96
042
042
089
053
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11815
04747
04703
04495
04409
17د. عائشة العتيق *
التناص:
التناص في أيسر صورة، يعني أن يتضمن نص أدبي ما نصوصًا أو أفكارًا أخرى سابقة عليه، عن طريق الاقتباس أو التضمين أو التلميح أو الإشارة أو ما شابه ذلك من المقروء الثقافي لدى الأديب، بحيث تندمج هذه النصوص أو الأفكار مع النص الأصلي ليتشكل نص جديد واحد متكامل.
ومن أشكال التناص استدعاء شخص أو شخصية أو مكان، أو حدث، أو فكرة أو قطعة من نص ما عن طريق الاقتباس على وجه التحديد أو على وجه التقريب.. فيتسرب نص إلى داخل نص آخر، ليجسد المدلولات، سواء وعي الكاتب بذلك أم لم يعِ. ففولتير “كاتب فرنسي” في روايته “زديج” يقرر وجوب الإيمان بالقضاء والقدر من خلال استدعاء قصة موسى والخضر الموجودة في سورة الكهف.
فكثير من الأحداث تحدث لنا من باب القضاء والقدر دون أن نفهم أو نعي لها تفسيرًا، وهو ما حدث مع زديج عندما أخذ كتاب “القضاء” من يد الناسك، وأخذ ينظر فيه دون أن يتبين حرفًا من حروفه، على الرغم من علمه المتقن بكثير من اللغات؛ كأنه يخبرنا بأن هناك أمور كثيرة تحدث للإنسان دون أن يعي أسباب حدوثها، فيقرر أن يصحب الناسك في رحلته إلى بابل، الأمر الذي يعود بذاكرتنا إلى قصة موسى والخضر عليهما السلام، عندما طلب موسى من الخضر أن يصحبه في رحلاته.
هذا الناسك الذي انتشرت لحيته على صدره، وتدلت حتى بلغت حزامه، جعل زديج يطمئن لهذا الرجل، ويحس بشيء من الاحترام لمظهر الناسك ولحيته، الأمر الذي يؤكد لنا حقيقة الطبيعة البشرية التي تحكم على الأشياء فقط من الظاهر.
وإذا كان الخضر قد طلب من موسى ألا يسأله عن شيء، (قالَ فَإِنِ اتَّبَعتَني فَلا تَسأَلني عَن شَيءٍ حَتّى أُحدِثَ لَكَ مِنهُ ذِكرًا)، فإن الناسك يلح على زديج بعدم مفارقته، إذ يقول: “إني أطلب إليك هذا الفضل، فاقسم لي بأوروزماد ألا تفارقني إلى أيام مهما أفعل، فأقسم زديج ومضيا معًا.
ثم تبدأ رحلة زديج مع الناسك التي تشبه في أحداثها رحلة موسى مع الخضر، حيث تقوم على إتلاف أشياء الآخرين من قبل الناسك، دون وجود تفسير واضح لذلك.
وسوف نعرض باختصار المحطات التي توقف عندها زديج مع الناسك:
المحطة الأولى: صاحب القصر الفخم، وقد كان كريمًا، حسن الضيافة، يكرم جميع المارة، والمسافرين، لكن فيه شيء من الكبرياء، فما كان من الناسك إلا أن يسرق منه طستًا ذهبيًّا مرصعًا بالجواهر.
المحطة الثانية: دار صغيرة يسكنها رجل غني بخيل، قدم لهما زيتونًا فاسدًا وخبزًا رديئًا، وقبل رحيلهما، قدم له الناسك الطست الذهبي المسروق ليشكره ويعترف له بالجميل، فكاد البخيل أن يصرع من الدهشة، بينما وقف زديج متعجبًا مستنكرًا من تصرف الناسك.
وقد فسر الناسك تصرفه في المحطة الأولى والثانية، بأن صاحب القصر الذي يستقبل الناس غرورًا ليظهرهم على ثرائه، سيصبح عاقلًا وحذرًا، بينما البخيل سيتعود أن يكون مضيافًا.
المحطة الثالثة: صاحب الدار الفيلسوف الذي اعتزل الناس، وعكف على الحكمة والفضيلة، وقبل رحيلهما حرص الناسك على ترك آية لهذا الفيلسوف تظهر له حب الناسك وإكباره، فما كان منه إلا أن أخذ مصباحًا فأشعل النار في الدار، قائلًا: “هذه دار مضيفي قد دمرت تدميرًا، ما أسعد هذا الرجل”.
المحطة الرابعة: أرملة محسنة فاضلة، يعيش معها فتى قريب لها في الرابعة عشرة من عمره، وكان أملها الوحيد، فلما كان الغد طلبت من الفتى أن يصحب المسافرين إلى جسر أصبح عبوره خطرًا، فلما بلغوا الجسر أخذ الناسك بشعر الفتى وألقاه في النهر، فغرق الفتى في لجة الماء.
هنالك لم يستطع زديج صبرًا فصاح” يا لك من وحش! يا لك من مجرم لم ير الناس مثله”.
فقال الناسك: لقد وعدتني أن تصبر على ما ترى، فتعلم أن تحت هذه الدار التي دمرتها القدرة الإلهية كنزًا عظيمًا قد ظفر به صاحبها، وتعلم أن هذا الفتى الذي قتلته القدرة الإلهية لو عاش لقتل عمته بعد عام، ولقتلك بعد عامين… إن الناس ليقولون في كل شيء دون أن يعلموا شيئًا…
ليقرر فولتير فلسفته عن القضاء والقدر، بأن ليس مصادفة، فكل شيء إما امتحان، أو عقاب، أو مكافأة، أو احتياط.
* كاتبة سعودية
التعليقات