخطأ، لكنه يمنعك من الاستمتاع به”. 

فنجد في هذه المقولة أن الضمير لا يمنعنا ولا يحجبنا عن ارتكاب الأخطاء، لكنه يجعلنا نشعر بالندم وعدم المتعة والاستمتاع بما اقترفناه ونحن مخالفين له.

في هذه الأقوال تتجلى رؤية العرب عن أهمية الضمير كمكوّن  رئيس  في تكوين الشخصيات الإنسانية، وتوجيه سلوكه الصحيح  الذي جبله المولى عليه.

تكلم عنه الأدباء وجال في خطب الفقهاء؛ فهو الفيصل بين الحقيقة والزيف.

 يقول الأديب الفذ عباس محمود العقاد عنه:

“الضمير هو ذلك الشعور الداخلي الذي يحكم على أفعالنا ويسعى لتوجيهنا نحو الفضيلة. إنه مرآة النفس الصافية”. 

وألقى عليه الضوء  الأديب جبران خليل جبران  في تعريفٍ مبسط جمع فيه بين الإيضاح والإيجاز، فيقول:

“الضمير هو البوصلة الداخلية التي توجه الإنسان نحو الخير والحق، حتى في أحلك الأوقات”. 

ويبحر بنا الأديب مصطفى لطفي المنفلوطي في بحره  العذب وأسلوبه الجميل، فيقول عنه:

“الضمير هو ذلك الصوت الهادئ الذي يحدثك عندما تكون وحدك، وهو الحكم الداخلي الذي لا يغفل ولا يتجاهل”. 

أما أديبنا الذي نال من اسمه الحظ الأوفر نجيب محفوظ، فيقول:

“الضمير هو تلك الشعلة التي تنير دروبنا في الظلام، وهو الرفيق الصادق في رحلة الحياة”. 

ويأتي الأديب الهمام صاحب “المعذبون في الأرض” طه حسين، فيعرفه لنا بقلم بسيط لتصل كلماته للجميع كما يريد، فيقول:

“الضمير هو المعلم الخفي الذي يعلمنا الصواب من الخطأ، وهو المرشد الأمين الذي لا يخون”. 

نعم إنه المعلم الحقيقي الذي لا يخون فنجده مستلقيًا في دواخل الأشخاص الصادقين، الأتقياء، الأوفياء.

 ويقول عنه الأديب عبده الأسمري:

 “الضمير هو الصوت المسجوع بالشعور الإنساني والصدى المشفوع بالمسلك الديني”. 

قوامه استشعار الآلام ومقامه استنكار الأخطاء التي تحيط بحياة بشر يشاركوننا العيش في محيط اجتماعي مشترك؛ لذا فإنه يبقى متصلًا ليمد جسور الغوث أو منفصلًا ليهدم أواصر العون أو مستترًا ليؤكد سوءات الخذلان في أعماق النفس الإنسانية، يكمن ضوء خفي لا يراه أحد ولا يسمعه إلا صاحبه؛ إنه صوت الضمير، تلك القوة الصامتة التي تهمس لنا في لحظات السكون والازدحام على حد سواء.

 منذ بدء الخليقة، كان الحارس الأمين على نقاء الروح، والميزان العادل الذي لا يميل، مهما طغت الأهواء وتشابكت الرغبات.

وقد تغنى به الشعراء في قصائدهم وتناولوا موضوعه بشكل مباشر أو غير مباشر، تعبيرًا منهم عن أهميته في حياة البشرية، وعظيم أثره على السلوك والأخلاق الإنسانية.

فيقول عنه الإمام الشافعي في قصيدته “دع الأيام”:

دع الأيام تفعل ما تشاء .. وطب نفسًا إذا حكم القضاء

ولا تجزع لحادثة الليالي .. فما لحوادث الدنيا بقاء

وكن رجلًا على الأهوال جلدًا .. وشيمتك السماحة والوفاء

وإن كثرت عيوبك في البرايا .. وسرك أن يكون لها غطاء

تستر بالسخاء فكل عيبٍ .. يغطيه كما قيل السخاء

ولا ترج السماحة من بخيلٍ .. فما في النار للظمآن ماء

ورزقك ليس ينقصه التأني .. وليس يزيد في الرزق العناء

“`

ويقول أبو الطيب المتنبي من قصيدته “إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ”:

“`

إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ .. فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ

فطَعمُ الموتِ في أمرٍ حقيرٍ .. كطَعمِ الموتِ في أمرٍ عظيمِ

يرى الجُبناءُ أن العجزَ عقلٌ .. وتلكَ خديعةُ الطبعِ اللئيمِ

وكلُ شجاعةٍ في المرءِ تُغني .. ولا مثلَ الشجاعةِ في الحكيمِ

وكم من عائبٍ قولًا صحيحًا .. وآفتُهُ من الفهمِ السقيمِ

ولكن تأخذُ الآذانُ منهُ .. على قدرِ القرائحِ والعلومِ

ويقول في قصيدة أخرى:

على قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائم .. وتأتي على قدرِ الكرامِ المكارمُ

وتكبرُ في عينِ الصغيرِ صغارها .. وتصغرُ في عينِ العظيمِ العظائمُ

ويقول في أخرى:

إذا كانَتِ النفوسُ كبارًا .. تعبتْ في مرادِها الأجسامُ

“`

ويتغنى الشاعر المرهف أحمد شوقي بذات الموضوع في إحدى قصائده فيقول في قصيدته “قم للمعلم وفه التبجيلا”:

وإذا المعلم لم يكن عدلًا مشى .. روح العدالة في الشباب ضئيلا

وإذا أتى الإرشاد من سبب الهوى .. ومن الغرور فسمِّهِ التضليلا

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم .. فأقم عليهم مأتمًا وعويلا

“`

ونجده يفرض نفسه على الأدب والأدباء والعلم والعلماء في الأدب العالمي، فسطروا الكثير عنه وجعلوه ثريًّا في سمائهم، وما هذه الأقوال  إلا تعبيرًا  عن تنوع الرؤى حول مفهومه وأهميته في تشكيل السلوك والأخلاق الإنسانية بمختلف الديانات وباختلاف البلدان.

ممن كتب عنه، جان جاك روسو فقال:

 “الضمير هو صوت الروح، والشهوة هي صوت الجسد”. 

اما إيمانويل كانت فيقول:

“الضمير هو تلك الدائرة الداخلية التي تجعلنا نرى الخطأ في سلوكنا وتصححه”. 

ويقول ماركوس أوريليوس:

“الضمير هو حكم الإنسان على نفسه، وليس حكم الآخرين عليه”. 

ويعبر عنه كذلك توماس جيفرسون فيقول:

“الضمير هو القاضي الأكثر دقة وإنصافًا الذي لن نتجنب حكمه”. 

أما فيكتور هوغو فيكتب عنه قائلًا:

“لا شيء أفضل من صوت الضمير ليكون حارسًا على الفضيلة”. 

ويبحر سيغموند فرويد في حروفه ويكتب لنا كلمات موجزة فيقول:

“الضمير هو صوت العقل الموجه والمتحكم في غريزة الإنسان”. 

علينا أن ندرك جميعًا أن هذا الصوت الداخلي ما هو إلا بوصلة توجهنا، وتقودنا نحو الحقيقة وتبعدنا عن المآزق لنصل إلى المآرب.

إنه جوهر الإنسانية ومصدر القيم الأخلاقية.

هو ذلك الشعور العميق الصادق الذي يشعرنا بالاتزان والاطمئنان، فينبعث من أعماق الروح، ليمنحنا السكينة والانسجام في زمن تتلاشى فيه الحدود بين الحقيقة والرذيلة، فيبقى هو النجم اللامع الذي لا يضل من يهتدي به، والمرآة الصافية التي تعكس نقاء النفوس وصدقها.

إن الحفاظ عليه حيًّا ونقيًّا هو الطريق  إلى تحقيق السلام الداخلي والتوافق مع الذات والروح، وهو الأداة التي تمنح الحياة معنى وقيمة.

وتكمن قوته في القدرة على تحويل العالم ومعالم الروح الى أيقونة يستضاء بها، فلا بد لنا من أن نجعل ضمائرنا شعارًا نرتديه ليقينا من براثن الزلل، ونحمله مصابيح تضيء لنا طرقات الفضيلة؛ لتكشف لنا أزقة الرذيلة.

فهو مارد جاثم في دواخلنا يتشكل من خلال مجموعة من العوامل، منها التعاليم الدينية التربية المنزلية، والتجارب الشخصية القوانين الاجتماعية، والثوابث الأخلاقية؛ فيلعب دورًا مهمًا في حياة كل إنسان على وجه البسيطة، إذ إنه يعتبر الموجه الذي يساعدنا في التمييز بين الخير والشر، ويمنحنا  الإحساس بالراحة والاطمئنان بعد القيام بأي عمل من الأعمال الصالحة، أو الانزعاج وعدم الارتياح عند القيام بأي عمل مخالف للشريعة.

الضمير  أيها السيدات والسادة  يبقى متصلًا مع الإنسان في أسمى تجلياته ومنفصلًا في أحقر صفاته، ومستترًا عند ضعفه أمام شهواته، فكن متصلًا به دومًا لترفل بين الصواب والحقيقة، والعدل والعدالة والسلامة والبراءة، وعندما ينفصل الضمير عن الإنسانية، تتعطل بوصلة الأخلاق وتتمزق القيم التي تميز بين الصواب والخطأ، والنور والظلام، فتتأرجح القيم حتى تسقط في الهاوية فيصبح الفرد عرضة لاتخاذ قرارات مائعة وأفعال غير أخلاقية أو ضارة بالآخرين، دون أن يشعر بأي تأنيب أو ندم.

وبانفصاله تتدهور العلاقات الشخصية المبنية على الثقة والاحترام فتتأثر سلبًا؛ إذ يصبح من السهل على الإنسان أن يخون الأمانة، ويغدر بالآخرين، ويتخلى عن التزاماته دون أن يشعر بأي ذنب؛ فينمو الشك وتتآكل الثقة، وتتجاوز أفعاله حدود القبول الاجتماعي والأخلاقي، ويتحول إلى كائن جشع لا يريد سوى تحقيق مآربه الخاصة بأي طريقة.

 في هذا العالم المظلم المنفصل عن القيم والأخلاق، لا مكان للعطاء ولا للتضحية، لا مكان للحب والبذل وتحقيق الأمنيّة ما هو إلا عالم تسوده المصلحة الذاتية والانحرافات السلوكية.

وباستتاره تتغلغل الأنانية والفساد في نفوس البشر، ويتدهور النسيج الاجتماعي، وتتفشى الانحرافات الأخلاقية. يتلاشى الاحترام المتبادل، ويصبح الغدر متداولًا ويحل الجشع والانتهازية ويرحل كل عادل، فتضيع مبادئ العدالة والمساواة، ويصبح الوفاء عملة نادرة في زمن الانفصال والاستتار.

في نهاية المطاف، الضمير ما هو إلا ذلك الحارس الأمين الذي لا يتوقف عن الطنين في آذان السنين، فيضمن لنا العيش بكرامة ونزاهة.

عندما ينفصل عن الإنسان، يفقد الإنسان جزءًا كبيرًا من إنسانيته وتوازنه الداخلي ويرحل عنه السلام بسلام.

إن انفصاله أو استتاره في بعض المواقف ليس مجرد فقدان لصوت خفي، بل هو مأساة تجر وراءها انحدار الأخلاق وانهيار القيم.

فلنحافظ على ضمائرنا حية يقظة، لتبقى إنسانيتنا نابضة بالحياة، ونمضي في دروبنا بنور الحق والخير واليقين بضمير متصل، بعيدًا عن الانفصال أو الاستتار.

التعليقات

  1. يقول نهى علي الأنصاري:

    الله الله مقال في منتهى الروعه
    أقول لك هنيئاً لكِ هذا النور الذي وهبكِ الله إياه( إلا وهو نور البصيره ) لِتُنِيري دروب الكثير من حولك فما أن يشعرون بالصراع الداخلي بين الخطأ والصواب في دواخلهم إلا وتأتي بنصائحك كالبوصله فيتمكنون من خلالها المرور
    فأسمحي لي أستاذتي الفاضله
    بأن أُسمِكِ ( بالبوصلة الصادقة)
    فمقالك لامس قلبي 🤍

  2. يقول صالح دردير:

    ماشاءالله تبارك الرحمن
    مقال متتلئ نضج وكم معرفي جميييييييل
    ابدعتي اختنا استاذة سلوى
    ومزبدا من التألق

  3. يقول محمد العطوي:

    مقال قيم جدا. جمعت فيه أطراف الحكمة وتجارب الادباء والشعراء. شكرا لهذا الجهد العظيم.

  4. يقول هند إبراهيم:

    ماشاء الله تبارك الله كلام رنان ورائع من رائعة✨
    بل هو قمة في الروعة
    (إنه جوهر الإنسانية ومصدر القيم الأخلاقية.)

    هذه الكلمات علقت في الذهن كتوقيع لمقالتك أستاذتنا الفاضلة سلوى الأنصاري🌟

  5. يقول الكاتب والروائي علي الفشني:

    مقال فاق كل وصف مقال بليغ رسم ملامح الضمير الإنساني وصدي صوته في الإنسانية وسطوته في الحفاظ على التوازن الأخلاقي وبقاء الحياة واستقامتها سلمت أناملك أستاذة سلوى وفي انتظار المزيد بلهفة لنلتقي في مقال جديد نرتقي به

  6. يقول فاطمة الصباح:

    سلِم البيان

    أبدعتِ في مساحة الضمير وكيف له أن يتشكل في دواخلنا فيصنع الفرق ويرسم الشخصية

  7. يقول عبير الشامان:

    سلمت الانامل مبدعتي ورفيقة دربي حفظك الله

  8. يقول د. ياسر مرزوق:

    من أجمل ما قرأت عن “الضمير”؛ هذه المفردة المتفردة توجيهًا ونقدًا وإعادة ترتيب لكل سلوكياتنا الظاهرة منها والباطنة.
    دام الطرح، وسلم الفكر والبنان أ.سلوى.

  9. يقول منال صقير:

    اناقة حروفك التي اقف منبهرة بجمالها وتناسقها
    كما عهدتك مبدعه ✨

  10. يقول حامد العباسي:

    كتب الكاتب والإعلامي حامد العباسي:

    قرأت بعمق هذا الاستطلاع أو هذا البحث أو هذا الاستقصاء عن الضمير، الذي أعدته الكاتبة سلوى الأنصاري، وما أدراكم ماالضمير، إنه (المبتدأ لكل خير، والخبر لكل يقين)، كما عرفته الكاتبة في مستهل هذه المادة الثرية جدا، الدسمة بكل أنواع وتنوع المعرفة لهذه المادة الصحفية الرائعة، كما أن التقاط المقولات من هنا وهناك التي تسلط بؤرة الضوء على عمق الموضوع، مع إضفاء الحراك الإنساني بوجود ضيوف آخرين معاصرين، أدلوا بأقوالهم، مع إضفاء لمسات كتابية من قلم الكاتبة..
    كل هذا أعطى زخما رائعا جدا للموضوع..
    شكرا للكاتبة من الأعماق، والتي عرفناها بنشاطها المتقد منذ انضمامها لكوكب (فرقد) المضيء عبر هذه المجلة الإبداعية الرائدة.

    حامد العباسي
    مدير تحرير مجلة فرقد الإبداعية ونائب رئيس التحرير سابقا.

  11. يقول هيجه البلوي:

    مع انه موجود في دواخلنا وكثيرا ماكان المتحكم في تصرفاتنا فيحثنا احينا ويزجرنا اخرى الى انني كنت اطيعه دون محاولة البحث عن ماهيته او التعمق في تفاصيله الى ان قرأت مقالتك الابداعيه التي جعلتني انظراليه كما لوكان شخصا ملموسا يقف معي جنبا لجنب راقية في طرحك كما انتي دائما سلوى الانصاري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود