مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

وفاء عمر بن صديق* فتحتِ عينيكِ بصعوبة لم تريْ شيئًا. الجو خانق. والغبار يملأ فمك …

خلود

منذ شهرين

164

0

وفاء عمر بن صديق*

فتحتِ عينيكِ بصعوبة لم تريْ شيئًا. الجو خانق. والغبار يملأ فمكِ ورئتيكِ. تشعرين بسائل لزج دافئ ينساب على جبينكِ. رأسكِ يؤلمكِ لقد أصبتِ. تحاولين رفع يدكِ بحثًا عن موضع الجرح، لم تستطِيعي فعل ذلك! اكتشفتِ حينها أنكِ لن تتمكني من تحريك جسدكِ يبدو أنكِ شللتِ أيضًا. فأنتِ مستلقية على ظهركِ لفترة طويلة .. لا تعلمين… يومًا… يومين … ثلاثة! لا تدرين كم استغرقتِ من الزمن حتى أفقتِ! آخر ما سمعتِهِ دويّ الانفجار.
قبل أن يؤول بكِ الأمر إلى هنا بساعات قليلة كنتِ مجتمعة مع أسرتكِ على مائدة العشاء تتقاسمين معهم الرغيف الأخير، تغمسينه في زيت الزيتون والزعتر. تعاهدتُم على البقاء في نفس المكان حتى ترحلوا معًا، فلا يظل أحد منكم وحيدًا على قيد الحياة يجتر الذكريات بمفرده، سمعتِ صفارة الإنذار، لم تمهلكِ القذيفة احتضانهم، سقطتْ، انفجرتْ، ثم… ثم… لا تتذكرين شيئًا.
والآن أنتِ وحدكِ هنا في ظلام دامس، والحطام يطبق على صدرك، مقيدة بأغلال الخوف، ينهش عقلكِ القلق. آآآآه وجع يعتصركِ آآآه يمزقكِ آآآآآه… تهمسين له قائلة:
“غسان لاااااا ليس الآن انتظر قليلًا ياصغيري لم يحن الوقت بعد.”هل ستلدينه الآن؟! هل يعقل كيف سيخرج في هذه العتمة؟! دندنتِ له بصوت مبحوح:
“يا الله اتنام… يا الله اتنام وأهديلك… طير الحمام روح يا حمام لا تصدق… بضحك ع الحلو تا ينام”. 

حرضه هذا الأنين على مقاومة الركام. لم يتوانَ، استمر في شق طريقه إلى الميلاد.
مرّ زمن وأنتِ تصارعين الألم المبرح، بدأ نفسُكِ يضيق، ونبضات قلبكِ تخفت. وأوشك جفناكِ على الإطباق. تسلل ضوء من شقوق الظلمة رافقته أصوات مهللة امتزجت بصرخة (غسان).

*كاتبة من اليمن

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود