49
043
0112
0109
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11911
06177
06085
05928
05038
5عاطف محمد عبد المجيد*
بداية يؤكد د. سعيد توفيق أن كتابه “الفن والإبداع” الصادر عن دار رؤية للنشر والتوزيع بالقاهرة، لا يهدف إلى الإحاطة بسائر قضايا الفن وإبداعه؛ لأن هذا الهدف يتطلب موسوعة قائمة بذاتها، كذلك لا يتناول الإبداع في سائر الفنون؛ لأن الإحاطة بمسائل الفن ربما تتطلب كتابًا مسهبًا عن الإبداع في كل فن من الفنون على حدة.
ويذكر الكاتب كذلك أنّ كتابه هذا يقدم ببساطة رؤيته الخاصة لبعض المسائل المتعلقة بالإبداع الفني، وهو ما يقتضي، يقول، النظر بالضرورة في معنى الفن وفي تلقيه ونقده. وهذا الكتاب ينطوي، وفق ما يقول المؤلف، على مناقشة نقدية لوجهات نظر عدة حول الفن والأدب، خاصة في واقعنا الثقافي.
أما ما يميز الكتاب، والقول لمؤلفه، أنه يتناول مسائل الإبداع الفني في مجالات بعضها شديد الندرة في الكتابات العربية، وأخرى تعد جديدة تمامًا عليها.
يذكر توفيق أنّ من المسائل النادرة في الكتابات العربية حول الإبداع في الفنون، تلك التي تتعلق بجماليات الموسيقى، ومن المسائل الجديدة تمامًا تلك التي تتعلق بجماليات السرد الأدبي الفلسفي من خلال رؤية فينومولوجية خاصة في فن السيرة الذاتية. في “الفن والإبداع” يرى توفيق أن المتأمل لواقعنا الثقافي الراهن يستطيع أن يلمس بوضوح أن أحد أعراض أزمته تكمن في وعينا الجمالي، أي في موقفنا من الفن الذي يكشف عن نفسه في فهمنا وتفسيرنا للإبداع الفني ودوره في حياتنا.
الجمال الفني
كذلك يؤكد الكاتب هنا أنه يحق لرجل الدين أن يدلو بدلوه في مسألة الإبداع؛ شرط أن يكون تناوله للمسألة في إطار منطق نظرية الفن والإبداع، وليس في إطار منطق الخطاب الديني أو الأخلاقي أو الوعظي، مشيرًا إلى أنه من المسائل التي ينبغي أن يعيها من يتصدى للإبداع الأدبي أن لغة الأدب ليست لغة تقريرية، أي لا تكون مقصودة لأجل إصدار أحكام على الواقع.
في موضع آخر يرى المؤلف أنه إذا كان الجمال الطبيعي قيمة مستقلة بذاتها فإننا ينبغي أن ننظر إلى الجمال الفني أيضًا على أنه قيمة تُطلب لذاتها ولا تكون أداة لتحقيق أي وظيفة أخرى، حتى إن كانت وظيفة أخلاقية، مؤكدًا أن العمل الفني الإبداعي ينطوي دائمًا على نوع من الأخلاق بمعنى أكثر عمقًا ومغايرًا تمامًا للتصور الأخلاقي السالف للفن، ويرى أن الفن ينبغي أن ينطوي على رسالة أخلاقية أو وعظية كيما يكون فنًّا. كذلك يود أن يقول إن صدق الفن هو ما يجعل الفن العظيم منطويًا على شيء من الروعة والسمو والقداسة، حينما يسعى في ألم إلى الكشف عن لمحات من معاني وجودنا، وحينما يعبر تعبيرًا جماليًّا عن كل صور حياتنا الإنسانية، حتى عن الألم والقبح الذي نجده في حياتنا نفسها.
سعيد توفيق الذي يثبت هنا أن موضوع التلقي الجمالي يكاد يكون الموضوع الأساسي في الدراسات الجمالية المعاصرة، يرى أن التلقي الجمالي ما هو إلا طرح جديد لموضوع تقليدي هو الخبرة الجمالية على مستوى التذوق.
هنا أيضًا يقول إن الفن يقدم لنا صورًا متخيلة وثيقة الصلة بأحداث حياتنا وواقعنا على نحو يستثير مشاعرنا بقوة، بل يجعلنا أحيانًا متوحدين نفسيًّا ووجدانيًّا، وإن الثقافة الفنية تعني أشياء عديدة، فهي ليست شرطًا له بُعد واحد، وإنما هي جملة شروط مترابطة، لكن أول شروط الثقافة الفنية وأهمها هو القدرة على تلقي العمل الفني استنادًا إلى معرفة وخبرة مسبقة تؤهل المتلقي لفهم العمل.
ما الفن؟
غير أنه يؤكد أن المعرفة أو الخبرة المُسبقة لا تعني أن المتلقي للعمل تكون لديه مقولات جاهزة أو أطر نظرية مسبقة يفرضها على العمل ويفسره من خلالها، مشيرًا إلى أن الثقافة الفنية تعني أيضًا فهم السياق التاريخي للعمل الفني.
ومما يصل إليه الكاتب هنا هو أنه من البديهي أن أخلاقيات تأويل العمل الفني لا تعني تفسير العمل تفسيرًا أخلاقيًّا، إنما يعني أن فهمنا وتفسيرنا للعمل له ضوابط ينبغي الالتزام بها، مضيفًا أنه من أخلاقيات الحوار الذي ينبغي أن يتأسس بين المتلقي والنص ألا يتعامل المتلقي مع العمل من خلال نوع من التفكير الأداتي الاستراتيجي الذي يوظف العمل لخدمة أغراض عقائدية أو سياسية أو أيديولوجية، ومن ثم قد يوجهه إلى وجهة قد لا ينطوي عليها أو يشي بها.
وبعد قراءة توفيق لكتاب صلاح قنصوه نظريتي في فلسفة الفن يقول: أما القول بأن الفن يمكن أن يعبر عن الفوضى والاضطراب والخلط، وبذلك يخلو من القصد والمعنى كما يتبدى لنا في فن ما بعد الحداثة، فهو قول مردود عليه: فالتعبير عن الفوضى والاضطراب والخلط يظل تعبيرًا عن معنى من المعاني التي تسود حياتنا المعاصرة.
توفيق متسائلًا ما الفن؟ يجيب بأن هذا سؤال من أصعب الأسئلة الفلسفية على الإطلاق، لأنه يشبه في صعوبته سؤالنا عن معنى الوجود أو الحياة أو الزمان، وما يشبه ذلك من الأسئلة الكبرى التي لا يتوقف عندها عموم الناس، نافيًا عن الفن كونه رسالة أخلاقية أو اجتماعية، لأن في الفن شيئًا ما من عصره وشيئًا ما يتجاوز عصره في الوقت ذاته، فيما يرى أن الفن هو التعبير عن معنى أو حقيقة شيء ما من خلال التشكيل الجمالي في صورة معينة.
شروط الإبداع
أما في معرض تساؤله ما النقد، فيقول المؤلف إن هناك شروطًا يقوم عليها فهم النص، ومن ثم إمكان نقده ولكن هذه الشروط ليست بمثابة قواعد منهجية ولا أطر مسبقة محددة سلفًا، وإنما هي بمثابة ضوابط تحكم أصول وأخلاقيات التأويل الذي يتيح لنا فهم النص والانفتاح على عالمه الخاص.
وفي حديثه عن شروط الإبداع الأدبي يكتب المؤلف قائلًا: إن الإبداع حرية مطلقة لا سقف لها، لكن بشرط أن يكون إبداعًا أولًا، فإبداعية العمل هي التي تهبه حريته وسلطته المطلقة في مقابل أية سلطة أخرى، سواء أكانت سلطة المؤسسة الرسمية أم سلطة الذائقة الشعبية الشائعة والمتوارثة، معددًا من ضرورات الإبداع الأدبي أن يهتم المبدع في المقام الأول ببناء الموضوع الجمالي وتأسيسه داخل بنية عمله الأدبي. في موضع آخر يكتب توفيق قائلًا: إن الظاهرة الموسيقية بطبيعتها ظاهرة بالغة التعقيد، من حيث تاريخها أو نشأتها، ومن حيث آثارها الاجتماعية والتربوية ودلائلها الحضارية والقومية، ومن حيث تنوعها وارتباطها بغيرها من الفنون، والموسيقي لم تنشأ بوصفها فنًّا مستقلًا كالشعر، ومع ذلك، يقول، أصبحت أكثر الفنون استقلالًا.
في كتابه هذا الذي يقول فيه إن الفن يمكن أن يعبر عن كل شيء وأي شيء دون أن يشير إلى أي شيء بعينه، يكتب عن كتابة السيرة الذاتية، عن جماليات السرد الأدبي، عن جماليات الصوت والتعبير الموسيقي، عن الموسيقى والإبداع، وعن قضايا إبداعية وفنية أخرى تستحق التوقف عندها وتأملها والنقاش حول تفاصيلها.
*كاتب مصري
التعليقات