مقالات مشابهة

الأكثر مشاهدة

د. راضي جلال*     الشاعر لسان المجتمع والمعبر عن أفراحها وأتراحها، ولهذه الأهمية …

الشعر و الالتزام “كورونا نموذجًا”

منذ 3 سنوات

349

0

د. راضي جلال*

    الشاعر لسان المجتمع والمعبر عن أفراحها وأتراحها، ولهذه الأهمية الكبرى للشاعر؛ كان محل نظر القبيلة وتقديرها؛ لذلك كانت تقيم الاحتفالات عند ثلاثة أشياء “فرس تنتج، و ولد يولد، و شاعر ينبغ”؛ لأنه سيكون المترجم عن أحوالها، كما رأينا أن المواقف كثيرة التي برز فيها دور الشاعر مثل: لقيط بن يعمر الأيادي وكان يسمى بالنذير؛ لأنه حذر قومه من هجوم كسرى عليهم قائلاً:

  سلام في الصحيفة من لقيط    إلى من بالجزيرة من إياد

 بأن الليث كسرى قد أتاكم       فلا يشغلكم سوق النقاد 

فقام بدوره في تحذير قبيلته، ولا يقتصر دور الشاعر على التحذير بل التغني بمآثرها وتاريخها كما فعل عمرو بن كلثوم حين قال مفاخرا بقبيلته:

  ورثنا المجد قد علمت معد    نقاتل دونه حتى يبينا

 وعتابا وكلثوما جميعا         بهم نلنا تراث الأقدمينا

  وكثيرون هم الشعراء الذين نصبوا أنفسهم للدفاع عن أوطانهم ومعتقداتهم ؛ كما رأينا في شعر صدر الإسلام، حينما نافح حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحه عن الدعوة الإسلامية وصد هجمات الشعراء الذين حاولوا النيل من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وعلى امتداد مساحة الأدب العربي وعصوره نجد الكثيرين منهم ممن قاموا بالالتزام بقضايا أوطانهم خاصة العصر الحديث عندما كثرت القضايا الاجتماعية والسياسية وظهور المشكلات الكبرى مثل: قضية فلسطين، واحتلال البلاد العربية، والمنادة بالحرية والاستقلال، وقضايا الفقر والتشرد التي نقمت عن هذه الحروب، فوقف أولئك الشعراء بجانب أصحاب تلك القضايا منادين ومنددين فبرزت أسماء كثيرة من الشعراء ارتبطت مواقفهم بتلك القضايا بل ونيل منهم مثل نزار قباني ومحمود درويش وأمل دنقل وغيرهم. 

    وهذا يسمى الالتزام وهو اعتبار الكاتب فنه وسيلة لخدمة فكرة معينة عن الإنسان لا لمجرد تسلية غرضها الوحيد المتعة والجمال.

   وموضوع الالتزام لا يقتصر على القضايا الكبرى مثل الحروب والفقر والاستعمار؛ ولكن كل مجتمع وطن له همومه ومشكلاته من ذلك حينما تحدث شعراء القرن التاسع عشر في وقت ظهور الجراد أيام محمد علي باشا، فيومها كان الجراد قضية مؤرقة لها أبعادها الاقتصادية والاجتماعية، فكان الشاعر حينئذٍ ملتزمًا يعبر عمّا يؤرق وطنه.

   وفي هذه الأيام ظهرت جائحة كورونا التي حصدت أرواحا عديدة من الناس في معظم أنحاء العالم، فانبرى الشعراء إيمانًا بدورهم تجاه أقوامهم إلى تجسيد هذه الجائحة في أشعارهم كلُ حسب رؤيته الخاصة فنجد الشاعر أحمد نبوي يصور حالة الناس وعجزهم قائلا في قصيدة ” قالت نملة “:

ها هو

يغزوك وأنت بأعلى جبروتك

وبطغيانك

وبكل جموعك تزهو وعتاد زمانك

هاهو

يدخل في فيك وأنفك

من عينيك

ويصفد – مزهوا – قدميك

يصفعك على وجهك

ويكف يديك

ويطيح بعليائك أرضا

   إن الصورة التي يرسمها الشاعر لمعركة الإنسان مع الفيروس تعكس ضعفه أمام الفيروس وعجزه، وبصورة تملأها الحركة نشاهده وكأنه يصارع الإنسان يصفد قدميه ويصفعه ويشده ثم يطيح به أرضًا هازمًا كبرياءه وجبروته فما أضعف الإنسان أمام هذا الفيروس.

   ثم في سياق آخر يقول:

يا بشري

سقطت منسأتك

صرت أمام الفيروس

أصغر سكان الأرض

ذليلاً

تتوسل أن تنجو من قبضته

  يعلن الفيروس في زهو أنه استطاع أن يكسر جبروت الإنسان وأسلحته (منسأته) لدرجة أنه يستغيث منه حتى ينقذه أحد من قبضته وأصبح الإنسان ذليلاً.

  ومن عجب أن الشاعر على لسان الفيروس يبرر وجوده كمخلص ومنقذ ومحرر فيقول في قصيدة “شعارات الثورة الكورونية “:

ما ثرنا إلا تذكرة

ما كانت إلا نافذة ضد الطغيان

من حق النملة أن تحيا بأمان

من حق الهدهد

حق الحية والعفريت

وحق الطائر والحيوان

من حق الحجر

حق الشجر

وحق الجان

فالأرض لكل السكان

   إن ثورة الفيروس -في رأي الشاعر -تعتبر صرخة في وجه الطغيان والظلم لإعطاء كل حق حقه والعمل على إتاحة فرص التعايش في سلام لكل أجناس البشر وكل من على الأرض له السلام والأمان فهو ثورة اشتراكية للفقراء ضد الظلم الاجتماعي الذي تعاني خلائق الله.

   ومن مبدع آخر يرجع أسباب الجائحة إلى تركنا لأوامر الله وفساد الأخلاق فيقول: 

أيا كوفيد لا تعجل علينا

و أمهلنا نخبرك اليقينا

بأن الخائفون إذا مرضنا

بأن الجازعون إذا ابتلينا

وانا الملبسون إذا افتقرنا

وأنا الجاحدون إذا غنينا

وأنا الباخلون إذا ملكنا

وأنا الغادرون بمن يلينا

وأنا قد ظلمنا وافترينا

وشوهنا وجوه الصالحينا

  فالشاعر يرجع سبب انتشار الفيروس هو تركنا للحقوق وهضمها وكثرة ذنوبنا وعدم نصرة الضعيف والسطو على الغير وقلة شكر النعم، فهذه الأمراض الاجتماعية كانت سبباً في هجوم الفيروس علينا، ثم يعرض العلاج قائلاً:

وهذي صفعة أولى لنصحو

ونخرج من حياة الغافلينا

وإلا فالمصائب مطبقات

ونرجو الله دوماً  أن يقينا

 العبرة من هذه الجائحة هو تغافلنا وتركنا لمنهج الله وجاءت لتوقظنا ونعود لمنهجه، ولابد من التمسك بهديه فقد تكون المنحة من المحنة، فهو يؤدي دوره في تثوير همم أمته وإيقاظا، وإلا فسوف يرسل الله المصائب جائحات.

وفي موضع آخر يصف مدى تأثيره في الناس:

ألا هبي بكمام يقينا

رذاذ العاطسين وعقمينا

فنحن اليوم في قفص كبير

وكورونا يبث الرعب فينا

وأن سعل الزميل ولو مزاحًا

تفرقنا شمالًا أو يمينا

وباء حاصر الدنيا جميعًا

وفيروس أذل العالمينا

يقاتل بلا سيف ورمح

ويتركهم ضحايا ميتينا

   لقد أثارت الجائحة رعب الناس؛ فجعلتهم يتخذون الوسائل الوقائية من لبس الكمامات، والتباعد الاجتماعي، ودب الخوف بينهم فهو عدو خفي لا يرونهم ولا تظهر أسلحته وهو يحاصرهم ويقاتلهم، والصورة تعكس جوا لصورة المجتمع بعد هذا الوباء الفاتك الذي دمر حياة الناس وبدل حياتهم.

وشاعر آخر يصف حالة الناس في ظل الإجراءات الاحترازية لمواجهة الجائحة فيقول:

يا دار عبلة في الفناء تكلمي

فاليوم قد منع التجول فاعلمي

إن البقا في البيت أصبح واجبًا

لا تخرجي يا عبلتي كي تسلمي

كوفيد لا يدري بأنك عبلة

وبأن عنتر فارس لم يهزمِ

  إن الإجراءات الاحترازية التي قامت بها البلاد لاحتواء وتقليل ما ينجم عن أثر كوفيد في الناس ومنها: منع التجوال فقد عبر عنها المبدع في تأطير تراثي يهدف إلى وصف المعاناة التي يشكو منها الناس على اختلاف طوائفهم وفئاتهم حتى لوكان في قوة عنترة وفروسيته

   مما سبق ندرك أن الشعراء الثلاثة قد تجسدتهم رؤيتهم في بيان آثار الفيروس، وكذلك رصد الإجراءات الاحترازية من الحجر في البيت واستخدام الكمامات وغيرها.

   من خلال ما استعرضت من أثار الجائحة وحرص المبدعين على رصدها تؤكد أنها من ضمن شعر الالتزام الذي يعبر عن أزمة المجتمع تجاه هذه الجائحة.

 ب-التشكيل:

وظف الشعراء أدوات فنية متعددة في سبيل توصيل الرسالة للمتلقي ومن هذه الوسائل:

  • اللغة: لا شك أن اللغة هي ماعون التجارب الشعرية، والأثر المادي للفكر، ولابد أن تطابق الموضوع الذي يتحدث فيه المبدع، فاللغة التي وظفها المبدعون تتسم بالواقعية حيث استخدموا مفردات منتزعة من وحي الموضوع مثل: الفيروس – كوفيد – كمامات – التجول – العطس – السعال – عاطس – وباء) وهذا يعتبر من سمات الشعر الملتزم حيث لم يستخدموا الزخرفة اللفظية والمحسنات، وإنما لجأوا إلى الامتياح من البيئة الواقعية.
  • التناص: يعرف بأنه ترحال للنصوص، أو تشكيل نص من مجموعة نصوص سابقة عليه، وقد أفاد الشاعر أحمد نبوي من هذه التقنية في قصيدته ” قالت نملة ” حيث استدعى قصة سيدنا سيلمان مع النملة حينما قامت بتحذير قومها.
  • المعارضات: وهي قصائد ينشئها الشاعر الحديث على نفس الوزن والقافية لشاعر قديم بغرض قياس نفسه فنيا، وهي تقنية ظهرت في المدرسة الكلاسيكية مثل البارودي وأحمد شوقي وغيرهم، وقد وظف هذه التقنية في النصين الأول: وظف معلقة عمرو بن كلثوم، والأخر وظف معلقة عنترة بن شداد
  • الصورة الفنية: تعتبر الصورة الفنية أداة نقل الأحاسيس للمتلقي بتوظيف وسائل تعبيرية مجازية على الأغلب، وفي هذه النصوص نجد الصور مباشرة في الوصف لا تستخدم المجاز إلا قليلاً ، لأن الموضوع واقعي ونسبة الخيال لا تكاد تتضح إنما تكونت من الخطاب المباشر وهو من سمات الشعر الملتزم

                             

 

 

 الإحالات:

  • اعتمدت في مصادر النصوص قيد الدراسة على ما نشره المبدعون على صفحاتهم في الفيس بوك
  • صفحة الشاعر الدكتور أحمد نبوي وقصيدتيه ” قالت نملة ” وشعارات الثورة الكورنية “
  • صفحة محمد ميرزا قصيدة (ميمة عنترة)
  • صفحة فطيري الشراعي قصيدة (حال عنترة في زمن كورونا)  7/4/2020

 

*كاتب مصري

dr_k155@yahoo.com

  

  

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظه مجلة فرقد الإبداعية © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود