14
010
0103
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11784
04713
04364
174302
03998
0عبدالعزيز قاسم *
مقتطف من كتاب “سليمان وعبدالعزيز القاسم.. قِصةُ كِفاح ومَلحمة إخاء” في أدب السيرة.
اتجهتْ بكلِّ الشوق إلى مسجد “رُواق” كي تجد سَلوتها في الصلاة ومناجاة الله، فلتوِّها أنهتْ واجباتها التي أنهكتها تجاه المزرعة الكبيرة في خَبِّ “رُواق” ببلدة “بريدة”، وشمس “القايلة” اشتدت عليهم ضحى ذلك اليوم من عام (1352هـ – 1933م)، وذهبت -كعادة يومية- إلى “البركة” تستحمُّ، وهي التي ترفَضُّ من العَرق، بعد عناء شديد من ساعات منهكة بالعمل.
إذ قامت من بعد صلاة الفجر -وبقية نسوة عائلة القاسم- لحصد البرسيم لإطعام الـ40 بقرة وغيرها من “الدَبَشْ” والغنم، ومن ثمَّ حلبها، وخَضّ الحليب لتحويله إلى لبن، ومن ثمَّ فصْل الزبد عنها، لتتجه بعدها إلى جلب الحطب من أطراف المزرعة -التي تحوي 500 نخلة- التابعة لزوجها أمير “رُواق” عبدالله القاسم الذي توفي منذ عامٍ تقريبًا، والذي يشاركه شقيقه حمد في تلك المزرعة الكبيرة.
حياة النسوة قاسية وقتذاك، حيث لا تكتفي هيلة اللاحم، وبقية نساء العائلة بذلك، فهن يقمن بتعبئة و”كَنْزِ” التمر، والواجب اليومي الأهمُّ كان في إعداد الطعام للضيوف الذين لا يتوقفون أبدًا عن قصد مضافتهم، وقد أسَّس زوجها عادة ورسًّخها كقيمة عائلية توارثوها في فتح بيوتهم للضيوف، ونيل شرف خدمتهم وضيافتهم بشكل يومي.. فتقوم النساء بعجن الخبز و”قرص” العيش من القمح أو الشعير، ومن ثَمَّ طبخ القرصان والجريش وبقية ما يُقدَّم في ذلك الوقت.
ترمَّلت “دِحمَة”، وكان هذا لقبها في الأسرة، وهي في عمر 24 ربيعًا، وتيتَّم ابناها سليمان ذو العشر سنوات وعبدالعزيز ذو الثماني سنوات، تتابعهما وهما عند الشيخ عبدالله البطي، اللذين كانا يدرسان عنده في مسجد “رُوَاق” الهجاء وقراءة القرآن الكريم.
ولأنها سليلة أسرة اشتهرت بحب العلم والتدين، ومن أحد أعرق بيوت بلدة “الشماسية”؛ انطرحت بين يدَي الله سجودًا تستخيره فيما اعتمل في نفسها، وما استقرَّ في قلبها، وما استشرفت به المستقبل، حيالها وابنيها الصغيرين، وقد ألهمت أن زيادة تعليمهما، والانطلاق بهما إلى فضاءات أرحب في العمل بعيدًا عن هذه الفلاحة والخَبِّ، هو القرار الأصوب.
مع بواكير الصباح، وشروق شمس ذلك اليوم، انفلتت مع ابنيها الصغيرين إلى “بريدة”، بعد أن استأذنت من كبير العائلة وقتها، وأخذت بعض قسمهم من الإرث، وساقت البقرة التي من نصيبها معهم، ومضت -في تحدٍّ لا تُقدم عليه سوى النسوة الجسورات- لا تلوي على شيء سوى تعليم ابنيها، وقد ارتسم على وجهها إرادة الأم التي وضعت هدفًا أمامها، وستحققه مهما كلف الأمر، ولتحوِّل بقرار رحيلها وابنيها مسار مستقبلهما بالكامل، من خَبٍّ وقرية صغيرة إلى بلدة أكبر، والانطلاق في أمكنة أرحب وأوسع في عملهما.
النور يشقُّ السماء وبدأت ملامح الأمكنة تبدو وهم يتهادون في طريقهم إلى بريدة، إذ عمَّ الضياء لترتسم ابتسامة متفائلة على وجهها أن الله سينير طريقها ولن يضيعها، ودخلت بريدة متلفعة توكلها ورجاءها من خالقها.
كانت امرأة جسورًا، قوية الإرادة ماضية العزم، وكرَّرت تلك المغامرة مرتين، غيَّرتا مسار العائلة ونقلتاها إلى أمداء أبعد، عبر رحيل ابنيها إلى الرياض، وتاليًا وبعد سنوات عدة رحيلها هي وابنها عبدالعزيز إلى مكة المكرمة، فكانت مُلهمة وشجاعة فعلًا باتخاذها أو دعمها تلك القرارات، إن استحضرنا المرأة ودورها في تلكم الأزمنة البعيدة ونحن نتحدث عن تسعين عامًا خلت.
قطنتْ هيلة اللاحم في منزلٍ متواضعٍ ببلدة بريدة بجوار مسجد “الحميدي” لتُلحق ابنيها بدرس الشيخ محمد صالح المطوع، ويحكي ابنها عبدالعزيز القاسم -يرحمه الله- في تسجيلٍ له عن تلك الفترة، فيقول:
“كانتْ الوالدة تمسك يدينا من جَيَّتنا من رُواق إلى بريدة، حيث كان حِرْوَة سليمان أخوي 12، وأنا حوالي العشر، تِقَّومنا نصلي الفجر، حنا وياهَا، بمسجد (الحميدي) المطوع، نصلي الفجر ونقعد عند (القْرَايَّهْ) إلين تطلع الشمس”، وهذه (القراية) المقصود بها الدرس، وما يتبعه من استماع له والمواعظ وتدارس القرآن، حتى طلوع الشمس.
يكمل ابنها عبدالعزيز القاسم: “هاكَ اليوم، المسجد فيه شِيبان، فهد العلي الرشودي ومحمد الصالح المطوع، وفيه ناسٍ كثيرون، ما يطلعون إلين يصلون الإشراق بالمسجد، والوالدة ما تطلِّعنا إلا مصلِّين الشروق”، ويقول إنها كانت تصلي الفجر هناك في باحة المسجد، وتستمع -ما أمكنها- إلى دروس الذكر تلك، حتى تصلي معهم صلاة الشروق، وتقفل بهما إلى البيت.
تخيلوا المشهد، امرأةٌ شابةٌ تمسك بيدي ابنيها، تتهادى بهما للمسجد وقت الغَلس، وتمكث هناك خارجه تنتظرهما، وتصلي وحيدة إلا من إرادتها وتصميمها، وتظل لوقت صلاة الإشراق تنتظرهما، وتأخذ ابنيها بعد حضورهما درس المطوِّع؛ لا تملك -والحال التي وصفت- إلا أن تتيقن وتجزم أنها امرأة عظيمة التدين والثقة بربها ألا يضيعها وابنيها.
خصَصتُ هذا الفصل في الكتاب لها، وأكملت ولادة وطفولة ويفاعة الأخوين سليمان وعبدالعزيز عبر قصة أمهما هيلة، الملهمة الحقيقية لهما، ومَن لها الفضل بعد الله، فيما وصلا إليه وأحفادها تاليًا، والخير الذي عليه الأسرتان اليوم.
في كل عائلة امرأة، يصطفيها الله بالحكمة والعزيمة وسداد الرأي ورؤية المستقبل، وربما تقف خلف قرارٍ جريءٍ؛ يغيُّر مسارَ ومستقبلَ وحالَ العائلة، وهو ما كان مع المُلهمة هيلة اللاحم.
*إعلامي وكاتبٌ صحفيٌّ
في مثلها يقال
الأم مدرسة إذا اعددتها اعدت شعبا طيب الاعراق
كتب الله اجرك على مقالة تذكرنا بالماضي الجميل.
جزاكم الله خيرا يا دكتور على نشر شيء من فضائل هذه المربية الطيبة رفع الله درجاتها وأعلى قدرها
الله الله على سردك للبسه زدتها إلهاماً على إلهامها
النساء شقائق الرجال فهنَّ كما هم في الارادة والبصيرة
وهكذا كانت هيلة اللاحم رحمها الله وقد قالوا
شيخه وبنت شيوخ ومعربة ساس
مستوطنه بيت الفخر والفخاااامه
جمال واسم ومنسبن يرفع الراس
تستاهل تلبس وشاح الزعاااااامه
تحياتنا للدكتور
ليت سيرتها رحمها الله تدرس للأجيال الحاضره…بعد نظر و كفاح و تحمل للمسؤليه و صبر و مصابره
مشاء الله تبارك الله امرأه في عمرها لافكرت في زواج ولافي حياة مرفهه فقط في ابنيها لتضع لهم اللبنات الاولي في مسيرة الحياة اشكرك يادكتور علي ان عرفتنا بهذه المرأة العظيمه هيله اللاحم من اسره طيبه.
على هذا العمل الجميل فالاستاذ عبدالعزيز محترف في الكتابة فقد اطلعت على كتبه في ادب الرحلات
وهذ الكتاب مكنني من التعرف اكثر على ( عمتي هيله /دحمه )التي لم يتسنى لي رؤيتها ، ولكن حديث أبي عنها وعن تعلقه بها يؤلمني كل ما تحدث عنها،
كان ابي يقول انه تزوجت من عبدالله القاسم وهو لم يبلغ ثمان سنوات وافتقدها وكان يذهب من بريده الى رواق كل يوم على قدميه ويشفقون عليه ويعيدونه الى اخوته في بريده وهكذا الى أن دب اليأس في قلبه من عودتها الى بيت اخوتها..
مهما تكلمت عن الكتاب لن أوفيه حقه ، فهو من اجمل كتب السير الاجتماعيه الملهمه
فقد جمعه وكتبه بكل حب، فله منا الدعاء بالتوفيق .
استكمال لتعليقي:
من الاشياء
من المؤسف أني لم يسعدني الزمان برؤية عمتي( هيله اللاحم )
من الأشياء التي تشد انتباهي في الحياة صفات البشر
من هذا تشابه حفيدة عمتي ( أسما سليمان )مع عمتي في اشياء كثيره طبعاً من خلال ما قرأت في هذا الكتاب ومن خلال حديث ابي واخوتي واخواتي عنها رأيت ( أسماء )تتجسد في شخصية عمتي، يحتلف الزمان والمكان وتختلف اسماء كونها ولدت وعاشت في كنف والديها واخوتها ولم تختبرها الحياة كما حدث لعمتي وولكثير من الناس في تلك الفتره من الزمن الصعب،
قبل عشرة ايام ذهبت للعمره مع اخواتي ومعنا اسماء سليان ابنة أختي نوره اللاحم، عند نزولنا للحرم تبهرني اسما وهي تساعد العامله عندها بسرعة اعداد القهوه والشاهي وتوضيب بعض الاكلات المصاحبه والتمر لتأخذها معها الى ساحة الحرم وتقوم بتوزيعها على ضيوف الزحمن، وتذكرت حديثاً قاله لي اخي محمد انه يرا عمتي هيلة رحمة الله عليها وهي توزع الأكل في الحرم وتحرص ان ياخذ الجميع( لولو عبدالله )
يا لها من امرأة عظيمة، رحمها الله. ويا له من كاتب فذ سطر لنا حياتها وجهادها. تذكرني بأحد خالاتي مات زوجها ورعت وأنكفت على ٨ أطفال حتى تخرجوا من عدة جامعات، جلهم أطباء. وأعرف قصصا أخرى عن نساء جيل أمهاتنا، ومعظمهن أميات، لكنهن كن فاضلات مجاهدات. رضي الله عنهن.
بوركت د.عبدالعزيز على مقالتك التي كتبت بمداد الوفاء لشخصية إمرأة عظيمة وملهمة وقد قد سبقت جيلها و عصرها بإدراكها لأهمية التعليم في بناء شخصية ومستقبل إبنيها فتوكلت على ربها وتحملت كل الصعاب في سبيل ذلك..رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته.
قصة عظيمة لأمرأة عظيمة من قلم مُلهم ..
اشكرك ان ابدأ صباحي بمثل هذه المقالات التي توقد بداخلنا معاني كثيرة وعظيمة..
تلك أزمان مختلفة ! كان الناس عموما رجالا ونساء يستثمرون .. يحسنون ذلك وفق معايير راقية !
ويصطفي ﷲ من عباده من يشاء لما يشاء ، ولا بد لكل أحد من بذل وجهد بحسب تفكيره ورؤاه .. هذه الشخصية هيلة اللاحم نمودج يقتدى به ، وكتاب من الفكر والعمل تتغذى به العقول السليمة..
وهذه المقالة حديقة من حدائق الأدب الماتع الشائق هندسها ونفذها الخبير عبدالعزيز القاسم.. شكرا لك ألا أسامه تبعث بهجة وتحدث نشاطا
بارك الله فيك وفي جهدك