مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

*طفرة الأكاديميين ستنتهي  *أشعر بالملل، فقد كتبت عن كل شيء  *الشعر الشعبي الذي ي …

إبراهيم طالع الألمعي: فضلت قريتي على واشنطن.. وزماننا أهان الشعر

منذ شهر واحد

1113

1

*طفرة الأكاديميين ستنتهي 

*أشعر بالملل، فقد كتبت عن كل شيء 

*الشعر الشعبي الذي يقوله المتعلمون “سامج”

*انخفاض معدلي الجامعي بسبب “سيد قطب”

*نعم.. ركزت على القرية انتصارًا لها 

حوار_محمد يحيى عسيري 

كيف يمكن الإحاطة بسبعة عقود من الإصرار والتحدي من المواجهة والتفرد والإبداع والتجلي.. تلك حياة شاعرنا العظيم إبراهيم طالع الألمعي، تجده دائمًا حاملًا للحب والبهجة ينثرهما على الآخرين بكرمٍ لا حد له.. مهما كتبنا عنه فلا مجال للإحاطة بهذا الطود الأشم، هنيئًا لنا لأنه في حياتنا.. نستسقيه دومًا فيسقينا شعرًا ونثرًا وفكرًا. “فرقد” حاورته وتضع بين أيديكم ما دار في هذا الحوار… 

*نعم.. ركزت على القرية انتصارًا لها 

رغم أنك قد تركت القرية باكرًا لظروف الدراسة والعمل وتغربت خارج البلاد لسنوات في الجزائر، لكن جُل شعرك يتمحور حول القرية التي تنتمي إليها -كأنك لا تعرف إلا هي- ألا تعتقد أنك تبالغ؟

أولًا- لا أجد في نتاجي شعرًا أو نثرًا هذه الشدة في الانتماء القروي كما وصفتَه، بل أجد أثرًا واضحًا لها كغيرها، ولو أمكن استقصاء ما كتبته وقلته لوجدت فيه الكثير من الجوانب الإنسانية العامة بغض النظر عن مصطلحي (مدينة – قرية)، فمفهوم (مدينة) لا تنطبق عندي على جزيرة العرب مهما كثرت وتمظهرت فيها (مدن الملح)، بل لم أزل مؤمنًا بمكة والطائف كقريتين (… على رجل من القريتين عظيم)، وهذه حضارتنا التي أعتدّ بها وأعشقها، فالمملكة أكبر وأعظم من اختزالها في المصطلحين. 

ثانيًا- أقر وأعترف أنني ركزتُ -شعوريًّا و إراديًّا- على القرية والجهة انتصارًا لها من التجاهل التاريخي الطويل الذي مرت به ثقافتها اقتصادها، وكل جوانب الحياة فيها عبر القرون منذ خروج ما أسميَ الفتوحات العربية، تاركًا وراءه هذه الأماكن (القرى)، مركزًا على ما وجده من الفتوحات لتلك البلدان، ومن أمثلة ما يمكن الاطلاع عليه من أعمالي سلسلة المقالات الشهيرة (صناعة الموالي ولغة العرب) وسلسلة (جغرافية اللغة في شعر منطقة عسير) وما ورد في بعض كتبي عن الثقافة الشعبية واللهجة التي أعتبرها البقية الباقية من جذر العربية الأولى قبل تقييدها الإعراب، وما ذكره العلماء الكبار -من خارج الجزيرة- من اصطيادهم هناك لكلمات من العربية التي حُمِلت إليهم ونطلق عليها الفصحى.

ولكي ترى الأثر الثقافي المتنوع -عن القرية وسواها- أتمنى الاطلاع على ما صدر من شعر ونثر.

كما أقرّ وأعترف أنّ نقطتك التي تقف فيها -حيثُ كنت- هي مركز الكون، وأنك حين تتحدث أو ترسم أو تغني على قمة أحد جبالنا فكأنك -عندي- في باريس أو هوليود.

وعليه أجدني بررت لك قرويتي وإصراري عليها منذ أن قطعتُ بعثة (الماجستير والدكتوراة) من مركز التعداد العالمي بـ(واشنطن) لأعود إلى والدَيّ في عمق إصدار (ألمع) لأشاركهما سيرورة الزمن.

في مرحلة البكالوريوس كان بحثك للتخرج عن سيد قطب، جمعت كل كتبه وحللتها، السؤال: بما أنك قد غصت في عالم سيد قطب، كيف نجوت من التطرف؟ بمعنى آخر، كيف تشكلت لديك المناعة من الأفكار المتطرفة؟

هي مرحلة (الليسانس) حسب تسميتها آنذاك في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

وبحث التخرج فعلًا كان عن (سيد قطب حياته – آثاره – عرض وتقويم)، وقد كنت أدرس انتسابًا، إذ كنت أدرس علم الإحصاء في معهد الإدارة العامة بالرياض، ثم عملت باحث إحصاء قبل تحولي إلى التعليم.

كان مشرف البحث الدكتور/ عبد الرحمن رأفت الباشا، وقد جمعتُ كل كتب سيد قطب بداية بأول كتاب له (مهمة الشاعر في الحياة وشعر جيلنا الحاضر)، ودرستها دراسة شخصية استقصائية، دون اللجوء إلى من كتبوا عنه كثيرًا، عدا ما اطَّلعتُ عليه من كتابات المفكر الرائع الأستاذ/ إبراهيم البليهي، وخرجت من البحث بنتيجة أن إعدام سيد قطب ومن معه كان إعدامًا سياسيًّا امتدادًا للصراع على السلطة منذ ما يسمى (الفتنة الكبرى) في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه (وربما من يوم سقيفة بني ساعدة)، وأن صراع الحكم مع الدين قديم جدًا، وكانت الاتجاهات الإسلامية لدينا وفي العالم الإسلامي، مصوبة إلى اتهام جمال عبد الناصر بأنه قتلهم لإسلاميتهم، فما كان من الدكتور/ عبد الرحمن رأفت الباشا سوى إعطائي (50) درجة من مائة، وهي الدرجة الدنيا للنجاح، وكتب معها صفحة (لمْ تزل معي) بقلم أحمر يرى أنني لمْ أعش الأجواء الإيمانية الجيدة مع سيد قطب، وأنني متأثر بإبراهيم البليهي، وكان لهذه الدرجة الأثر السيء على معدلي في النجاح.

أما حصانتي من التطرف، فلعل لبيئتي التي نشأت فيها وطبيعة وقوة تعليمنا وتأهيلنا الفكري المصاحب للعملية التعليمية في المعاهد العلمية حينئذ أثرا في هذا، ولأنني بطبعي لا أستطيع الاتِّباعية دون إدراك. 

غردت معجبًا في منصة “x” بحديث لشخص يتحدث عن معاناة المتقاعدين.. سؤالي بعد كل هذا الجهد والتاريخ الطويل في الكتابة والشعر ومناهضة التشدد والعمل في التعليم والصحافة والأندية الأدبية، هل يشكو إبراهيم طالع الإهمال وعدم التقدير؟

أما التقدير، فأشهد بأنني أجده في كل خطوة من خطواتي أنَّى كنت.. وأما الإهمال، فأظنها طبيعة بشرية عادية علينا تقبلها، ومن يدري فقد نرى في أعطاف التحوّل الجديد ظهور قوانين تعطي من بذروا حيواتهم وأعمارهم وأقلامهم وعقولهم ومشاعرهم، لترى ما تراه اليوم من تنويرية وانفتاح نحو العالمية!

سنويًّا تقام معارض الكتاب في مختلف مناطق المملكة، لكن (أبها) مستثناة من هذا حتى في الصيف، حيث يفد إليها قرابة ٣ ملايين سائح حسب آخر الإحصاءات.. كونك عضوًا سابقًا في النادي الأدبي بأبها وأحد أبرز الوجوه الثقافية بالمنطقة، برأيك -وبصراحة- ما الأسباب الحقيقية لذلك؟

هذه بقايا المركزية التي لم نزل نعيشها وزادت اليوم أكثر، فهي آفة قديمة تؤمن بما يسمى المراكز والهوامش، وزادتها التقنية اليوم عتوًّا، وصارت النشاطات الثقافية تصاغ على جهاز في المركز دون سماع رأي من قواعد الثقافة الأساسية في المناطق، وموظفو المركز شباب تقنيون ناجحون في التقنية والتواصل عالميًّا ومحليًّا، لكنّ القاعدة (المناطق) مهمشة في صنع هذه القرارات، وقد نادينا كثيرًا منذ أمد إلى وضع ما يشبه وكالة لوزارة الثقافة في كل منطقة، فليست أبها وحدها المتجاهلة عن معارض الكتب الكبرى، بل إن تلك المعارض تختص بجدة والرياض تقريبًا، عدا بعض المعارض الهامشية البسيطة التي تجتهد أحيانًا بعض المؤسسات بإقامتها على هامش إحدى الفعاليات.

*أشعر بالملل، فقد كتبت عن كل شيء

كنت تكتب بانتظام في الصحافة منذ مطلع التسعينات الميلادية.. اليوم أفكارك وآراؤك ومواقفك كيف تعبر عنها؟ إذا أخذنا في الاعتبار أنك مقل في التعاطي مع (السوشل ميديا).. هل هو الملل أم العجز عن مجاراة التقنية ووسائلها الحديثة أم ماذا؟

أظن أن للملل دورًا أشعر به، خصوصًا حين أشعر أنني كتبت عن كل شيء وقلته، وتلك آفة ثقافية فعلًا. غير أن الحقيقة أننا اليوم نمرّ بمرحلة تاريخية تكوينية مفصلية، على المرء أن يتأملها جيدًا، وما نراه اليوم من كتابات ليس سوى إعادة لما كان يُعتبرُ تجاوزات كنّا نمارسها كتابيًّا وصارت اليوم عادية، ولأن ما كتبناه ليس متداولًا جيدًا فإننا نجده اليوم مكررًا بشكل أو بآخر. كل هذه العوامل جعلتني مقلًّا في الكتابة اليوم، إضافة إلى أن حقوق الكتابة توارت ولم يعدْ لمن يريد الكتابة سوى التطوع المجانيّ، والمستفيد هو من ينشر على حساب المثقف المُتْعَب.

 

*الشعر الشعبي الذي يقوله المتعلمون “سامج”

هناك تشدد -خاصةً في جيلكم- للغة العربية الفصحى، تشدد يتجاوز مسألة الهوية والحفاظ عليها، ويساوي أحيانًا التشدد الديني الذي عانى منه الوطن فترة من الزمن. أولًا/ هل توافق على هذا الطرح؟ ثانيا/ هل عدم نظمك للشعر العامي وأنت الذي تحفظ منه آلاف الأبيات نابعٌ من تشددك للفصحى؟

لا أراه تشددًا، بل هو أثر طبَعِيّ لما تعلمناه وعلينا تعليمه. فاللغة التي أُسميتْ الفصحى هي لغة السيادة التي تشكلتْ سياسيًّا ودينيًّا عبر مراحل الحياة العربية بعد المدّ العربي، وقد كانت السياسة في الأقطار المفتوحة تخضع للخلافة من ذوي اللغة السيدة السائدة كالأمويين والعباسيين، وتخضع دينيًّا للغة القرآن الكريم وأحاديث السنّة، وتلك جاءت تقريبًا بلغة السيادة وليست بما يسمى (لغات العرب)، أي: لهجاتهم.. وعليه كانت صبغة التعليم عبر القرون خاضعة للغة السيادة ونحن ننتمي إلى هذا النوع من التعليم.

وللحق: إن في الفصحى علوًّا وشموخًا لا يدركه سوى الراسخين فيه، وأن في أعماق عربيتنا (فصحاها ولهجاتها) إعجازات متفردة على كل اللغات.

وأعترض على تسميتك (الشعر العامّيّ)، فالصحيح: الشعر الشعبي، ولي في هذا كتاب بعنوان (الشعر الشعبي نبض حياة).

وأما عدم قدرتي على قوله فأعيدها إلى شعوري بأن من اختلطت لديه الفصحى بالشعبية مُشَوِّهٌ للشعر الشعبي لو قاله، فأنا ممن انصبغوا بالفصحى وعشقها وأدَّعي فقهها إلى درجة ما، ولو قلت شعرًا شعبيًّا لحاكمت نفسي.

ويحضرني قول شهير لأبي رحمه الله، بعد إلقائي قصيدة في أحد احتفالات (ألْمع) في بلدة (رُجال التاريخية)، إذ طلب مني بعد عودتي إلى البيت إسماعه بعضها فاخترت له منها، فمدَّ لسانه ساخرًا قائلًا: (هذا شعر علم وليس شعر، شعر لا يهز الصفوف ما هو شعر)، ويقصد الشعبي.

وأسمج ما أسمعه من الشعر الشعبي هو ما يقوله المتعلمون، وألذه وأجمله وأصفاه وأنقاه ما يقوله الأمِّيّون الخالصون من لكنة الفصحى.

رغم تخليه عن عرشه لصالح الرواية والقصة، فإن الشعر العربي -الشعبي والفصيح- يشهد اليوم انفجارًا هائلًا على مستوى الكم، لكن الكيف والتميز نادر. هل توافق؟ وهل هي ظاهرة صحية أم خلل يجب إصلاحه؟

حين كان الشعر هو سيّد الفنون كان كيفه وتميّزه ظاهرين.. أما حين صار واحدًا يزاحم الرواية والقصة والمسرح والسيرة والفن التشكيلي، وفوق هذا كله: الصورة والفيلم، فقد صار نوعًا عاديًّا فعلًا مهما بلغ تميزه.. صورة واحدة قد تختزل قصيدة كاملة للشاعر، وحركة درامية قد تكون بديلًا عن معلقة. لهذا تَهِنُ اللغة أحيانًا أمام المَشاهدِ الحية. ذلك هو الزمن، فلا القصيدة بتجريديتها ولا الرواية بملالها وإملالها عادتا قادرتين على الوقوف أمام الحركة الدرامية ومستوى الصورة.

قبل عقدين من الزمان صرح للصحافة الأديب/ إبراهيم شحبي، بأن شعراء عسير ليسوا على حافة النسيان، بل هم في بؤرة النسيان.. كونك أحد أبرز شعراء عسير، هل توافق أولًا على هذا الوصف وهل لا يزال هذا الوصف مطابقًا للواقع؟

لا أعد نفسي بارزًا.. وسبق أن ذكرت لك أننا لم نزل متأثرين بفكرة (مراكز – هوامش)، ولا شك أنها أثَّرت على المنطقة كغيرها، وأن الزمن الآن بدأ تدريجيًّا في القضاء عليها وإنْ ببطء، لكن التميز في الثقافات وظهورها هو الحكم اليوم في الظهور. والأديب/ إبراهيم شحبي معروف بوضوح الرؤية والتنبؤ بالنظرة المستقبلية للظواهر الثقافية والتحولات الاجتماعية.

 

فرة الأكاديميين ستنتهي 

اليوم هناك ظاهرة لا تخطئها العين وكثر حولها الجدل، وهي سيطرة الأكاديميين على النوادي الأدبية، وأن ما يُطرح في تلك النوادي هو ذاته ما يُلقى في قاعات الدرس بكليات اللغة العربية.. كيف ترى تلك الظاهرة؟ وهل توافق الأصوات التي تدعو لخروج الأندية الأدبية من ضيق (الأدب) إلى سعة (الثقافة)؟

قضيّة (الأكْدمة) قضية كبرى واسعة، سواء في مجال الثقافة أو في كل المجالات، والحديث عنها وعن طرائق وأساليب الحصول عليها موضوع يحتاج إلى كتابات مستقلة مستفيضة.

وهيمنتها جاءت نتيجة الطفرة السريعة في تلك (الأكدمة) بوسائل كثيرة، وصاحب هذه الطفرة اقتحام هؤلاء كل المجالات لمجرد حمل الشهادة العليا بغض النظر عن المجال الحقيقي، ووصل الأمر بكثير من الأحبة على الإصرار على مخاطبتي بـ(دكتور) رغم تنبيهي له بأنني لست دكتورًا، فأجابني إجابة طريفة قائلًا: لمْ أتقبلْ نداءك بغير هذا.. تلك طفرة ضمن الطفرات وستنتهي ولن يبقى سوى الأصلح ذات زمن.. وقد عرفنا رواد الثقافة الأعلام في وطننا بلا شهادات عليا وهم من ملأوه إبداعًا وفكرًا وريادة.

لطالما كان المقال في الصحافة السعودية أبرز مكوناتها وأحد أهم أدوات المثقفين. وقد كتبت في الصحافة لعقود، ألا تفكر جديًّا في جمع تلك الكتابات والمقالات في “كتاب” أو سرد مذكراتك في الصحافة، حفظًا للأرشيف وتوثيقًا يفيد الأجيال الجديدة ويعطيها مصدرًا لرؤية بعض جوانب الماضي وقضاياه؟

جربت قبل زمن جمع بعضها في كتاب أصدرته دار (طوى) ثم أقفلت وعنوانه (توبة سَلَفِيّ) في حوالي 450 صفحة، طبعته الدار وانتهت طبعته ولقي رواجًا خاصًّا، وليتني فعلًا أستطيع طباعة الباقي وإعادة طباعته معها.

هنا مساحة مفتوحة لما تريد أن تقوله لقراء “فرقد”  

شكرًا على الظهور في زمن صمت الورق.. 

شكرًا على التميز دائمًا.. 

شكرًا جزيلًا محررين ومسؤولين..

شكرا للدكتور الأديب/ أحمد الهلالي وكل صحبه الفراقد وأنت منهم.

التعليقات

  1. يقول غليس عسيري:

    مبدع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود