36
041
0104
053
078
0الرياض_فرقد تستضيف هيئة الأدب والنشر والترجمة، سلطنة عُمان الشقيقة كضيف شرف للدورة المقبلة من معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، والذي سيقام تحت شعار "وجهة ملهمة" خلال …
11903
05711
05652
05377
04865
0د.عائشة العتيق*
ويقصد به تداخل النص الروائي مع النصوص الشعرية المختلفة التي توظفها الروائية؛ وفقًا للغرض المستدعى من أجله في النص الروائي، فكثيرا ما توظف الروائية محفوظاتها من الشعر العربي قديمه وحديثه في مواضع من روايتها، مما يتناسب مع الموقف فتقتبس بيتًا من الشعر أو عدة أبيات كاملة.
ففي رواية الفردوس اليباب توظف الروائية أشعار محمود درويش (1941- 2008م) تقول: “تنكتين الرمل بأظفرك. تكتبين اسمك واسم خالدة. ترسمين يمامة صغيرة وتحتها تكتبين: جدة، وترسمين وردة بالألوان عدا لون الرمل، وثم سطر تختلسينه من محمود درويش وتتركينه بلا ورد أو زينات أو أغصان:
لم يبق لي حاضر
كي أمر غدًا
قرب أمسي.”[1]
واعتماد أي نص على كلمات ومفاهيم وتضمينات وشفرات ومواضعات وممارسات لا واعية ونصوص سابقة، فكل نص متناص يستعير أو يقترض، بطريقة معروفة أو غير معروفة، من المخزون الهائل للثقافة السابقة. ومصطلح التناص يقبض على معنى النصية بوصفها وجودًا مشروطًا بهذا المتناص التاريخي الذي يتعذر اجتنابه.[2] فقد تأثرت الجهني بملحمة الفردوس المفقود لجون ملتون (1608-1674م)، فكثيرًا ما يتكرر في الرواية، الفردوس، وآدم، وحواء، وانتصار الشيطان عليهما وخرجوهما من الفردوس. تقول على لسان صبا: “الفردوس المفقود؟! من أين جاء هذا الاسم؟ من أي كتاب التقطته؟ في أي قصة قرأته؟ الموجز في تاريخ الأدب الإنجليزي، إيفور إيفانز، في الحرب الأهلية، ساند ملتون الجانب الذي هزم في آخر الأمر… وقد وسمت لمحة مأساوية أواخر سنينه حين عاد أعمى، مشردًا، عجوزًا، محطم الأمل ليؤلف أعماله الشعرية العظيمة التي لازمت مخيلته منذ شبابه: الفردوس المفقود الملحمة التي نشرت في 1667م.”[3]
ويظهر تأثرها بالكتاب الأول من الملحمة، فالكتاب الأول في الفردوس المفقود يتضمن سيدنا آدم وحواء وإغواء الشيطان لهما وخروجهما من الجنة، يقول ملتون: “ما الذي دفع بجدينا وهما في تلك الحالة السعيدة
وقد فضلتهما السماء على الآخرين، إلى التمرد
على خالقهما، وخرق إرادته
في محظور واحد، في حين هما سيدا العالم؟
من أول من أغواهما إلى هذا التمرد الأحمق؟
الأفعوان الجهنمي؛ إنه هو، الذي بمكره
وقد حرضه والانتقام، إلى الخداع.”[4]
وعلى الرغم من أن الرواية تحمل عنوان الفردوس الباب، فإن مصطلح الفردوس المفقود هو ما يتردد بين أسطر الرواية؛ لترمز إلى الفردوس المفقود منذ الأزل، منذ خطيئة سيدنا آدم وحواء بتحريض من الشيطان، فالفردوس رمز لكل حلم ينهار، “فالفراديس في السماء وليست على الأرض، الفراديس للأنبياء وليست للخاطئين.”[5]
وفي رواية عيون الثعالب توظف الساردة عددًا من الأشعار لشعراء، مثل: سامي مهدي (1940م-، كاظم الحجاج (1942م-، وغيداء المنفى، وتوظف هذه النصوص الشعرية لخدمة النص السردي، فتقتبس من الشاعرين كاظم الحجاج وسامي مهدي في الرسائل المتبادلة بين العاشقين، تقول: “في اليوم التالي، خرجت مع ريم، لم تكن الـ بي أم موجودة! كنت قد جمعت أغصان ريحان ولففتها بخيط من نسيج الشماغ، ووضعت بداخلها ورقة ملفوفة:
معًا في الزمان..
معًا في المكان..
ولكننا حين نكتب أحلامنا ونقلب أوجاعنا..
عالمان..
عالم من رماد قديم..
وآخر من لهب ودخان..
التوقيع:
رجل في الأربعين
وفتاة مسرعة!
عبرا من أول الجسر إلى آخره.”[6]
وتقتبس في موضع آخر من الرواية قصيدة القصيدة والأصابع العارية للشاعرة السعودية غيداء المنفى، وخصت هذه القصيدة بالدراسة وتتبع ما ترمز إليه، بصورة لم تشعر القارئ بإقحامها لهذا النص الشعري، فأبطال الرواية شعراء وكتاب ومثقفون، ومن عادتهم عقد جلسات شعرية تتم فيها مداولة القصائد، وتجري فيها أحداث الرواية الجريئة، تقول: “ألقت نائلة تقاطعًا تشكيليًّا مع نص لـ غيداء المنفى، غيداء تعجب نائلة كثيرًا، وتأست على اختفائها عن ساحة النشر بعد أن أغرقت الساحة بنصوص متجاوزة جدًّا، كانت نصوصها موغلة في العشق الثائر.. أعجبتني قراءة نائلة التشكيلية لنص غيداء.
هي الآن تصحو كما الوعد
تفتح أبوابها للمطر
تلبس ثوبًا من الثلج.. لا تعرف الطرقات
هي الآن بوذية تتمرغ بالطين
تشرب ماء الرماد
وسادية تتمتع بالجسد البض حين
تمزقه رقصات الجياد.”[7]
وفي رواية رقصة الموت في فرانكفورت تقابلنا في الصفحات الأولى من الرواية مقتطفات من كلام عباس محمود العقاد (1889م -1964م)، تورده الساردة على لسان الشخصية لتوحي للقارئ ما ستؤول إليه نهاية المحبين، كما أن هذه المقتطفات هي انعكاس لمشاعر المحبين في هذه البلاد، فالحب كما تراه الساردة يتأخر في هذه البلد، يلعب أفراده معه لعبة شد الحبل، يروحون ويجيئون، وعندما يسقطون في غيبوبة الحب يفيقون قبيل خط النهاية، ولم يتسنَ لهم قص الشريط، والاحتفال بشمس الحب، تقول: “إنك لا تحب حين تختار، ولا تختار حين تحب، وإننا مع القضاء والقدر حين نولد، وحين نحب، لأن الحياة، وتجديد الحياة، وفقد الحياة، هي أطوار العمر التي تملك الإنسان، ولا يملكها الإنسان.”[8]
وفي الحب تقتبس الكاتبة في رواية الملعونة من كلام جبران خليل جبران، “نالت كاميليا مباركة ناهد التي تلت عليها ما قاله جبران خليل جبران (1883م- 1931م): إذا أومأ الحب إليكم فاتبعوه، وإن كان وعر المسالك، زلق المنحدر. وإذا بسط عليكم جناحيه فأسلموا له القياد، وإن جرحكم سيفه المستور بين قوادمه. فكرت بعماد وبالسنوات التي ستفصلهما، وتخشى أن تأخذه هذه السنوات بعيدًا عنها فليس بينهما رابط أو وعد، فهي سمعت عن الكثير من العلاقات التي دامت أقواها سنة.”[9]
وفي رواية بنات الرياض تقتبس الساردة من كلام نزار القباني (1923-1998م) لترد على من اتهمها بتقليد كُتَّاب آخرين، فتقول: “هل هذه الكلمات شغل يدي؟.. إني أشك بكل من حولي.. بدفاتري.. بأصابعي.. بنزيف ألواني.. هل هذه اللوحات من عملي؟.. أم أنها لمصور ثانٍ؟ اتهمني الكثيرون بأنني أقلد طريقة بعض الأدباء في الكتابة، ولي الشرف صراحة أن أقلد كالذين ذكروا، مع أنني والله أصغر من أن أقلدهم. للأمانة، أنا أكتب بهذا الأسلوب المصرقع حبتين، حبة فوق وحبة تحت، منذ صغري، ولدي ما يثبت أن صرقعتي قديمة ومنذ مبطي دفاتر مادة التعبير المليئة بخنبقاتي عبر السنين.”[10]
وتقتبس الخميس في رواية البحريات أبيات من الشاعر دخيل الله بن مرضي، وهي قصة عشق اشتهرت كنموذج لصرعى العشق في شبه الجزيرة العربية، واستحضرت الكاتبة هذه الأبيات للاستشهاد على الشرخ الحاد الذي يفصل بين المرأة والرجل، ويخمد الفحيح الأزلي للجسد، “فيندس ذلك الهتاف السري الغامض بين تلافيف أثواب النساء يسترنه بأغطية الرأس وتنهدات تنطلق فجأة، أو صوت مجروح من الهجيني ينطلق فيقول:
يا جر قلبي جر لدن الغصون .. وغصون سدر جرها السيل جرا
على الذي مشيه يتخطر بهون .. عقب العصر بين الفريقين مرا
فتجيبها الأخرى:
يا عين هلي بأزرق الدمع هلي .. وإن كان قضى تالي الدمع هاتي سريبه
تصيح بهن أم صالح: انطموا يا مال الوجع، بيوحون أصواتكم الرجاجيل.
هتاف وصبوات ولواعج وهسيس تالي الليل، الذي تتساقط شهب النجوم فيه كأنها مهرجان رحب بجميع الزهور الجهنمية، التي صعدت من أعماق الشرخ الذي يفصل بين الرجال والحريم”. [11]
[1] – المرجع السابق، ص 72.
[2] – بيومي، مصطفى، التناص النظرية والممارسة، ص 47.
[3] – الجهني، ليلى، الفردوس اليباب ، ص 34.
[4] – ملتون، جون، الفردوس المفقود، ص49.
[5] – الجهني، ليلى، الفردوس اليباب، ص 27.
[6] – الأحيدب، ليلى، عيون الثعالب، ص78.
[7] – المرجع السابق، ص 103/104.
[8] – السليماني، سميرة، رقصة الموت في فرانكفورت، ص 12.
[9] – المضحي، أميرة، الملعونة، ص 55.
[10] – الصانع، رجاء، بنات الرياض، ص52.
[11] – الخميس، أميمة، البحريات، ص 81.
*ناقدة من السعودية
التعليقات