الأكثر مشاهدة

دائماً ما يتردد على مسامعنا الأثر الشائع: الجيل السابق أفضل من الجيل اللاحق ، وك …

بين جِيلينِ وأكثر

منذ 3 سنوات

311

0

دائماً ما يتردد على مسامعنا الأثر الشائع: الجيل السابق أفضل من الجيل اللاحق ، وكل جيلٍ جديد لا يصل إلى مكانة الجيل الذي يسبقه، وأن سلوكيات الآباء والأمهات والأجداد والجدات بكل ما فيها هي أفضل من سلوكيات الجيل الحالي بكل ما فيه، وتعبر عن ذلك بمفهومٍ جلي عبارة العصر ( جيل الطيبين ).
وقد يدعم هذه المفاهيم ويصححها الحديث الشريف في صحيح البخاري:
( خيرُ القرونِ قرْني، ثمَّ الَّذين يلونَهم, ثمَّ الَّذين يلونَهم، ثمَّ يأتي قومٌ يشهدونَ ولا يُستشهدونَ، وينذُرونَ ولا يوفونَ، ويظهرُ فيهم السِّمَنُ .. صدق رسول الله عليه الصلاة والسلام ).
وربما تلعب العاطفة دوراً كبيراً في المبالغة بتفضيل جيلٍ عن جيل مهما حصل من إنجازات أو تقدم أو اختراعات في بعض الأجيال اللاحقة.
لكن الواقع الذي لمسناه ويلمسه الناس من خلال عين الحاضر ومشاهده المتنوعة وقراءة الماضي وسلوكيات الأولين يرى أنها حقيقة في مجمل الأمر فجيل اليوم أقل من جيل الأمس في جوانب عديدة وعلى الأقل في الجانب الأخلاقي والإنساني وهذه الجوانب أهم بكثير من الجوانب الاقتصادية والعمرانية والعلمية التي تجاهلت كثيراً من القيم.
ولو وضعنا مقاييس دقيقة لحياة كل جيل وظروفه الاجتماعية والاقتصادية لوجدنا حقيقة أن الأجيال السابقة تتمتع بقدرات لا يمكن إنكارها من الصبر والجلد والقوة والفطنة ، فرضتها عليهم ظروفهم وبيئتهم.
فتطور المجتمع البشري يفرض سلوكيات جديدة في كل عصر من عصوره ويفقد الناس شيئاً فشيئاً مميزات حسية وحركية، منها التأمل وصفاء الذهن والإهتمام بمشاعر النفس البشرية، فانتقال كل مجتمع بشري من عزلته إلى مجتمع أكبر يؤدي إلى تغير في سلوك الأفراد.
فمن العصور القديمة إلى الوسطى إلى الحديثة كل عصر يفرض نمطه على أفراده، وكل عصر تتعدد فيه الأجيال التي تتأثر جيلٌ بعد جيل بالحروب والانتقال والغزوات والهجرات الفردية والجماعية.
وهذا التطور المتواصل هو ما يصنع الفرق بين كل جيل وسابقه، برغم نسبية التغير والأفضلية بين مجتمعات الأرض وفق متغيرات الحضارات وتقدم شعوب عن أخرى.
وفي العصر الحالي نجد أن الهوة اتسعت بين جيل الماضي والحاضر خصوصاً في منطقتنا العربية.
ففي الماضي لم تكن الكهرباء والضوضاء وصخب الحياة والحراك الاجتماعي الهائل وتداخل الثقافات وتحكم الآلة بدلاً من اليد، مما تسبب في تشتت الذهن وقلة المعرفة بأحوال الناس وطغاء التكنلوجيا، بصرف النظر عن التعليم والتخصصات الفردية والطب والهندسة والعلوم.
كان صفاء الذهن والتأمل والفطنة والإحساس بأحوال الناس والعاطفة والحمية الحسَنة، كلها عوامل هذبت الأجيال السابقة وجعلتها أفضل في موازين الإنسانية، وميزت الأجداد والجدات في قوتهم وذكائهم وحسن تصرفهم ونقاء سريرتهم، ولا نغفل التدرج في هذه الصفات من جيل لآخر.
وكمثال سريع يجمع بين المشهد الاقتصادي والمشهد الاجتماعي، كان الرجل إذا اشترى سلعة من شخص آخر يسأله عن الثمن ليعطيه أكثر من حقها تقديراً للبائع وقيمة السلعة، بعكس ما يحصل اليوم من بخس للثمن والجشع والطمع، هي بالتأكيد سلوكيات قديمة لكنها تختلف من جيلٍ لجيل آخر.
فالمدنية الحديثة تتبرأ من الجود والعطاء والتنازل والإنصاف والشهامة والمروءة وتتمسك بقوانين الربح والخسارة والمصالح مما انعكس على سلوك الأفراد وعلاقتهم ببعضهم البعض.

إضاءة :
بين جِيلينِ
مارَسَ الصَّوتُ رحلةَ الرَّبطِ والإلتِقاء
من صَرِيرِ بابٍ عَصِيّ
يحفظُ السِّرَّ في رُواقِ الجدُودِ
يمنعُ الضُّرَّ لكنْ ..
لم يُدِرْ قفلَهُ باتِّجَاهِ الشُّموسِ
خلفهُ دلَّـةٌ والتفافٌ وجودْ
كلُّهُ الخيرُ نستقيه من بئرِ وادٍ زرعهُ الفضلُ حينَ يؤتِي حصاده

 

*كاتب سعودي

حساب تويتر: @abalwled

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود