الأكثر مشاهدة

محمد الأنصاري* إن المتتبع لمواقع التواصل الاجتماعي، واحتفالات اليوم الوطني بشكل …

وحدة الوجدان السعودي

منذ 4 أيام

52

0

محمد الأنصاري*

إن المتتبع لمواقع التواصل الاجتماعي، واحتفالات اليوم الوطني بشكل عام، يتبين  له ملمح جميل لا يمكن أن يمر مرور الكرام، الشعب  أشبه ما يكون بخلية نحل، فالنحل تجوب أسرابه غابات مختلفة ويعمل كل سرب على تجهيز جزء من الخلية دون اتفاق، لكنه اتفاق غير متفق عليه ولا معلن،تلك واحدة من معجزات الله سبحانه في هذاالمخلوق العجيب 
ثم يتم تركيب هذه الخلية وكأنما رسم لها مخطط هندسي ونفذت بناء عليه لشدة إحكامها وتناسق أجزائها المختلقة.

إن المتتبع للمشهد يرى أن هنالك تناغمًا واضحًا، اتفق وجدان الشعب عليه، فتكاد تكون كل جملة وعبارة وتغريدة في احتفالات اليوم الوطني تشبه الأخرى وإن اختلفت حروفها إلا أن المضامين واحدة، وحين حضرت عددًا من الأمسيات الشعرية المخلدة للذكرى الرابعة والتسعين لليوم الوطني، وجدت وحدة الوجدان واحدة، ففي أمسية لستة شعراء، كانت قصائدهم تتقاطع في الألفاظ والمعاني بشكل أشبه بالتطابق، فقصائدهم تتناول في كثير من الأبيات ذات الصورة ولكن بزوايا ورمزيات مختلفة، فعلى سبيل المثال يجسد
د. سعيد العواجي هذه الوحدة في إحدى قصائده بقوله:
مناطق عرب ليس فيهم مؤدلج
ولائهم في الحرب و السلم ناطق

فأبها تمد الورد للجوف مثلما
مشى النخل من أحسائها وهو عاشق

وجازان تهدي فلها حين أثمرت
إلى حائل الأجواد والشوق عابق

ومن شاطئ الدمام نهر محبة
إلى الشاطئ الغربي والقلب خافق

وعرضة نجد إذ تدق طبولها
ترى النصر في إيقاعهن الحقائق

ومكة في تقوى تصلي خشوعها
لتنموا عليهم أعطيات عواتق

يجسد هذه اللحمة من وَرْدِ أبها في جنوبها ليجوب بك البلاد شرقًا مستظلاً بنخيل الأحساء فتهدي تمرها لجازان، لتستقبلك الأخيرة بِالبن وتودعك بالفل ليكون زادك لمواجهة الكرم الحائلي، ثم ينتهي بك المطاف على شطآنها الغربية لتسلمك رحلة التطواف في أمن وسكينة إلى مكة الخاشعة فتنبري شاكرًا لله منته على أمن وأمان ولحمة ورخاء.

وهذه الشاعرة زهراء البلوي بقصيدة نبطية، تجوب بك البلاد معبرة عن تلك اللحمة برمزية الألعاب الشعبية الوطنية

و احتفينا  لك بعرضة  سيفها حده يبيد  
و إن رفحنا بالشمالي نغبن صدور الطغاة

و إن خطينا بالجنوب بكل خطوة ما يفيد
وحدة صفوفٍ تدرّس كل غادي عن هداه
 
نلعب الدَّحَة بصوتٍ يذهب العقل ويبيد
دَحَّة الحرب بصداها تنكسه دربه  وراه
 
تحت راية سيدي سمعاً وطاعة ما نحيد
والعَلم  خفاق  يبقى معتلي  دوم بسماه

أجد في مطلع البيت الأول أن البدء بالعرضة اختزال للوحدة لأن هذه العرضة  رمز من رموز الوحدة تذوب معها كلالانتماءات الصغيرة  مع بقائها والاعتزاز بها، فمن رفحةالشمال وخطوة الجنوب  تلتقي هذه البلادتحت رايةسيديفي البيت الأخير.

و دون عناء ستجد هذا المعنى متواترًا في القصيدة الوطنية في شبه اتفاق ضمني، فلا تكاد تخلو من هذا التوظيف لكل مناطق المملكة وجهاتها، فصيحة كانت أو نبطية، ولن يختلف الأمر إن كان الشاعر حجازيًا أو شرقيًا أو جنوبيًا أو شمالياً، حيث لا تنسيهم انتماءاتهم وجهاتهم التي ينتمون إليها أن يعبِّروا عن هذه اللحمة والصورة الكاملة التي تنفي كل العصبيات، تحت هذه الراية لا َجهوية ولا قبلية ولا مذهبية.

وهذا عمر الجهني شاعر شاب، ابن الحجاز، حين كتب قصيدته الوطنية جاء هذا المعنى حاضرًا كذلك:

سعوديٌّ وجلّ المجد يأتي
على ذكرِ السعوديّ الحجازي
ببكّة كان وحيُ الله يتْلا
على أسماع قومٍ باحترازِ

إلى أن يقول في أبيات متفرقة في القصيدة:

وفي نجدٍ علت هام السحابِ
وغنّ المجد أغنية المفازِ

وفي الشرق المهيب الزهوِ فخرا
من الإبداع يولد بارتكازِ

شمالك جنّة الصحب البديعِ
وروضة عاشقٍ يسمو ونازي

جنوبك موطن الشعراء مأوى
وباب الصدّ للأعداء جازي

وهذا جاسم الصحيح يشدو من شرق المملكة فيجوب بك حجازاها ويعلو بك نجدها ويطوف بك في ذات المعنى ورمزية الوحدة الوطنية:  
يمتدُّ من موجِ (الخليجِ) ذراعُهُ
وتُتِمُّهُ في (جِدَّةَ)، الشُّطآنُ

ويُطِلُّ من أُفُقِ (الرياضِ) جبينُهُ
فتُضِيءُ ملءَ جنوبِهِ، (جازانُ)

لم يَتَّحِدْ فيهِ المكانُ بـآخَرٍ
حتَّى تَوَحَّدَ منهما الوجدانُ

فهي وحدة وجدان حقًا كما وصفها جاسم الصحيح في البيت الأخير.
إن هذا كله يعني أن الوحدة التي تمت على يد المؤسس رحمه الله تجذرت فلا مجال للحديث عن الطائفية، أو الجهوية، في بلد واحد يردد من أقصاه إلى أدناه “تحت بيرق سيدي سمعًا وطاعة  فتذوب تحت الراية الوحيدةفي العالم التي لا تنكس كل الانتماءات والنعرات، وتترابطتحت ظلها كل المكونات نسيجًا واحدًا سعوديون … بهمة طويق

ويلوح لك ملمح آخر في القصيدة الوطنية هو رمز الطموح والإنجازات،
فوحدة الوجدان السعودي، تختزل اسم  عراب الرؤية في كلقصيدة رمزًا شاهدًا على الآمال، وأسطورة العزيمة الوثابة، الذي خَلع على الشعب من همته، فأوجد رمزية طويقلتصبح مرادفًا لهمته وهمة العشب، فلا يمكنك أن تمر بالهمة والبسالة إلا كان هو رمزها خصوصًا في القصيدة الوطنية، فلو مر بك بيت الشاعرة حوراء الهميلي في إحدى قصائدها الوطنية:

إذا هز سيف الوعد معصم كفه
تهلل وجه النخل واستبسل الغمد
فلن ينصرف ذهنك لرمز يمكن أن يشير له هذا البيت إلا عراب الرؤية

و يتردد في أذنك صدى شايفينك حلمنا” في هذا الوطن العظيم الذي يحرس أحلام أبنائه “نحلم ونحقق” ستردد لا محالة مع جاسم وحوراء:
فيا موطنا مازال يحرس حلمنا
وجفناه يالله ما طاله السهد


قطعنا له (عهدًا) على الحب  صادقًا
فما انحَلَّ من أعناقنا ذلك (العهد)

على العهد باقون متحدون كوحدة هذا الوجدان الشعري.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود