الأكثر مشاهدة

*اكتب بالطريقة التي تريد لكن اكتب ذاتك، وكفى! *هذا السؤال هو الأكثر خطورة بالنسب …

الشاعر محمد إبراهيم يعقوب: أنا تلميذ عاشق للشعر، والمبدع كائن متغير

منذ 7 أشهر

946

0

كتب بالطريقة التي تريد لكن اكتب ذاتك، وكفى!

*هذا السؤال هو الأكثر خطورة بالنسبة لأي مبدعٍ!

*الشعر ليس كلمات أبدًا، هو روح داخل روح.

*الهجس بالعظمة أكثر عقمًا بكثير من العظمة ذاتها.

*القصيدة العمودية كانت تنهار على مستوى التلقّي.

*يحتاج الشعراء إلى التحلّي بفضيلة الضجر.

*متى اطمأنّ مبدعٌ لمنجزه، فقد حُسم أمره.

حوار_هناء الحويصي

سفير الشعر الحكيم، جليل القدر وعالي الذكر، الشاعر: محمد إبراهيم يعقوب، ابن جازان البهية، صاحب النبع الشعري الذي أخرج لنا قصائد لها خلقة جميلة وباهرة في اثني عشر ديوانًا، المحكم لبرنامج المعلقة والفيزيائي الفائز بسبع جوائز منها: جائزة الثبيتي للإبداع 2016م، جائزة شاعر عكاظ 2019م، وجائزة الأدب ضمن الجوائز الثقافية الوطنية لعام 2023م.

سعدنا كثيرًا بهذا الحوار الباذخ شعرًا وفكرًا وفلسفة وأدبًا، نرجو لكم متعة أكثر قراء فرقدنا الإبداعي..

اكتشفت الشعر صدفة!

– ما بين “جازان يا سمرتي الأولى..” و “إنّ أحبار رِقة لم تقلها الفهارس..” من ديوان (ما لا ينسى… ما لا يمر) المجغرف بالشعر، ما أكثر مكان جمعك بكائن الشعر في طفولتك؟

في الحقيقة لم تحظَ طفولتي ـ أو طفولتي الواعية على الأقل ـ بحظٍّ من الشعر، كانت حياتي بسيطةً بعبثيّة غير مبرّرة، علمتني حياة أهلي الصعبة أن أغتبط بمرور يومٍ بعد الآخر بسلامٍ، لم يكن لديّ أهدافٌ كبرى، ولم يكن لديّ متّسعٌ للهجس بذلك. كانت الأيام تتداول بين الدراسة واللعب والبحر بلا مسعى أو غاية. لم ينبّهني أحدٌ إلى وجود كائنٍ خرافيٍّ اسمه الشعر. اكتشفته بالصدفة بعد سنواتٍ من التيه الساذج، ليأخذني إلى تيهٍ أعمق وألذّ.

أما عن ديوان “ما لا يُنسى .. ما لا يمرّ| جازان تتذكّر” فهو تجربة خاصة جدًا، تفرّغت لكتابتها بحبّ، وأتمنى أن قدّمت من خلالها اعترافًا شعريًّا يليق بجازان.

كلما نضجت التجربة أكثر، اتّسعت الرؤية

 –  يرى محمد إبراهيم يعقوب أن “الشعر كائن حي”، وبذلك تذكرنا بفلسفة هايدجر الذي يرى بأن” اللغة كائن حي والشعر قوة تستطيع تغيير شكل الوجود” ما الذي أضافته الفلسفة للقصيدة؟

يرى هايدجر أن اللغة ـ أيّ لغة ـ تتجلّى أكثر ما تتجلّى في الشعر، له كتاب بعنوان إنشاد المنادى يناقش فيه تجربة شاعرين عظيمين هما هولدرلين وتراكل، أليس هولدرلين هذا الشاعر الذي قضى نصف حياته مجنونًا في بيت تسيمير النجار، كان هولدرلين يقول: “ما يبقى يؤسسه الشعراء”.

لا يمكن لشاعرٍ أن يطرح نفسه كفيلسوف، الأمر مختلف، لكنّ النصّ الشعري رغم اتّكائه على ذاته، فالنصّ يصنع وجوده من داخله، رغم ذلك فإنّ كل نصٍّ يريد أن يقول شيئًا ما، وكلما نضجت التجربة أكثر اتّسعت الرؤية ـ أو هذا ما يُفترض على الأقل ـ فيضيء النصّ بدلالاتٍ هي انعكاس هذه التجربة أو تلك.

أما عن الشعر، وكوني أنظر إليه ككائنٍ حيٍّ، فتلك قصّة أخرى. أنا أعتقد يقينًا بالنسبة لعلاقتي أنا بالشعر كما أزعم، أنّ الشعر صديقي أو أخي الأكبر، يطول الحديث بيننا، ونرضى ونختصم. أستند عليه وأعرج به. الشعر ليس كلماتٍ أبدًا، هو روح داخل روح. شغفٌ لا ينتهي، ولا تريد له أن ينتهي.

أنا مع التجريب شرط أن يلامس روحي

 – الفيزياء هي هدم لكل القوالب المعتاد عليها، هل من الممكن أن نرى الشاعر الفيزيائي محمد إبراهيم يعقوب أكثر قبولًا لتجريب قصيدة النثر؟

الفيزياء علمٌ تجريبيٌ تراكميٌّ ـ مثلها مثل كل العلوم التجريبية الأخرى ـ لا تهدم بقدر ما تسعى إلى تشكيل فكرةٍ ممكنةٍ عن هذا الكون، لن تصل ـ رغم النضال العظيم من قبل العلماء على مدى التاريخ ـ إلى تصورٍ تامٍّ وشاملٍ، لكنها محاولاتٌ لا يمكن للإنسان إلا أن يجرّب من خلالها قدرة العقل وحدوده إزاء هذا الوجود الهائل والمعقّد تعقيد الإنسان ذاته.

أما بالنسبة لقصيدة النثر، فدعونا نتفق في البدء أنّ من أهم سمات الفنّ ـ أيّ فنٍّ ـ الاتّساع، والشعر من ألصق الفنون بوجوديّة الإنسان مذ كان يتمتم ويترنّم ويمارس شعائره، إلى أن عبّر عن مشاعر عميقة جعلت منه إنساناً كالحبّ والحنين. أمّا عن أوعية التعبير المتاحة فلن تكفّ عن الاتساع، هي كؤوسٌ يُصبّ فيها ما يصبّ إن ماءً وإن خمرًا. أنا مع التجريب لكني مع ما يلمس روحي أيضًا. أنا مع أن تعرف القواعد جيدًا حتى يتسنّى لك نقدها أو تجاوزها أو كسرها. أنا مع أن تعبّر بالطريقة التي تُرضي روحك، لا أن تُرضي مرحلةً أو جيلًا أو فرصاً أو موجةً عابرة. اكتب بالطريقة التي تريد لكن اكتب ذاتك، وكفى!

الشعر هبة، ولا سبيل لتعلمه!

 – في إجابة لسؤال العوامل التي أثرت على وعيك الشعري، أجبت “عدم تصديق أني شاعر حتى هذه اللحظة” على الرغم من أنك من أكبر وأقدر شعراء العصر الحديث، ما قيمة التواضع على وعي الشاعر؟

أعتقد أن من أهم ما يتحلّى به صاحب صنعة أن يُقدّر الصنعة التي يحيا بها ومن خلالها، ولن أقول يمارسها. أنا أنظر إلى الشعر بقدسيّة عالية. تأخرت في إصدار ديواني الأول لرهبةٍ حقيقيةٍ من أن يُقرن اسمي باسم هذا الكائن الوجوديّ الهائل/ الشعر. هذا ليس تواضعًا أبدًا بل إحساسٌ حقيقيٌّ بالهبة التي يمنحها الله، التي لا سبيل إلى تعلّمها، على عكس كثير من الفنون الأخرى. وإذا تجاوزنا فكرة أكبر وأهم وأعظم الشعراء التي يلبسها بعض المريدين على شعرائهم، أنا ما زلت أتعلّم من الشعر، ومن خلال الشعر، من خلال النصّ الشعري نفسه أتعلّم الكثير كل مرة، وأعدّ نفسي ممن يؤمنون أنّ الهجس بالعظمة أكثر عقمًا بكثير من العظمة ذاتها. أن تشعر أنك لم تفعل شيئًا بعد ما حصلت عليه كونك مختارًا، لن يوازي كل ما تقوم به طوال حياتك تجاه هذه الهبة، وهذا الاختيار. قاسم حداد يقول: “لا تخف من الكمال فلن تصل إليه”، كل ما في الأمر أن تستلذّ أنت كشاعرٍ ـ قبل أيّ قارئ ـ بما تكتب، بما تجرّب، بما تحاول، ولا تُصدّق نفسك إلا لحظة الكتابة ذاتها، ما قبل ذلك لم يعد يعنيك، وما بعد ذلك ليس إلا البدء في استكشاف طرق جديدة لتيهٍ آخر.

أحب كل ما يكتبه السريحي.. إنه يجيد تقليب الحطب

 – ذكرت في حوار سابق أن “الإبداع في المملكة العربية السعودية متقدم على النقد بمراحل” وقد اعترف مؤخرًا الدكتور الأديب سعيد السريحي بأن “النقاد خلال فترة من الزمن ساهموا في تعطيل النقد الأدبي” هل ترى أن النقد ما زال متأخرًا في المشهد الأدبي الحالي؟

في البدء أنا أحب كل ما يكتبه أستاذنا السريحي من “الكتابة خارج الأقواس” إلى “القصيدة السوداء”، وهو ممّن يجيد تقليب الحطب على النار، ولست في مستوى قامته الثقافية لأتداخل معه فضلًا عن أن يُسمّى ما سأقوله ردًّا، وليكن هذا واضحًا قبل أي حديث. لكن تعالق اعترافات السريحي كما شاء أن يُسمّيها مع ما ذكرته أنا: “أنّ الإبداع في المملكة العربية السعودية متقدم على النقد فيها بمراحل” يجعلني أكثر إيمانًاًَ بما قلت، فأستاذنا السريحي يعود بنا للمربع الأول، ويؤكد من خلال اعترافاته أنه ما زال يعيش فترة الثمانينيات، ويتغاضى، بل لا يلتفت ـ عن اقتناع نقديّ صارم ربما ـ إلى كل المنجز الشعري خلال الأربعين سنة الماضية، يقول السريحي: “وأعترف كذلك أصالة عن نفسي ونيابة عن زملائي أننا غضينا الطرف عن وهن كثير من نصوص الشعراء الذين كان لهم فضل تأسيس حركة الحداثة فاختلط الجيد من شعرهم بالرديء وانحرفوا بذلك عمّا أسسوا له من قبل”، هو يؤكد هنا أنه لا يقصد إلا نصوص جيل حركة الحداثة الجيد والرديء منها، أما سوى ذلك من نصوص فليس مناط القول هنا، أو حتى الهجس، ثم نعلم كيف وضّح فيما بعد أنه يقصد الأستاذ الكبير عبد الله الصيخان، والأستاذ الكبير محمد جبر الحربي. لن أخوض في رأي السريحي عن الصيخان ومحمد جبر، ولكم أن تعودوا لمعرفة رأيه فيهما إلى كتب السريحي بدايةً من: “الكتابة خارج الأقواس ـ 1986 م” عن نادي جازان الأدبي، لعل أحدكم يجد رأيًا للسريحي في تجربتهما. ما يهمّني حقًّا، بعد هذه الاعترافات التي لا يجرؤ عليها إلا شخصية صادقة مثل أستاذنا السريحي، أن لو كانت هذه الاعترافات (اعترفت) بأنها لم تقرأ كل الأجيال الشعرية اللاحقة لمرحلة الثمانينات، لم تقرأ، ليس لأن النصوص لا تستحق القراءة، لا نستطيع أن نجزم بذلك على كل حال، لكن لم تقرأ ببساطة لأنها لم تقرأ، وأنا أتفهّم ذلك جدًا، فلم يكن أحدٌ ملزمًا بفعل شيء من ذلك، لكن إلى هذه اللحظة لم يعترف أحدٌ أنّ هناك شعرًا كثيرًا لأسماء مهمة في المشهد الشعري السعودي الحديث لم يُشر إليها، حتى ولو من باب أن نخلق نماذج شعرية لأجيال قادمة، لكنّ شيئًا من ذلك لم يحدث، لذا تجد جيل ما بعد التسعينيات ـ من شعراء القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر كلّ حسب اختياراته وقناعاته ـ يبحث عن هويته بنفسه، يجرّب، ويخطئ ويصيب، يستمر شعراء، ويتوقف آخرون، دون أن تلتفت إليهم الآلة النقدية في المملكة العربية السعودية. اللهم إلا من بعض الاستثناءات كأستاذنا الدكتور سعد البازعي مثالًا. أستاذنا السريحي أعادنا للمربع الأول وحسبه هذا جرأةً واعترافًا وصدقًا مع نفسه.

الشعر يعمل لحسابه الخاص، لذا يجب أن يثير ضجة دائمًا..

 – في لقاء لك ذكرت (أن التحديث في القصيدة العامودية يكاد يصطدم بنفق مسدود)، هل ما زال النفق موجودًا بالفعل؟

عاش جيلي، وقبلها بقليل، ثورة التحديث من الداخل في القصيدة العمودية، التي تصدّى لها الكثير من الشعراء في العالم العربي، كلّ وفق أسبابه وجغرافيته، لكنهم بالتأكيد اتفقوا على أن القصيدة العمودية كانت تنهار على مستوى التلقّي، أو كادت. هذا التحديث من داخل القصيدة العمودية كان ضروريًّا لا شك، لكن كم من الزمن مرّ على ذلك حتى لحظتنا هذه، ألم يتجه هذا التحديث في بعض شعرائه إلى لعبٍ لغويٍّ بارد؟! ألم يتمّ استنساخ شعراء من شعراء، وقصائد من قصائد؟! ألم تلتهم ذوات شعرية كبرى بعض الأسماء التي تقتات على أسلوب هذا الشاعر أو ذاك؟! ألم تعد النصوص متشابهة إلى حدّ القضاء على الاختلاف، وتعدّد الذائقة، والمباغتة، ومفاجأة السائد التي هي من أهم سمات الفنّ، وما يمكن أن يُبقي على الشعر حيًّا ومتجددًا. الشعر يعمل لحسابه الخاص لذا يجب أن يثير ضجة دائمًا. يحتاج الشعراء إلى التحلّي بفضيلة الضجر. الفنّ يضجر من نفسه، من تكرار نفسه، وبهذا فقط ينمو ويتجدّد ويعيش. نحتاج إلى مراجعة حقيقة لما يُكتب تحت عنوان القصيدة العمودية الحديثة، من سيقوم بهذه المراجعة؟! يقع ذلك على الشعراء أنفسهم، فلا يُدرك جوهر الشعر وتحولاته الدقيقة، وخصائصه الفريدة إلا الشعراء أنفسهم. أتمنى ذلك.

رغم كل ذلك فأنا ما زلت أجد لذة مذاقها في فمي حتى اللحظة!

–  كيف كانت تجربة الكلمة الغنائية، وماذا أضافت لـ محمد إبراهيم يعقوب؟

في الحقيقة لا أحبّ الحديث عن هذه التجربة، لأني أعدّها تجربة هامشية في مسيرتي، وهي تجربة وطنية أكثر من كونها تجربة غنائية. كل ما في الأمر أني كنت أكلّف بحسن ظنّ من قبل القائمين على المهرجان الشتوي في منطقة جازان بكتابة أوبريت حفل افتتاح المهرجان، وقد كتبت سبع أوبريتات إن لم تخنّي الذاكرة، صحيح أنّ من غنوا هذه الأوبريتات هم من أهم أسماء خارطة الغناء في السعودية من مثل ـ مع حفظ الألقاب ـ محمد عبده وعبادي الجوهر وخالد عبد الرحمن ومحمد عمر وعلي عبد الكريم وعبد الله رشاد وغيرهم كثير، لكن علمتني هذه التجربة أن الشاعر في الأغنية هو الضلع الأهم والضلع الأقل أهمية في الوقت نفسه. وأنا في الحقيقة أرى الشعر أعظم من كل تجربة ومن كل ضوء. ورغم كل ذلك لقد كانت تجربة لذيذة خاصة تلك المقاطع التي حاولت كتابتها بما يشبه اللهجة الجازانية، ما زلت أجد لذة مذاقها في فمي حتى هذه اللحظة.

الانتقادات التي تطال برامج المسابقات لا بدّ منها..

 – البعض يرى أن برامج مسابقات الشعر بها “تزييف لجوهر الشعر” ما رأيك بمثل هذا القول؟

 ربما أنا أولى الشعراء بأن يطرح عليه مثل هذا السؤال، في 2008م شاركت في برنامج أمير الشعراء بأبوظبي كشاعرٍ مشاركٍ في أحد أهم برامج مسابقات الشعر الفصيح على مستوى الوطن العربي، وفي عام 2024م يشاهدني الناس أشارك كعضو لجنة تحكيم في برنامج المعلقة التي تشرف عليه وزارة الثقافة بالمملكة العربية السعودية ممثلة في هيئة الأدب وينقل عبر قناة الثقافية وقناة mbc، ولا شك أنه أضخم برامج الشعر، وأكثرها اتّساعًا وجرأةً وتنوعًا بين هاتين التجربتين، يمكن لي أن أؤكد على الضوء الذي تسلطه مثل هذه البرامج على الشعر، وعن إمكانية بناء جسر بين اللغة الفصحى عبر هذا الشعر والمتلقي الذي يكاد يبتعد عن لغته في حياته اليومية، مع الانتباه إلى أن بعض هذه البرامج خلقت وكرّست نموذجًا شعريًّا على الآخرين أن يكتبوا بمحاذاته أو بالتماهي فيه، وهذا ـ في اعتقادي ـ ضدّ فكرة أن يعيش الشعر حرًّا، ويضيّق الخناق على مبدعين مجانين يلذّ لهم أن يكسروا القواعد، ويخرجوا عن النسق السائد، والنماذج الجاهزة، أو ببساطة يلذّ لهم كتابة أرواحهم بطريقة مختلفة فحسب، ويمكن لي أيضًا أن أقول إن الانتقادات التي تطال برامج مسابقات الشعر لا بدّ منها، وقد تُفضي بنا إلى نسخ معدّلة أكثر ثراء وقربًا من جوهر الشعر، على أن تقف هذه الانتقادات على الآليات والإجراءات وطريقة العرض، ولا تطال الأشخاص بأي شكل من الأشكال، ليس لأنهم أكبر من النقد، بل لأن كل واحد من هؤلاء الأشخاص سواء كان مشاركًا أو ناقدًا أو منتجًا أو مموّلًا أو صاحب الفكرة، يحسب لهم أن فتحوا هذه النوافذ الهائلة للشعر الفصيح ـ خاصة ـ للوصول إلى المتلقي العادي، وعبر شاشات التلفزيون الأكثر حضورًا، هذا عمل عظيم ينبغي أن نشيد به، ونظل ننتقده، ونبارك كل الجهود التي تسعى إلى صيغة أفضل في خدمة الشعر. أما جوهر الشعر فهو أعمق بكثير من كل الأخطاء التي نسجلها، ليس على هذا البرنامج أو ذاك، بل حتى على الشعراء أنفسهم، جوهر الشعر يكمن داخل الإنسان نفسه بقدرته على ترجمة ما يعتمل داخل هذه النفس المعقدة إلى تعبير يضيف للحياة ويسمو بها.

المبدع بطبيعته كائنٌ متغيّرٌ..

– متى يمكن أن ينطفئ مبدعٌ ما؟

 هذا السؤال هو الأكثر خطورة بالنسبة لأي مبدعٍ يمتلك الوعي الكافي بمنجزه، والانطفاء في ظنّي لا يعني التوقف، ربما يمارس المبدع اجترار تاريخه عبر حضورٍ مكرّرٍ لكنه لا يُضيف شيئًا، المبدع بطبيعته كائنٌ متغيّرٌ، لأن الإبداع دائمًا هناك في مكانٍ آخر، ومتى اطمأنّ مبدعٌ لمنجزه، فقد حُسم أمره.

– قصيدة تزيد بهاء حوارنا الفرقدي…

حالة التباس

                                                   

ظَلَّ يخفى

ويطرأُ

عبقريٌّ ومُطفأُ

نايهُ

كبرياؤهُ

بُحّة الناي مبدأُ

فيزيائيُّ حزنهِ

أول الحزن

يُنبئُ

خان

كلّ التفاتهِ

ليس في القلب موطئُ

ماؤهُ

في ارتباكهِ

فاليقينيُّ يظمأُ

الهتافات

زُوِّرتْ

والحقيقيُّ مُرجأُ

فلسفاتٌ كثيرةٌ

من

على الحقّ يجرؤُ؟!

عاش حرّاً..

مزاجهُ

_ يُشبه الوقت _ سيّءُ

آثر العزلة

التي من مراياهُ

تبدأُ

شاعرًا 

في التباسهِ

كان يُملي ويُخطئُ

لم يُبرّر غيابهُ

الأساطير

تُبطئُ

قدّس الله روحهُ

في الأغاني

يُنشّأُ

قال للحبّ

مرّةً:

غاية الكأس تُملأُ

وارتقى

في فَنَائهِ..

فالهوى لا يُجزّأُ

كم جراحٍ قديمةٍ

كلما حنّ

تُنكأُ

وامتحانٍ مؤجّلٍ

كلُّ آتٍ

تلكّؤُ

كم تجلّى

لحتفهِ

لم يكن قطّ يعبأُ

خَطَّ في الضوء

باسمه

ما به الضوء يُقرأُ

وانتمى

لانكشافهِ

كلُّ كشفٍ تنبّؤُ

سال

ذكرى خسارةٍ

في الخسارات لؤلؤُ… 

هذا الخبر حصري لقراء مجلة فرقد..

–  عشرة دواوين منشورة، وحضور أدبي ونقدي نوعي ولافت، هل تُنبئ الأيام عن مشروع قادم؟

لم أفعل شيئًا بعد، أنا كما قلت ما زلت أتعلّم، أنا تلميذٌ – وعاشقٌ وهذا ما أنا على يقين منه على الأقلّ ـ في مدرسة الشعر، وهذا ليس من باب التواضع إطلاقًا، بل تطلّعٌ إلى ما لم يُنجز بعد. بدر بن عبد المحسن رحمه الله له مقولة عظيمة، يقول: “على الشاعر أن يكون مغرورًا، ليس بما أنجز، لكن بما لم ينجز بعد”، وهذه التفاتة مدهشة وعميقة من شاعر حقيقي. لديّ ما أنجزه بإذن الله. في عام 2024م سوف تصدر بمشيئة الله الأعمال الشعرية في معرض الرياض الدولي للكتاب مع دار رشم بقيادة المثقف الهائل الأستاذ صالح الحماد، وهي في مجلدين، وهذا خبر حصري لقراء مجلة فرقد. كما أن ديواني الجديد على وشك أن يكون جاهزًا في نهاية 2024م بداية 2025م. أكتب لأستلذّ، ولم يخذلني صديقي الشعر يومًا. 

 كلمة توجهها لقراء فرقد، ولمحبي الشاعر محمد إبراهيم يعقوب… 

كل الشكر على إتاحة هذه الفرصة، وقد حاولت الإيجاز قدر ما تسمح الأفكار وتتابعها وارتباطها ببعضها البعض، أتمنى أن قلت شيئًا مفيدًا وصادقًا، بعيدًا عن إثارة منتظرة لدى البعض، وإن كان من خطأ فأعتذر عنه مسبقًا، وأتمنى لقراء مجلة فرقد قراءة ممتعة، مع كل الحبّ.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود