الأكثر مشاهدة

الزهراء بنت ربيعة التغلبية والجليلة بنت مرة البكرية بينهما جرت الفصاحة مجراها، و …

بين فصيحتين

منذ 3 سنوات

2359

0

الزهراء بنت ربيعة التغلبية
والجليلة بنت مرة البكرية

بينهما جرت الفصاحة مجراها، وأخذت البلاغة نجواها، واحتمل اللسان بداهة البيان، واكتملت لديهما نزعة الإباء والاعتزاز بالإخوة والأهل والديار.

قبل أن نصل مرابع القوم وديارهم ربيعة بن وائل ومرة بن بكر، وقبل أن نستأنس بأصوات ترحيبهم وأهازيج استقبالهم وفصاحة ألسنتهم، كان لزاماً علينا أن نأسى لما وصل إليه لسان العرب اليوم الذي تحول عبر العصور إلى أثرٍ بعد عين من جور عوامل التعرية للغة العربية، وتعرضها لغزوات اللحن ولهجات الشعوب المختلفة، حتى أصبحت غريبة مريبة في مسقط رأسها.
لكننا نكتفي على عجلة من أمرنا بالتوقف عند ابنتي ربيعة ومرة: الجليلة والزهراء كمثالٍ لجسرٍ لغويٍ ثابتٍ كانت ترسو عليه فصاحة العرب وقوة بديهتهم نساءً ورجالاً تجلى بيانهم وتوقدت أذهانهم.
كانت الزهراء بنت ربيعة فصيحة اللسان بهية الطلعة مهيبة الجناب، طالما افتخرت بأخويها وائل بن ربيعة (كليب) حامي (مواقع السحاب) وعدي بن ربيعة الشهير بالزير سالم الذي لا يغمد له سيف ولا يخطئ له سهم.
ومواقع السحاب هي آثار الأمطار التي تعم وسط نجد وجنوبه وشرق الحجاز، وما ينتج عنها من فيض المراعي الجيدة ومن جريان المياه.
كانت الزهراء بنت ربيعة زوجة لبيد بن عنبسة الغساني والي الملك الكندي، جرى حوار بينها وبينه فأساء لقومها فأغضبته وتعالت عليه بنسبها وجمالها وفصاحتها وشجاعة إخوتها وبني عمها فصفعها على وجهها وأدمى عينها.
وقال لها : قولي لأخيك وائل بن ربيعة أن يردها إن استطاع.
فذهبت لأخيها كليب وأخبرته بصفعة لبيد وقوله لها واستهانته بأخيها وائل بن ربيعة، لكن كليب استهان بالأمر وانشغل عن أخته، فأبت كرامتها إلا أن تعنف القول عليه وعلى قومها وأطلقت لسانها شعراً ونثراً في الدروب والساحات وأيقظت شهامتهم وغيرتهم بفصاحتها وقوة بيانها ومما قالته :

مَا كُنْتُ أحْسَبُ والحوادث جَمَّةٌ
أَنَّا عَبيد الحي من قَحْطَـــــــانِ

حتى أَتَْتْنِي من لبيدٍ لَطْمَــــــــةٌ
فَعَشَتْ لها مِنْ وَقْعِهَا العَيْنَــــانِ

إن تَرْضَ إسْوَة تَغْلِبَ ابْنَةُ وَائِــلٍ
تلك الدَّنِيَةَ أو بَنُو شَيْبَــــــــــانِ

لايَبْرَحُوا الدهر الطويل أذِلَـــــةً
هُدْلَ الأعِنَةِ عِنْدَ كُلِ رِهَـــــــانِ

أي لم نكن نعلم يا تغلب أنكم عبيداً لحي من أحياء قحطان

وأنكم ستعيشون أذلة طوال الدهر
فاستشاط كليب غضباً وهدر دم لبيد قبل أن يجمع جيشه ويتوجه إليه ويقتله جزاء فعلته المشينة.
وأما الجليلة فهي أخت العشرة أبناء مرة البكري منهم همام وجساس ولعلنا نقدم هماماً على جساس مدعاةً للسلم الذي كان يحاوله همام للصلح بين أبناء العمومة ومكانته عند أبيه وعند أبناء عمومته كليب والزير سالم، ونؤخر جساساً رغم وصف الرواة له بأنه حامي حمى الجار، الأبي الكريم، غير أن التاريخ أخذ عليه غدره بابن عمه وقتله لملك العرب المرتقب ووأده لفكرة المدنية العربية التي كان يخطط لها كليب بعد أن بنى له قصراً.
ويقال لم يكن لجساس أن يغدر بكليب لولا تجبره وتكبره وطغيانه الذي أفسد عليه مشروعه بقيام دولة عربية تنافس الفرس والروم كما قال لعمه مرةُ ذات يوم.

وعندما قتل جساس كليباً
كانت الجليلة تجلس لابسةً السواد بين نساء تغلب في عزاء زوجها وابن عمها فتعرضت لها قائلةً :
يابنة مرة اخرجي عن مأتمنا
فأنت أخت قاتلنا وشقيقة واترنا

حاولت الجليلة أن تبقى لكن نسوة تغلب قمن مع الزهراء لطردها من سرادق العزاء وبالذات اليمامة ابنة كليب.
وخرجت الجليلة تندب زوجها وحظها

وبعد أن غادرت قالت الزهراء:
رحلة المعتدي وفراق الشامت

فبلغ الجليلة قولها فاستنكرت قائلةً :
أو تفرح الحرة بهتك سترها
وترقب وترها.
رحم الله جد أختي أفلا قالت:
نفرة الحياء وخوف الاعتداء.

ثم أنشدت قصيدتها :
يا ابنة الأقوام إن لمت فلا
تعجلي باللوم حتى تسألي
فإذا أنت تبينت الذي
يوجب اللوم فلومي واعذلي
إن تكن أخت امرئ ليمت على
شفق منها عليه فافعلي
جل عندي فعل جساس فيا
حسرتي عما انجلت أو تنجلي
فعل جساس على وجدي به
قاطع ظهري ومدنٍ أجلي
لو بعين فقئت عيني سوى
أختها فأنفقأت لم أحفلِ
تحمل العين قذى العين كما
تحمل الأم أذى ما تفتلي
يا قتيلاً قوض الدهر به
يانسائي دونكن اليوم قد
خصني الدهر برزء معضلِ
خصني قتل كليب بلظىً
من ورائي ولظى مستقبلي
ليس من يبكي ليوميه كمن
إنما يبكي ليوم بجلِ
يـشتفي الـمدرك بالثأر وفي
دركـي ثـأري ثـكل المثكلِ
ليته كان دمي فاحتلبوا
درراً منه دمى من أكحلِ
فـأنـا قـاتـلةٌ مـقـتولةٌ
ولعل الله أن ينظر لي
وهي قصيدة نسبت لها بزيادة أو نقصان ..

سألها أبوها عن حال قوم زوجها وما تركت وراءها:
فردت عليه
يا أبتاه :
سُكن العدد وحزن الأبد
وفقد حليل
وقتل أخ عن قليل
وبين ذين غرس الأحقاد وتفتت الأكباد
قال أبوها: أو يفك ذلك كرم الصفح وإغلاء الديات.
قالت :
أمنية مخدوع ورب الكعبة
أبالبدن تدع لك تغلب دم ربها

تزوجت الزهراء بنت ربيعة من الفارس التغلبي أبي نويرة الذي أبلى بلاءً حسناً في حرب البسوس وكان عند حسن ظن زوجته.

أما الجليلة فقد بذلت جهداً عظيماً لإنهاء الحرب الدائرة لكنها لم تنجح في مساعيها.
وضعت الحرب فيما بعد أوزارها لكنها استمرت عبر ملحمة الزير سالم وتوارثها العرب جيلاً بعد جيل يزيدون وينقصون في متونها وكمائن قصصها.
فأين منا تلقائية اللغة التي أضعناها .. وكيف تاهت في دروب العصور المظلمة الأخيرة !!

*كاتب سعودي

حساب تويتر: @abalwled

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود