20
010
0103
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11784
04713
04364
174302
03998
0عبد النبي بزاز*
تنضاف قصص “مكتبة الشيطان” للكاتب والقاص المغربي حسن إغلان، إلى منجزاته السردية (روائية وقصصية) التي أسست لنمط كتابة تنأى عن أشكال القص المألوف، لما تحدثه من تبدلات في ثوابت الحكي وأنساقه، فقصص “مكتبة الشيطان” تشكل امتدادًا نوعيًا لقصص سابقة مثل: (وقائع الأيام الأولى، ووليمة الكلام، وشيء من ظلها)، التي رغم ارتهانها لعناصر القص ومكوناته على مستوى البناء القصصي، وأساليبه التعبيرية والجمالية، وأبعاده الدلالية، فإنها تنفتح على آفاق حبلى بزخم زوغان وانزياح يملك سلطة تجريب أدوات وطرائق مختلفة ومغايرة.
ومن العناصر القصصية التي تضمنتها نصوص المجموعة الحوار بشقيه الداخلي: “قلت في داخلي، وأنا أغفو…” ص 11، والخارجي، “قال: سأعيد للشيطان عينه/ قالت: الشيطان يعيد التوازن” ص 56، والشخوص مثل (الحاجة، الكتبي، البرمانة، فلة/ ياسمينة، اليساري، الصحفي الشاب، الجبلاوي، الأستاذ نجيب، محمود، أخوه محسن، وابنه السيمو، وصديقته كاتي/ كاترينا، وإدريس)، والأمكنة من قبيل الرباط وبعض فضاءاتها كمقر البرلمان، وحي أكدال والمحيط، ومقهى باليما، ومراكش، وطنجة، والدار البيضاء، وفرنسا وعاصمتها باريس.
فرغم انضباط وتمثل القاص لمكونات القصة القصيرة وعناصرها المعروفة، فإن نصوصه ظلت زاخرة بموضوعات وتيمات أضفت عليها عمقًا في المعنى، وسعة في الدلالة. كما تطالعنا موضوعات وأحداث من صلب الواقع، مثل وباء كورونا الذي أرغم الناس على ملازمة بيوتهم، وما نجم عن ذلك من تبعات ومخلفات نفسية وذهنية: “أذعنت للحجر الصحي، ولأول مرة أسكن بيتي ليل نهار، لا أخرج إلا لمامًا” ص9.
ومعاناة خريجي الجامعات في المطالبة بحقهم في الشغل، وما يخوضونه من أشكال احتجاجية: “يتزايد الركض في الشارع في وسطه مظاهرة لخريجي الجامعات، يرفعون الشعارات…” ص13. وما يمثله موضوع البطالة من أهمية داخل أوساط شرائح متعددة من المجتمع الذي يعج، أي المجتمع، بمظاهر بؤس وحرمان تقود إلى دركات الضياع والانحراف في صفوف الأطفال واليافعين: “أطفال يجرون قهرهم إلى البيوت الخربة، يشمون السيلسيون ويبيتون في العراء” ص 46، في تصوير لضروب معاناتهم الحبلى بألوان العوز والتشرد.
وموضوع الطلاق الذي تنتج عنه أزمات ومشاكل مثلما جاء على لسان البرمانة: “حدثتني عن أزمتها وصداع الأولاد والزوج الذي طلقها منذ زمن، والأم المريضة وصداع الشغل والسكارى الهاربين من مشاكلهم…” ص 62.
وانشغال الكاتب بالكتابة والفلسفة والسياسة، كما صرح بذلك في ثنايا قصصه، حثه على ذكر أسماء أعلام في مجال الأدب “ككافكا” الذي انكب على قراءة أعماله: “قررت إعادة قراءة الأعمال الكاملة لفرانز كافكا من (المحاكمة)، (التحول)، وقصص أخرى…” ص9. أو الإشارة إليهم في سياق المتن السردي، مثل بورخيس: “وقرر الدخول إلى مكتبة بورخيس” ص 31، وأبوالعباس السبتي، والقاضي عياض، والإمام السهيلي، وسيدي سليمان الجزولي، وعبد العزيز التباع، وسيدي الغزواني مول القصور، وسيدي يوسف بن علي، وما عرفوا به من نزعة تصوف، وإلمام بالعلم والتاريخ والقضاء وكلهم من رجالات مراكش السبعة المعروفين. وشعراء كبابلو نيرودا، ولوركا، وأنطونيو ما تشادو، وأراغون، ورامبو، ورواية زوبا الإغريقي، والشاعر الشمقمق.
وفي مجال الفكر كديكارت: “كما فعل ديكارت في زمنه، شريطة أن أسلم بالأمر الواقع وألا أشك” ص 109، وفي مخالفة لكوجيتو ديكارت القائم على الشك كوسيلة في نمط ونهج نسقه الفكري. ومنظومة ماركس الفكرية، وتحديدها لأنماط الصراع، خصوصًا على الصعيد الطبقي: “وكتب أخرى في الماركسية، والصراع الطبقي…” ص44، وبتهوفن على المستوى الفني الموسيقي: “القناة تقدم السنفونية التاسعة لبتهوفن.” ص 120، فضلًا عن أساطير كبرميثيوس من الأسطورة الإغريقية في قصة “حمار كافكا”: “وهي تتشظى بنار نسيها برميثيوس في الأرض” ص9، في توظيف قصصي مختلف ومغاير. كذلك إيروس من الميتولوجيا الإغريقية أيضًا، وما تحمله من دلالات رمزية وأسطورية، يعج بها التراث اليوناني القديم، لخصوبة تختزل رغبات كالحب والجنس في نص “سماء المجانين” بمشاهدة الأربعة: “وهو في باريس يرغب معاشرة إيروس” ص 121.
ومن المواضيع التي تزخر بها المجموعة الموضوع الغرائبي الذي ورد بأشكال مختلفة ومتنوعة، نذكر منها: “جمعت ما تشتت على شاشة الحاسوب، ووضعته في كيس بلاستيكي…” ص 11، وهو فعل غريب لا يمكن تصوره و حدوثه، ومرافقة كافكا الذي مات منذ زمان، والسير إلى جانبه: “نظرت إلى كافكا وهو يسير بجنبي…” ص 12، وإيقاظه قبل ذلك من الحاسوب، وحمله إلى الشارع: “أيقظت كافكا من حاسوبي، وحملته إلى الشارع الكبير…” ص 11، وفي مشهد آخر لا يقل غرابة، حيث استدعى الكتبي بورخيس لمشاركته شرب الشاي، وتدخين سبسيه المزوق: “ودعا بورخيس لشرب الشاي المنعنع وتدخين سبسيه المزوق” ص 34، أو خروج الميت من المقبرة وعودته إلى الحياة: ” يعرف أنك مت قبل يوم أو ثلاثة، وأنك خرجت للتو من المقبرة” ص62، بل مشاركة الميت في جنازته: “نزلت من المقهى مسرعًا للالتحاق بموكب جنازتي” ص 105، وما أحاط بالشيطان، الذي شكل عنوان قصص المجموعة، من أحداث غير مألوفة وغير متوقعة كمنع الباعة المتجولين له من سرد حكايته: “الباعة المتجولون يحتلون الحكاية ولا يتركون الشيطان يحكي حكايته” ص 35، بل يتجاوزون ذلك إلى طرده لكن في الكلام : “أو هم يطردونه في الكلام…” ص 35.
وللجانب الغرائبي اختراقات وامتدادات داخل المتن القصصي يصعب الإحاطة بها، ومتابعتها. ولا يفوتنا الإشارة إلى موضوعات أخرى تضمنتها ثنايا الأقصوصة، مثل الدين في تجليات عدة، إما شعائرية كالآذان: “وصوت المؤذن يعلن صلاة الظهر…” ص 35، أو”عندما يؤذن المؤذن لصلاة الفجر…” ص 49، ونصية مأخوذة من القرآن الكريم : “سبحان الذي يحيي العظام وهي رميم” ص 62، وهناك موضوع الاعتقادات بتعدد مستوياته، منها ما هو شائع وسط فئات كثيرة من الأفراد كحالة أهل مدينة سلا الذين، وحسب اعتقاد الكثيرين، يصابون بالخبل بعد صلاة العصر، وهو موعد كانت تغلق فيه أبواب الأسوار المحيطة بالمدينة، ويتعذر على الذين خارج الأسوار الولوج إليها؛ ما يرفع من منسوب معاناتهم فيصابون بالحمق حسب ما كان رائجًا: “اعتقدت أن أهل سلا غيروا مواعيدهم من العصر إلى العشاء” ص 59، وقصة عائشة البحرية التي عجز الفقهاء عن فك لغز عروس البحر التي تسكنها، وما أحاط بها من أحداث غريبة تمثلت في رغبتها بالزواج من كائنات غير مرئية محفوفة بالغموض والالتباس: “تعشق البحر، وترغب بالزواج من مالكيه …” ص73.
وفي الجانب التاريخي تناولت قصص المجموعة أحداثًا مثل: ملحمة أطفال الحجارة “صورة ملصق فلسطين يُظهر أطفال الحجارة.” ص 43، ومسلسل التناوب الحكومي الذي أطلقه ملك المغرب: “علينا التناوب على الحراسة كما التناوب الحكومي تمامًا” ص 90، في تشبيه متعدد الأبعاد والدلالات.
وتضمنت القصص أيضًا الكثير من الموضوعات كموضوع التحول، مثل تحول السوق إلى مكتبة من خلال رؤية الكتبي: “حتى بدا له السوق مكتبة…” ص 29، وتحول النور إلى صدايا ذات نهود: “ورأى النور يتشتت قبالته، ويتحول إلى صدايا بنهود تفاحية ورمانية…” ص 123، والحلم كتيمة تتمظهر عبر تجليات مختلفة: “رأى فيما يرى النائم، أمه تأكل كتب الآلهة وهي محاطة بنساء محجوبات بالبياض…” ص 32، من رؤية أمه في مشهد غير مألوف إلى تحويل الحلم لحكاية تتغيا الكسب والربح: “قال: غدا سأحكي الحلم في السوق، ربما ستكون حكاية الأحلام مربحة” ص 33، ليغدو الحلم مصدر إلهام وإبداع: “وقلت: هذا السيناريو هو تجربة خاصة عشتها في الحلم…” ص 117.
وتميزت لغة المجموعة بأسلوب لا يخلو من مجاز: “توضأ بكوابيسه” ص 30، أو بخيوط الشمس: “التوضؤ بخيوط الشمس…” ص 31، بتبديل للماء في الوضوء بالكوابيس وخيوط الشمس بمنحى استعاري تعدد وتنوع عبر استعارة المضغ للعادات السيئة: “كشفت بعض العادات السيئة التي تمضغنا بمهل وكياسة لا حد لها…”ص 9. وشرب الحكاية ورسمها على ضوء القمر في مشهد سريالي تستعصي ملامحه على التصور والتحديد: “وصب كأسًا لأبيه كي يشرب حكايته ويرسمها على ضوء القمر” ص 95. وافتراش الليل والاسترخاء فوق سريره: “يكون الليل أنيسي الوحيد، أفترشه، وأتمدد على سريره دون كلل…” ص82.
ورغم محاولة مقاربتنا لبعض مواضيع، وتيمات المجموعة، تبقى جوانب أخرى في حاجة للاستنباط اعتمادًا على وسائل وأدوات تكشف خفاياها الجمالية والدلالية، وتستجلي مكامن طرائقها التعبيرية، وأبعادها الفنية والرمزية.
*كاتب مغربي
التعليقات