الأكثر مشاهدة

عبدالعزيز قاسم* تلقَّيتُ دعوةً من صديقٍ نبيلٍ للصعودِ إلى الطائفِ العروسِ في نها …

الطائف.. نهاية أسبوع استثنائية

منذ 3 أسابيع

68

0

عبدالعزيز قاسم*

تلقَّيتُ دعوةً من صديقٍ نبيلٍ للصعودِ إلى الطائفِ العروسِ في نهايةِ هذا الأسبوعِ.
ولم أُصَدِّقْ أن أُلَبِّيَهَا؛ لِمكانتِهِ في نفسي، وهرعتُ من فوري، فتلكَ مدينةُ الطفولةِ والعشقِ واليفاعة.

ومن فوري قمتُ بمزاولةِ هوايتي بتصويرِ الورودِ في المزرعةِ الغنَّاء.
طبعًا، مباشرةً يأتيكَ مشروبُ الزنجبيلِ مُهرولًا، لأُردِّدَ مع ابنِ المعتزِّ:
كأنّها في الكؤوسِ الشمسُ طالعةً
يُمزَجُ الزنجبيلُ بها ويُختَتَمُ.

مدينةٌ أثيرةٌ، وصديقٌ نبيلٌ، ورُفقةٌ كريمةٌ، وجُلساءُ أصفِياءُ، وأجواءٌ ساحرةٌ.

السعادةُ والأنسُ، بل والحنينُ مَلءُ إهابي، ومُرتسماتٌ على ملامحِ وجهي.
دائمًا أُردِّدُ: الطفولةُ عاصمةُ العمرِ

الطائفُ وملاعبُ الصِّبا فيها؛ ذكرياتٌ محفورةٌ، وكلُّ مكانٍ أمرُّ فيه تَنبجِسُ من الذاكرةِ مواقفُ وأخيلةُ عيالِ الحارةِ أو رفاقِ الكرةِ في تلكَ الملاعبِ.

الطائفُ حنينٌ وذكرياتٌ وأنسُ الأيامِ الخوالي، وتَنثالُ تلكمُ الأبياتُ الخالداتُ لفؤادِ الخطيبِ:
أنا في الطائف أستوحي الشعور
إنَّ في الطائفِ بَعثًا ونشور

أحيت الأحداقُ في نرجسِها
وأعادتْ في الأقاحي الثغورَ

-في مزرعةِ صديقي النبيلِ، أشجارُ الرُّمّانِ بدأت تتعرَّى، وسنرى أوراقَها تتساقطُ كاملةً بعد أسبوعين.
الخريفُ آتٍ، ويعقُبُه الشتاء.

لا تلُمني في هوى الطائفِ، فقد أغرمَ بها أدباءُ وشعراءُ خلَّدوها بأبياتٍ تُروى لليوم. وهنا الشاعرُ الكبيرُ حسين سرحان يقولُ عنها:

هذي حدائِقُه وتلك ظلالُه
وسهولُه قد شارفت وجبالُه

الطائفُ الميمونُ لا يَنتابُهُ
ذو طِيَّةٍ فيضيقُ عنه مجالُه

درجةُ الحرارةِ كانت 15 فجرًا، وبدأ موسمُ البردِ في هذه المدينةِ الهادئةِ المُستكنَّةِ. ولا بدَّ من شبَّةِ النارِ وتلكَ الرائحةِ التي يعشقُها أهلُ البَرِّ والكشَّاتة، مع الرُّفقةِ الكريمةِ عند مضيفِنا الجميلِ.

تأمَّلوا فقط في جمالِ ورودِ الطائفِ، التي تُزيِّنُ المزرعة. التقطتُ تلك الصورَ وقد سُحِرتُ بجمالِها في إشراقةِ الشمسِ.

-ماذا تُسمُّونَ كوزَ الذرةِ في مُجتمعاتِكم؟
نحنُ نُسمِّيه “حَبَش”، ولا أعرِفُ سببَ هذه التسميةِ، وليتَ الذي عنده علمٌ يُسعِفني بذلك.

طبعًا، أهلُ الشامِ والأردنِ يُسمُّونه “عِرنوس”، بينما اسمُه “الذرة” في بقيةِ البلدانِ العربيةِ، والله أعلمُ.

الذرةُ الصفراءُ غنيةٌ بالأليافِ الغذائيةِ التي تُساعدُ على تحسينِ الهضمِ، وتمنعُ الإمساكَ، وتدعمُ صحةَ القولونِ. فضلًا عن أنَّها مصدرٌ غنيٌّ بالطاقةِ، وتُساعدُ على تنظيمِ ضغطِ الدمِ، وتُخفِّضُ مستوياتِ الكولسترولِ الضارِّ.
شخصيًا، أُحبُّ أكلَها مسلوقةً لا مشويةً، ولكلٍّ منا ذائقتُه.

-لا أدري عندما أرى أيَّ حَمَلٍ (صغيرِ الخروف)؛ أتذكَّرُ الطفلةَ هايدي وحبيبَها بيتر عندما كانا يرعيانِ الغنمَ.
مررتُ -وصديقي الغالي- على تلكَ الخِرافِ والمِعيزِ مع الصباحِ، وتبدَّدَ هدوءُ الصباحِ مع ثُغائِها، وجريِها من حولِنا.

يظلُّ العَطنُ يملأُ تلكَ الزَّرائبَ، بما يجعلُ مثلي ينفرُ من المكانِ بسببِ عدمِ اعتيادِه على تلكَ الروائحِ، لكنَّ مُربِّي الماشيةِ يعتادونَها بالكاملِ.

لقطاتٌ للحَملانِ وكذلكَ الجِداءِ (جمعُ جَدي، وهو صغيرُ الماعز).
أجملُ ما في الجدي عندما يجري؛ له طريقةٌ رائعةٌ بالقفزِ.

ولا أدري لماذا انثالَ أبو القاسم الشابي مباشرةً حال رؤيتي هاتهِ الحَملانِ، ولربما كانَ السببُ أنَّه كانَ راعيًا للشِّياه، ولطالما ذكرَها مع الطبيعةِ في تصويرٍ بديعٍ جدًّا، ذاكَ التونسيُّ الجميلُ:

وأشربتُ الكونَ خمرًا ونورًا
وصُغتُ الحياةَ رحيقًا وعطرًا

وسُقتُ الحملانَ بين المروجِ
ألثِّمُها في ابتسامٍ وطُهرًا

-أعودُ بكم إلى الورودِ وشبَّةِ النارِ، ولننسَ الحَملانَ والخِرافَ والمِعيزَ، ونذهبُ للتغزُّلِ بالوردِ بما قالَ ابنُ المعتزِّ:

أتَاكَ الوَردُ مَحبُوبًا مَصُونًا
كَمَعشوقٍ تَكَنَّفَهُ الصُّدودُ

كَأنَّ بوَجهِهِ، لمَّا تَوافَتْ
نُجومٌ في مَطالِعِها سُعودُ

بَياضٌ في جَوانِبِهِ احمِرار
كما احمرَّتْ من الخجلِ الخدودُ

الله على روعةِ التشبيهِ! احمرارُ الوجهِ من الخجلِ يشبهُ حُمرةَ الورودِ.

نهايةُ أسبوعٍ رائقةٌ، مع رُفقةٍ أَنيسةٍ، وصديقٍ هو الكرمُ والتواضعُ والنبلُ. كم نحن بحاجةٍ بينَ الفَينةِ والفَينةِ إلى الخَلوةِ وأصفياءِ الروحِ!

* إعلامي وكاتب صحفي

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود