مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

منى بنحدو* بما أن الجو ممطر، لم تشأ أن تذهب للبحر، أخذت فنجان قهوتها المر، لعبت …

العقرب

منذ 4 أيام

170

0

منى بنحدو*

بما أن الجو ممطر، لم تشأ أن تذهب للبحر، أخذت فنجان قهوتها المر، لعبت بقداحتها الذهبية الموروثة عن أبيها، رفيقة درب سيجارة الكولومبي الفاخر، تساءلت: هل تشعل بها الشموع لتصنع هالة الطاقة الإيجابية؟ استمعت هنيهة للراديو، لا جديد نفس الأخبار المستهلكة. أغلقته متنهدة، نظرت بحنين لآلة أسطواناتها، ما زلت تحتفظ وتهتم بها كأبيها، لأنها عشاقة للزمن الجميل، لطالما أغاظتها صديقتها عندما تشبهها بقصص ألف ليلة وليلة.

 استلقت على وسادة النعام، حاولت أن تتذكر تفاصيل اقتنائها، عندما علمت بموعد المزاد في بريطانيا، لم تتنازل عنها لأنها تعود للعصر الفكتوري، لقد أنهكها النسيان، لم تعد تستحضر التفاصيل. الطبيب ينصحها بعدم التركيز على الأحداث، ستعود الذاكرة تدريجيًّا، مع مواظبتها على الحساب الذهني وأخذ مكملاتها الغدائية، لم تعد تستصيغها، كرهتها من أعماق عمقها.

لا عليك، هذه الضحكة تعرف صاحبتها، قامت وتطلعت في المرآة، وجدت أمامها امرأة ناضجة في عنفوان شبابها، سمراء ملامحها جذابة ممشوقة القامة، خاطبتها: من أنت؟ عندما علمت بموعد المزاد في بريطانيا، لم تتنازل عنها لأنها تعود للعصر الفكتوري، أعرفك التقيت بك في مكان ما، في زمن ما، أعرفك حق المعرفة، الله يلعن النسيان!

الطبيب طمأنها أنها حالة مؤقتة، ليست وراثية، بحكم أن والدتها أصيبت بمرض الزهايمر، لكنها رغم ذلك تظل خائفة.

استطرد مبتسمًا مضيفًا كعادته، عليك بالصبر، آه الصبر! وهل يمكنك أن تدلني على المتجر الذي يبيعه، لقد أصبح نادرًا كما الحال مع عملي بالآثار…

كفي عن الخوف، هذا ما يزيد حالتك تعقيدًا. 

واصلت الحديث مع أناها المتجسدة في المرآة، لمَ أنت سجينة هناك؟! تعالي، اُخرجي، الحياة جميلة رغم قساوتها، فهذا شيء طبيعي، فهي ليست أمًّا لتمنحك الأفكار وتتقاسم معك الأسرار مجانًا.

كم من صفعة أخذناها، لكن رغم ذلك نمضي غير مكثرتين.. هات يدك سأخرجك من هناك…

فاضت الدموع من عينيها، قاومت تيار استرجاع التفاصيل، شلها الصداع، صرخت آخر كلماتها لا أقدر، سقطت مغمى عليها ليرتطم رأسها ببلاط الأرض..

وهي عائدة بعد المزاد الأخير، حاولت أن تتفادى جذع شجرة، لا أحد يعرف كيف ظهر فجأة وسط الطريق، حادت عنه وسقطت في الحافة، أعجوبة ما تركتها على قيد الحياة، كل من كان في عين المكان راهن على أنها لقيت حتفها. لكن الأقدار السماوية أنجتها، لا تعرف هل هو الحظ أم اللعنة.

فتحت عينيها ببطء، تحسست رأسها، تلطخت يداها بدمها، مفاصلها مجمدة من البرد، قامت مستعينة بيد الكنبة، اتصلت بالطبيب الذي نصحها بعدم الحراك، سيأتي إليها بعد دقائق لأنه قريب من منزلها.

مرت الدقائق ببطء مميت، رن الجرس فتذكر أن لديه المفتاح، دخل عليها وجدها مستلقية والدم يغطي وجهها.. اتصل بالاسعاف بسرعة البرق، استفاقت على رائحة زكية ولذيذة للقهوة العربية، آه وذاك العطر أيضًا تعشقه، دغدغ إحساسها، الحمد لله أنني لم أعد مثل المومياء اللواتي أبحث عنهن في المقابر، ما زلت امرأة…

وأجملهن على الإطلاق، فاجأها بصوته الرزين، لم تع أنها تحدثت بصوت مرتفع، احمرت خجلًا.

 كيف تشعرين، يا له من سؤال غبي!

لا أعلم، الدنيا تلف بي، تحسست وجهها فوجدته مضمدًا، سارع إليها: لا تتحركي أنت الآن بخير. سأستدعي الطبيب، 

صراحة لقد اهتم بك جدًا. إنسان خلوق محب لمهنته، لم تسمع بقية الحديث، تراقصت الأضواء أمامها، أحست كموجة لطمتها على وجهها.

ثم نامت، بعد مرور يومين استيقظت كأن شيئًا لم يكن.

انتابها جوع قوي، منهكة القوى، الظلمة حالكة بالغرفة، يخيفها الظلام، يفكرها بالوحدة والألم، دائمًا تحب أن تنام على ضوء خافت، فجأة أضيئت الغرفة فوجدت نفسها ممددة على سريرها، جاءها الصوت الرزين نفسه، أخيرًا استيقظت.. ألم أقل لك مرارًا لا ترهقي نفسك في الحفريات، لقد لدغك عقرب، الحمد لله أننا وجدناك في الوقت المناسب، لمعت عيناها وفهمت الشيفرة التي حلمت بها، ستفك اللغز الذي حير الكل منذ سنين، ستكتشفه هي الأولى، لكنها ستتركه مفاجأة للجميع.

لامست يديه ممتنة لتواجده، مضيفة بلؤم: أخيرًا وجدت حل المستحيل، تركته حائرًا واستسلمت للنوم! 

*كاتبة من المغرب

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود