647
0105
0167
0545
018
041
0132
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11822
04785
04756
04676
04416
17وداد الإسطنبولي*
حيرى تقبع على الكرسي تنظر إلى الأرض ويبدو أن ما تفكر به تجاوز الحد المعقول. لا تعي شيئًا من الوجود، صفراء البشرة، تضغط على شفتها السفلى بحسرة، ترفع رأسها بتثاقل، تتفقد بعينها فناء البيت الواسع، كأنه حفرة ضيقة تشبه ذلك القبر المقيت.
نطقت لقاء ونطق معها ذلك الهم الذي تحمله على كاهلها، وشبه ابتسامة سخرية على فيها تقول: “أنا تائهة؛ لا تسير الأمور في حياتي كما يجب، ثمة أقدار لا تتوقع أنها تتبع خطواتك لتقاسمك كأسًا ملأته سابقًا ولم تكن تشعر بطعم ذلك المر الذي سكبته للآخرين، ولا إلى أي مدى كان تأثير ذلك المر المسموم! وماذا ترك وراءه؟ في العام الماضي في مثل هذا اليوم طردت زميلتي من عملها، كانت ذات كفاءة عالية تضج بحيوية نشطة، كانت مهووسة بفلسفة أخبار العالم، جميلة النفس كما يصفها المدير، وكنت أحترق في نفسي لقوله، وأشعر أن غِلّا تملكني منها، كانت ميسورة الحال، لكنها ثرية بقلبها الواسع.
صمتت لقاء حتى ظننت أنها لن تضيف شيئًا، لكنها واصلت دون توقف مردفة حديثها: قد تجدين من يحسدك على ثرائك، لكن مع هذا تطالبين بالمزيد غافلة أنك تسقطين في غبة لا قرار لها.
فقد كنت تلك الكلمة الجارحة التي تتناقل بين آذان السامعين، وأحمل بين جنباتي تلك الوشوشة الملتوية، لم أكن أعلم أني اتخذت للشيطان صديقًا، وثرائي كان وسيلتي للقلوب الضعيفة مثلي في التصديق عما أقوله عنها، ووسامتي هي سلاحي المقيت. كنت كالنحل يغرف عسل حبهم لتلك المرأة وأسكب في آذانهم دبسًا أسود. وفي فترة وجيزة استطعت إبعاد الزملاء عنها، ونظرات الحذر والحرص منها تجدها في كل زاوية، فقد صورت لهم صورة فاجعة عنها، والتهموا طعم لساني.
فجأة لم نسمع إلا صرخات المدير تدوي في مكتبه، وهي تتوسل إليه أن يسمعها، ويعطيها فرصة للحديث. تحاول أن تدافع عن نفسها، لكنه فتح الباب على مصراعيه، وأشار إليها بالخروج. احتضنت عيناي عينيها لحظة خروجها. كان هناك شيء ما لم أدركه يومها، لكن أدركته الآن بعد مرور هذا العام. أحمل هذا الهم، أحاول نسيانه، خرجت هي من العمل، وأخذت أنا الضمير بعد فوات الأوان. وتزوجت لقاء المدير، وكان لها ما أرادت، وامتلأت حياتها سعادة به على الرغم من أنها تقطب جبينها كلما نظر إليها، يرتعش خدها كأنها تتذكر شيئًا مرت عليه الشهور، عقدة تحملها، صوت يولد من أعماقها يربك حياتها.
مسكينة لقاء، فقد فكرت كيف تحلق مع الكلمة الجارحة.. ونسيت أن الأقدار دول.
كأن الماضي يعيد نسيج القصة من جديد، ويفككها لكن باستبدال الشخصيات… تقول لقاء:
استيقظت في الصباح الباكر بمزاج جميل، وبخار رائحة القهوة ينعش أنفاسي، أسرعت بالنزول وتركت فتحة جلباب مفتوح لعلي أجد علاقة حميمة مع زوجي. بعد ذلك النقاش الطويل الجاد ليلة البارحة، فقد كان في الفترة الأخيرة ذو مزاج عكر ولا يتقبل مني شيئًا، لكن ثقتي به أنه لا يملك سواي أعمت عيني وبصيرتي، كنت أعيش في خلية عسل النحل، ونسيت أن دبسًا كان يدبر لي ويصب في أذن زوجي، ملاكه الطاهر التي لم أشعر منذ وهلة قدومي وارتياحها إليّ، تعليقاتها وتلميحاتها السيئة وانتقاداتها البذيئة… تراجعت للخلف تستحقر صورة شبيهة بالأمس.. يالا سخرية القدر!
الفاجعة المرة، والقذيفة التي صوبت نحو لقاء، وألقت بها سابع أرض، رغم سلاح الفتنة المغري الذي نزلت به من غرفتها تجد أمامها شخصًا آخر، بل ثورًا ينفخ أنفاسه، ولهيبه يحرق جسدها. صمتتْ، اقترب منها، نظر إليها بازدراء. كان يصرخ ويشتم، لم تكن تعي ما يحدث، فقد رجعت لذلك الزمن القريب، هذا الرجل هو ذاك الذي يصرخ بزميلتنا وهي السبب، تذكرت المحاولات التي أرادت بها أن تدافع بها عن نفسها، ولم يعطها فرصة للحديث. الشريط يعيد نفسه معها، العلقم الذي دسته بكأس الزميلة تذوقه الآن والسبب أمه.
قالت بعد أن التقطت حديثه الأخير:
لكني لم أقل لها شيئًا! وانت تعلم أني لا أقترب من أمك كثيرًا تجنبًا…” لم يجعل لها مجالًا لتكملة حديثها: ماذا تعنين؟ هل أمي عديمة الإنسانية لتبتعدي عنها، انفرجت عينيها: لا ولكن… ولكن ماذا؟… رفعت بصري من أعلى كتفه، كانت هناك، بل أنا هذه صورتي العاكسة الساخرة في ذلك اليوم المشؤوم. هذا ما فعلته بالأمس أحصده الآن. تصاعدت أنفاسها، توسعت عيناها بخوف، وتلك الأصابع تغرس جسدها، وتدفعها للخلف. ألبوم الصور القديم يعيد شريطه، ونظرات أمه الساخرة تلاحقني، وملامح زميلتي شاحبة… نعم، أدركت لقاء رسالتها الآن. جذبها إليه، فانتبهت له وارتجف جسدها من قبضة يده، ودفعها للخارج، إلى الفناء الواسع والدموع تملأ عينيها.
رجعت إلى ذلك السكوت العميق بداخلها، لا يوجد طوق نجاة الآن، فقد غرقت في وسواس نفسها.
*كاتبة من عمان
التعليقات