الأكثر مشاهدة

 أحمد بنسعيد* مقدمة: في تعليمه الأساسي (الابتدائي) يشتغل الطفل في سنوات تعلّمه ا …

الكتابة للطفل.. المورد الأساسي لدعم الكتب المدرسيّة

منذ 4 أيام

95

0

 أحمد بنسعيد*

مقدمة:
في تعليمه الأساسي (الابتدائي) يشتغل الطفل في سنوات تعلّمه الأولى بعدد متنوع من الكتب المدرسية قد يصل عددها لعشر كتب، منها: الرياضيات. اللغات. الاجتماعيات. الفنون. النشاط العلمي…
لكن من أين تكتسب هذه الكتب محتواها؟ من هم المسؤولون عن بناء الأجيال بناء فكريًّا وقيميًّا وأخلاقيًّا؟ 
حتى لا يسبح بنا المجال في الأنواع الأخرى من العلوم نقتصر على تخصصنا، وهو كتاب (القراءة) وكتاب (الحكايات). وذلك حتى نعلم حجمنا الضئيل مقارنة بسعة العلوم وتنوع الدنيا.
إن كتّاب أدب الطفل يكتبون في مختلف المواضيع: بيئية.. علمية.. أدبية… وعبر مختلف القوالب: قصة.. رواية.. نص مسرحي.. أنشودة.. أنشطة.. ألغاز… ما يوفر لأسرة التربية والتعليم مجالًا دسمًا واسعًا ورحبًا للاختيار والانتقاء… فإذا بحثت أسرة التعليم مثلًا في موضوع (الصداقة) فستجد أمامها العشرات أو المئات من الإبداعات الكتابية لتختار ما تراه يناسب الأعمار التي تتعامل معها.
فما أسرار الكتاب التعليمي الناجح؟
تعميق الفهم.. طرح السؤال.. تحدي العقل.. الفكاهة… تأسيسًا لجيل سليم ومعطاء… وأدوات النجاح هذه لا يمكنها أن تتحقق في كتابة معينة إلا من خلال كاتب قضى عمره في الكتابة للطفل، خاصة في عصر التخصصات الذي نعيشه، وكان كاتبًا عركته الحياة فأصبح موسوعة في العلم والفهم…
قد نعجب أول الأمر ونستسهل كلمات غاية في البساطة مثل:
أرسم ماما أرسم بابا
بالألوان
أرسم علمي فوق القمم
أنا فنان
وربما يعتقد البعيد أنه يستطيع الإتيان بمثلها أو أفضل منها. لكنه بعد ذلك يدرك أن هذه القصيدة هي من شاعر قضى عمره (وما أدراك ما قضى عمره) في الكتابة للطفل. ويدرك أن هذه القصيدة ملأت فراغًا مهولًا في الأدب العربي الموجه للطفولة المبكرة (3-6 سنوات) في رياض الأطفال.
ويجد أن الكاتب للأطفال قضى عمره في التصارع مع مجموعة من الواجهات:
فهم الطفولة فهمًا علميًّا (بمختلف مراحلها من مرحلة الجنين إلى مرحلة اليفعة) ومن جميع نواحيها الجسمية الحركية واللغوية والنفسية والعقلية الإدراكية…
تتبع قاموس الأطفال واليافعين الذي يناسب المراحل العمرية المختلفة (من أول المناغاة والتهجي إلى تكوين الجمل الطويلة والمعقدة).
مقارعة عوالمهم وواقعهم، والتنقيب عن المواضيع التي تثير شغفهم ليقدمها بشكل إنساني ومعاصر…
هذا من جهة.. ومن جهة أخرى:
معرفة عن قرب مختلف أبواب العمل الأدبي والفني من: قصة، رواية، مسرحية، أنشودة، رسوم متحركة…
التدرب على مختلف أساليب الكتابة واستعمال عنصر التشويق والإثارة حتى يثير اهتمام وشغف عقول جمهور الأطفال.
خضوع إبداعاته للنقد العلمي العملي غير العاطفي، النقد الذي يدفعه للكتابة وإعادة الكتابة مرارًا وتكرارًا…
حتى تستوي الثمرة وتنضج وتصبح صالحة وتستحق أن تُنقش على صفحات (الكتاب المدرسي) الذي سيطلع عليه ملايين الأطفال في الوطن. وعلى مضامينه سينشأ الجيل الجديد.
مثال كتاب مدرسي حقق نجاحًا:
ويقف المتتبع العربي أمام كتاب مدرسي قديم، لكنه حقق نجاحًا باهرًا بشهادة الجميع وهو سلسلة (اقرأ) – المغربية لأحمد بوكماخ الذي كان سابقًا لعصره وذا ذكاء عجيب ينتقي مواده بعناية فائقة، بحيث لو درّستُ ولدي على مضامينه -اليوم- لتحصّل بطريقة محببة وبسيطة على علم وفير كثير. وجدير بالذكر أن السلسلة تتبعت الطفل في مختلف مراحله العمرية (من السنة الأولى إلى السنة الخامسة ابتدائي) وهو بين أحضان مدرسته الابتدائية، وقد اعتمدت هذه (السلسلة) عددًا من دول وطننا العربي كجزء من مناهجها التعليمية.
ويقف الدارس متطفلًا يسأل عن سر نجاحها كل هذا النجاح، واعتبارها درة فريدة لم تتكرر، فيجد الجواب أن توقيت إنجاز هذا (الكتاب المدرسي) هو سنوات بعد الاستعمار الفرنسي مباشرة، وتلك النفسية التي كانت لدى الشباب العربي آنذاك في إثبات الوجود بعد سنوات الرقاد الحضاري، وتأثره بالحركة الوطنية الصادقة في محبة الخير للأجيال والتأسيس الفعلي للخروج من التخلف من خلال (كتاب مدرسي) رائد بكل المقاييس. هذه النفسية التي خمدت عبر السنوات لنحصل على (كتب مدرسية) بسيطة المحتوى، ضعيفة الرؤية.
ملاحظة على إدارة (الكتب المدرسية) اليوم.. 
لا أدري كيف تسير الأمور في كل دول الوطن العربي. لكني أنبه وزارات التعليم التي تجعل من (الكتاب المدرسي) وسيلة تجارية، إلى جانب كونها تدريسية، أن تنتبه إلى حقوق المؤلف المادية، خاصة المؤلفين الأحياء منهم وتسلمهم ولو ثمنًا رمزيًّا في حالة استفادت من كتاباتهم في مقرراتها الدراسية.
ولا أظن أن مسألة البحث عن الكاتب وإيجاده أصبحت صعبة اليوم في عصر النت والإيميل والانفتاح الرقمي.. أشير لهذا الأمر الذي أعتبره مهمًّا جدًا؛ لأنّي من تجربة شخصية تفاجأت سنة 2019م بوجود نص لي في مقرر اللغة العربية المغربية (وكانت مفاجأة سارة طبعًا) لكني لم أتقاضَ أي أجر عن نصي، ولم يتم التواصل بي نهائيًّا بخصوصه. لا أدري ما يحدث بالنسبة لباقي الكتّاب في هذا الأمر. لكني أدعو الكتّاب للتحاور حول هذا الموضوع. آملًا أن يتم حسن التنسيق. وربما أسفر هذا الأمر عن مشاريع جانبية رائدة وراقية بين الكاتب ووزارات التعليم لصالح أطفالنا…
حبذا لو سايرت الوزارات المكلفة بإعداد (الكتب المدرسية) ما يجري في العصر، والمستجدات القائمة، وعملت على ضوئها، فنحن نعيش عصر العوالم المدهشة، والروبوتات التعليمية، والثقافات المختلفة، والتجارب الهائلة، والبيئات الافتراضية، عصر المهارات الكتابية، والبرامج المذهلة…
خاتمة:
لا يعقل بعد كل هذا التطور أن نسير بعقليات قديمة جدًا، ينتفي فيها التنسيق بين الكاتب والكتاب المدرسي، عقليات لا تنظر إلى ما يحدث حولها من تطورات خارقة وسريعة جدًا جدًا، ولا تأخذ المبادرة في تعديل الأمور، وضبط المسارات، حتى نحصل على (كتاب مدرسي) عملي ثقافي اسمًا على مسمى، يقعّد لجيل أفضل يتجاوز عصره بقرون كما الحال عند غيرنا.

*كاتب للأطفال_المغرب

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود