353
0902
01213
0154
0605
096
042
042
089
053
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11815
04747
04703
04495
04409
17إعداد_مباركة الزبيدي
وسط مناورات الشعراء تتجلى أصداء الشعر في قوالب من الحماس المسجوع الأبداع، وبين ثنايا الردود تحضر القصائد على أجنحة “المواقف” وتتبارى في ميادين الملاحم في دلائل الأبيات وبراهين الحضور وسط توثيق صنعه التاريخ، في محاورات شهدتها بلاط السلاطين في عصور مضت وبين العامة في تناقل عابر لقصيدة ارتفعت صوتها كرهان تنافس، ليأتي الرد في معركة تنتهي بالانتصار أو الاعتذار، في وقت تسببت بعض الأشعار المنقولة بين العرب الى حروب وخلافات في اتجاه وأسهمت بعضها في رأب صدع الفرقة بين قبائل أو عشائر، من خلال مناورة جاءت في صورة السلام والتسامح.
لقد عرفت المناورات بين الشعراء في الشعر العربي منذ العصر الجاهلي، ثم عصر صدر الإسلام وعصر الخلافة والدول والدويلات المختلفة والمتعاقبة، يتفاخر الشاعر بذاته، وبحسبه ونسبه وبقبيلته. أيضًا في توجيه رسائل للمتلقي في تعديل سلوك معين، أو الحث عل مكارم الأخلاق بأساليب تجمع ما بين الإبداع ورقي الأسلوب، الذي يعكس أخلاق وتربية أولئك الشعراء بغض النظر عن بعض التجاوزات التي ربما وقع فيها البعض، ومن أشهر المناورات ما كان بين جرير والفرزدق في العصر الأموي، وكان بينهما صولات وجولات في ذلك، وشاركهما الأخطل في عدد منها، وقد أطلق على نوع مناظرتهم النقائض، هجا الفرزدقُ جريرًا بقوله:
ألا إن اللئام بنو كُلَيببٍ
شِرارُ الناس من حَضَرٍ وبادِ
فردّ عليه جرير بقوله:
فغُضِّ الطَرْفَ إنك من نُمَيرٍ
فلا كعباً بلغتَ ولا كِلابا
من جهة أخرى كانت هناك مناورات بين الشاعر ومجتمعه فخرًا بذاته وواصفًا لها.
ومما قاله أبو الطيب المتنبي في العزة بالنفس والطموح:
لا بقومي شُرّفت، بل شُرّفوا بي
وبنفسي فخرت لا بجدودي
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
ذريني أنل ما لا ينال من العلا
فصعب العُلا في الصعب
والسهل في السهل
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صممُ
ولأن الشعر يعد رسالة ومنظوماته ملحمة من ملاحم السلوك، فمن أقوال أمير الشعراء أحمد شوقي في الأخلاق:
صحوت واستدركتني شيمتي الأدب
وبت تنكرني اللذات والطرب
وما رشاديَ إلا لمع بارقة
يرام فيه ويُقضَى للعلى أرب
دعت فأسمع داعيها ولو سكتت
دعوت أسمعها والحرّ ينتدب
وهكذا أنا في همى وفي هممي
إن الرجال إذا ما حاولوا دأبوا
ولي همامة نفس حيث أجعلها
لا حيث تجعلها الأحداث والنوب
لها على عزة الأقدار إن مطلت
حلم الليوث إذا ما أستأخر السلب
وإن تحير بي قوم فلا عجب
إن الحقيقة سبل نحوها الرّيب
أوشكت أتلف أقلامي وتتلفني
وما أنلت بنى مصر الذي طلبوا
همو رأوا أن تظل القضب مغمدة
فلن تذيب سوى أغمادها القضب
رضيت لو أن نفسي بالرضى انتفعت
وكم غضبت فما أدناني الغضب
نالت منابر وادى النيل حصتها
منى ومن قبل نال اللهو والطرب
وملعب كمعاني الحلم لو صدقت
وكالأماني لولا أنها كذب
تدفق الدهر باللذات فيه فلا
عنها انصراف ولا من دونها حجب
وجاملت عصبة يحيا الوفاء بهم
فهم جمال الليالي أو هم الشهب
باتوا الفراقد لألاء وما سفروا
عليه والبان أعطافًا وما شربوا
وأسعدت مشرفاتٌ من مكامنها
حمر المناقير في لباتها ذهب
مستأنسات قريرات بأخبية
من سندس الروض لم يمدد بها طنب
ما بين حام يهاب الجار ساحته
وناشئ يزدهيه الطوق والزغب
وغادةٍ من بنات الأيك ساهية
ما تستفيق وأخرى همها اللعب
قريرة العين بالدنيا مروعة
بالأسر تضحك أحيانًا وتنتحب
وتبرح الفرع نحو الفرع جاذبه
بالغصن فالفرع نحو الفرع منجذب
أبا الحيارى ألا رأى فيعصمهم
فليس إلا إلى آرائك الهرب
لن يعرف اليأس قوم أنت حصنهمو
وأنت رايتهم والفيلق اللجب
عوّدتهم أن يبينوا في خلائقهم
فأنت عانٍ عوّدتهم تعِب
والصدق أرفع ما اهتز الرجال له
وخير ما عوّد ابنًا في الحياة أب
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن
همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ويقول معروف الرصافي في الأخلاق أيضًا:
هي الأخلاق تنبت كالنبات
إذا ُسقِيَت بماء المكرُمات
تقوم إذا تعهّدها المُرَبّي
على ساق الفضيلة مثمرات
وتسمو للمكارم باتِّساق
كما اتّسقت أنابيب القناة
وثقت كتب التاريخ الكثير من المناورات والمحاورات الشعرية، منذ انطلاق اللغة على ألسنة العامة ودخول الشعر في ميدان التأثير وظهور فطاحلة الشعر والذين تمكنوا من ترسيخ الأشعار، متجاوزين حقبات الأزمنة وتحول بعضها الى ملاحم تسربت الى أعماق الذائقة وترددت في آفاق الذاكرة بصورة مستديمة، بعد أن حضرت في رداء فضفاض من المواقف السلوكية والملاحم الإبداعية.
التعليقات